|
ملتقى الحج والعمرة ملتقى يختص بمناسك واحكام الحج والعمرة , من آداب وأدعية وزيارة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() حكم اشتراط المحرم في حج المرأة وأثره في الفقه الإسلامي 3 د.عبود بن علي بن درع المبحث الثاني حكم اشتراط المحرم في حج المرأة وفيه المطالب التالية: المطلب الأول: حكم اشتراط المحرم في حج المرأة. المطلب الثاني: حكم سفر المرأة للحج في الطائرة دون محرم. المطلب الثالث: حكم حج الخادمة دون محرم. المطلب الأول حكم اشتراط المحرم في حج المرأة قبل الخوض في غمار هذه المسألة لا بدّ من تحرير محلّ النزاع فيها: أولاً :اتفق أهل العلم على أنّ المرأة المسلمة يجوز لها أن تهاجر من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام دون محرم، ومثلها الأسيرة إذا تخلصت من أيدي الكفار، وزاد بعضهم المرأة إذا انقطعت من الرفقة فوجدها رجل مأمون فيجوز له أن يصحبها حتى يبلغها الرفقة[1]. ثانياً:اتفق عامّة أهل العلم على أنّ المرأة لا يجوز لها السفر لحج التطوع أو التجارة أو الزيارة بغير محرم[2]. لكن : اختلف الفقهاء – رحمهم الله – في اشتراط المحرم في حج المرأة الفريضة على الأقوال التالية: القول الأول:يشترط في حقها وجود المحرم أو الزوج. وهو قول أبي حنيفة وأصحابه[3]، ونقله جماعة عن أحمد، وهو المذهب[4]، واختاره ابن المنذر من الشافعية[5]. القول الثاني:لا يشترط في حقها وجود المحرم أو الزوج، بل يشترط الأمن على نفسها، ويحصل الأمن عندهم على النحو التالي": قال مالك: تخرج في جماعة النساء[6]. وقال أيضاً: تخرج مع من تثق به من الرجال والنساء[7]، أي : إذا وجدت رفقة مأمونة[8]. وعند الشافعي ثلاثة أقوال: أحدها– في المشهور عنه-: إن وجدت نسوة ثقات يخرجن فعليها أن تحج معهن، وهو الصحيح من المذهب[9]. الثاني: يلزمها إذا وجدت امرأة واحدة[10]. والثالث – قول نقله الكرابيسي عنه - : إذا كان الطريق آمناً جاز من غير نساء[11]. وهو اختيار الشيرازي[12]، والشاشي القفال[13]، وجماعة[14]، وهو قول الأوزاعي[15]، واختيار الباجي من المالكية[16]، وعن أحمد نقل الأثرم: لا يشترط المحرم في الحج الواجب. قال أحمد: لأنها تخرج مع النساء ومع كل من أمِنَتْهُ[17]. وهناك من ذهب إلى أنه يجوز للكبيرة غير المشتهاة أن تسافر حيث شاءت للفرض والتطوُّع بلا زوج ولا محرم دون الشابة، ولا يشترط المحرم في القواعد من النساء اللاتي لا يخشى منهن ولا عليهن فتنة, وهو رواية لأحمد[18]، وقول بعض المالكية[19]. سبب الخلاف: معارضة الأمر بالحج والسفر إليه في عموم قوله تعالى: ﴿وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً﴾[20] للنهي عن سفر المرأة إلا مع ذي مّحرم، كما جاء في غير حديث[21]: منها حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: « لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفراً يكون ثلاثة أيام فصاعداً إلا معها أبوها أو ابنها أو زوجها أو أخوها أو ذو محرم منها»[22]، فعموم الآية يدخل تحته الرجال والنساء فيقتضى الوجوب وإن لم يكن ذو محرم، والحديث يخصص ذلك. فمن غلَّب عموم الأمر قال: تسافر للحج وإن لم يكن معها ذو محرم، أي: فعمل بقوله تعالى: ﴿وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ﴾،فتدخل المرأة فيه ويخرج سفر الحج عن النهي، فيقوم في كل واحدة من النصين عموم وخصوص. ومن خصص العموم بهذا الحديث وغيره أو رأى أنه من باب تفسير الاستطاعة قال: لا تسافر للحج إلا مع ذي محرم. أي : فمن خصص الآية به اشترط المحرم، ومن لم يخصصها لم يشترط[23]. * أدلة القول الأول اشتراط المحرم: 1-عن أبي معبد مولى ابن عباس، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : « لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم». فقال رجل : يا رسول الله، إني أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا وامرأتي تريد الحج، فقال: «اخرج معها»[24]. وجه الاستدلال: « دلَّ ذلك على أنها لا ينبغي لها أن تحجّ إلا به، ولولا ذلك لقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : وما حاجتها إليك؛ لأنها تخرج مع المسلمين ،وأنت فامض لوجهك فيما اكتُتبت، ففي ترك - صلى الله عليه وسلم - أن يأمره بذلك وأمره أن يحج معها دليلٌ على أنها لا يصلح لها الحج إلا به»[25]. ونوقش: بما قاله ابن حزم: « وهذا الحديث حجة عليهم؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يلزمها الرجوع، ولا أوقع عليها النهي عن الحج، ولكنه - صلى الله عليه وسلم - أمر زوجها بالحج معها، فكل زوج أبي من الحج مع امرأـه فهو عاص، ولا يسقط عنها لأجل معصيته فرضٍ الحج، هذا نص الحديث الذي احتجّوا به، وليس يفهم منه غير ذلك أصلاً؛ لأنّ الأمر في هذا الحديث متوجه إلى الزوج لا إلى المرأة»[26]. وقال أيضاً: « فكان هذا الحديث رافعاً للإشكال ومبيناً لما اختلفنا فيه في هذه المسألة؛ لأنّ نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن أن تسافر امرأة إلا مع ذي محرم وقع، ثم سأله الرجل عن امرأته التي خرجت حاجة لا مع ذي محرم ولا مع زوج، فأمره - صلى الله عليه وسلم - بأن ينطلق فيحجّ معها، ولم يأمر بردّها ولا عاب سفرها على الحج دونه ودون ذي محرم، وفي أمره- صلى الله عليه وسلم - بأن ينطلق فيحجّ معها بيان صحيح ونص صريح على أنها كانت ممكنا إدراكها بلا شك، فأقرّ - صلى الله عليه وسلم - سفرها كما خرجت فيه وأثبته ولم ينكره، فصار الفرض على الزوج، فإن حجّ معها فقد أدّى ما عليه من صحبتها، وإن لم يفعل فهو عاصٍ لله تعالى، وعليها التمادي في المضي في حجها والخروج إليه دونه أو معه أو دون ذي محرم أو معه، كما أقرها عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم ينكر عليها، فارتفع الشغب جملة، ولله الحمد كثيراً»[27]. وقال أيضاً: « فلم يقل - صلى الله عليه وسلم - : لا تخرج إلى الحج إلا معك، ولا نهاها أصلاً، بل ألزم الزوج ترك خروجه في الجهاد وألزمه الحج معها، فالفرض في ذلك على الزوج لا عليها»[28]. وأجيب من وجهين: أحدهما: بأن في خروج امرأة الرجل حاجَّة من غير زوجها وعدم أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - زوجها بردِّها إنما يدلُّ على أنه ليس للزوج منع امرأته من حج الفرض لا على جواز سفر المرأة بغير زوج ولا محرم، لكونه - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر بردها ولا عاب سفرها، كما استنبط منه ابن حزم. الثاني: أنّ في أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الرجل بأن يخرج مع امرأته ويترك الجهاد الذي قد تعيِّن عليه دليلُ على وجوب ذلك، كما أن عدم استفصال النبي - صلى الله عليه وسلم -: هل خرجت مع رجال مأمونين أو نساء ثقات دليل على أنها لا يصلح لها الحج إلا بزوجها، لا كما ذهب إليه ابن حزم. لذلك قال ابن حجر: « وتُعُقب – أي ابن حزم – بأنه لو لم يكن ذلك شرطاً لما أمر زوجها بالسفر معها وتركه الغزو الذي كتب فيه، ولا سيما رواه سعيد بن منصور عن حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن أبي معبد، عن ابن عباس بلفظ: « فقال رجل: يا رسول الله، إني نذرت أن أخرج في جيش كذا وكذا»[29]، فلو لم يكن شرطاً ما رخّص له في ترك النذر»[30]. 2-عن ابن عباس – أنه قال: جاء رجل إلى المدينة فقال النبي- صلى الله عليه وسلم -: « أين نزلت؟». قال: على فلانة، قال: « أغلقت عليك بأبها؟ لا تحجَّنَّ امرأة إلا ومعها ذو محرم»[31]. وعن ابن عباس أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: « لا تحجّ امرأة إلا ومعها محرم»، فقال رجل: يا نبي الله، إني اكتُتبت في غزوة كذا وكذا وامرأتي حاجة، قال: «ارجع فحج معها»[32]. وجه الاستدلال : قوله - صلى الله عليه وسلم -: « لا تحجَّنَّ امرأة إلا ومعها ذو محرم»، وقوله في الرواية الأخرى: « لا تحج امرأة إلا ومعها محرم» نصُّ على تخصيص سفر الحج. قال ابن قدامة: « وهذا صريح في الحكم »[33] قال ابن حجر – على رواية الدارقطني-: « صحَّحه أبو عوانة »[34] وقال أيضاً: « وأخرجه الدارقطني بنحوه، وإسناده صحيح»[35]. وقال ابن مفلح: « والظاهر أنه خبر حسن»[36] ونوقش: أن حديث عمرو بن دينار عن عكرمة اختلط على ابن جريج فلم يدر أحدَّثه به عمرو بن دينار عن عكرمة، أم حدثه به عمرو عن أبي معبد عن ابن عباس؟ وأدخل فيه ذكر الحج وبالشك، ولا تثُبت الحجة بخبر مشكوك في إسناده أو في إرساله[37]. وأجيب: بأن حديث أبي معبد عن ابن عباس الذي ليس فيه هذا اللفظ « لا تحج امرأة إلا ومعها محرم » إنما فيه « لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم » ، فهو يدل على استثناء سفر الحج؛ لأن فيه أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - زوج المرأة أن يحج معها[38]. الرابع : من المعلوم أن المرأة لا تسافر للجهاد ولا للتجارة إلا نادراً، وأكثر سفرها للحج الواجب، ومع ذلك فإن هذا التأكيد من النبي - صلى الله عليه وسلم - على وجوب لمحرم يدل على أن هذا التأكيد للغالب من سفرها لا للنادر[39]. يتبع
