محمد رشيد رضا - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4898 - عددالزوار : 1921516 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4468 - عددالزوار : 1240003 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 13797 - عددالزوار : 742385 )           »          القواعد العشر في تربية الأبناء : دليل الدكتور بكار للتنشئة الناجحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          لا يزال الذكاء الاصطناعي دولة مجهولة .. والمراهقون هم روادها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          كيف يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل مستقبل الصحافة الرقمية؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          كتاب “الغرب نقيضًا للحضارة” .. رحلة جريئة لكشف زيف الحضارة الغربية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          أهمية السيرة النبوية في حياة المراهق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          ثمرات الاستقامة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          حتما.. إنه الرحيل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > الملتقى العام > ملتقى أعلام وشخصيات
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى أعلام وشخصيات ملتقى يختص بعرض السير التاريخية للشخصيات الاسلامية والعربية والعالمية من مفكرين وأدباء وسياسيين بارزين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20-12-2019, 05:12 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,988
الدولة : Egypt
افتراضي محمد رشيد رضا

محمد رشيد رضا (1282ه/ 1865م - 1354ه / 1935م)
خالد سعد النجار


كان «رشيد رضا» متعدد الجوانب والمواهب، فكان مفكرًا إسلاميًا غيورًا على دينه، وصحفيًا نابهًا أنشأ «مجلة المنار» ذات الأثر العميق في الفكر الإسلامي، وكاتبًا بليغًا في كثير من الصفح، ومفسرًا نابغًا، ومحدثًا متقنًا في طليعة محدثي العصر، وأديبًا لغويًا، وخطيبًا مفوهًا تهتز له أعواد المنابر، وسياسيًا يشغل نفسه بهموم أمته وقضاياه، ومربيًا ومعلمًا يروم الإصلاح ويبغي التقدم لأمة الإسلام.
كان واحدًا من رواد الإصلاح الذين حملوا راية التجديد والاجتهاد، وارتفعت أصواتهم بالبعث والإحياء في الثلث الأول من القرن الرابع عشر الهجري، وعملوا على النهوض بأمتهم حتى تستعيد مجدها الغابر، وتسترد عافيتها على هدى وبصيرة.
ويعد الشيخ «رشيد رضا» أكبر تلامذة الشيخ «محمد عبده»، وخليفته من بعده، والأمين على أفكاره واتجاهاته، والمعبر عنها في أبلغ عبارة وأصغى بيان..تابع شيخه في خطاه، وأمده الله بعقل طامح وعاطفة جياشة وعزيمة لا تلين، فبعث في الأمة روحًا جديدة تحرك الساكن، وتوقظ النائم، وتنبه الغافل، لا يجد وسيلة تبلغه هدفه إلا اتخذها منبرًا لأفكاره ودعوته.
المولد
ولد محمد رشيد رضا في قرية من قرى لبنان تسمى القلمون، في 27جمادى الأولى (1282ه، 1865م)، وهي قرية تقع على شاطئ البحر المتوسط على مقربة من طرابلس الشام التابعة لها، وهو سليل بيت عربي عريق ينحدر من نسل الحسين بن علي بن أبي طالب، اشتهر بيت آل الرضا بأنهم كانوا المثل الأعلى في الانقطاع للعبادة وتكريم العلماء والترحيب بأولي الفضل.
كان أبوه قوي الذاكرة، طلق اللسان، ومن قوة ذاكرته أنه كان يحفظ كل ما مر به في سفره، وكل ماله عند الناس، أو لهم عنده من الحقوق المالية وإن طال عليها الزمن، وكان حسن المجاملة، عظيم التساهل في معاشرة المخالفين في الدين مع الغيرة الشديدة على الإسلام والمناضلة عنه بما يقنع المناظر ولا يؤذيه، كما كان يتمتع بهيبة في نفوس أبنائه، حيث لجأ إلى الحزم والترهيب أحياناً في التربية، ولقيت هذه التربية استجابة من نفس محمد رشيد رضا، وورث عنه الكثير من الخصال الخلقية والعلمية.
النشأة
كان أبوه «علي رضا» شيخًا للقلمون وإمامًا لمسجدها، فعُني بتربية ولده وتعليمه، فحفظ القرآن وتعلم مبادئ القراءة والكتابة والحساب، ثم انتقل إلى طرابلس، ودخل المدرسة الرشيدية الابتدائية، وكانت تابعةً للدولة العثمانية، وتعلَّم النحو والصرف ومبادئ الجغرافيا والحساب، وكان التدريس فيها باللغة التركية، وظل بها رشيد رضا عامًا، ثم تركها إلى المدرسة الوطنية الإسلامية بطرابلس سنة (1299ه= 1882م)، وكانت أرقى من المدرسة السابقة، والتعليم فيها بالعربية، وتهتم بتدريس العلوم العربية والشرعية والمنطق والرياضيات والفلسفة، وقد أسَّس هذه المدرسة وأدارها الشيخ «حسين الجسر» أحد علماء الشام ومن رواد النهضة الثقافية العربية، والذي اشتهر بإلمامه الواسع بالعلوم العصرية، وكان كاتباً وشاعراً عصرياً، درس في الأزهر الشريف على يد الأديب الكبير محمد حسين المرصفي، وكان يرى أن الأمة لا يصلح حالُها أو ترتقي بين الأمم إلا بالجمع بين علوم الدين وعلوم الدنيا على الطريقة العصرية الأوروبية مع التربية الإسلامية الوطنية، حيث اهتمت هذه المدرسة بالعلوم العربية والشرعية والمنطق والرياضيات والفلسفة الطبيعية.
ولم تطُل الحياة بتلك المدرسة، فسرعان ما أُغلقت أبوابها، وتفرَّق طلابُها في المدارس الأخرى، غير أن رشيد رضا توثَّقت صلتُه بالشيخ الجسر، واتصل بحلقاته ودروسه، ووجد الشيخ الجسر في تلميذه نباهةً وفهمًا، فآثره برعايته وأولاه عنايته، فأجازه سنة (1314ه= 1897م) بتدريس العلوم الشرعية والعقلية والعربية، وهي التي كان يتلقَّاها عليه طالبه النابه، وفي الوقت نفسه درس رشيد رضا الحديث على يد الشيخ «محمود نشابة» وأجازه أيضًا برواية الحديث، كما واظب على حضور دروس نفر من علماء طرابلس، مثل:الشيخ عبد الغني الرافعي، ومحمد القاوجي، ومحمد الحسيني، وغيرهم، لكن بقي الشيخ الأكبر أثراً في نفس محمد رشيد هو أستاذه الشيخ الجسر.
عني محمد رشيد رضا بحفظ القرآن الكريم وحده دون أي معلم يعيد عليه ما يحفظ، وكان يفضل صلاة التهجد تحت الأشجار في بساتينهم الخالية، حيث وجد في البكاء من خشية الله، وتدبر كتاب الله في صلاة الليل لذة روحية قوية، وقرأ كتاب (إحياء علوم الدين) لأبي حامد الغزالي وتعلق به، وحبب إليه التصوف، وهو في هذه السن المبكرة من الشباب، فسلك محمد رشيد طريقه إلى التصوف على يد رجل من النقشبندية، لكنه استطاع أن يقف على أسرار هذه الرياضة الروحية بمحاسنها ومساوئها، وهو الأمر الذي هيأه في المستقبل للمناداة بإصلاح الطرق الصوفية، حيث وجد بعضها طيباً والآخر لا يقبله العقل، بل يكون أحياناً مدخلاً إلى البدع ومثاراً إلى الفتن.
بدايته شاذلية
بدأ رشيد رضا التصوف بقراءة بعض كتب الصوفية ومنها بعض الفصول من «الفتوحات المكية»، وفصول من «الفارياق»...
وقد كان يقرأ ورد السحر؛ وعندما يبلغ البيت التالي:
ودموع العين تسابقني من خوفك تجري
كان يمتنع عن قراءته؛ لأن دموعه لم تكن تجري، فكان امتناعه عن قراءة البيت حياءً من الله أن يكذب عليه.. وبعد أن تضلع بالعلم وأصول الدين أدرك أن قراءة هذا الورد من البدع.. فتركه وانصرف إلى تلاوة القرآن.
ودرس على شيخه أبي المحاسن القاوقجي ونال الإجازة في كتاب «دلائل الخيرات».. ثم بان له أن هذا الكتاب أغلبه أكاذيب على النبي - صلى الله عليه وسلم - فتركه.. وأقبل على قراءة أذكار وأوراد في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثابتة بصحيح السنة.
سلوكه الطريقة النقشبندية
يذكر رشيد في هذا المجال أن الذي حبب إليه التصوف هو كتاب «إحياء علوم الدين للغزالي»..
ثم طلب من شيخه الشاذلي محمد القاوقجي أن يسلكه الطريقة الشاذلية الصورية فاعتذر الشيخ، وقال: يا بني إنني لست أهلاً لما تطلبه، فهذا بساط قد طوي وانقرض أهله.
ثم يذكر رشيد أن صديقه محمد الحسيني قد ظفر بصوفي خفي من النقشبندية يرى أنه وصل إلى مرتبة المرشد الكامل.. فسلك رشيد طريقة النقشبندية على يديه وقطع أشواطاً كبيرة فيها، ثم يقول: «ورأيت في أثناء ذلك كثيراً من الأمور الروحية الخارقة للعادة.. كنت أتأول الكثير منها، وعجزت عن تأويل بعضها» ثم يقول: «ولكن هذه الثمرات الذوقية غير الطبيعية لا تدل على أن جميع وسائلها مشروعة أو تبيح ما كان منها بدعة كما حققت ذلك بعد».
ويصف رشيد رضا الورد اليومي في طريقة النقشبندية بأنه ذكر اسم الجلالة (الله) بالقلب دون اللسان خمسة آلاف مرة مع تغميض العينين وحبس النفس بقدر الطاقة وربط القلب بقلب الشيخ، ثم يذكر أن هذا الورد بدعة كما تبين له بعد ذلك؛ بل يصل إلى الشرك الخفي حين يربط الشخص قلبه بقلب شيخه، فإن مقتضى التوحيد أن يتوجه العبد في كل عبادته إلى الله وحده حنيفاً مسلماً له الدين.
وذكر أموراً كثيرة.. يقول عن هذه التجربة الصوفية: (وجملة القول أنني كنت أعتقد أن سلوك طريقة المعرفة وتهذيب النفس والوقوف على أسرارها جائز شرعاً لا حظر فيه، وأنه نافع يرجى به معرفة الله ما لا يوصل إليه بدونه).
من الصوفية إلى السلفية
يعبر عن هذه التجربة الصوفية بعد سنوات طويلة جداً في التصوف: " إنني قد سلكت الطريقة النقشبندية، وعرفت الخفي والأخفى من لطائفها وأسرارها، وخضت بحر التصوف ورأيت ما استقر باطنه من الدرر، وما تقذف أمواجه من الجيف، ثم انتهيت إلى مذهب السلف الصالحين، وعلمت أن كل ما خالفه فهو ضلال مبين".
