|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() عقاب الكافرين يوم القيامة سجاد أحمد بن محمد أفضل لقد أخبرنا المولى عز وجل في كتابه الكريم وعلى لسان الرسول صلى الله عليه وسلم بأن النار هي مثوى الكافرين بالله والمستكبرين عن طاعته وعبادته وأنها منازل دركات تتناسب مع مستوى الإجرام والمعصية بمقتضى العدل الإلهي. والقرآن الكريم قد أكثر من ذكر النار وأوصافها وبيان ما فيها من ألوان العذاب وأشكاله حتى لا تكاد تخلو سورة من سور القرآن من الحديث عن العقاب الذي سوف يصيب الكفار والعصاة في النار. ولقد فصل الله تعالى في كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه أهوال النار وعذاب أهلها وما يقاسون فيها من شدة العذاب في كثير من الآيات. يخبرنا الله تعالى في كثير من الآيات بأن النار مثوى الكفار والعصاة والمتكبرين وإليها مآلهم ومرجعهم كما في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا * لِلطَّاغِينَ مَآَبًا * لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا ﴾ [1]، وقال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ ﴾[2]، أي قرارهم فيها وبئس المقر جهنم وقال تعالى: ﴿ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾[3]. والله عز وجل جعل النار دركات، كما جعل الجنة درجات، جعلها دركات مختلفة في الجحيم والعذاب، فمنها: سقر، قال تعالى: ﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ ﴾[4]. ومنها الحطمة، قال تعالى: ﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ * إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ ﴾[5]. ومنها لظى، قال تعالى: ﴿ كَلَّا إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِلشَّوَى * تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى * وَجَمَعَ فَأَوْعَى ﴾[6]، ومنها الهاوية، قال تعالى: ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ ﴾[7]. ومنها جهنم، قال تعالى: ﴿ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾[8]. وكل اسم من هذه الأسماء فيه ترعيب وترهيب وتخويف يقشعر منه القلب ويهتز لسماعه الفؤاد ويذوب منه الشعور والوجدان. وذلك لتخويف الطغاة والكفار. وأخبرنا الله تعالى بأن لها سبعة أبواب، يدخل منها أصحاب السيئات على قدر سيئاتهم، وكل إنسان عاص يدخل من باب بحسب عمله قال تعالى: ﴿ لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ﴾[9] وقال قتادة «وهي والله منازل بأعمالهم»[10]، فإذا استقر أهل النار فيها كل في دركه الذي يناسب عمله وكسبه، ذاقوا حرها ونالوا بالها وقاسوا شدتها ونكالها. النعم وألوان الخير التي يحرم منها أهل النار: ولقد أخبرنا الله تعالى في القرآن الكريم عن النعم وألوان الخير التي يسلبها الله تعالى ويحرمها على أهل النار. منها حبوط أعمالهم: قال تعالى: ﴿ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾[11]، كما قال تعالى: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ﴾[12]، وحبوط الأعمال أي ذهاب أثرها وثوابها. ومنها يأسهم من رحمة الله تعالى: يقول الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾[13]، أي يئسوا من ثواب الآخرة ونعيمها. كما تسلب منهم نعمة مغفرة الذنوب: كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا ﴾[14]، كما أن الله تعالى لا ينظر إلهيهم ولا يزكيهم يقول الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾[15]. كما يحرمون من النور يوم القيامة يقول الله تعالى: ﴿ يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آَمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ﴾[16]، فعندما يفشى الناس يوم القيامة ظلمة شديدة يعطى الله المؤمن نورا يستضيء به ويترك الكافر والمنافق فلا يعطيان شيئا. وهو المثل الذي ضربه الله في سورة النور بقوله: ﴿ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ﴾[17]. فهذا مثل ضربه الله للكافر يوم القيامة حيث يكون في ظلمات متراكمة ويحرم من نور الله بسبب أعماله. بل يحرمون من كل ما يشتهون يقول الله تعالى: ﴿ وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ﴾ [18]، فإنه يحال بينهم وبين شهواتهم في الدنيا وبين ما طلبوه في الآخرة فمنعوا منه. والقرآن الكريم مليء بالآيات التي تخبر وتنذر الكافرون والعصاة والمذنبين بما يصيبهم يوم القيامة من حرمان وخزى وخسران وغير ذلك. ما يصيب أهل النار من عقوبات الذل والهوان: فالقرآن الكريم يحدثنا عن الكفار أنهم يأتون يوم القيامة ذليلين ناكسي رؤوسهم، يقول