في ذكرى المولد النبوي (زاد واقتداء) - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 859 - عددالزوار : 118684 )           »          شرح كتاب الحج من صحيح مسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 56 - عددالزوار : 40154 )           »          التكبير لسجود التلاوة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          زكاة التمر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          صيام التطوع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          كيف تترك التدخين؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          حين تربت الآيات على القلوب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          تفسير القرآن الكريم ***متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3096 - عددالزوار : 366913 )           »          تحريم الاستعانة بغير الله تعالى فيما لا يقدر عليه إلا الله جل وعلا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          فوائد ترك التنشيف بعد الغسل والوضوء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث > ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 06-07-2020, 03:31 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,235
الدولة : Egypt
افتراضي في ذكرى المولد النبوي (زاد واقتداء)



في ذكرى المولد النبوي (زاد واقتداء)


السيد طه أحمد



الحمد لله الذى أكرم الإنسانية بميلاد خير البرية قال تعالى ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [المائدة: 15 ،16 ].

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له بعث رسوله محمداً بالحق بشيراً ونذيراً وداعياً إليه بإذنه وسراجاً منيراً فأخرج به من الظلمات إلى النور وهدى به خلقاً كثيراً قال تعالى ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا ﴾ [الفتح:28 ].

وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسله الله بالدين القويم رحمة للعالمين، فهدى من ضلالة، وعلم من جهالة، وفتح قلوب الحيارى، وربى أصحابا أطهارا نصروا هذا الدين ورفعوا لوائه فى العالمين.

وهو سيد ولد آدم، وخير من دبَّ على الثرى، وهو الأسوة، كان يجلس على الأرض، ويأكل على الأرض، ويَعْتَقِل الشَّاة، ويُجِيب دعوة المملوك، ويركب الحمار، ويقول:" إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد" ويقف بين يديه رجل يرعد كما تَرْعَد السَّعفة فيقول: "هوِّن عليك؛ فإنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد " يمر بالصبيان فيسلم عليهم. فاللهم صلى الله عليه وعلى آله، وأصحابه، وسلم تسليما كثيرا..

أما بعد: فيا أيها المؤمنون..
(تمهيد)
يعد يوم ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم أسعد يوم في تاريخ البشرية؛ لأنها كانت في طريق الانتحار، فقد نسى الإنسان خالقه فنسى نفسه ومصيره، وفقد رشده ورسالته التي خلق من أجلها، ومن ثم استمرأت البشرية حياة الوثنية، وسيطرت عليها مظاهر الجهالة والضلالة، والفساد، وفقدت الرسالات السماوية التى جاءت للناس من قبل مهمتها وتأثيرها، فقد طرأ عليها أيدي أتباعها التحريف والتغير، وتسربت إليها مفاهيم العنصرية والوثنية، فلم تعد خالصة للهداية والإصلاح.

وكان إنقاذ البشرية مما تردت فيه وإخراجها من الظلمات إلى النور لا يستطيع أن ينهض به زعيم أو مصلح، لأن الفساد الذي هيمن على المشاعر والضمائر فأهدر كرامة الإنسان، وجعل الناس كوحوش الغابة، يفتك الأقوياء والضعفاء دون أن يردعهم رادع من دين، أو يزجرهم من خلق لا يمكن لبشر عادى مهما تكن طاقاته الفكرية، وتوجهاته الإنسانية أن يتصدى له ويقضى عليه.

لقد كان العالم قبل مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حاجة ماسة إلى نبى يرسله الله بعقيدة يقتلع بها جذور الفساد، ويستأصل شآفة الوثنية ويرسخ عقيدة التوحيد فى أعماق النفس؛ لتولد من جديد ولادة تسلك بها طريق السعادة فى الدنيا والآخرة. واليوم تهل علينا ذكرى ميلاد النورالهادى محمد صلى الله عليه وسلم لتضئ لنا طريق الأمل من جديد، كما أضاءته للعالم من قبل. وحديثنا عن هذه الذكرى من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية:
1- فضل النبي صلى الله عليه وسلم.
2- مهمة النبي صلى الله عليه وسلم.
3- واجبنا تجاه النبي صلى الله عليه وسلم.
4- الخاتمة.

العنصر الأول: فضل النبي صلى الله عليه وسلم:
اعلموا أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم حقًّا في طاعته، فهو أسوة لكل المسلمين، فبكرامته وشرف منزلته عند الله عز وجل كنا خير أمة أخرجت للناس، فهو رسول رحيم بنا، توّج الله به الزمان وختم به الأديان، قضى كل وقته يدعو أمته إلى الهداية، ذلكم هو نبي هذه الأمة صاحب اللواء المعقود والحوض المورود الذي أخبرنا عن فضله وفضل أمّته، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما نبي يومئذ من آدم فمن سواه إلا تحت لوائي، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر، وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر) أخرجه مسلم.

كما أخبرنا أيضا صلى الله عليه وسلم (بأنه أول من يؤذن له بالسجود يوم القيامة، وأول نبي يقضى بين أمته يوم القيامة، وأولهم جوازا على الصراط بأمته، وأول من يدخل الجنة بأمته، وهو الذي يشفع في رفع درجات أقوام في الجنة لا تبلغها أعمالهم، ويشفع في أقوام قد أمر بهم إلى النار فيخرجهم منها).

نبيّ بهذه الصفات وبذه المنزلة لجدير أن يقدَّم قوله على كلّ مخلوق، وأن يجعل حبّه فوق حبّ النفس والمال والولد، وأن تجنّد النفوس والأموال لنصرة شريعته ونشرها بين الناس كما فعل السلف الصالح.

العنصر الثاني: مهمة النبي صلى الله عليه وسلم:
لقد اصطفى الله تعالى رسله للقيام بوظائف محددة باعتبارهم سفراء الله تعالى إلى عباده وحملة وحيه وتتمثل هذه الوظائف في الأتي:
أولا: البلاغ المبين:
وهذه الوظيفة بالضرورة هي المهمة الأساسية للرسل إذ ما بعثهم الله تعالى إلا لإبلاغ الناس ما نزل إليهم من ربهم وقد جاء في القرآن الكريم ثلاث عشرة أية تنص على أن مهمة الرسول إنما هي (البلاغ) وقال الله تعالى آمرا رسوله صلى الله عليه وسلم: ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ۖ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ المائدة: 67].

والبلاغ يحتاج إلى الشجاعة وعدم الخوف من الناس لأن الرسول يأتي بما يخالف أهواء الناس ويهدد مركز قادتهم وكبراءهم المسيطرون على الناس بالباطل ويأمرهم بما يستنكرون ويكرهون لأنه خلاف ما اعتادوه.

لذلك امتدح الله تعالى رسله قائلا: ﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا ﴾ الأحزاب.

والرسول في بلاغه لرسالات الله تعالى مؤتمن في أدائه فلا يزيد فبها ولا ينقص منها ولو كان الأمر متعلقا به شخصيا وأوضح مثال على ذلك ما تكرر في القرآن الكريم من عتاب للنبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من موقف من ذلك حين أعرض عن عبد الله ابن أم مكتوم الأعمى الذي جاءه يسأله في أمور دينه فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم منشغلا بدعوة بعض كبراء قريش فعاتبه الله تعالى في ذلك بقوله: ﴿ عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَىٰ ﴾.

ثانيا: دعوة الناس إلى الدين الحق ببيان ما يجب عليهم: وهذه الوظيفة تعد من كمال البلاغ لذلك قال الله تعالى: ﴿ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴾ [العنكبوت: 18].

لأنه الذي يبين للناس الحق من الباطل ويدعوهم لاتباع الحق، وأعظم الحقائق التي دعت إليها الرسل جميعا:
توحيد الله تعالى و إفراده بالخلق والملك والتدبير والعبادة قال الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ۖ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ۚ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾ [النحل:36].

وقال الله تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾. وقد ذكر الله تعالى أن الرسل قالوا لأقوامهم: ﴿ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ ﴾ الأعراف.

كما أن الرسل عليهم السلام يقومون بتعريف الناس بإلههم الواحد الأحد وصفاته وقد جاء ذلك في القرآن الكريم بأوجز عبارة في سورة الإخلاص قال الله تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ ﴾ ويقوم الرسل بتصحيح كل ما يخالف هذا الاعتقاد في الله تعالى مثل جعل شريك له في ملكه أو خلقه أو عبادته أو جعل صاحبة له أو جعل ولد له أو نسبة البنات إليه فقد قال المسيح عيسى بن مريم عليه السلام لقومه: ﴿ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۖ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾ [المائدة: 72].

ولما طلب قوم موسى منه أن يجعل لهم إلها مثل الآلهة الصنمية التي رأوها عند المشركين قال الله تعالى حكاية عنه في ذلك: ﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَهُمْ ۚ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ۚ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ * إِنَّ هَٰؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَٰهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [الأعراف:138،140].

وإضافة إلى ذلك فإن الرسل يقومون بتعليم الناس شئون عباداتهم وشعائرهم من صلاة وصيام وحج وزكاة وأحكام هذه العبادات مع التطبيق العملي النموذجي من الرسول كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلى) أخرجه البخاري. وقال صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع التي مات بعدها: (يا أيها الناس خذوا عني مناسككم فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا) رَوَاهُ أَحْمَدُ ومُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ. ولا يقتصر الأمر على تطبيق الشعائر فقط بل يدعوهم إلى اتباعه وتطبيق جميع ما انزل الله تعالى إليهم دون أن يجعلوا شيئا من تشريعاتهم لغير الله تعالى قال الله تعالى: ﴿ اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۗ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ الأعراف.

ثم إن الرسل في جميع ما يدعون الناس إليه يمثلون القدوة الحسنة والمثال المحتذى فهم يلتزمون بكل ما يأمرون الناس به ويجعلونه سلوكا عاما لهم في حياتهم لذلك قال الله تعالى بعد أن سرد سيرة كثير من الأنبياء في القرآن الكريم قال مخاطبا رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ۗ ﴾ الأنعام.

وقال مخاطبا أمة محمد صلى الله عليه وسلم والناس أجمعين: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ الأحزاب.

ثالثا: التبشير والإنذار:
إن الحياة الدنيا دار عمل ومزرعة للآخرة وقد أرسل الله تعالى رسله وأنزل معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وقد بين الله تعالى أنه ما خلق الجن والإنس إلا لعبادته قال الله تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ الذاريات. ولما أنزل الله تعالى آدم عليه السلام إلى الأرض هو وإبليس قال الله تعالى: ﴿ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَىٰ ﴾ طه.

فلما كانت الغاية الأساسية من وجود الإنسان في حياته الدنيا هي طاعة أوامر الله تعالى واجتناب نواهيه وكانت رسل الله تعالى هي المبينة لتلك الأحكام والمبلغة عن الله تعالى لزم أن تكون من مهام الرسل الكرام عليهم السلام مهمة التبشير لمن اتبع أوامر الله تعالى بالفوز الكبير في الدنيا والآخرة والإنذار لمن خالف أوامره بالوعيد الشديد والعذاب الأليم في الآخرة حتى تقوم الحجة على الناس كما قال الله تعالى: ﴿ رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ النساء. وهذه الوظيفة تقتضيها حكمة الله تعالى وكمال عدله ولطفه بعباده إذ إنه لا يتركهم سدي حتى يبين لهم ما يتقون فلا يؤخذون على حين غرة وغفلة بل كما قال الله تعالى: ﴿ لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ الأنفال. ومن كمال رحمته وعدله أنه تكفل ببيان صنوف النعيم وألوان المتع التي أعدها لعباده المؤمنين كما بين أنواع العذاب المهلك التي أعدها للمجرمين الكافرين.