وقد تأثر بمجلة العروة الوثقى ومقالات العلماء والأدباء.. فتأثر بجمال الدين الأفغاني لكنه تأثر بمحمد عبده بشدة، وأصبح شيخه الذي حرك عقله وفكره لنبذ البدع، والجمع بين العلوم الدينية والعصرية والسعي لتمكين الأمة.. ثم تأثر بشدة بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب - رحمهم الله - تعالى-.. لقد أحدثت له حركة ونشاطاً بدل الخمول وغيبة الوعي والانغماس في البدع والضلال كما في التصوف.
إنكاره على أهل الطرق الصوفية
أول حادثة قام بها علناً منكراً سلوك الطرق الصوفية، أنه ذات يوم، وبعد صلاة الجمعة، أقام أهل إحدى الطرق الصوفية ما يسميه رشيد «مقابلة المولوية» ويقول رشيد في ذلك: " حتى إذا ما آن وقت المقابلة تراءى أمامي دراويش المولوية قد اجتمعوا في مجلسهم تجاه إيوان بالنظارة، وفي صدره شيخهم الرسمي، وإذا بغلمان منهم مرد حسان الوجوه يلبسون غلائل بيض ناصعة كجلابيب العرائس، يرقصون بها على نغمات الناي المشجية، يدورون دوراناً فنياً سريعاً تنفرج به غلائلهم فتكوّن دوائر متقاربة، على أبعاد متناسبة لا يبغي بعضها على بعض، ويمدون سواعدهم، ويميلون أعناقهم، ويمرون واحداً بعد آخر أمام شيخهم فيركعون".
أزعج هذا المنظر رشيد رضا وآلمه أن تصل حالة المسلمين إلى هذا المستوى من البدع والخرافات والتلاعب في عقائد الناس وعقولهم. وكان الذي آلمه كثيراً هو أن هؤلاء بألاعيبهم البدعية قد اعتبروا أنفسهم في عبادة يتقربون بها إلى الله - سبحانه وتعالى-؛ بل يعتبرون سماع ومشاهدة ذلك عبادة مشروعة ولهذا لم يترك رشيد هذه الحادثة تمر دون أن يقوم بواجبه الإصلاحي الذي استقاه من قراءته ودراسة بمدرسته السلفية التي يدرسها من خلال مجلاتها وكتبها.
قال: " قلتُ: ما هذا؟! قيل: هذا ذكر طريقة مولانا جلال الدين الرومي صاحب المثنوي الشريف، لم أملك نفسي أن وقفت في بهوة النظارة وصحت بأعلى صوتي بما معناه... أيها الناس والمسلمون إن هذا منكر لا يجوز النظر إليه ولا السكوت عنه؛ لأنه إقرار له وإنه يصدق عليه مقترفيه قوله - تعالى -: ( الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ) [الأعراف: 51] وأنني قد أديت الواجب عليّ فاخرجوا رحمكم الله"
ثم خرج رشيد مسرعاً إلى المدينة.. وكانت لصيحته السلفية هذه أن اتبعه عدد قليل إلا أن صيحته لاقت صدى في مجتمعات الناي بين مؤيد ومعارض.
ورغم كثرة من عارضه وأنكر عليه من مشايخ الصوفية فقد صمم أن يسير في طريقه نحو إصلاح مجتمعه من هذه الضلالات والبدع، ومن الغريب في الأمر أن ممن أنكر عليه شيخه الشاذلي حسين الجسر فقد كان رأيه ألا يتعرض لأصحاب الطرق الصوفية وبدعهم لا من قريب ولا من بعيد، وقال لرشيد: إني أنصحك لك أن تكف عن أهل الطريقة، فرد عليه رشيد منكراً: «هل لأهل الطريقة أحكام شرعية غير الأحكام العامة لجميع المسلمين؟ ».
فقال: لا، ولكن لهؤلاء نية غير نية سائر الناس ووجهة غير وجهتهم، وسأل الجسر رشيد: لماذا يقصر إنكارك على أهل الطريق دون أهل اللهو والفساد، فرد عليه رشيد قائلاً: إن أهل الطريق ذنبهم أكبر من أهل اللهو لأنهم جعلوا سماع المنكر ورقص الحسان عبادة مشروعة فشرعوا لأنفسهم من الدين ما لم يأذن به الله، على أني لم أر منكراً آخر ولم أنكره.
ومع قوة حجة رشيد على أستاذه إلا أن شيخه تمسك برأيه لأن له حضرة ووجاهة!! وبقي الخلاف بينهما، واشتد بعد هجرة رشيد لمصر وإنكاره الشديد على أهل الطرق الصوفية في مجلة المنار، بعد أن رأى طرق الصوفية بمصر والبدع الكبيرة هناك وما يحصل في الموالد، وقد رد الجسر على رشيد، ورد رشيد على الجسر في مجلته.
وقد قام على القبوريين من الصوفية وغيرهم بعد استفادته من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم إضافة إلى كتاب ابن حجر (الزواجر عن اقتراف الكبائر).. وقد اطلع على كتاب للألوسي (جلاء العينين في محاكمة الأحمدين) فكان من أسباب تبصره بخلل الصوفية، ونقاء دعوة شيخ الإسلام.. وأن كلام الهيثمي وغيره لم يأت إلا من هوى وهوس الصوفية!!
الجهود العلمية والدعوية
ألقى رشيد المواعظ والدروس في المسجد معتمداً فيها على جمع أكبر عدد ممكن من الآيات في الموضوع الواحد، حتى صار لمواعظه أعظم الأثر، وأشد الوقع في النفوس، واختار من كتب التفاسير أيسرها، على حين قام هو نفسه بدور كبير في شرح الآيات القرآنية واستخلاص العبر التي تفيد جمهور المستمعين منها، واستطاع في تلك الأيام الأولى من جهاده في سبيل الإصلاح أن يثبت قدرته على الاجتهاد في الفقه، الذي اعتبره مرتبة عالية من مراتب العلم الاستقلالي بالأحكام الشرعية، وأنه هام وحيوي لإرشاد الناس لما فيه من الخير والهداية.
في الوقت الذي دخل فيه محمد رشيد ميدان الإصلاح في قريته بدافع من ميوله الفطرية وقدراته العلمية، كانت أنظار العالمين والعربي والإسلامي قد اتجهت نحو مصر، حيث انطلقت منها حركة إصلاحية كبرى، وترامت أنباء هذه الحركة إلى مسامع محمد رشيد عن طريق الجماعة المصرية التي أقامت في منزل والد رشيد عند نفيهم من مصر، لاشتراكهم في ثورة أحمد عرابي على الخديوي توفيق، وكانت تصل إلى هذه الجماعة المصرية جريدة العروة الوثقى سراً، وهي الجريدة التي كان يصدرها جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده بعد نفيهما من مصر، واجتماعهما في فرنسا.
قوي اتصال محمد رشيد رضا بجريدة العروة الوثقى، التي وجهته للسعي في الإصلاح الإسلامي العام، ورسمت له منهجاً علمياً جديداً للإصلاح بعد أن عرفته بأسباب الفساد والتفكك في بلاد الشرق، وفتحت له آفاقاً واسعة لم يكن يعرف عنها شيئا ودفعت به إلى الطريق الطويل الذي سلكه كبار المصلحين وقادة التحرير.
استطاع رشيد رضا أن يتصل بجمال الدين الأفغاني الذي نادى بالإصلاح والتجديد عن طريق السياسة، وكذلك اتصل بمحمد عبده الذي نادى بالإصلاح والتجديد عن طريق التربية والتعليم، وخرج رشيد بعد تعرفه على منهجي أستاذيه بمنهج خاص جعله يمزج بين المنهجين السابقين.
في ظل الأحداث التي وقعت في سورية، والتي حدت من انطلاقة رشيد رضا في الإصلاح بسبب تشدد الولاة العثمانيين. أخذ رشيد يتطلع إلى الهجرة نحو مصر.
وحتى يقوم برحلته إلى القاهرة ادخر نفقاتها من أجرة تحرير الحجج والعقود، ومن ثم تسلل إلى إحدى السفن المتجهة إلى ميناء الإسكندرية، فوصلها في مساء الجمعة الموافق (8 من رجب 1315ه= 3 من يناير 1898م)، وبعد أيام قضاها في زيارة بعض مدن الوجه البحري نزل القاهرة، واتصل على الفور بالإمام محمد عبده، وبدأت رحلة جديدة لرشيد رضا، كانت أكثر نتاجًا وأعظم تأثيرًا في تفكيره ومنهجه الإصلاحي.
ولم يكد يمضي شهر على نزول رشيد رضا مدينة القاهرة حتى فاتح أستاذه بأنه ينوي أن يجعل من الصحافة ميدانًا للعمل الإصلاحي، وأن الرسالة التي نذر لها نفسه والتي هاجر من أجلها هي إصدار مجلة تكون ترجمانًا لفكر المدرسة الإصلاحية، ودارت مناقشات طويلة بين الرجلين حول سياسة الصحف وأثرها في المجتمع، وحدّد الشيخ محمد عبده منهاج المجلة بأن لا تتحيز لحزب من الأحزاب، ولا تهتم بالرد على ذام أو منتقد، ولا تخدم أحدًا ممن يسميهم الناس كبراء.
وصدر العدد الأول من «المنار» في (22 من شوال 1315ه = 17مارس 1898م) وكانت أسبوعيةً، يتألف كل عدد منها من ثماني صفحات كبيرة على صورة الجريدة اليومية. وبعد عام من الصدور صارت المنار تصدر على شكل مجلة أسبوعية، ثم أصبحت في العام التالي تصدر مرتين في الشهر، وبعد عدة سنوات صارت تصدر مرةً في كل شهر عربي، وكانت المنار تطبع في أول عهدها في مطبعة جريدة المؤيد التي كان يملكها الشيخ «علي يوسف»، ثم اشترى «رشيد رضا» مطبعةً خاصةً لمجلته.
موضوعات المنار وقضاياها الفكرية
كانت المجلة تستهل صفحاتها بتفسير القرآن الكريم، وهو إما بقلم الأستاذ الإمام محمد عبده أو بقلم رشيد رضا، ثم تأتي فتاوى المنار عن الأسئلة التي ترد إليها من مختلف البلدان، ثم تأتي بعد ذلك المقالات الدينية أو الاجتماعية أو التاريخية أو بعض الخطب المهمة للشيخ أو لغيره من كبار الخطباء، ولم تقتصر المجلة على البحوث الدينية، بل فتحت صفحاتها لمقالات متنوعة تعالج الصحة والطب والسنن الكونية، وأفردت مساحات للأدب والشعر والقصة والبحوث اللغوية.
اتخذ رشيد رضا من «المنار» منبراً لبث أفكاره في الإصلاح الديني والاجتماعي والإيقاظ العلمي والسياسي، وكان يحرص على عرض كل ما يكتبه من مقالات على الشيخ محمد عبده، ويستمع إلى توجيهاته وإرشاده، وظل قلم رشيد رضا يصول في المنار ويجول مرشداً المسلمين إلى النظر في سوء حالهم، وتذكيرهم بما فقدوه من سيادة الدنيا وهداية الدين، وما أضاعوه من مجد آبائهم الأولين، فنادى بأن يعلموا أن قيمة الدين ليست في أسراره الروحانية فقط، بل أيضا في الحقيقة التي يعلمها للإنسانية، وهي أن سعادة المرء في هذه الحياة الدنيا والحياة الأخرى تتوقف على معرفته بسنن الله التي تضبط هداية البشر أفراداً وجماعات، وعلى المسلمين أن يدرسوا هذه السنن ثم يسيروا عليها في يقين وإيمان.
وقد حملت المجلة رسالة مدرسة الإحياء والتجديد إلى كل أقطار العالم الإسلامي، فعنيت بإصلاح العقيدة وتنقيتها من شبهات الشرك والبدع والخرافات، ودافعت عن الشريعة الإسلامية وعلومها واللغة العربية وفنونها، ونشرت الفتاوى المعاصرة التي تفقه الأحكام وتفقه الواقع الجديد، وأخذت على عاتقها الدفاع عن وحدة الأمة والجامعة الإسلامية، وأيدت الدولة العثمانية، ووقفت إلى جوارها، مع الدعوة إلى إصلاح مفاسدها وتلافي عيوب إدارتها.
وهاجمت المجلة العادات السيئة التي تسربت إلينا من الغرب نتيجة الاتصال بهم، وفي الوقت نفسه دعت إلى ضرورة مسايرة أوروبا في مجال العلوم الحديثة، كما دعت إلى الإصلاح الاقتصادي الذي يحرر اقتصاديات المسلمين من النهب الاستعماري، وحاربت المجلة التنصير ودعاته عبر العالم الإسلامي، ودعت إلى المسلمين بأدوات مقاومة شبهات التنصير ومفترياته.
واهتمت المجلة بالدعوة إلي إقامة المجتمعات والمؤسسات العلمية والاجتماعية والخيرية؛ لتكون جهود الأمة في الإصلاح أكثر جدوى وأعظم تأثيرًا، وأكدَّت على منهاج التدرج في الإصلاح؛ لأن صياغة الإنسان صياغةً إسلاميةً وتكوين صفوة العلماء والمفكرين، وتهيئة الواقع لتقبل المنهج الإسلامي، لابد فيه من التدرج.
وكان رشيد رضا يحرر معظم مادة مجلته على امتداد عمرها، ويمده في ذلك زاد واسع من العلم، وإلمام دقيق بالتراث الإسلامي، وفهم واعٍ للقرآن وعلومه، ودراية واسعة بالفقه والحديث، وإدراك بصير لأحوال مجتمعه وعلله وأمراضه، وخبرة عظيمة بأحوال المسلمين في أقطارهم المختلفة.
وشارك رشيد رضا في الكتابة في «المنار» عدد من نوابغ الأمة الذين ينتمون إلى أقطار مختلفة، مثل: الشيخ أحمد الاسكندري، والرافعي والمنفلوطي، وعبد المحسن الكاظمي، ومحمد روحي الخالدي، وشكيب أرسلان، وعبد القادر المغربي وغيرهم من قادة الفكر والتوجيه في العالم الإسلامي.
وقد لقيت المجلة إقبالاً في العلام الإسلامي، وامتد تأثيرها في أقطاره، وصار لها مؤيدون ومحبون، وواصلت المجلة سيرها في ظل ظروف حرجة وأزمات مالية ومنافسة من المجلات الأخرى، وهجوم مَّمن ضاقوا بفكرتها الإصلاحية، ولم يكن الشيخ يملك جاهًا أو سلطانًا يعينه على مواصلة الصدور، ولكن الله عوضه عن ذلك بهمة عالية وعزيمة صادقة، ونفس قوية تصمد للأزمات والأعاصير، فاستمرت المجلة في الصدور حتى توقفت تمامًا بعد وفاة الشيخ رشيد رضا في (27 من جمادى الأولي 1354ه = 22 من أغسطس 1932م) بعد عطاء دام نحوًا من أربعين عامًا هجريًا، كانت خلالها ديوان النهضة الإسلامية.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 20-12-2019, 05:13 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,988
الدولة : Egypt
افتراضي رد: محمد رشيد رضا

المنار بعد رشيد رضا
توقفت المجلة سبعة أشهر بعد وفاة الشيخ رشيد، ثم أسندت رئاسة تحريرها إلى الشيخ بهجة البيطار من علماء سوريا، فقام على تحريرها، وحاول إكمال التفسير الذي كان يقوم به الشيخ، فأتم تفسير سورة يوسف، ثم توقفت المنار مرةً ثانيةً لمدة ثلاثة سنوات تقريبًا.
ثم أسندت أسرة الشيخ إعادة إصدار المنار إلى فضيلة الشيخ «حسن البنا» المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، وكان ممن يحضر دروس الشيخ رشيد، وتربوا في مدرسة المنار الفكرية، فأصدرت العدد الأول الجديد في (غرة جمادى الآخر 1358ه = 18 من يوليو 1939م)، وكان لرجوعها مرةً أخرى صدىً واسع، عبَّر عنه الشيخ «محمد مصطفى المراغي» شيخ الأزهر بكلمة في افتتاحية المجلة، قدَّم فيه حسن البنا إلى قراء المنار، مشيدًا بعلمه وقدرته، فكان مما قال:
" والآن وقد علمت أن الأستاذ حسن البنا يريد أن يبعث المنار ويعيد سيرتها الأولى فسرني هذا فإن الأستاذ البنا رجل مسلم غيور على دينه، يفهم الوسط الذي يعيش فيه، ويعرف مواضع الداء في جسم الأمة الإسلامية ويفقه أسرار الإسلام، وقد اتصل بالناس اتصالاً وثيقاً على اختلاف طبقاتهم وشغل نفسه بالإصلاح الديني والاجتماعي على الطريقة التي كان يرضاها سلف هذه الأمة، وبعد فإني أرجو الأستاذ البنا أن يسير على سيرة السيد رشيد رضا، وأن يلازمه التوفيق كما صاحب السيد رشيد رضا، والله هو المعين، عليه نتوكل وبه نستعين" [مذكرات الدعوة والداعية، حسن البنا، ص253]
وواصلت المجلة صدور أعدادها لمدة أربعة عشر شهرًا بطيئة الخطى، فصدر منها ستة أعداد، ثم حالت ظروف حسن البنا في استكمال الإصدار، فقد كانت أعباؤه كثيرة وثقيلة فحالت بينه وبين ما يشتهي ويحب.
وفاة محمد عبده واتجاه رشيد رضا للمنهج السلفي
كان الشيخ محمد عبده يعرف للسيد رشيد غزارة علمه وسعة باعه واطلاعه في العلوم، ويعرف له قدرته على الكفاح والنضال وشغفه بتأدية رسالة العلم والإصلاح فرشحه في مرض موته أن يكون خليفة له بهذه الأبيات التالية:
فيا رب إن قدرت رجعي قريبة *** إلى عالم الأرواح وانفض خاتم
فبارك على الإسلام وارزقه مرشداً *** (رشيدا) يضيء النهج والليل قائم
فتوفي الشيخ محمد عبده سنة (1323ه = 1905م) وخلفه الشيخ رشيد رضا فصمد في ميدان الكفاح والقيام بأعباء الدعوة والإصلاح حتى آخر رمق من حياته -يرحمه الله -.
مات أستاذه محمد عبده سنة (1323 ه)، وهذا يعني أنه عاش في صحبته حوالي سبع سنين، واستمرت المنار ثلاثين عاماً بعد موت محمد عبده، واستمر عطاء رشيد رضا الذي يكاد لا ينضب، وخلال هذه المرحلة صلح حاله وأقبل على كتب السنة ينهل منها، ويعترف في مقدمة المنار بأنه خالف منهج محمد عبده بعد وفاته:
" هذا وإنني لما استقللت بالعمل بعد وفاته خالفت منهجه - رحمه الله تعالى -بالتوسع فيما يتعلق بالآية من السنة الصحيحة، سواء كان تفسيراً لها أو في حكمها، وفي تحقيق بعض المفردات أو الجمل اللغوية والمسائل الخلافية بين العلماء، وفي الإكثار من شواهد الآيات في السور المختلفة، وفي بعض الاستطرادات لتحقيق مسائل تشتد حاجة المسلمين إلى تحقيقها، بما يثبتهم بهداية دينهم في هذا العصر، أو يقوي حجتهم على خصومهم من الكفار والمبتدعة.."
رشيد رضا ومنهجه في الإصلاح
كتب رشيد مئات المقالات والدراسات التي تهدف إلى إعداد الوسائل للنهوض بالأمة وتقويتها، وخص العلماء والحكام بتوجيهاته؛ لأنهم بمنزلة العقل المدبر والروح المفكر من الإنسان، وأن في صلاح حالها صلاح حال الأمة، وعبر عن ذلك بقوله: «إذا رأيت الكذب والزور والرياء والنفاق والحقد والحسد وأشباهها من الرذائل فاشية في أمة، فاحكم على أمرائها وحكامها بالظلم والاستبداد وعلى علمائها ومرشديها بالبدع والفساد، والعكس بالعكس».
ويقول العلامة محمد رشيد رضا - رحمه الله - في المنار 4/232 ما نصه: " واعلم أنه لا مفسدة أضر على الدين وأبعث على إضاعة الكتاب ونبذه وراء الظهر واشتراء ثمن قليل به من جعل أرزاق العلماء ورتبهم في أيدي الأمراء والحكام، فيجب أن يكون علماء الدين مستقلين تمام الاستقلال دون الحكام لاسيما المستبدين منهم وإنني لا أعقل معنى لجعل الرتب العلمية ومعايش العلماء في أيدي السلاطين والأمراء إلا جعل هذه السلاسل الذهبية أغلالا في أعناقهم يقودونهم بها إلى حيث شاءوا من غش العامة باسم الدين وجعلها مستعبدة لهؤلاء المستبدين، ولو عقلت العامة لما وثقت بقول ولا فتوى من عالم رسمي مطوّق بتلك السلاسل".
وكان الشيخ رشيد رضا من أشد الداعين إلى أن يكون الإصلاح عن طريق التربية والتعليم، وهو في ذلك يتفق مع شيخه محمد عبده في أهمية هذا الميدان، وحدد العلوم التي يجب إدخالها في ميدان التربية التعليم لإصلاح شئون الناس، ودفعهم إلى مسايرة ركب العلم والمعرفة، ومن هذه العلوم: الفقه وأصول الدين، والتاريخ والجغرافيا، والاجتماع، والاقتصاد، والتدبير المنزلي، وحفظ الصحة، ولغة البلاد والخط.
وقرن الشيخ رشيد دعوته إلى إصلاح التعليم بالعمل، وحاول تطبيق ما يراه محَّققًا للآمال، فأنشأ مدرسة «دار الدعوة والإرشاد» لتخريج الدعاة المدربين لنشر الدين الإسلامي، وافتتحت في ليلة الاحتفال النبوي سنة (1330ه = 1912م) في جزيرة الروضة بالقاهرة، وكانت المدرسة تقبل شباب المسلمين ممن تتراوح أعمارهم ما بين العشرين والخامسة والعشرين، على أن يكونوا قد حصلوا قدرًا من التعليم يمكنهم من مواصلة الدراسة، غير أن المدرسة كانت في حاجة إلى دعم قوي لاستمرار رسالتها، وحاول رشيد رضا أن يستعين بالدولة العثمانية في إقامة مشروعها فلم يفلح، ثم جاءت الحرب العالمية الأولى لتقضي على هذا المشروع، فتعطلت الدراسة في المدرسة التي أغلقت أبوابها.