تعالى: ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ ﴾[19]، كما يقول تعالى: ﴿ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ﴾[20]، كما يأتون سود الوجوه تعلوا وجوهم الغبرة والقترة يقول تعالى: ﴿ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ * وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾[21]. عابسة كالحة يقول تعالى: ﴿ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ ﴾[22]، تعلوها الظلمة والغبار. يقول تعالى: ﴿ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ ﴾[23]. كما أن الكافر إذا واجه أعماله السيئة يوم القيامة أصابته الحسرة والندامة وتمنى أن يباعد الله بينه وبين أعماله يقول تعالى: ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾[24]. وعندئذ يدعون على أنفسهم بالويل والهلاك كما يخبرنا الله تعالى في قوله تعالى: ﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾[25]، كما يقول تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا ﴾[26]، أي عندما يشاهد أعماله حاضرة لديه معروضة عليه صغيرها وكبيرها، فمن شدة ما يلقى من العذاب ومن هول ما يرى ويبصر يتمنى أن يكون جمادا لم يصب حظاً من الحياة. ويغشاهم الخزي والعار يقول تعالى: ﴿ وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ ﴾[27]. ولسوف يعرضون أمام ربهم ويراهم الأشهاد ويشيرون إليهم باحتقار وسخرية. وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾[28]. بل الأمر أشد وأفظع عليهم عندما يرون أن أبدانهم وحواسهم يشهدون عليهم يقول تعالى: ﴿ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾[29]. ويزيد همهم وغمهم عندما تنقطع الروابط والعلائق التي كانت تربطهم بأتباعهم أو بساداتهم، قال تعالى: ﴿ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ ﴾[30]، وعند ذلك يعضون على أصابعهم ندامة وحسرة. يقول الله تعالى: ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ﴾. وغير ذلك من الآيات القرآن الكريم. تحيتهم بالتهكم والاستهزاء: عندما يدخل الكفار والطغاة النار تسألهم خزنتها سؤال تقريع وتوبيخ. يخبرنا الله تعالى بذلك في قوله تعالى: ﴿ وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ * قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ﴾[31] يقول أبي سعود: أي سيقوا إليها بالعنف والإهانة افواجاً متفرقة بعضها في أثر بعض مترتبة حسب ترتب طبقاتهم في الضلالة والشرارة[32]. ويقول ابن كثير: أي بمجرد وصولهم إليها فتحت لهم أبوابها سريعا لتعجل لهم العقوبة[33]. وهكذا يساق الأشقياء والكفرة والمنافقون إلى النار سوقاً عنيفاً بزجر وتهديد يدفعون دفعا إليها مع توبيخهم وتقريعهم كما يقول الله تعالى: ﴿ يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا * هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ * أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ * اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ ﴾[34]، أي يدفعون إلى النار دفعا وتقول لهم الزبانية تقريعا وتوبيخا، ﴿ أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ ﴾[35]، أي اجخلوها دخول من تغمره من جميه جهاته: ﴿ اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾[36]، أي سواء صبرتم على عذابها ونكالها أم لم تصبروا لا محيد لكم عنها ولا خلاص لكم منها ﴿ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ أي ولا يظلم الله أحدا بل يجازي كلا بعمله. طعام أهل النار وشرابهم: لقد صور القرآن الكريم طعام أهل النار بعبارات مختلفة تشير إلى بشاعته وشدته ما ينفر منه الطبع. فقال تعالى: ﴿ إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ ﴾[37]، فشجرة الزقوم المشهورة بمراراتها هي طعام الكفار في جهنم ولقد وصف الله شجرة الزقوم وصفاً مرعباً بقوله: ﴿ أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ * إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ * إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ * فَإِنَّهُمْ لَآَكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ ﴾[38]. وليس أدل على قبح منظرها وبشاعة صورتها من قوله تعالى: ﴿ وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا ﴾[39] قال ابن عباس رضي الله عنه: ينشب في الحلق فلا يدخل ولا يخرج. كما وصف الله تعالى بقوله: ﴿ وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ ﴾[40]. فكل ما ذكره الله تعالى من طعام وأكل الكفار