رابعا: تقويم الفكر المنحرف والعقائد الزائفة:
لقد خلق الله تعالى عباده حنفاء ولكن جاءتهم الشياطين فاجتالتهم وانحرفوا عن الفطرة السليمة التي كانوا عليها ولا تزال شياطين الجن والإنس يزينون لهم الباطل ويثيرون فيهم الشبه والضلالات ولأجل ذلك يرسل الله تعالى رحمة منه رسله كلما زاغ الناس عن الطريق المستقيم قال الله تعالى: ﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ﴾ البقرة. أي كان الناس أمة واحدة على التوحيد والإيمان وعبادة الله تعالى وحده فاختلفوا فأرسل الله تعالى النبيين مبشرين ومنذرين.

ودعوة الرسل جميعا تقوم على التوحيد الخالص لله تعالى إلا أن كل رسول يختص بتقويم الانحراف الحادث في عصره وموطنه ذلك أن الانحراف على الصراط المستقيم يختلف باختلاف ظروف الزمان والمكان.

فنوح عليه السلام أنكر على قومه عبادة الأصنام التي كانت عامة فيهم، وكذلك إبراهيم عليه السلام إضافة إلى أنه أنكر على قومه الاستعلاء في الأرض والتجبر فيها. وصالح عليه السلام أنكر على قومه الفساد في الأرض واتباع المفسدين.

ولوط عليه السلام حارب الشذوذ الجنسي المتفشي في قومه.

وشعيب عليه السلام قاوم جريمة الافساد الاقتصادي المتمثل في تطفيف المكيال والميزان.

وموسى عليه السلام وقف في وجه النزعة المادية التي انحرف إليها بنوا إسرائيل.

ولما كان سيدنا محمدُ صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين فقد جاءت رسالته عامة شاملة لكل أسس التقويم والهداية التي جاءت في الكتب السماوية وزائدة عليها حتى تكون صالحة لكل زمان ومكان كما قال الله تعالى: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾ المائدة.

وقد جاءت رسالة الإسلام – حتى تناسب ختم الرسالات – جاءت مرنة تصلح لكل زمان ومكان وبيان ذلك أن العقائد والعبادات في الإسلام جاءت بها نصوص قطعية مفصلة ثابتة لا تقبل التبديل ولا التعديل لأن العقائد والعبادات في ذاتها لا تتبدل بتبدل الزمان ولا تختلف باختلاف الأعراف كما أن هيئات العبادات مناسبة لكل البشر في جميع العصور.

واقتضت حكمة الله تعالى ختم الرسالات بالإسلام كما قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 85].

وقال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾. المائدة.

خامسا: تدبير شئون الأمة عامة وسياسة أمرها:
إن المؤمنين بالرسل يكونون أمة ولا يستقيم لهذه الأمة أمر إلا أن تكون تحت إمرة قائد تدين له بالطاعة وتوكل إليه تدبير شئونها ورعاية مصالحها وتحقيق غاياتها وأهدافها ولما كان الرسول هو رمز الأمة وهاديها في شئون دينها إلى ربها لزم أن يكون قائدها في شئون دنياها حتى لا تنفصم عراها وتوهن قواها بالصراع الموهوم بين السلطة الدينية والسلطة السياسية فالرسول يؤسس شئون الأمة جميعا بهدى من الكتاب المنير كما قال الله تعالى لداود عليه السلام: ﴿ يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ﴾ ص. وقال الله تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ ﴾ المائدة.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي قام نبي) وقال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ ﴾ المائدة.

والأنبياء في سياستهم هذه يمتازون بالأتي:
1- أنهم لا يعبرون بمواقفهم وسياستهم عن أهوائهم وتصوراتهم الخاصة بل هم في ذلك منقادون لوحي الله تعالى العليم الخبير بشئون عباده قال الله تعالى: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ ﴾ النجم.

وقال الله تعالى: ﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ المائدة.
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 122.24 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 120.51 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.41%)]