وكان الشيخ رشيد يميل إلى الوحدة ويكره الفرقة بين المسلمين، ويدعو إلى وضع الوسائل التي تعين على ذلك، فاقترح تأليف كتاب يضم جميع ما اتفقت عليه كلمة المسلمين بكل فرقهم في المسائل التي تتعلق بصحة الاعتقاد وتهذيب الأخلاق، والابتعاد عن مسائل الخلاف بين الطوائف الإسلامية الكبرى، كالشيعة، وأرسل نسخًا بعد ذلك من هذا الكتاب إلى جميع البلاد الإسلامية، وحث الناس على دراستها، كما طالب بتأليف كتب تهدف إلى توحيد الأحكام الفقهية على الأسس المتفق عليها في جميع المذاهب الإسلامية وتتفق مع مطالب العصر، ثم تعرض على سائر علماء المسلمين للاتفاق عليها والتعاون في نشرها وتطبيق أحكامها.
خلاصة منهجه الإصلاحي
نعيد للأذهان أننا نتحدث عن دعوة الشيخ رشيد رضا في المرحلة التي تلت وفاة شيخه محمد عبده (1905م- 1935م)، ونلخص أهم ما دعا إليه في النقاط التالية:
1- كان ملتزماً بمنهج أهل السنة والجماعة، وكان يحرص على أخذ أدلته من الكتاب والسنة، ويهتم بتخريج الأحاديث، ومعرفة الصحيح من الضعيف أو الموضوع، وانتهج مذهب السلف في الأسماء والصفات.
2 - من أهم ما دعا إليه نبذ التقليد، والتحذير من البدع والخرافات، والتنديد بمناهج الصوفيين وبيان ما وقعوا فيه من انحرافات وضلالات، وموقف رجال عصره من البدع والتقليد يختلف عن موقف رجال وعلماء عصرنا.
لقد عاصر - رحمه الله - هيمنة أصحاب البدع والخرافات على شئون العالم الإسلامي ومقدراته، فالسلطان عبد الحميد كان صوفياً نقشبندياً، وبقربه قبع أبو الهدى الصيادي يأمر وينهى مدة لا تقل عن ثلاثين عاماً، وكان يوغر صدر السلطان عبد الحميد ضد كل جديد ومجدد.. وكان اسم وظيفته الرسمية مشيخة المشايخ أو شيخ مشايخ الطرق الصوفية ونقيب الأشراف.
وفي مصر خاض السيد رشيد معركة حامية الوطيس ضد الخرافيين والمبتدعين.. وردوا من جهتهم له الصاع صاعين، وحاولوا تشويه سمعته، وبالغوا في الإساءة إليه، ولا نعدو الحقيقة إذا قلنا: كان رشيد رضا أول داعية في العصر الحديث يتصدى للمبتدعين والخرافيين، وكان ينطلق في مواجهتهم من التزامه بمنهج أهل السنة والجماعة.
3 - كان بارعاً في ربطه بين التصورات والمفاهيم الإسلامية، وبين واقع العصر وذلك لأنه كان من العلماء المعدودين في عصره، وكان باعه طويلاً في العقائد والتفسير والحديث والفقه والأصول وعلوم اللغة العربية والعلوم الاجتماعية، كما كان إلمامه بمشكلات العصر جيداً وذلك بسبب أسفاره ومخالطته لعدد من علماء الغرب وفلاسفتهم، وكان يعرف أفكارهم وطروحاتهم، وله ردود جيدة عليهم في كتابه (الوحي المحمدي) وفي مجلة المنار.
4 - كان داعية من دعاة الإصلاح، ولقد هاجم الترف والإسراف، وحذر من الجهل والتخلف والخوف من الظالمين، ونادى بالشورى وندد بالاستبداد والمستبدين، ودعا علماء الأمة إلى القيام بواجبهم في الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
5- رأى أن تنفير العرب من الترك مفسدة من أضر المفاسد وإن من يسعى إلى التفرقة بيننا وبينهم فهو عدو لنا ولهم.
6- عندما قام الاتحاديّون الأتراك بالثورة على السلطان عبد الحميد سنة (1908م) وأجبروه على إعلان الدستور، كان رشيد رضا مثل غيره من الزعماء والمفكّرين العرب، ممن هلّلوا للانقلاب اعتقاداً منهم بأنّ إعلان الدستور هو بمثابة إطلالة عهد جديد تسوده الحريّة، غير أنه لم يلبس في العام التالي أن أصيب بخيبة أمل شديدة في الاتحاديّين، على إثر زيارته للقسطنطينية؛ ولما تأكّد من أنّ الاتحاديّين ماضون في سياستهم، أخذ يكشف أوراقهم، ويبيّن خطر سياستهم، لا على فلسطين بل على الأمّة الإسلاميّة كلّها، فتناول كيفيّة تواطؤ الاتحاديّين مع الصهاينة لبيعهم أراضي السلطان عبد الحميد، ومساعدتهم في الاستيلاء على فلسطين، ووصف جمعيّتهم بأنّها جمعيّة الأحمرين (الذهب والدم)؛ وقال: أمّا كونها -ويقصد جمعيّة الاتحاد والترقي- جمعيّة دم وثورة فهو صفتها الرسميّة، وأمّا كونها جمعيّة ذهب فلا يخفى على أحد أنهم نهبوا أموال السلطان عبد الحميد خان، وصادروا أكثر أموال الأمّة، وباعوا البوسنة والهرسك للنمسا، وطرابلس الغرب لإيطاليا، واتفقوا مع الجمعيّة الصهيونيّة على بيعها أراضي السلطان عبد الحميد الواسعة، وعلى تمهيد الأسباب لامتلاك البلاد المقدّسة، وإقامة ملك إسرائيل فيها.
7- حارب الماسونيّة على صفحات المنار قائلا: من الحقائق الثابتة الخفية أن الجمعيّة الماسونيّة التي ثلّت عروش الحكومات الدينيّة في أمم أوروبا والترك والروس هي من كيد اليهود، وهم أصحاب السلطان الأعظم فيها. وقال: ومن غرائب اليهود وقدرتهم التي فاقوا بها جميع شعوب البشر أن الغرض السياسي النهائي لهم من هذه الجمعيّة هو: تأسيس دولة يهوديّة في مهد الدولة الإسرائيليّة التي أسّسها داود وأتمها سليمان، باني هيكل الدين اليهودي في أورشليم على جبل صهيون، ولهذا سمّوها جمعيّة البنائين الأحرار، ويريدون بهم الذين بنوا هيكل سليمان.
ومن أجل مكافحة الصهيونيّة ودرء خطرها حذّر من بيع الأراضي لليهود أو لغيرهم من الأجانب، وقال: إنني أعتقد أنّ الذين باعوا أرضهم لليهود لم يكونوا يعلمون أن بيعها خيانة لله ولرسوله ولدينه وللأمة كلّها، كخيانة الحرب مع الأعداء لتمليكهم دار الإسلام وأهلها، وهذا أشدّ أنواعها؛ واقترح على العرب جمع قواهم كلّها لمقاومة الصهيونيين بكل طرق المقاومة، وأوّله تأليف الجمعيّات والشركات وآخرها تأليف العصابات المسلّحة التي تقاومهم بالقوة.
8- كشف عن وجه بعض القوى العالميّة التي تقف وراء الحركة الصهيونيّة، فقال: إنّ إنكلترا لا تزال ممعنة في إرهاب عرب فلسطين، وانتزاع وطنهم منهم، وإعطائه لليهود الصهيونيين، لتجد لهؤلاء ملكاً في قلب البلاد العربيّة، حاجزاً بين مصر والحجاز وفلسطين، مما يمنع قيام دولة عربيّة إسلاميّة قويّة وموحّدة، تقف في وجه الاستعمار الأوروبي، فتضمن بذلك مصالحها في الشرق الأدنى والشرق الأقصى.
9- دعا إلى وحدة المسلمين، والدفاع عن الإسلام والشريعة، وتصحيح عقائد المسلمين، وجمع بين العمل في ميدان الفكر الإسلامي والإصلاح السياسي.
10- وأولى العلم والعلماء رعاية خاصّة، وروّج لفكرة دعوة اليابان لاعتناق الإسلام.
التقارب بين السنة والشيعة
سعى رشيد رضا كثيرا من أجل التقارب السني الشيعي، وقامت علاقات طيبة بينه وبين عدد من أعلام الرافضة منهم صاحب مجلة «العرفان» والمدعو هبة الدين الشهرستاني النجفي، والمدعو عبد الحسين العاملي صاحب المراجعات والمدعو محي الدين عسيران، وظن رشيد رضا أن أصحابه هؤلاء من المعتدلين لكنه فوجئ بكتاب للمدعو محسن الأمين العاملي اسمه «الرد على الوهابية» ثم ظهر له كتاب آخر اسمه «الحصون المنيعة، في الرد على ما أورده صاحب المنار في حق الشيعة» فعلم صاحب المنار أن الاعتدال الذي كان يتظاهر به أصحابه الشيعة ليس إلا تقية ونفاقا، وتأكد من ذلك عندما راح صديقه صاحب مجلة العرفان يشيد بكتب معدوم الأمانة محسن العاملي.
ووجد رشيد رضا نفسه مضطرا للرد على أباطيلهم، وبيان الحق الذي حاولوا طمسه فكتب رسالته الأولى التي أسماها «السنة والشيعة» وبين فيها مذهب أهل الرفض الذين يزعمون أن الصحابة قد حذفوا آيات من القرآن، والسنة عندهم هي قول إمامهم المعصوم أو فعله أو تقريره، وأخيرا كشف وقاحتهم على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولعنهم لأبي بكر وعمر - رضي الله عنهم - وزعمهم أن معظم الصحابة قد ارتدوا. وأجمل ما في كتاب رشيد رضا رسالتان تبادلهما علامة العراق الآلوسي وعلامة الشام جمال الدين القاسمي في الرد على محسن العاملي، ويبدو أن القاسمي كان قد كتب للآلوسي في أمر الكتابين الصادرين عن العاملي، فأجابه الآلوسي مؤكدا أن الرافضة يقولون بتحريف القرآن وإنكار السنة وكان مما قاله:
وأما العترة أي زعمهم بأخذ أصولهم عن العترة، فعلم أن الروافض زعموا أن أصح كتبهم أربعة: الكافي، وفقه من لا يحضره الفقيه، والتهذيب، والاستبصار، وقالوا إن العمل بما في هذه الكتب الأربعة من الأخبار واجب، وبدأ الآلوسي بنقد رواة هذه الكتب وهم بين فاسد المذهب كابن مهران وابن بكير، ووضاع كجعفر القزاز وابن عياش، وكذاب كمحمد بن عيسى، ومجاهيل كابن عمار وابن سكرة، ومجسمة كالهشامين وشيطان الطاق المعبر عنه لديهم بمؤمنة.
ثم تتبع الآلوسي شركيات الرافضة في العقيدة والعبادة ولا عجب أن ينالوا من أعلامنا لأنهم قالوا بكفر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وردتهم، واستدل بقول الشاعر:
إن الروافض قوم لا خلاق لهم *** من أجهل الناس في علم وأكذبه
وقال صاحب المنار أنه حذف عبارات من رسالة الآلوسي لأنها جاءت قاسية، وليته لم يفعل، فرسالة «السنة والشيعة» لرشيد رضا تتضمن شهادة عالمين جليلين: القاسمي والآلوسي إضافة إلى شهادة المؤلف وجميعهم قالوا بفساد عقيدتهم واستحالة الالتقاء معهم. [خميني العرب حسن نصر الله والرافضة الشيعة.. الشر الذي اقترب /د. سيد العفاني ص 307-309]
مسيرة النضال
دخل رشيد رضا ميدان السياسة، وعمل على نقد الدولة العثمانية والاشتراك عملياً في محاولات إصلاح الأوضاع فيها، وترأس (جمعية الشورى العثمانية) المؤلفة من العثمانيين المنفيين إلى مصر، حيث كانت هذه الجمعية ترسل منشوراتها السرية إلى سائر أرجاء البلاد العثمانية حتى أقلقت مضاجع السلطان. كما أخذ رشيد رضا في مجلته «المنار» يهاجم استبداد الدولة، وكشف عن قدرة فريدة في فهم الأوضاع التي أحاطت بالدولة العثمانية والبلاد العربية.
بعد الثورة العربية الكبرى وهزيمة الأتراك، تم الاتفاق بين إنجلترا وفرنسا على اقتسام الوطن العربي... وهذا ما سبق ونبه إليه رشيد رضا في مجلته «المنار»، كما حذر الزعماء العرب من الوقوع في حبائل الوعود البراقة والأماني الخادعة من فرنسا وبريطانيا، مما جعله يشرع بإرسال كتب إلى رؤساء وزارتي إنجلترا وفرنسا ينصحهم بالابتعاد عن المساس بحقوق العرب والغدر بهم، كما أتيحت له فرصة ذهبية ليندد بالاستعمار وأعماله في البلاد العربية حين قرر قادة العرب عقد مؤتمر في جنيف للدفاع عن القضايا العربية، ووقع الاختيار على رشيد رضا ليكون نائباً لرئيس هذا المؤتمر، حيث أسهم بقسط وافر من تجاربه وآرائه القيمة في وضع نداء للمجتمع الدولي وعصبة الأمم المتحدة للنظر في الحقوق العربية.
كما اشتهر رشيد رضا بالشدة في الحق والصدق في الحديث بكل ما يدلي به من آراءه، حين كان على رأس الوفد السوري الفلسطيني المبعوث إلى الأمم المتحدة لشرح القضايا العربية وكسب تأييدهم، وأكد لهم أن الشرق قد استيقظ وعرف نفسه ولن يرضى بعد اليوم أن تكون شعوبه ذليلة مستعبدة للطامعين المستعمرين.
الثمرات
ظل رشيد رضا يتابع رسالته في «المنار» بالدفاع عن الأمة العربية والأخذ بيدها، وتنبيه أبناء الأمة العربية إلى خطر الصهيونية، وإلى تبنى الاستعمار لها، ليجعل منها وسيلة لتحقيق مآربه في تحطيم وحدة الوطن العربي، ونادى في مقالاته بعد أن اشتد خطر الاستعمار والصهيونية، على ضرورة جمع كلمة العرب، وظل هكذا حاملاً لواء الجهاد في سبيل الإسلام والعروبة إلى أن انتقل إلى الملأ الأعلى في يوم22/8/1935م، تاركاً وراءه تراثاً كبيراً من الأعمال العلمية نذكر منها:
1. مؤلفه الأول الذي دونه أثناء طلبه للعلم في الشام «الحكمة الشرعية في محاكمة القادرية والرفاعية».
2. « مجلة المنار» وهي المعلمة الإسلامية الكبرى، والكنز الذي احتوى ثمار تجارب رشيد رضا وآرائه في الإصلاح الديني والسياسي... لقد أخذت المنار معظم وقته، وهي بلا شك أعظم أعماله، فقد استمرت من سنة (1316ه = 1899م) إلى سنة (1354 = 1935م)، واستغرقت ثلاثة وثلاثين مجلدًا ضمت 160 ألف صفحة.
3. تاريخ الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده وما جرى بمصر في عصره.
4. حقوق النساء في الإسلام.
5. الوحي المحمدي.
6. المنار والأزهر.
7. ذكر المولد النبوي.
8. الوحدة الإسلامية.
9. يسر الإسلام وأصول التشريع العام.
10. الخلافة أو الإمامة العظمى.
11. الوهابيون والحجازيون.
12. السنة والشيعة.
13. مناسك الحج، أحكامه وحكمه.
14. تفسير القرآن الكريم، المعروف بتفسير المنار. الذي استكمل فيه ما بدأه شيخه محمد عبده الذي توقف عند الآية (125) من سورة النساء، وواصل رشيد رضا تفسيره حتى بلغ سورة يوسف، وحالت وفاته دون إتمام تفسيره، وهو من أجل التفاسير، قال في مقدّمته:
" كان من سوء حظ المسلمين، أن أكثر ما كتب في التفسير، يشغل قارئه عن مقاصد القرآن العالية، وهدايته السامية، فمنحها ما يشغله عن القرآن بمباحث الإعراب، وقواعد النحو، ونكت المعاني، ومصطلحات البيان. ومنها ما يشغله عنه بجدل المتكلمين، وتخريجات الأصوليين، واستنباط الفقهاء المقلّدين، وتأويلات المتصوّفين، وتعصّب المذاهب والفرق بعضها على بعض، وبعضها يلفته عنه بكثرة الروايات، وما مزجت به من خرافات الإسرائيليّات، وقد زاد الفخر الرازي صارفاً آخر عن القرآن هو ما يورده في تفسيره من العلوم الرياضيّة، والطبيعيّة، وغيرها من العلوم الحادثة في الملّة على ما كانت عليه في عهده كالهيئة الفلكيّة اليونانيّة وغيرها، فكانت الحاجة إلى تفسير تتوجه العناية الأولى فيه إلى هداية القرآن، على الذي يتفق مع الآيات الكريمة المنزّلة في وصفه، وما أنزل لأجله من الإنذار، والتبشير، والهداية، والإصلاح".
15. حقيقة الربا. " وللشيخ محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية - رحمه الله - رسالة في الرد على رشيد رضا، اسمها «الروضة الندية في الرد على من أجاز المعاملات الربوية» وهي رد على أحمد محمد محجوب وفتوى الربا والمعاملات في الإسلام لرشيد رضا"
16. مساواة الرجل بالمرأة.
17. رسالة في حجة الإسلام الغزالي.
18. المقصورة الرشيدية.
وللسيد رشيد رضا غير هذه المؤلفات ساقها شكيب أرسلان في كتابه «محمد رشيد رضا أو إخاء أربعين سنة» وقال عنها بالحرف الواحد: " هذه مؤلفات هذا الرجل الذي لم يضع ساعة واحدة من حياته بلا عمل مفيد للإنسانية عموماً وللإسلام خصوصاً".
ثناء العلماء عليه
• قال شكيب أرسلان:
" ويطول العهد بعد الأستاذ الأكبر السيد رشيد -فسح الله في أجله- حتى يقوم في العالم الإسلامي من يسد مسده في الإحاطة والرجاحة وسعة الفكر وسعة الرواية معاً والجمع بين المعقول والمنقول والفتيا الصحيحة الطالعة كفلق الصبح في النوازل العصرية والتطبيق بين الشرع والأوضاع المحدثة مما لا شك أن الأستاذ الأكبر فيه نسيج وحده انتهت إليه الرئاسة لا يدانيه فيه مدان مع الرسوخ العظيم في اللغة والطبع الريان من العربية والقلم السيال بالفوائد في مثل نسق الفرائد والخبر بطبائع العمران وأحوال المجتمع الإنساني ومناهج المدنية وأساليبها وأنواع الثقافات وضروبها إلى المنطق السديد الذي لم يقارع به خصماً مهما علا كعبه إلا أفحمه وألزمه ولا نازل قرناً كان يستطيل على الأقران إلا رماه بسكاته وألجمه. وأجدر بمجموعة «المنار» أن تكون المعلمة الإسلامية الكبرى التي لا يستغني مسلم في هذا العصر عن اقتنائها: [حاضر العالم الإسلامي: المجلد الأول، الجزء الأول، ص 284، والسيد رشيد رضا أو إخاء أربعين سنة: تأليف شكيب أرسلان، ص 15، مطبعة ابن زيدون بدمشق]
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 20-12-2019, 05:14 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,988
الدولة : Egypt
افتراضي رد: محمد رشيد رضا

• قال الشيخ ابن باديس:
" لقد كان الأستاذ نسيج وحده في هذا العصر فقهاً في الدين، وعلماً بأسرار التشريع، وإحاطة بعلوم الكتاب والسنّة، ذا منزلة كاملة في معرفة أحوال الزمان وسير العمران والاجتماع، وكفى دليلاً على ذلك ما أصدره من أجزاء التفسير، وما أودعه مجلّة المنار في مجلّداتها التي نيفت على الثلاثين، وما أصدره من غيرهما مثل «الوحي المحمّدي» الذي كان أحبّ كتبه إليه، وإنّ ما كان يقوم به من عمل في تفسير القرآن لا تستطيع أن تقوم به من بعده إلاّ لجنة من كبار العلماء، فهل يكون من رجال الأزهر من يتقدّمون لخدمة الإسلام بتتميم هذا العمل الجليل؟"
• قال العلامة المحدث الشيخ محمد ناصر الدين الألباني:
" السيد محمد رشيد رضا - رحمه الله - له فضل كبير على العالم الإسلامي، بصورة عامة، وعلى السلفيين منهم بصورة خاصة، ويعود ذلك إلى كونه من الدعاة النادرين الذين نشروا المنهج السلفي في سائر أنحاء العالم بوساطة مجلته المنار،.. ويقول أيضاً: فإذا كان من الحق أن يعترف أهل الفضل بالفضل لذوي الفضل، فأجد نفسي بهذه المناسبة الطيبة مسجلاً هذه الكلمة، ليطلع عليها من بلغته، فإنني بفضل الله - عز وجل -، بما أنا فيه من الاتجاه إلى السلفية أولاً وإلى تمييز الأحاديث الضعيفة والصحيحة ثانياً يعود الفضل الأول في ذلك إلى السيد رضا - رحمه الله - عن طريق أعداد مجلته المنار التي وقفت عليها في أول اشتغالي بطلب العلم". [حياة الألباني وآثاره وثناء العلماء عليه: 1/ 400، وذكر الشيخ ناصر في المصدر نفسه بعض أخطاء رشيد رضا]
• يستعيد الشيح محمد الإبراهيمي ذكرياته مع ابن باديس فيقول:
" ولا أنسى مجلساً كنا فيه على ربوة من جبل قاسيون في زيارة من زياراته لي، وكنا في حالة حزن لموت الشيخ «رشيد رضا» قبل أسبوع من ذلك اليوم، فذكرنا تفسير المنار، وأسفنا لانقطاعه بموت صاحبه فقلت له: ليس لإكماله إلا أنت، فقال لي: ليس لإكماله إلا أنت، فقلت له: حتى يكون لي علم رشيد، وسعة رشيد، ومكتبة رشيد، ومكاتب القاهرة المفتوحة في وجه رشيد. فقال لي واثقاً مؤكداً: إننا لو تعاونا وتفرغنا للعمل لأخرجنا للأمة تفسيراً يغطى على التفاسير من غير احتياج إلى ما ذكرت" [مقدمة تفسير ابن باديس، ص26، نشر دار الفكر]
• يقول الشيخ القرضاوي في كتابه «الصحوة الإسلامية وهموم الوطن العربي والإسلامي» (ص/ 43) وتحت عنوان: «حركات التجديد والدعوة وأثرها في الصحوة» عن رشيد رضا صاحب مجلة (المنار) و(تفسير المنار) ما نصه:
" هؤلاء الميامين من الدعاة والمفكرين كان لكل منهم تأثيره في جانب من الجوانب على عدد من الناس يقل أو يكثر، وفي رقعة من الأرض تضيق أو تتسع، وعلى مدى زمني يقصر أو يطول، وإن كان كل واحد منهم يؤخذ منه ويرد عليه باعتبارهم بشراً غير معصومين يجتهدون في خدمة الإسلام فقد يصيبون وقد يخطئون، وهم على كل حال مأجورون على اجتهادهم فيما أخطئوا فيه إن شاء الله".
من روائع ما كتب
• كتب يقول في مقال: «القول الحق في استعداد محمد - صلى الله عليه وسلم - للنبوة والوحي»:
" التحقيق في صفة حال محمد - صلى الله عليه وسلم - من أول نشأته، وإعداد الله -تعالى- إياه لنبوته ورسالته: هو أنه خلقه كامل الفطرة؛ ليبعثه بدين الفطرة، وأنَّه خَلَقَهُ كامل العقل الاستقلالي الهيولاني ؛ ليبعثه متمماً لمكارم الأخلاق، وأنه بُغِّض إليه الوثنية وخرافات أهلها ورذائلهم من صغر سنه، وحبب إليه العزلة حتى لا تأنسَ نفسه بشيء مما يتنافسون فيه من الشهوات واللذات البدنية، أو منكرات القوة الوحشية، كسفك الدماء، والبغي على الناس، أو المطامع الدنيئة كأكل أموال الناس بالباطل؛ ليبعثه مصلحاً لما فسد من أَنْفُسِ الناس، ومزكِّياً لهم بالتأسِّي به، وجعله المثلَ البشريَّ الأعلى؛ لتنفيذ ما يوجه إليه من الشرع الأعلى.
فكان من عفَّته أنْ سَلَخَ مِنْ سني شبابه وفراغه خمساً وعشرين سنة مع زوجته خديجة كانت في عشر منها كهلةً نَصَفاً أمَّ أولاد، وفي خمسة عشر منها عجوزاً يائسة من النسل، فتوفيت في الخامسة والستين وهي أحب الناس إليه، وظل يذكرها، ويفضِّلها على جميع من تزوج بهن من بعدها، حتى عائشة بنت الصديق على جمالها، وحداثتها، وذكائها، وكمال استعدادها للتبليغ عنه، ومكانة والدها العليا في أصحابه.
وظل طول عمره يكره سفك الدماء ولو بالحق، فكان على شجاعته الكاملة يقود أصحابه؛ لقتال أعداء الله وأعدائه المعتدين عليه وعليهم؛ لأجل صدهم عن دينه، ولكنه لم يقتل بيده إلا رجلاً واحداً منهم هو أبي بن خلف كان موطِّناً نفسه على قتله فهجم عليه وهو مُدَجَّجٌ بالحديد من مِغْفَر ودرع، فلم يجد بداً من قتله، فطعنه في ترقوته من خلل الدرع والمغفر فقتله.
وظل طول عمره ثابتاً على أخلاقه، من الزهد والجود والإيثار، فكان بعدما أفاء الله عليه من غنائم المشركين واليهود يؤثر التقشف، وشظف العيش على نعمته، مع إباحة شرعه لأكل الطيبات، ونهيه عن تركها؛ تديناً.
وكان يرقع ثوبه ويخصف نعله، مع إباحة دينه للزينة، وأمره بها عند كل مسجد، وكان يساعد أهل بيته على خدمة الدار.
أكمل الله استعداده الفطري الوهبي، لا الكسبي؛ للبعثة بإكمال دين النبيين والمرسلين، والتشريع الكافي الكافل؛ لإصلاح جميع البشر إلى يوم الدين، وجعله حجة على جميع العالمين بأن أنشأه كأكثر قومه أُمِّياً، وصرفه في أُمِّيته عن اكتساب أي شيء من علوم البشر من قومه العرب الأميين ومن أهل الكتاب، حتى إنه لم يجعل له أدنى عناية بما يتفاخر به قومه من فصاحة اللسان، وبلاغة البيان من شعر، وخطابة، ومفاخرة، ومنافرة ؛ إذ كانوا يؤمُّون أسواق موسم الحج وأشهرها عكاظ من جميع النواحي؛ لإظهار بلاغتهم وبراعتهم، فكان ذلك أعظم الأسباب لارتقاء لغتهم، واتساع معارفهم، وكثرة الحكمة في شعرهم، فكان من الغريب أن يزهد محمد - صلى الله عليه وسلم - في مشاركتهم فيه بنفسه، وفي روايته لما عساه يسمعه منه.
وقد سمع بعد النبوة زهاء مائة قافية من شعر أمية بن الصلت فقال: (( إن كاد ليسلم))، وقال: (( آمن شعره وكفر قلبه))، وقال: (( إن من البيان لسحراً، وإن من الشعر حكم)) [رواه أحمد وأبو داود من حديث ابن عباس].
وأما قوله: (( إن من البيان لسحر)) فقد رواه مالك، وأحمد، والبخاري، وأبو داود، والترمذي، من حديث ابن عمر.
قلنا: إن الله - تعالى -جعل استعداد محمد - صلى الله عليه وسلم - للنبوة والرسالة فطرياً وإلهامياً لم يكن فيه شيءٌ من كسبه بعلم، ولا عمل لساني، ولا نفسي، وإنه لم يُرْوَ عنه أنه كان يرجوها، كما رُوي عن أمية بن أبي الصلت، بل أخبر الله عنه أنه لم يكن يرجوها، ولكن رُوي عن خديجة -رضي الله عنها - أنها لما سمعت من غلامها ميسرة أخبار أمانته وفضائله وكراماته، وما قاله بحيرى الراهب فيه - تعلَّق أملُها بأن يكون هو النبي الذي يتحدثون عنه، ولكن هذه الروايات لا يصل شيء منها إلى درجة المسند الصحيح، كحديث بدء الوحي.
فإن قيل: إنه يقوِّيها حَلِفُها بالله أن الله -تعالى- لا يُخزيه أبداً، قلنا: إنها عللت ذلك بما ذكرته من فضائله، ورأت أنها في حاجة إلى استفتاء ابن عمها ورقة في شأنه.
وأما اختلاؤه - صلى الله عليه وسلم - وتعبده في الغار عام الوحي فلا شك في أنه كان عملاً كسبياً مقوياً لذلك الاستعداد الوَهْبي، ولذلك الاستعداد السلبي، من العزلة، وعدم مشاركة المشركين في شيء من عباداتهم، ولا عاداتهم.
ولكنه لم يكن يقصد به الاستعداد للنبوة؛ لأنه لو كان لأجلها لاعتقد حين رأى الملك، أو عَقِبَ رؤيته حصولَ مأموله، وتحقق رجائه، ولم يَخَفْ منه على نفسه.
وإنما كان الباعثُ لهذا الاختلاء والتحنث اشتدادَ الوحشة من سوء حال الناس، والهرب منها إلى الأنس بالله - تعالى -والرجاء في هدايته إلى المخرج منها، كما بسطه شيخُنا الأستاذ الإمام في تفسير قوله - تعالى -: ( وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى) [الضحى: 7] وما يفسره من قوله - عز وجل -: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ) [الشورى: 52-53] وألم به في رسالة التوحيد إلماماً مختصراً مفيداً، فقال:
" من السنن المعروفة أن يتيماً فقيراً أمياً مِثْلَه تنطبع نفسه بما تراه من أول نشأته إلى زمن كهولته، ويتأثر عقله بما يسمعه ممن يخالطه، لاسيما إن كان من ذوي قرابته، وأهل عصبته، ولا كتاب يرشده، ولا أستاذ ينبهه، ولا عضد إذا عزم يؤيده؛ فلو جرى الأمر فيه على جاري السنن لنشأ على عقائدهم، وأخذ بمذاهبهم إلى أن يبلغ مبلغ الرجال، ويكون للفكر والنظر مجال، فيرجع إلى مخالفتهم إذا قام له الدليل على خلاف ضلالاتهم، كما فعل القليل ممن كانوا على عهده.
ولكنَّ الأمر لم يَجْرِ على سنته، بل بُغِّضتْ إليه الوثنية من مبدأ عمره، فعالجته طهارة العقيدة، كما بادره حسن الخليقة.
وما جاء في الكتاب من قوله: (وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى) [الضحى: 7] لا يُفهم منه أنه كان على وثنية قبل الاهتداء إلى التوحيد، أو على غير السبيل القويم قبل الخلق العظيم، حاش لله، إن ذلك لهو الإفك المبين، وإنما هي الحيرة تُلِم بقلوب أهل الإخلاص، فيما يرجون للناس من الخلاص، وطلب السبيل إلى ما هدوا إليه من إنقاذ الهالكين، وإرشاد الضالين، وقد هدى الله نبيَّه إلى ما كانت تتلمسه بصيرته باصطفائه لرسالته، واختياره من بين خلقه لتقرير شريعته" أ. ه.
أقول: وجملة القول أن استعداد محمد - صلى الله عليه وسلم - للنبوة والرسالة عبارة عن جعل الله - تعالى -روحه الكريمة كمرآة صقيلة حيل بينها وبين كلِّ ما في العالم من التقاليد الدينية، والأعمال الوراثية والعادات المنكرة، إلى أن تجلى فيها الوحي الإلهي بأكمل معانيه، وأبلغ مبانيه؛ لتجديد دين الله المطلق الذي كان يُرسل به رسله إلى أقوامهم خاصة، بما يناسب حالهم واستعدادهم، وأراد إكمال الدين به، فجعله خاتم النبيين، وجعل رسالته عامة دائمة، لا يحتاجون بعدها إلى وحي آخر.
• في مقال «العربية والإسلام» يقول:
" إن اللغة رابطة من روابط الجنس، وقد حرم الإسلام التعصب للجنس لأنه مفرق للأمة ذاهب بالاعتصام والوحدة واضع للعداوة موضع الألفة، وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن العصبية العمية الجاهلية وتبرأ ممن يدعو إليها أو يقاتل عليها، وقد كان من إصلاح الإسلام الديني والاجتماعي توحيد اللغة بجعل لغة هذا الدين العام لغة لجميع الأجناس التي تهتدي به، فهو قد حفظ بها وهي قد حفظت به، فلولاه لتغيرت كما تغير غيرها من اللغات، وكما كان يعروها التغيير من قبله. ولولاها لتباعدت الأفهام في فهمه، ولصار أدياناً يكفر أهلها بعضهم بعضاً، ولا يجدون أصلاً جامعاً يتحاكمون إليه إذا رجعوا إلى الحق وتركوا الهوى، فاللغة العربية ليست خاصة بجيل العرب سلائل يعرب بن قحطان، بل هي لغة المسلمين كافة ولغة شعوب أخرى من غير العرب، وطوائف من العرب غير المسلمين، وما خدم الإسلام أحد من غير العرب إلا بقدر حظهم من لغته، ولم يكن أحد من العرب في النسب يفرق بين سيبوية الفارسي النسب وأستاذه الخليل العربي في فضلهما واجتهادهما في خدمة اللغة، ولا بين البخاري الفارسي وأستاذه أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية العربيين في خدمة السنة، بل لم يخطر في بال أحد من سلف الأمة ولا خلفها قبل هذا العصر أن يأبى تفضيل كثير من الأعاجم في النسب على بعض أقرانهم وأساتذتهم من العرب في ما امتازوا به من خدمة هذا الدين ولغته، ولا نعرف أحداً من علماء الأعاجم له حظ من خدمة الإسلام وهو يجهل لغته ولولا أن ظل علماء الدين في جميع الشعوب الإسلامية مجمعين على التعبد بقراءة القرآن المعجز للبشر بأسلوبه العربي وأذكار الصلاة وغيرها بالعربية، ومدارسة التفسير والحديث بالعربية؛ لضاع الإسلام في الأعاجم منها".
• وفي مقال بعنوان «التجارة من أسباب امتلاك أوربا للشرق» يقول:
" لقد علم الأوربيون أن حرب الدراهم والدنانير، أنجح من حرب المدافع والبواريد، وقد امتلكوا بهذه الحروب الذهبية والفضية أكثر بلاد الشرق، فالإنكليز ما استولوا على الهند بتكتيب الكتائب، وسوق الأساطيل بالفيالق والجحافل، وإنما هي جمعية تجارية وطأت المسالك ومهدت السبل تظلها السلطة ويؤيدها النفوذ اللذان يقيمان حيث تقيم، وكذلك شأن شركة النيجر في أحشاء أفريقية، واليوم ينعم الإنكليز على الحكومة المصرية بثمانمائة ألف جنيه ونيف لافتتاح السودان وتصرح وزارتهم بأن الإنصاف يقضي عليهم بمساعدة مصر بالإنفاق على فتح السودان لأنها شريكتها بفوائده التجارية ومعناه أن تستأثر بالتجارة وتختص دون أوربا بهذا الفتوح المعنوي الذي يتبعه التملك اسماً ومعنى كما هو المعهود في الهند والنيجر وغيرهما، ومعلوم أن الحكومة المصرية لا تجارة لها وبهذا يحتج عليها المحتلون في إجبارها على بيع سكك حديد السودان بعد الفتح.
يقولون إن فائدتها العسكرية تنتهي بالفتح والحكومة المصرية لا تجارة لها ولا يليق بها التجارة فمن المصلحة أن تباع هذه السكك لشركة تجارية ويرجح الإنكليز على سائر الأجانب بما أنفقوا من أموالهم وما أرهقوا من رجالهم، والحمد لله لا شركات وطنية لنا فنقول إنها ترجح وتقدم حتى على الإنكليز.
ابتاع أخوان من الفلاحين عدة من الدجاج (الفراخ) لأجل تربيتها والانتفاع ببيضها، وكان أحدهما ذكياً والآخر بليداً مغفلاً، فقال الذكي للبليد: تعال نقتسم. واتفقا في القسمة على أن تكون الدجاجات للبليد وبيوضها لأخيه، فكان هو يتعاهدها بالأكل والشرب والمبيت وينفق عليها ويخلي بين أخيه وبين بيوضها ويأكل منها ما شاء، وصار الأخوان مثلاً في بلدهما في تلك القسمة الضيزى.
كذلك شأن الإنكليز مع الحكومة المصرية في السودان وشأن سائر الأوربيين في فتوحاتهم المعنوية يقنعون بامتلاك المنافع وثمرات البلاد ويدعون الاسم لأهلها، ولكن إلى أجل مسمّى حتى إذا ما جاء الأجل يصرحون بالامتلاك الاسمي أيضاً.
كل هذا والشرقيون وادعون ساكنون وإذا تحركوا فإنما تكون حركتهم ميلاً مع ريح الأجانب انخداعاً لها أو رهبة منها لاندهاشهم بعظمتها التي ما جاءتها إلا من الشركات المالية وهي أيسر شيء عليهم لاسيما قبل تمكن الأجانب من بلادهم، لو أن للشرقيين عقولاً ذكية وتربية وطنية لما رضوا أن تكون بلادهم بينهم وبين الأجانب كالدجاجات بين ذينك الأخوين فكيف والأمر أعظم من ذلك، ولقاوموا جنود التجارة الفاتحة أشد المقاومة.
اندفع الغرب على الشرق بخميس من الأزياء وكتائب من الحلي وجحافل من الماعون النفيس وفيالق من اللذائذ فلم تجد هذه الجنود المجندة من الشرق أقل مقاومة ولا أدنى مدافعة فطفقت تفتك في النفوس بعوامل الترف وفي الأموال بعوامل السرف وما زال القوم يعدون هذه العوامل من علائم الشرف حتى وقفت بهم على شفا جرف وأكبتهم على مناخرهم في مهاوي التلف.
لا ننكر أن من هذه الجنود ما لا قبل لنا بدفعه الآن كالضروري من الأدوات والماعون والنسيج، وكلامنا إنما هو في الزخارف الكمالية كالحلي وماعون الزينة ومادة الترف من الأشربة وغيرها فهذه هي التي تنسف ثروة البلاد وترميها بالفقر والعجز، فرب حاكم أو مسئول ينفق على الترف والبذخ ما يكفي لإنشاء مدارس أو معامل يحيي بها صقع من الأصقاع أو إقليم من الأقاليم.
فالترف مدعاة الدمار والفناء الاجتماعي إذا لم يقرن بتربية صحيحة تقي من أدوائه وتعصم من بلائه، فعسى أن يتنبه الشرقيون لما ذكرنا فيحترزون من مضار الترف وتقليد الإفرنج بما يعود عليهم وعلى بلادهم بالدمار ويجتهدون بتربية أولادهم تربية دينية وطنية لعلهم يستردون ما فقدوا، ويسترجعون ما سلبوا، وما ذلك على الله بعزيز.
بعض المآخذ عليه
1- ذكر في كتابه «تاريخ الإمام» العجب العجاب عن جمال الدين الأفغاني، وعن محمد عبده.
- ذكر انتسابهما للمحفل الماسوني، وذكر في الجزء الثاني مفاوضات محمد عبده مع القسيس الإنجليزي إسحاق تيلور، وفي الجزء الأول ذكر اشتراك اليهود في هذه المفاوضات التي كان هدفها توحيد الأديان، والتقريب بين الإسلام والنصرانية!!
- وذكر حوار محمد عبده مع عباس ميرزا أحد زعماء البهائيين ونبهه أي رشيد رضا - إلى انحرافات البهائيين فأجاب تلميذه: «لم أفهم من عباس أفندي شيئاً من هذا!! »
- وكان ملتصقاً بمحمد عبده ويعرف صلته بحزب الأمة واللورد كرومر، والجاسوس الإنجليزي الخطير «ولفرد بلنت»، ويعرف أيضاً تردد شيخه على صالون الأميرة نازلي داعية التبرج والسفور.. كان رشيد رضا يعرف كثيراً عن انحرافات محمد عبده ومع ذلك قال في ثنائه عليه:
" وإنني وأيم الحق لم أطلع له على عمل إلا الحقيق بلقب المثل الأعلى من ورثة الأنبياء..، وقال أيضاً: إن هذا الرجل أكمل من عرفت من البشر ديناً وأدباً ونفساً وعقلاً وخلقاً وعملاً وصدقاً وإخلاصاً، وإن من مناقبه ما ليس له فيه ند ولا ضريب، وإنه لهو السري الأحوذي العبقري" (1).
ولا ندري هل هذا رأي رشيد رضا الحقيقي بشيخه رغم أخطائه الفادحة التي تتعارض مع المنهج الذي كان يتبناه ويدافع عنه ويشن حملات عنيفة ضد مخالفيه من المبتدعين المقلدين... أم أن المجاملة حالت بينه وبين الاعتراف بالحق؟!
2 - بقيت بصمات محمد عبده ظاهرة فيما كان يكتبه رشيد رضا بعد وفاة الأول، ومن الأمثلة على ذلك تأويله لمعجزة انشقاق القمر رغم تخريج البخاري ومسلم لها، وتضعيف كثير من الأحاديث التي لا تتفق مع آراء أصحاب المدرسة الإصلاحية كما أنه صحح بعض الأحاديث الضعيفة التي تتفق مع أفكاره التي كان ينادي بها (1). لكنه مع ذلك لم يتخلى عن منهج أهل السنة، وكما يقولون: «لكل جواد كبوة، ولكل صارم نبوة».
3 - لم يكن موقف رشيد رضا من الدولة العثمانية سليماً، ومن آثار هذا الموقف المؤسف قبوله الاشتراك في أول حكومة سورية بعد الحرب العالمية الأولى، وأهداف هذه الحكومة لم تكن خافية على أمثال رشيد رضا، بل وكثير من رجالات هذه الحكومة معروفة انتماءاتهم العالمية المشبوهة. ولو أن رشيد رضا وقف عند حد نقد سياسة السلطان عبد الحميد وإطلاقه لأيدي الخرافيين والمستبدين، أو أنه وقف عند حد نقد رجالات الاتحاد والترقي لما وجدنا في هذا أو ذاك غلواً منه، ولكن موقفه تجاوز هذا الحد ولم يكن صائباً في موقفه، وكان المنتظر منه غير ذلك لطول باعه في معرفة أحوال العصر، ولا ندري إلى متى يستمر جهل كثير من العلماء بالسياسة؟ وإن كان موقف رشيد رضا هنا ليس ناتجاً عن الجهل.
4- إنكاره أحاديث المهدي رغم ثبوت الكثير منها، فالملاحظ أن من أنكروا المهدي على أقسام ثلاثة:
«القسم الأول»: ضعفوا أحاديثه كما فعل ابن خلدون وكذا المحمود قاضي قطر، واحتجوا بأن أحاديثه لم تخرج في الصحيحين، وأنها لا تخلو من مقال.
«القسم الثاني»: ليس لهم أي علم بالحديث وأسانيده؛ لكنهم أنكروا المهدي فرارًا من التشبه بالرافضة، وزعمًا أن إثباته يؤكد معتقد الرافضة في غيبة مهديهم؛ كما هو صنيع محمد رشيد رضا، وأحمد أمين في كتابه «ضحى الإسلام»، والمؤرخ محمد بن عبد الله عنان في كتابه «تراجم إسلامية»، ويذكر هؤلاء أن سبب اختراع المهدوية سياسي، وأنه كان بسبب ذهاب الخلافة من آل البيت إلى الأمويين، فاخترع آل البيت ومن ادعوا مشايعتهم فكرة المهدوية؛ وذلك لاسترجاع الخلافة، أو أن مخترعيها قصدوا منها جمع الناس على كلمة سواء تتلخص في الولاء لآل البيت.
وهذا المسلك خطير جدًا، وفيه اتهام للصالحين من آل البيت ولاسيما الصحابة الذين رووا أحاديث المهدي وهم من آل البيت مثل: علي وابن عباس -رضي الله عنهم-، على أن كثيرًا من أحاديث المهدي رواتها من غير آل البيت فبطلت حجتهم، وخطورة هذا المسلك في كونه يطعن في بعض الصحابة، ولا شك في أن الطعن في الصحابة - رضي الله عنهم - طعن في الدين؛ لأنهم حملته عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ونقلته إلينا، ثم إن من طعن فيهم فقد خالف صريح القرآن؛ إذ إن عدالتهم منصوص عليها فيه في أكثر من آية.
فإن زعموا أن من وضع أحاديثه من آل البيت كانوا بعد عصر الصحابة. فجواب ذلك: أن من جاءوا بعد عصر الصحابة من آل البيت إما أن يكونوا ثقاتاً صالحين، فاتهامهم بوضع الحديث اتهام باطل لا موجب له، ويلزم منه رد أحاديث صحيحة بمجرد الهوى والظن. وإن كانوا غير صالحين ففيه اتهام لأئمة الحديث الذين نقلوا أحاديثه وصححوها بقبول أحاديث من لا يقبل حديثه؛ وفي ذلك إسقاط للسنة كلها، ويلزم منه رد أحاديث أخرى في غير المهدي أسانيدها مثل أسانيد حديثه أو أقل منها وهذا باطل، على أنه وردت أحاديث في شأن المهدي ليس في أسانيدها أحد من آل البيت فبطلت هذه الحجة.
«القسم الثالث»: ليس لهم علم بالأحاديث وأسانيدها؛ لكنهم ظنوا أن فكرة المهدي مأخوذة من أهل الكتاب، وبعضهم بالغ فأنكر الدجال ونزول المسيح عيسى ابن مريم بحجة أن هذه العقائد موجودة عند اليهود والنصارى، ويحتمل أن المسلمين أخذوها عنهم؛ كما قال محمد محي الدين عبد الحميد: «يرى بعض الباحثين أن كل ما ورد عن المهدي وعن الدجال من الإسرائيليات».
وقال رشيد رضا بعد أن طعن في كثير من أحاديث المهدي من جهة الإسناد: «وأما التعارض في أحاديث المهدي فهو أقوى وأظهر، والجمع بين الروايات فيه أعسر، والمنكرون له أكثر، والشبهة فيه أظهر؛ ولذلك لم يعتد الشيخان بشيء من رواياتها في صحيحيهما، وقد كانت أكبر مثارات الفساد والفتن في الشعوب الإسلامية؛ إذ تصدى كثير من محبي الملك والسلطان، ومن أدعياء الولاية وأولياء الشيطان لدعوى المهدوية في الشرق والغرب... »
وقال أيضاً: «وإذا تذكرت مع هذا أن أحاديث الفتن والساعة عامة، وأحاديث المهدي خاصة، كانت مهب رياح الأهواء والبدع، وميدان فرسان الأحزاب والشيع».
وقد استمات في رد هذه الأحاديث ولم يستقص كل ما ورد في المهدي من أحاديث، وإنما نقل بعضاً منها ورده، وقبل ذلك رد حديث تميم الداري في قصة الجساسة الذي خرّجه مسلم في صحيحه، وقبل ذلك ألمح إلى رد كل ما جاء في الفتن. فقال: " واعلم أيها المسلم الذي يجب أن يكون على بصيرة من دينه أن في روايات الفتن وأشراط الساعة من المشكلات والتعارض ما ينبغي لك أن تعرفه ولو إجمالاً حتى لا تكون مقلدًا لمن يظنون أن كل ما يعتمده أصحاب النقل حق".
وهكذا يردون الأحاديث الصحيحة بأوهام خاطئة، وظنون فاسدة نسأل الله العافية. وما ذكره الشيخ محمد رشيد رضا ينطوي على مغالطات كثيرة لا يتسع هذا المقال للبسط فيها، ومن ذلك:
1- دعوى التعارض التي ذكرها في أحاديث المهدي غير مسلمة وقد جمع العلماء بينها.
2- ذكره أن المنكرين للمهدي أكثر من المثبتين غير صحيح؛ بل جمهور علماء السنة يثبتون المهدي، ويذكرونه في عقائدهم التي يكتبونها، وكيف يزعم أحد أن المنكرين للمهدي أكثر من المثبتين له وقد ذكر الشوكاني وقوفه على خمسين حديثاً في شأنه منها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر، فيكفي إثباتاً لبطلان تلك الدعوى أن رواة هذه الأحاديث أكثر من خمسين بل من مئة بالنظر إلى رجالات أسانيدها وجلهم من علماء الحديث وأئمته، ومن أين للمنكرين مئة عالم بل خمسين بل عشرة ينكرونه، وهم ممن يعتد بقولهم؟!!
3- عدم إخراج الشيخين لأحاديث المهدي لا يسوغ إنكاره؛ لأن الشيخين لم يستوعبا كل ما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يدعيا ذلك بل صرحا بخلافه وتركا أحاديث كثيرة صحيحة لم تكن على شرطهما، ولو صحت هذه الحجة لتم رد كثير من فروع الشريعة، وتفصيلات العبادات والمعاملات؛ إذ إن السبيل إليها أحاديث في المسانيد والسنن والمعاجم والأجزاء والمشيخات، ولم تخرج في الصحيحين أو أحدهما.
4- ذكره أن أحاديث المهدي كانت أكبر مثارات الفساد والفتن في الشعوب الإسلامية... الخ، لو صح ذلك سبباً فإنه لا يُسوِّغ رد الصحيح من الأحاديث، كيف وهو لا يصح سبباً؛ فإن سبب ذلك هو الجهل والهوى، ولو علم الناس السنة، وتجردوا من الهوى لما وقع ذلك، ووقوع الفتنة بسبب فهم خاطئ لأحاديث صحيحة لا يصلح حجة لرد تلك الأحاديث، أوليس الخوارج قد فتنوا بنصوص الوعيد، والمرجئة بنصوص الوعد، والمعطلة والمشبهة بنصوص الصفات بسبب فهمهم الخاطئ لها فهل يعني ذلك رد تلك النصوص؟! ولو جاز رد النصوص الثابتة بسبب فهم بعض الفرق الخاطئة لها، وإفراطهم أو تفريطهم فيها لكان ذلك باباً واسعاً لرد الشريعة كلها بأصولها وفروعها؛ إذ إنه ما من نص قرآني أو نبوي أفاد حكماً شرعياً إلا وله معارضون ومحرفون، يكونون على طرفي نقيض. نسأل الله - تعالى - الهداية والتوفيق، والموافاة على الحق المبين.
«الموقف الثالث»: وقف بين مدّعي المهدوية وبين منكريها أهلُ الحق والإيمان، الذين أثبتوا ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من أخبار المهدي، وآمنوا بذلك وصدقوه؛ لوروده عن المعصوم - صلى الله عليه وسلم -، ولم ينساقوا خلف كل دَعِيٍ يدعي المهدوية.
كما أيقنوا بأن وقوع ذلك غيب لا يعلم وقته إلا الله - تعالى -شاء، وأنه قدر نافذ يقضيه الرب - جل وعلا - متى شاء، وليس لهم أن يستعجلوه، أو يخلعوه على أحد من الناس.
إن الواجب على كل مسلم أن يؤمن بالغيب المثبت في الكتاب وصحيح السنة، ولا يستعجل ظهور هذا الغيب أو وقوعه؛ لأنه ليس له، بل هو أمر كوني خاضع لإرادة الله - سبحانه وتعالى --، وليس للبشر فيه حيلة لا من حيث وقوعه أو دفعه ولا من حيث تقديمه أو تأخيره، وكل ذلك ليس إلينا، وما علينا إلا الإيمان والتسليم، مع السعي الجاد لإقامة دين الله - تعالى -، والدعوة إليه، والاشتغال بالباقيات الصالحات.
ونحمد الله - تعالى -على أن لم يكلفنا البحث في الغيبيات، أو محاولة كشفها وإظهارها، أو معرفة وقتها؛ فذلك لله - سبحانه - وليس إلينا، والمطلوب منَّا قضاء عمرنا فيما ينفعنا في الدنيا والآخرة كما قال الله - سبحانه -: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر: 99].
يبقى الشيخ رشيد رضا رغم أخطائه عالمًا كبيراً من كبار علماء أهل السنة، ومن يتحدث عن التجديد في العصر الحديث لا بد أن يذكر «مجلة المنار» وصاحبها إذا كان جاداً ومنصفاً في بحثه.
وفاة الشيخ رشيد
ارتبط الشيخ رشيد رضا بروابط مع المملكة العربية السعودية الوليدة آنذاك، وكان له صداقات وطيدة مع علمائها وأمرائها، فسافر بالسيارة إلى السويس لتوديع الأمير (سعود بن عبد العزيز)، فلم يتحمل جسده الواهن مشقة السفر، ورفض المبيت في السويس وعاد في اليوم نفسه، وكان طوال الطريق يقرأ القرآن كعادته، ثم أصابه دوار من ارتجاج السيارة، وطلب من رفيقه أن يستريح داخل السيارة، ثم لم يلبث أن صعدت روحه الطاهرة إلى بارئها في يوم الخميس الموافق (23 من جمادى الأولي 1354ه = 22من أغسطس 1935م)، عن سبعين عامًا.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
من مصادر الترجمة
- إبراهيم العدوي رشيد رضا الإمام المجاهد (سلسلة أعلام العرب) الدار المصرية للتأليف والترجمة القاهرة بدون تاريخ.
- أحمد الشرباصي رشيد رضا، الصحفي المفسر، الشاعر مطبوعات مجمع البحوث الإسلامية القاهرة - 1977م.
- أنور الجندي أعلام وأصحاب أقلام دار النهضة مصر القاهرة بدون تاريخ.
- سامي عبد العزيز الكومي الصحافة الإسلامية في القرن التاسع دار الوفاء للطباعة والنشر. المنصورة مصر 1413ه = 1992م.
- محمد رجب البيومي النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين دار القلم دمشق 1415ه = 1995م.
- المصلح الكبير محمد رشيد رضا من الصوفية إلى السلفية/ أبو عمر المنهجي
- مجلة البيان العدد [11] ص 8 شعبان 1408 أبريل 1988
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 122.05 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 119.46 كيلو بايت... تم توفير 2.59 كيلو بايت...بمعدل (2.13%)]