في النار يدل على مدى بشاعته وكراهته وقبحه، مما ينفر النفوس منه ويجعلها تطلب كل وسيلة للفرار والبعد منه. أما شراب أهل النار فقد ذكر الله تعالى في القرآن صوره بأنه يقطع الأمعاء ويذيب الأحشاء. قال تعالى: ﴿ لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا * إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا ﴾[41]. قال أبي سعود: أخبر عنهم بأنهم لا يذوقون فيها شيئا ما من يرد وروح ينفس عنهم حر النار، ولا شراب يسكن من عطشهم ولكن يذوقون فيها حميما وغساقا. والغساق ما يسيل من صديدهم[42]. ووصف الله تعالى هذا الطعام أيضاً بقوله تعالى: ﴿ وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ * لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ ﴾[43]، قال القرطبي: والغسلين هو صديد أهل النار السائل من جروحهم وفروجهم[44]. فكل ما ذكره الله من أوصاف شراب أهل النار يفيد أنه حار شديد الحرارة تذوب منه الأمعاء وتفتت منه الأعضاء فقد وصفه الله تعالى بقوله: ﴿ تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آَنِيَةٍ ﴾[45]. قال الإمام الشوكاني: والمراد بالعين الآنية: المتناهية في الحر. ثم ذكر قول الواحدي بأنه قال: قال المفسرون لو وقعت منها نطفة على جبال الدنيا لذابت[46]. فهذا هو طعامهم إذا جاعوا، فإذا أ:لوا منها التهبت أكبادهم عطشاً، وإن يستغيثوا يغاثو بماء كالمهل يشي وجوههم حتى تتساقط لحومها، فإذا شربوه على كره وضرورة قطع أمعاءهم، ومزَّق جلودهم، وهذا شرابهم كالمهل في حرارته، وكالصديد في نتنه وخبثه، يضطر شاربه إلى شربه اضطراراً، يتجرعه ولا يكاد يسيغه، ويأتيه الموت من كل مكان، وما هو بميت، ومن ورائه عذاب غليظ. ضرب الوجوه وسوادها: إن أكرم ما في الإنسان وجهه، ولذلك نهانا الرسول صلى الله عليه وسلم عن ضرب الوجه، ومن إهانة الله لأهل النار أنهم يحشرون في يوم القيامة على وجوههم عمياً وصما وبكماً ﴿ وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا ﴾[47]، ويلقون في النار على وجوههم ﴿ وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾[48]. وتلفح النار وجوههم وتغشاها أبداً، لا يجدون حائلا بينهم وبينها ﴿ لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ ﴾[49]، ﴿ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ﴾[50]، ﴿ سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ ﴾[51]، ﴿ أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾[52]، ﴿ يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا ﴾[53]، وهكذا يقلب الله تعال وجوههم في النار. ثم يسحب الكفار في النار على وجوههم ﴿ إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ * يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ ﴾[54]. ويزيد من آلامهم لما يسود الله في الدار الآخرة وجوه أهل النار ﴿ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ﴾[55]، وهو سواد شديد، كأنما حلت ظلمة الليل في وجوههم ﴿ وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾[56]. العذاب يحيط بجميع أجزاء الجسد: فقد أخبرنا الله تعالى في آيات كثيرة بهول ما يصيب الكافر والعاصي في النار فبين أن العذاب يغشاه من رأسه إلى قدميه لا يترك جزئية من جزئيات جسمه إلا أصابها. فالعذاب يصب من فوق رءوسهم كما يقول تعالى: ﴿ ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ ﴾[57] ويصيب وجوهم كما قال تعالى: ﴿ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ ﴾[58]، بل أن العذاب يصيب جباهم وجنودهم وظهورهم كما في قوله تعالى: ﴿ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ﴾[59]، بل يغطيهم العذاب من جميع مناحي أجسامهم يقول تعالى: ﴿ يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾[60]، كما قال تعالى: ﴿ لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ ﴾[61]، فالنار تغشاهم وتغطيهم من سائر جهاهتهم وهذا أبلغ في العذاب الحسي. وكلما احترقت جلود الكفار كلما احترقت وزالت من النار يقول تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾[62]. فكلما أكلت النار جلود الكفار أبدلهم الله تعالى جلوداً غيرها كي يستمر الألم بلا انقطاع ويذوقوا العذاب الأليم بدون توقف. وبالجملة فإن عذاب جهنم وشدته يحيط بالكافرين والمجرمين من جميع الجهات فيعذبون ظاهراً وباطناً يشملهم العذاب من كل جوانب كما يقول تعالى ﴿ لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ﴾[63]. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |