معالم في العيش المشترك - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 859 - عددالزوار : 118540 )           »          شرح كتاب الحج من صحيح مسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 56 - عددالزوار : 40134 )           »          التكبير لسجود التلاوة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          زكاة التمر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          صيام التطوع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          كيف تترك التدخين؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          حين تربت الآيات على القلوب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          تفسير القرآن الكريم ***متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3096 - عددالزوار : 366799 )           »          تحريم الاستعانة بغير الله تعالى فيما لا يقدر عليه إلا الله جل وعلا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          فوائد ترك التنشيف بعد الغسل والوضوء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 26-06-2020, 05:41 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,235
الدولة : Egypt
افتراضي معالم في العيش المشترك

معالم في العيش المشترك


عبدالعزيز كحيل



العيش المشترك ابتلاء كبير؛ {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ} [الفرقان: 20]، هكذا هي الحياة في البيت والمدرسة والوظيفة، وأثناء السَّفر وحتى في السجن، لا يُمكن لأحد أن يعيش وَفْقَ مزاجه وشروطه، وإنَّما يلزمه التنازل عن بعضها والتَّأقلم مع أمزجة غيره وأفكارهم وميولهم، وتكمُن النَّزعة العدوانية في عدم تقبُّل هذه الحقيقة النفسية والاجتماعية، فيحدث التصادم والرغبة في الانفراد في تسيير الحياة من أبسط أشكالها إلى أكثرها تعقيدًا؛ لذلك يحتاج العيش المشترك إلى فن متقن يتجاوز التسامح - الَّذي يحتل مكانة هامة في شبكة العلاقات الاجتماعيَّة - إلى فهم الآخر والثِّقة به وتبادل الاحترام معه، وهذا لا يُمكن أن يتم إلاَّ بخطوة أساسية أولى هي التعارف؛ {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات: 13]؛ أي: الإصغاء إلى الآخر وفَهْم كلامه أو مذهبه، أو رؤيته للحياة بكل جوانبها، فلا أضرَّ على التعايش من الأحكام المتسرعة والنَّظرة السطحية، والأفكار السابقة الَّتي كثيرًا ما تسيِّرنا رغم إنكارنا النظري لها.



إنَّنا ملزمون دينيًّا وأخلاقيًّا واجتماعيًّا بالتعرُّف على الجيران والزُّملاء ونحوهم، وهذا يَحتاج إلى بذل جهد كبير للتنازُل عن المقاييس الخاطئة، وتلمُّس مواطن الاتفاق لاستثمار علاقاتنا في سبيل ترقية الحياة المشتركة، ولا مناصَ من الإقرار بحاجتنا الملحَّة - نحن العرب والمسلمين - إلى ثقافة جديدة - أو تجديد ثقافتنا الأصيلة - تؤصِّل للتعايُش في مجتمع تعدُّدي من حيث الآراءُ والأجناس والاتِّجاهات الفكريَّة، وحتَّى الدينيَّة، بحيث نصبح نستسيغ اختلاف التنوع، وننعتق من اختلاف التضاد إلاَّ فيما يتصل بقضيَّة الولاء والبراء، ويجب الاعتراف أن هذا يمثل تحديًا كبيرًا لأمة درجت على الاستبداد السياسي والفكري، وهيمنة الأحادية على مسيرتها منذ زمن بعيد، حتّى صار كل واحد متخندقًا داخل ذاته - سواء كان فردًا أم جماعةً أم حزبًا أم قوميَّةً أم مذهبًا إسلاميًّا - يؤمن بلون واحد، رَغْم أن جميع الألوان جميلة.

ويكفي أنْ نلاحظ أن بستانًا من أزهار مختلفة أفضل من بستان فيه نوع واحد من الأزهار، ولو كان وردًا أحمر أو أزرق أو أصفر، فالانفتاح على الآخرين وثقافتهم وقيمهم شيء إيجابي بالمقاييس الشرعيَّة والإنسانية، والانفتاح غير الذوبان كما يتخوَّف كثيرون.

إن الثقافة الجديدة أو المتجددة المطلوبة تعني إعادة النَّظر في كيفيَّة رؤية الآخرين، ورؤية أنفسنا؛ لتتقلَّص مسافة التباعد بيننا من غير أنْ نتنازل عن قِيَمنا ومبادئنا فضلاً عن ديننا؛ أي: لا بُدَّ من اكتشاف مساحة القواسم المشتركة الَّتي يمكن أن نتحرك فيها كمسلمين أو كمواطنين أو كبشر، فهذه الثقافة تخرجنا من ظلمة التعميم إلى نور التفصيل، ومن سهولة الاتهام إلى ضرورة بذل الجهد المناسب للإجابة عن أسئلة الآخرين، ولو كانت محرجةً، وقد علَّمنا الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - الإصغاء لرؤوس الشرك وعدم مقاطعة كلامهم ثم الإجابة على ما أثاروه، فإن لم يُجب هو - عليه الصلاة والسلام - تولَّى الله الردَّ في قرآنٍ يُتلى إلى يوم القِيَامة، يورد الشبهات والأباطيل ويجلِّي الحقائق، ويقرُّ ما كان حقًّا؛ {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران: 75].

وورد في الأثر: ((إنَّما بعثت لأتَمِّم مكارم الأخلاق))، فلم يتمحض الإسلام للهدم، وإنَّما أبقى ما كان صالحًا من الأخلاق والقيم والشرائع؛ لتمتدَّ مساحة العلاقات السليمة اللاَّزمة للعيش المشترك، والَّذي لا ينبغي أن يغيب عن الذهن حتَّى لا يحدث خلل في الفهم.

إنَّ الإسلام بقدر ما يدعو إلى التميُّز والثبات على معتقداته، رغم ما قد يعتري ذلك من عنت ولأواء، فإنَّه يدعو إلى الإسهام في الحياة الإنسانيَّة من خلال جملة من القيم المشتركة، مثل: حب الخير للناس، ومساعدتهم، واحترام الغير، وبسط سلطان العدل والمساواة والحريَّة، وهذا ما تنطق به آيُ القرآن الكريم، وتطفح به سيرة الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - والخلافة الراشدة والعصور الذهبية لحضارتنا، وكل ما سبق يفترض مسلَّمةً هي احترامُ الاختلاف "وهو - مرَّة أخرى - شيء آخر غير الذوبان في الغير، أو تسويغ الانحراف والخطأ والباطل"، وهذا يقتضي التحلِّي بخصلتين هما حجر الأساس وقطب الرَّحى: النقد الذَّاتي والتواضُع.

فالنقد الذاتي - وهو ما نعبِّر عنه بمحاسبة النفس - يبرز أخطاءَ الذات، بدل التركيز على أخطاء الغير، وهو صمام أمان أمام الغرور وتزكية النفس، والتمادي في الطريق غير السليم.

أمَّا التواضع، فهو إفساح للمجال أمام آراء واتِّجاهات ومواقف قد تكون أفضل مِمَّا نظن، كما أنَّه وقوف بالنفس عند حدود الأدب مع الناس الَّذين كرمهم الله لذواتهم وعدم احتقارهم، ولا معاملاتهم بزَهْو وفوقيَّة.

ويؤدِّي اجتماع هاتين الخصلتين إلى سلوكٍ غاية في الأهمِّيَّة، هو التحلِّي بالمرونة بدل الحديَّة، وذلك يتيح فرص البناء بدل الهدم، والجمع بدل التفريق، والدعوة بدل القضاء؛ لأنَّنا - شئنا أم أَبَيْنا - نتقدَّم معًا أو نتأخَّر معًا، بحكم انتمائنا لبلد واحد، أو أمَّة واحدة، أو إنسانيَّة واحدة، فلا مجال إذًا للتصلُّب في غير محلِّه، ولا التمسُّك بعقليَّة الضحية الَّتي تجعلنا نرى الأعداء في كل مكان، فلا نكاد نبصر صديقًا أو مسالمًا.

وخلافًا لما يُؤمن به كثير منَّا، فإن الإسلام - أي: القرآن والسنَّة لا بعض الفهوم البشرية الجزئيَّة - لا يجعل الالتزام بأحكامه وآدابه مُقترنًا بالتقوقُع، والتعالي، والانقطاع السلبي عن الآخرين، وإنَّما يدخل الالتزام إلى مَحك الاختبار من خلال النِّقاش والحوار؛ حتَّى تعلوَ حجَّته، ويستبين الحق، فإنْ كان هناك ضعف، فهو ليس في الدين، وإنَّما في آليَّاتنا أو فهومنا، فيَجب الرُّجوع إلى الذَّات والتصحيح والتجديد، ولهذا نقدِّم خدمةً كبيرة لأنفسنا إذا أكببنا على دراسة تاريخ الآخرين ونفسياتِهم وثقافتهم ومؤسَّساتِهم، فإنَّه سيمدُّنا بنماذج جيِّدة، ويعرِّفنا بأخرى سيئة، ويفسح لنا مجالاً للالتقاء بشرط أنْ نُميِّز بوضوح بين المشاكل الاجتماعيَّة والميدان الدِّيني، فهذا الأخير سمته الخصوصية، فأمَّا الأخرى، فيُمكن التعاون لدراستها وحلِّها؛ أي: يَجب أن نتجنَّب التكييف العقدي للخلاف إلاَّ ما كان دينيًّا محضًا.

هذه المعاني تدعو إلى أنْ يكون حضورنا - نحن المسلمين - حضورًا إيجابيًّا وثريًّا وتساهميًّا - كما يقول الدكتور عبدالكريم بكار - خاصَّة في تعاملنا مع العولمة والأخلاق ومعنى الحياة في العصر الحديث.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 66.05 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 64.33 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (2.60%)]