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() حكم اشتراط المحرم في حج المرأة وأثره في الفقه الإسلامي 3 د.عبود بن علي بن درع الدليل الثاني: ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: « لا يخلوّنّ رجل بامرأة، ولا تسافرنّ امرأة إلا ومعها محرم، فقام رجل فقال: يا رسول الله اكتتبت في غزوة كذا وكذا، وخرجت امرأتي حاجةً، قال: اذهب فحجّ مع امرأتك»[40]، وفي لفظ : « لا تحجّنّ امرأة إلاّ ومعها ذو محرم »[41]. وجه الاستدلال من وجهين: الأول: كسابقة من الأحاديث، فقد منع من سفر المرأة من دون محرم، وهو يشمل السفر القريب والبعيد، والواجب والمستحبّ، بل إنه يشمل كلّ ما يطلق عليه سفر؛ لأنه لم يقرنه بأي مدة. الثاني:أنه أمره أن يسافر محرماً لزوجته؛ مع أنّه قد وجب عليه الجهاد بالاستنفار، ولولا وجوب المحرم لم يأمره بترك الواجب، ولم يستفصل منه هل معها نساء ثقات أو لا ، وفي اللفظ الآخر: « لا تحجّنّ»، فكيف يستثنى سفر الحجّ من بين الأسفار وقد نصّ عليه[42]. ونوقش من أوجه: الأوّل: بأن هذا الحديث يدلّ على أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعب على هذه المرأة خروجها للحجّ الواجب دون محرم، ولا أمر بردّها ولو كان فعلها حراماً لعابها على ذلك. الثاني : أنّ الرجل سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يختار له، فاختار له أن يذهب مع امرأته، فغاية دلالته أنّه أفضل فحسب؛ لأنّ غيره يقوم مقامه في الجهاد. الثالث : أنه ليس في الحديث ما يدلّ على أنّ أمره كان أمر وجوب؛ لأنّ المحرميّة تثبت للزوج و غيره، فليست واجباً متعيّناً ليقال بالوجوب، ولو لم يكن لها محرم إلاّ هو، فإنّ جمهور أهل العلم لا يوجبون عليه الخروج، وإذا لم يكن للوجوب فمعنى ذلك أنّ المرأة قد تسافر بلا محرم، ولم يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بردّها ولا عابها. الرابع: أنّ لفظ « لا تحجَنّ» قد شكّ فيه راويه فهو غير محفوظ، فلا يصلح حجّة[43]. وأجيب عن ذلك من أوجه: الأول : أن ذمً النبي - صلى الله عليه وسلم - لفعلها عُرف من نهيه عن خروج المرأة دون محرم، ولم يأمر بردّها؛ لأنّه أمر زوجها بالخروج معها[44]. الوجه الثاني: أنّ المحرم لو لم يكن شرطاً؛ لما أمر زوجها بالسّفر معها، وترك الغزو الذي اكتتب فيه؛ لا سيمّا أنّه ورد في بعض ألفاظ الحديث: «إنّي نذرت أن أخرج في جيش كذا وكذا»، فلو لم يكن شرطاً ما رخص في ترك نذره[45]. الوجه الثالث: وأمّا لفظ « لا تحجَنّ امرأة» فقد صحّحه بعض أهل العلم فلا يدفع بشكّ الرّاوي فيه؛ لأنّه ورد من غير شك[46]. 4-عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : « لا تسافر امرأة سفراً ثلاثة أيام أو تحج إلا ومعها زوجها»[47]. وجه الاستدلال:دل الحديث على أن المرأة إذا أرادت السفر أو السفر للحج إلا ومعها زوجها. والنهي يقتضي التحريم. ونوقش:بأن الحديث ضعيف لعلتين. الأول: ضعف جابر وهو ابن يزيد الجعفي[48]. والثانية: الانقطاع بين سالم بن أبي الجعد وأبي أمامه[49]. 5-الأحاديث الواردة في النهي عن عموم سفر المرأة، وقد وردت عن عدد من الصحابة رضي الله عنهما، وإن كانت مختلفة الألفاظ لكنها متفقة المعنى والمراد، هو وجود المحرم أو الزوج يصاحبها في السفر، وبيان هذه الأحاديث: 1- حديث ابن عمر رضي الله عنهما: 2- عن ابن عمر؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: « لا تسافر المرأة ثلاثاً إلا ومعها ذو محرم»[50]. 3-حديث أبي هريرة رضي الله عنه: عن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: « لا يحل لامرأة أن تسافر ثلاثاً إلا ومعها ذو محرم منها »[51]. وجه الاستدلال بهذا الحديث: أن سفرها للحج من جملة الأسفار الداخلة تحت الحديث، فيمتنع إلا مع المحرم[52]. في الخبر دليلٌ على أنّ المرأة إذا لم تجد ذا محرم لم يلزمها الخروج إلى الحج»[53]. وقال البغوي: « وهذا الحديث يدلُّ على أنّ المرأة لا يلزمها الحج إذا لم تجد رجلاً ذا محرم يخرج معها»[54] 6-حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه": وقد روي عنه من طريقين: الأول: عن قزعة مولى زياد قال: سمعت أبا سعيد – وقد غزا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثنتي عشرة غزوة – قال: أربع سمعتهن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - أو قال: يُحَدِّثهُنَّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - - فأعجبنني وآنقْنَني[55]: « أن لا تسافر امرأة مسيرة يومين ليس معها زوجها أو ذو محرم، ولا صوم يومين: الفطر والأضحى، ولا صلاة بعد صلاتين: بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس، ولا تشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجد الحرام، ومسجدي، ومسجد الأقصى»[56]. الثاني: عن أبي صالح، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم والآخر أن تسافر سفراً يكون ثلاثة أيام فصاعداً إلا معها أبوها أو ابنها أو زوجها أو أخوها أو ذو محرم منها»[57]. فالحاصل: أنّ كل ما يسمى سفراً تنهى عنه المرأة بغير زوج أو محرم[58]. وقال التهانوي العثماني: « دلالتها على معنى الباب – اشتراط المحرم أو الزوج لوجوب أداء الحج على المرأة – ظاهرة ، فلا يجوز لأمرأة بالغة – ولو عجوزاً ولو معها غيرها من النساء الثقات والرجال الصالحين – أن تخرج للحج مسيرة سفر بغير محرم أو زوج»[59]. ونوقش: بأن أحاديث النهي ليست كافية في إخراج النساء من عموم قوله تعالى: ï´؟ وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاًï´¾[60]، فالأمر يحتاج إلى الترجيح من خارج. قال ابن دقيق العيد: « وذكر بعض الظاهرية أنه يذهب إلى دليل من خارج، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - : « لا تمنعوا إماء الله مساجد الله [61]»[62]. والمراد ببعض الظاهرية: ابن حزم، حيث قال: « فجاء النص كما ترى في النساء بأنه لا يحل منعهن عن المساجد ، ومكة من المساجد، فكان هذا النص أقل معاني من حديث النهي عن سفر النساء جملة، فوجب أن يكون مستثنى منه ضرورة، وخرجنا إلى القسم الذي ذكرنا أولا، وإلا صار المانع لهن عاصياً لهذا الحديث، تاركاً له بلا دليل»[63]. وأجيب من وجهين: أحدهما: القول بأنه يحتاج إلى الترجيح من خارج مردود بحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: « لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم ». فقال رجل: يا رسول الله، إني أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا وامرأتي تريد الحج، فقال: « أخرج معها»[64]. قال الصنعاني: « أقول: المرجِّح هنا قائم، وهو قول ذلك الصحابي: إنّ امرأته خرجت حاجَّة، وأمره - صلى الله عليه وسلم - بأن يخرج معها ويترك الجهاد الذي قد تعيَّن عليه، ولولا وجوب ذلك لم يجز، ولم يستفصل - صلى الله عليه وسلم - هل خرجت مع رجال مأمونين أو نساء ثقات، فسفرها للحج لا يجوز أن يخرج من العموم، وكيف يخرج سفر الحج من هذه الأحاديث وهو أغلب أسفار النساء؟ فإنّ المرأة لا تسافر في الجهاد ولا في التجارة غالباً، وإنما تسافر في الحج»[65]. وقد سبقه إلى ذلك ابن تيمية حيث قال: « فهذه نصوص من النبي - صلى الله عليه وسلم - في تحريم سفر المرأة بغير محرم، ولم يخصِّص سفراً من سفر، مع أنّ سفر الحج من أشهرها وأكثرها، فلا يجوز أن يغفله ويهمله ويستثنيه بالنية من غير لفظ، بل قد فهم الصحابة منه دخول سفر الحج في ذلك لَمَّا سأله ذلك الرجل عن سفر الحج، وأقرَّهم على ذلك، وأمره أن يسافر مع امرأته ويترك الجهاد الذي قد تعيَّن عليه بالاستنفار فيه، ولولا وجوب ذلك لم يَجُز أن يخرج سفر الحج من هذا الكلام، وهو أغلب أسفار النساء، فإنّ المرأة لا تسافر في الجهاد ولا في التجارة غالباً، وإنما تسافر في الحج، ولهذا جعله النبي - صلى الله عليه وسلم - جهادهن[66]، وقد أجمع المسلمون على أنه لا يجوز لها السفر إلا على وجه يؤمن فيه البلاء، ثم بعض الفقهاء ذكر كل منهم ما اعتقده حافظاً لها وصائناً، كنسوة ثقات ورجال مأمونين، ومنعها أن تسافر بدون ذلك. فاشتراط ما اشترطه الله ورسوله أحق وأوثق، وحكمته ظاهرة، فإنّ النساء لحم على وضم[67]إلا ما ذبَّ عنه، والمرأة معرَّضة في السفر للصعود والنزول والبروز، محتاجة إلى من يعالجها ويمسُّ بدنها، تحتاج هي ومن معها من النساء إلى قيِّم[68]يقوم عليهنّ، وغير المحرم لا يؤمّن ولو كان أتقى الناس، فإنّ القلوب سريعة التقلب، والشيطان بالمرصاد، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: « ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما»[69]... وأمر النساء صعبٌ جدّاً ، لأنّ النساء بمنزلة الشيء الذي يذبّ عنه، وكيف تستطيع المرأة أن تحجّ بغير مَحْرَم؟!»[70]. يتبع
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() حكم اشتراط المحرم في حج المرأة وأثره في الفقه الإسلامي 3 د.عبود بن علي بن درع الدليل السابع: قياس حجّ الفريضة على الحجّ المستحب؛ لكما أنّكم تقولون: إنّ الحجّ المستحبّ لا يجوز بغير محرم؛ فكذلك حجّ الفريضة؛ بجامع أنّهما إنشاء سفر في دار الإسلام، فلم يجز بغير محرم، خاصة إذا علمنا أنّ الحجّ المستحبّ يجب ويلزم بالدّخول فيه كما قال تعالى: ï´؟وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَï´¾[البقرة: 196] [71]. ونوقش : بأنّ القياس مع الفارق، فحج الفرض واجب، فجاز بلا محرم، وما سواه مستحبّ، فلا بدّ فيه من محرم[72]. وأجيب عنه من وجهين: الأول: بأن خروجها للحجّ دون محرم معصية؛ فلا تلزم بالطّاعة لأمر يترتب عليه معصية. ونوقش من وجه آخر: وهو أنّ المقصود من مشروعية المحرم للمرأة حفظها؛ وهو عام في القريب والبعيد، والفرض والنّافلة[73]. الدّليل الثامن: أنّ المحذور من سفرها دون محرم أمور أهمّها: أولاً أنّ المرأة دون محرم لا يؤمن عليها، إذ النساء لحم على وضم إلاّ ما ذبّ عنه - أي : في الضعف كاللحم الموضوع على خشبة-، وأمّا ما يقال من جواز خروجها مع نساء ثقات؛ فإنّ الخوف عند اجتماعهن أكثر لأن الطمع بهن سيكون أكثر. ثانياً: أن المرأة لا تقدر على الركوب والنّزول لوحدها بالعادة فيما مضى من الزمن، فتحتاج إلى من يرفعها وينزلها من المحارم، وعند عدمه لا تكون مستطيعة، ولو استطاعت على الركوب والنّزول كما هو الحال الآن؛ فإنّ هناك من المصالح ما لا تحصّله إلاّ بوجود محرم؛ وخاصّة في الحجّ[74]. ثالثاً : أنها بدون المحرم يخاف عليها الفتنة. [75]فغير المحرم لا يؤمن ولو كان أتقى الناس، فإن القلوب سريعة التقلب، والشيطان بالمرصاد[76]. رابعاً :أن حاجة المرأة إلى المحرم متأكدة في السفر، فقد تمرض، وتحتاج إلى من يمس بدنها أو غير ذلك وغير المحرم لا يؤمن على ذلك[77]. ونوقش:بأن اجتماع الرفقة من النسوة الثقات فيه مؤانسة وحماية فلا خوف. وأجيب : بأن الفتنة حاصلة وليست الرفقة محرماً ولا في معنى المحرم. لأن المرأة تقبل بشيطان، وتدبر بشيطان ولكل ساقط لاقط[78]. أدلة القول الثاني بعدم اشتراط المحرم: واستدلوا على ذلك بأدلة، منها: الدليل الأول:قوله تعالى: ï´؟ وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِï´¾ [ آل عمران: 97]. وجه الاستدلال: أن هذا خطاب عامّ للناس جميعاً، فيشمل الرّجال والنساء بلا خلاف ، فإذا كان للمرأة زاد وراحلة فهي مستطيعة؛ والرّفقة المأمونة إذا كانت معها؛ فإنّه يؤمن الفساد عليها فيلزمها فرض الحج[79]. ونوقش هذا الاستدلال من أوجه: الأول: أن بين الآية هذه وبين الأحاديث التي ذكرت اشتراط المحرم عموم وخصوص؛ فيحتاج إلى مرجّح، وحديث الذي اكتتب في غزوة كذا مرجّح قائم ؛ فهو أمره بالخروج معها، وترك الجهاد الذي تعيّن عليه كما أسلفنا[80]*. الوجه الثاني: بأن الآية لا تتناول النساء حال عدم المحرم؛ لأن المرأة لا تقدر على الركوب والنزول بنفسها، وإن استطاعت في هذا الوقت فلا تستطيع إنهاء إجراءاتها بنفسها؛ فتحتاج إلى زوج أو محرم لذلك، ولا ينظر لبعضهنّ ممن تستطيع ذلك، فالعبرة بالغالب؛ فهي بذلك غير مستطيعة فلا تدخل في النص. الوجه الثالث: أن عموميات الآية والأحاديث قد قيّدت ببعض الشروط بالإجماع: كاشتراط أمن الطريق، وإمكان المسير؛ فكذلك تقيّد هذه النصوص أيضاً باشتراط المحرم لوروده في النصوص الصريحة؛ بل إنّ من قال باشتراط الرّفقة المأمونة قد قيّد هذه النّصوص بشرط لم ينصّ عليه[81]. الدليل الثاني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فسر السبيل في الحديث الذي يروى عن ابن عمر قال: «.. فقام رجل فقال: ما السبيل يا رسول الله؟ قال : الزّاد والرّاحلة »[82]. وجه الاستدلال : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فسّر السبيل بأنه الزّاد والرّاحلة فحسب، ولم يذكر المحرم من السبيل، وهو خارج مخرج البيان فهو شامل لكل ما أريد[83]. ونوقش هذا الدليل من أوجه: الأول: أن هذا الحديث ضعيف، ولا يحتجّ به[84]. الثاني: لو سلّمنا الاحتجاج به؛ فإنّه لم يذكر له المحرم؛ لأنّ السّائل رجل. الثالث: أنكم قد شرطتم شروطاً كثيرة، غير الزّاد والرّاحلة: كأمن الطريق، وإمكان المسير، وقضاء الدّين، وإمكان الثبوت على الرّاحلة، والنّساء الثّقات أو الرّجال الثّقات أو المرأة الثّقة، وهذه كلّها لم تذكر في الحديث، والمحرم أولى منها؛ لأنه ذكر في أحاديث أخرى. الرابع: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بيّن شرط الحج، أما المحرم فهو شرط عام في كل سفر، ويمكن أن يقال بأنه يبين الشرط العام لكل حاج، ولم يبين الشرط الخاص بالمرأة في هذا الحديث[85]. الدليل الثالث: ما ورد في حديث عديّ بن حاتم رضي الله عنه وفيه قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - :« هل رأيت الحيرة؟ قال: قلت : لم أرها وقد أنبئت عنها، قال: إن طال بك حياة لتريّنَ الظعينة – المرأة في الهودج – ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحداً إلا الله...» [86]. وجه الاستدلال: أن خروج الظّعينة على هذا الوجه جائز، ولو لم يكن جائزاً لم يمدح به الإسلام، ولو كان حراماً لبيّنه؛ لأنّ تأخير البيان عن وقت الحجة لا يجوز[87]. ونوقش من عدّة أوجه: الوجه الأول: أنه جاء لبيان الواقع من انتشار الأمن، لا لبيان حكم الخروج دون محرم،وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن كذّابين ودجّالين يخرجون، ولا قائل بجوازه[88]. وأجيب: بأنّ حديث عديّ رضي الله عنه جاء على صفة المدح؛ ممّا يدلّ على جواز الفعل بخلاف غيره مما جاء على صفة الذّمّ. واعتُرض عليه: بأنّه لو كان المقصد الإباحة؛ فهو لم يذكر في الحديث الرّفقة المأمونة من نساء ثقات، أو غيرهنّ ، فكيف تشترطونه؟[89]. الوجه الثاني من المناقشة: أنه قد ورد في بعض ألفاظ الحديث مرفوعاً: « ليأتينّ على النّاس زمان تسير الظّعينة من مكّة إلى الحيرة لا يأخذ أحد بخطام راحلتها»[90]، وقد أجمعوا أنّه لا يجوز أن تسير من مكّة إلى الحيرة، أو إلى أيّ بلد آخر؛ مما يدل على أن المقصد بالحديث الإخبار عن الواقع فحسب، وحكم المحرم جاء في أحاديث أخرى. الوجه الثالث: أنّ حديث عديّ وما شابهه عام، وأحاديث المحرم أخص[91]، والخاص مقدم على العام. الدّليل الرابع: ما ورد أنّ عمر رضي الله عنه أذن لأزواج النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - في آخر حجة حجها؛ فبعث معهنّ عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف[92]. وجه الاستدلال: أنّ هذا يدل على هذا جواز سفر المرأة مع النّسوة الثقات؛ إذا أمن الطريق، وقد اتّفق عليه عمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف، ونساء النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك، وعدم نكير غيرهم من الصّحابة لذلك، وترك بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - للحج ليس بسبب عدم المحرم، وإنّما لأمر آخر[93]. ونوقش من أوجه: الأوّل: بأنّ المحرم هو من تحرم عليه على التأبيد، ولا شك أن أمهات المؤمنين يحرمن تأبيداً على جميع المؤمنين، إذ جميع المؤمنين أبناء لهنّ، فكان الجميع لهنّ محرماً[94]. وأجيب: بأنّ هذا غير مسلم؛ لأنّ زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - في مقام أمهات المؤمنين في تحريم النّكاح، وليس في المحرمية، وإلاّ لجاز لهنّ وضع الحجاب أمام المؤمنين، والخلوة بهن وغيرها من أحكام المحرميّة ، ولا قائل بذلك. قال ابن تيميّة عن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - : « إنهنّ أمّهات المؤمنين في التحريم دون المحرميّة»[95]. ونوقش من وجه ثانٍ: أنّه ليس في الحديث ما يدلّ على أنّه لم يكن معهنّ محرم، فالمحارم يحتمل أن يكون معهم في القافلة، وإنّما بعث معهن عثمان وعبد الرحمن بن عوف زيادة في الإكرام والأطمئنان، ولا يظنّ بالصحابة مخالفة نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن سفر المرأة دون محرم، وقد ذكرت بعض الرّوايات ما يدلّ على وجود أوليائهنّ معهنّ[96]فيستأنس به؛ لأنّ في سنده مقالاً، ولأنّه يستبعد مع كثرة الحجّاج أن لا يكون معهنّ أحد من محارمهنّ. ونوقش من وجه آخر: بأن هذا اجتهاد منهم، واجتهاد الصحابي لا يقبل إذا خالف نصاً صحيحاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم -[97]. الدّليل الخامس: ما ورد عن عائشة رضي الله عنها أنه قيل لها أن أبا سعيد قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: « إن المرأة لا تسافر إلا مع ذي محرم، فالتفتت إلى بعض من معها فقالت: والله ما كلهنّ لها محرم »[98]، وكذا ما ورد عن ابن عمر « أنّه حجّ بمولاة له يقال لها صافية على عجز بعير »[99][100]. ونوقش: أن العجيب ممن يقول بهذه الآثار، ويترك الأحاديث الصحاح، وهذه الآثار محمولة على سفر قريب، وهي معارضة بحديث: إني اكتتبت في غزوة كذا، وقول عائشة يدلّ على تعجبها، وأثر ابن عمر قد يكون قبل بلوغه الخبر[101]. ويُناقش: بأن السفر بمولياته خاصة قد قال به بعض أهل العلم؛ لأنه في الغالب لا محرم لهنّ[102]. الدليل السادس : عن ابن عمر رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لا تمنعوا إماء الله مساجد الله». وجه الاستدلال: أن الحديث نص في انه لا يحلّ منعهن عن المساجد، والمسجد الحرام من هذه المساجد، فوجب أن يكون مستثنى من النهي عن سفر النساء ضرورة وإلا صار المانع لهنّ عاصياً لهذا الحديث[103]. ونوقش: بأن الاستدلال بهذا الحديث فيه نظر؛ لكون النهي عامّ في المساجد، فيخرج عنه المسجد الذي يحتاج على السفر بأحاديث تحريم سفر المرأة بغير محرم[104]. الدليل السابع : عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: « قلت: يا رسول الله، ألا نغزو ونجاهد معكم؟ فقال: « لكن أحسن الجهاد وأجمله الحّجُّ؛ حَجٌّ مَبْرُور». قالت عائشة: فلا أدع الحج بعد إذا سمعتُ هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[105]. وجه الاستدلال: « واستدلّ بحديث عائشة هذا على جواز حجّ المرأة مع من تثق به ولو لم يكن زوجاً ولا مَحرمًا»[106]. ونوقش : بأن هذا الحديث ليس فيه دلالة على جواز حجّ المرأة مع من تثق به ولو لم يكن زوجاً ولا محرماً مرفوعاً كما هو ظاهر أو موقوفاً، إذ إنّ قول عائشة رضي الله عنها: « فلا أدع الحج بعد إذ سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس صريحاً أنها فهمت من ذلك السفر إلى الحج ولو بغير محرم، إنما كما قال ابن حجر: « وفهمت عائشة –ومن وافقها – من هذا الترغيب في الحج إباحة تكريره لهنّ، كما أبيح للرجال تكرير الجهاد»[107]. الدليل الثامن : أنّ خروجها للحج دون محرم جائز إذا وجدت رفقة مأمونة قياساً على المرأة المهاجرة من دار الكفر، وقياساً على المأسورة إذا انفكّت من الأسر؛ بجامع أنّهما سفران واجبان؛ بل الهجرة ليست من الأركان الخمسة فكيف بالحج[108]. ونوقش من عدة أوجه: الوجه الأول: أنه قياس فاسد الاعتبار لمخالفة النص. الوجه الثاني: أن هذا قياس مع الفارق؛ لأن المهاجرة خروجها ليس سفراً فهي تقصد النجاة خوف الفتنة، فقطعها للمسافة كقطع السابح، أما التي تخرج للحج فلا. الوجه الثالث: سلمنا أنه سفر؛ لكنه سفر للاضطرار؛ لأن الفتنة المتوقعة في السفر أخف من الفتة المتوقعة من البقاء في دار الحرب؛ فكان الإجماع على جواز خروجها دون محرم؛ لأنه أخف المفسدتين وأهون الضررين[109]. الدليل التاسع: أن شروط إقامة الفرض ما يكون في وسع المرء في العادة، والمرأة ليس لها ولاية على المحرم، ولا يجب على المحرم أن يخرج معها، ولا يجب عليها أن تتزوج للحج، فعرف أنّ المحرم ليس بشرط، وخروجها مع الرفقة الآمنة حذراً من الفتنة وتركاً للوحدة[110]. ويُناقش: بأنّ هذا الكلام في فريضة واجبة مطلقاً، ولكن الله ربط الحج بالاستطاعة، ومن الاستطاعة المعتبرة شرعاً بناء على الأدلّة في حق المرأة وجود المحرم، فإن لم يوجد فلا يجب الحج على المرأة أصلاً، فلهذا لم تكلّف المرأة أمراً خارجاً عن العادة أصلاً. يتبع
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]() حكم اشتراط المحرم في حج المرأة وأثره في الفقه الإسلامي 3 د.عبود بن علي بن درع الدليل العاشر: أن المرأة إذا وجب عليها الحق بدعوى ولا قاضيَ في بلدها، أو وجب عليها حدّ؛ ولا يمكن إقامته إلاّ بسفرها ولا محرم لها، فإنّها تسافر من دون محرم وجوباً، وكذلك الحجّ واجب وهي مستطيعة له ومعها رفقة مأمونة؛ فوجب عليها الخروج قياساً على ما ذكر[111]. ونوقش: بأنه قياس مع الفارق لأن عدم حضورها الدعوى يترتب عليها ضياع حق المدعي، وأمّا الحدّ فهو حق واجب عليها بغير اختيارها، وليس يشبه أمر الحج المبنيّ على الاستطاعة[112]. الدليل الحادي عشر: أن السفر إلى الحج سفر واجب فوجب أن لا يكون المحرم شرطا في قطع الطريق إليه[113]. ويناقش: إذا ورد النص باشتراطه اشترط. الدليل الثاني عشر : أنه إذا دعى عند الحاكم على امرأة غائبة دعوى، فإن الحاكم يبعث إليها ليحضرها فإن لم يكن لها محرم إذا كانت ممن تبرز، فإذا وجب عليها الخروج في حق لا يتحقق وجوبه عليها، إذ قد يجوز أن يكون مبطلاً في الدعوى عليها، فلأن يجب في حق يتحقق وجوبه عليها أولى[114]. ويناقش:بأن القياس مع الفارق ، لأن حقوق العباد مبنية على المشاحة بخلاف حقوق اله سبحانه وتعالى المبنية على المسامحة. الدليل الثالث عشر :القياس على حال الأسيرة إذا تحصلت من أيدي الكفار إذ يلزمها السفر إلى بلاد الإسلام وإن لم يكن معها محرم فكذلك تحج الفريضة قياساً على الهجرة التي خص بها الحديث بالإجماع[115]. ويناقش: أ أن القياس في مقابل النص فاسد. ب أن الإجماع انعقد على سفر الضرورة لا على سفر الاختيار[116]. جـ التي أسلمت ثم هاجرت خوفها عند الكفار أشد من خوفها خطر الطريق لما يلحقها من الفتنة والعنت والاضطهاد[117]. د أن المسافرة للحج تسافر من الأمان وتعرض نفسها للفتنة فالقياس غير صحيح لوجود الفارق. الدليل الرابع عشر : أن هذه المسافة يجب قطعها فلم يكن من شرط وجوب قطعها وجود ذي محرم كما لو كان بينها وبين مكة ليلتان[118]. ويناقش:بأنه لا قياس مع النص، حيث ورد النص بأنها لا تسافر إلا مع ذي محرم. الدليل الخامس عشر: أن وجود من تأمنه يقوم مقام المحرم[119]. ويناقش: أ* غير المحرم لا يؤمن، وقد نهى الرسول - صلى الله عليه وسلم - الصحابة رضي الله عنهم وهم أتقى الناس – نساءهم أن يسافرن إلا مع محارمهن. ب أنها بدون المحرم يخاف عليها الفتنة[120]. أمّا ما ذهب إليه أحمد في رواية وبعض المالكية من استثناء الكبيرة عن المشتهاة، وذلك من باب تخصيص العموم بالنظر إلى المعنى[121]، وهو مراعاة الأمر الأغلب[122]. قال ابن مفلح: « وقال صاحب «المحرَّر»: وعنه رواية رابعة: لا يشترط المحرم في القواعد من النساء اللاتي لا يُخشى منهن ولا عليهن فتنة. وسئل في رواية المروذي عن امرأة عجوز كبيرة ليس لها محرم ووجدت قوماً صالحين فقال: إن تولت هي النزول والركوب ولم يأخذ رجلٌ بيدها فأرجو؛ لأنها تفارق غيرها في جواز النظر إليها للأمن من المحذور، فكذا هنا»[123]. وسئل ابن تيمية: هل يجوز أن تحج المرأة بلا محرم؟ فأجاب : « إن كانت من القواعد اللاتي لم يحضن، وقد يئست من النكاح، ولا محرم لها، فإنه يجوز في أحد قولي العلماء أن تحجَّ مع من تأمنه، وهو أحد الرِّوايتين عن أحمد ومذهب مالك والشافعي»[124]. وتُعُقب ذلك من وجوه: أحدها: أنّ لفظ: « المرأة » الوارد في أحاديث النهي عن السفر بدون محرم عام يشمل الشابة والعجوز. قال القرطبي: « قوله - صلى الله عليه وسلم - : « لا يحل لامرأة » هو على العموم لجميع المؤمنات؛ لأن «امرأة» نكرة في سياق النفي، فيدخل فيه الشابة والمتجالة، وهو قول الكافة»[125]. وقال الكاساني: « وسواء كانت المرأة شابة أو عجوزاً أنها لا تخرج إلا بزوج أو محرم؛ لأنّ ما روينا من الحديث لا يفصِّل بين الشابة والعجوز »[126]. الثاني: بأن المرأة مظنة الطمع فيها ومظنة الشهوة ولو كانت كبيرة، وقد قالوا: « لكل ساقطة لاقطة »[127]. قال القرطبي: « لأنّ الخلوة بها تحرم، وما لا يطلع عليه من جسدها غالباً عورة، فالمظنة موجودة فيها، والعموم صالح لها، فينبغي ألا تخرج منه»[128]. وقال الكاساني: « وكذا يُخاف عليها من الرجال، وكذا لا يؤمَن عليها من أن يطلع عليها الرجال حال ركوبها ونزولها، فتحتاج إلى الزوج أو إلى المحرم ليصونها عن ذلك»[129]. وأجيب: بأنه ما لنا لاقطة لهذه الساقطة، ولو وجد خرجت عن فرض المسألة؛ لأنها تكون حينئذ مشتهاة في الجملة، وليس الكلام فيها، إنما الكلام فيمن لا تُشتَهى أصلاً ورأساً، ولا نسلم أنّ من هي بهذه المثابة مظنة الطمع والميل لها بوجه[130]. وتُعُقب: بأنّ غلبة الشهوة قد تُفقِد الإنسان في بعض الأحيان رشده وصوابه، أفلا يُرى أن بعض السُّفهاء يُفرغ شهوته في الدواب! وهل هي مظنة الشهوة؟! وعليه، لا فرق؛ لأنّ لكل ساقط لاقطاً، وهو مراعاة الأمر النادر[131]، فالمتعفف يراعي الأمر النادر، وهو الاحتياط[132]. الثالث: أن قول الإمام أحمد: « لأنها تفارق غيرها في جواز النظر إليها؛ للأمن من المحذور ، فكذا هنا » متعقَّب بما قاله ابن مفلح: « كذا قال؛ فأخذ – أي الإمام أحمد – من جواز النظر الجواز هنا، فتلزمه في شابة قبيحة، وفي كلِّ سفر، والخلوة ...مع أنّ الرواية فيمن ليس لها محرم»[133]. الرابع: القول بأنّ « ذلك من تخصيص العموم بالنظر إلى المعنى» متعقَّب بما قاله الكاساني: « المعنى لا يوجب الفصل بينهما؛ لما ذكرنا من حاجة المرأة إلى من يُرْكِبُها ويُنْزِلُها، بل حاجة العجوز إلى ذلك أشدّ؛ لأنها أعجز»[134]. القول الثالث: أنه لا يشترط المحرم ولا الرّفقة الآمنة، ويجوز لها أن تخرج للحج لوحدها إذا أمنت الطريق. وهو قول الحسن البصريّ[135]، وقول عند الشافعية صحّحه بعضهم وضعّفه آخرون[136]، وابن حزم [137]، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية[138]. ويستدلّ لهذا القول بأدلة أصحاب القول الثاني نفسها؛ إلاّ أنّ أولئك قيّدوها بوجود الرّفقة الآمنة، وهؤلاء استدلوا بها على إطلاقها بدون تقييد؛ إلا ّ بأمن الطّريق؛ ولا شكّ أن استدلال هؤلاء بها أقرب من أولئك؛ لأنها جاءت مطلقة عن اشتراط الرّفقة الآمنة، فهذا يعتبر شرط زائد عن ظواهر النّصوص كلها، وأما اشتراط أمن الطريق فهو عام في الرجل والمرأة، فمن لم يأمن لا يجب عليه الحج، ولا داعي لتكرار ما ذكر من أدلة هنا، وتناقش بما نوقشت به هناك. وقد زاد أصحاب هذا القول استدلالهم بما رواه عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: « لا تمنعوا إماء الله مساجد الله»[139]، وعنه قوله - صلى الله عليه وسلم - : « إذا استأذنكم نساؤكم إلى المساجد فأذنوا لهنّ»[140]. وجه الاستدلال: أن المسجد الحرام أجلُّ المساجد قدراً، فلا يمنعن من الخروج إليه[141]. ونوقش هذا الاستدلال من وجهين: الأول: أن المراد هو حضور الجماعة لا الحج، بدليل سياق الخبر: « وبيوتهنّ خير لهن». والثاني: أنه بعيد لكونه عامّاً في المساجد، فيخرج المسجد الذي يحتاج إلى السفر بأحاديث النهي عن السفر إلا بمحرم السابقة[142]. يتبع
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
![]()
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |