هدي التمتع والقران - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1174 - عددالزوار : 131017 )           »          3 مراحل لانفصام الشخصية وأهم أعراضها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          متلازمة الشاشات الإلكترونية: كل ما تود معرفته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          ما هي أسباب التعرق الزائد؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          أضرار الوجبات السريعة على الأطفال: عواقب يُمكنك تجنبها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          الوقاية من القمل بالقرنفل: أهم الخطوات والنصائح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          علاج جفاف المهبل: حلول طبيّة وطبيعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          الوقاية من القمل في المدارس: دليل شامل للأهل والمعلم! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          الوقاية من التهاب الكبد: 9 خطوات بسيطة لصحة أفضل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          الوقاية من الجلطات: دليلك الشامل لصحة أفضل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > ملتقى الحج والعمرة
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الحج والعمرة ملتقى يختص بمناسك واحكام الحج والعمرة , من آداب وأدعية وزيارة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-11-2019, 03:56 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,857
الدولة : Egypt
افتراضي هدي التمتع والقران

هدي التمتع والقران
هيئة كبار العلماء

الحمد لله وحده، وبعد:
فقد عرض على مجلس هيئة كبار العلماء في دورته الثامنة المنعقدة في مدينة الرياض في النصف الأول من شهر ربيع الثاني عام 1396 هـ موضوع هدي التمتع والقران ووقت الذبح ومكانه، وحكم الاستعاضة عن الهدي بالتصدق بقيمته وعلاج مشكلة اللحوم مشفوعاً بالبحث المعد من قبل اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ورغبة في إطلاع قراء (مجلة البحوث الإسلامية) على هذا البحث القيم ننشره بنصه:
هدي التمتع والقران
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد:
فبناء على ما تقرر في الدورة السابعة لهيئة كبار العلماء المنعقدة في الطائف في شعبان عام 1395هـ من الموافقة على إعداد بحث هدي التمتع والقران فقد أعدت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بحثاً في ذلك مشتملا على الأمور الآتية:
أولاً: ابتداء وقت ذبح الهدي مع الأدلة والمناقشة.
ثانياً: نهاية وقت ذبح الهدي مع الأدلة والمناقشة.
ثالثاً: الذبح ليلا مع الأدلة والمناقشة.
رابعاً: مكان الذبح مع الأدلة والمناقشة.
خامساً: حكم الاستعاضة عن ذبح الهدي بالتصدق بقيمته مع الأدلة
سادساً: علاج مشكلة اللحوم في منى.
وبالله التوفيق، صلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
أولا: ابتداء وقت الذبح
اختلف أهل العلم في تحديد ابتداء وقت ذبح هدي التمتع والقران، هل يجوز ذبحه قبل يوم النحر أو أنه لا يجوز إلا ابتداء من يوم النحر؟
القول الأول:
يبتدئ وقت ذبحه يوم النحر بعد طلوع الشمس وصلاة العيد أو مضي قدرها عند الحنابلة، وبعد رمي جمرة العقبة عند مالك، ويوم النحر عند الحنفية قال النسفي والزيلعي: وخص ذبح هدي المتعة والقران بيوم النحر فقط وفي بداية المبتدي " ولا يجوز ذبح هدي المتعة والقران إلا في يوم النحر " وجاء معنى ذلك في كثير من كتب الحنفية تركنا ذكرها اختصاراً.
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيط- يرحمه الله -: أما مذهب مالك فالتحقيق فيه أن هدي التمتع والقران لا يجب وجوباً تاماً إلا يوم النحر بعد رمي جمرة العقبة، وقال ابن العربي: ولو ذبحه قبل يوم النحر لم يجزه، وقال الباجي: ولا يجوز أن ينحره قبل يوم النحر، وقال المزني: فإن كان معتمراً نحر بعد ما يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة قبل أن يحلق عند المروة وحيث نحر من فجاج مكة أجزأه وإن كان حاجا نحره بعد ما يرمي جمرة العقبة قبل أن يحلق انتهى المقصود.
وقال الرملي: " ووقته أي وقت ذبح الهدي - كوقت ذبح الأضحية على الصحيح وصححه أيضا النووي والرافعي، وقال الفتوحي: ووقت ذبح أضحية وهدي نذر وتطوع ومتعة وقران من بعد أسبق صلاة العيد بالبلد أو قدرها لمن لم يصل انتهى كلامه.
ونقل ابن قدامة عن أبي الخطاب: أنه يجب إذا طلع الفجر يوم النحر؛ لأنه وقت إخراجه فكان وقت وجوبه. واستدل للقول بأنه لا يجوز ذبحه قبل يوم النحر بالكتاب والسنة والإجماع والأثر والمعنى: أما الكتاب فمنه دليلان:
الأول: قوله تعالى: (وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) [سورة البقرة الآية 196]، وجه الدلالة ما ذكره الباجي - رحمه الله - بقوله: لو جاز قبل يوم النحر لجاز الحلق قبل يوم النحر ولا سيما على القول بدليل الخطاب ولا خلاف بينهم في القول به إذا علق بالغاية وهو قول القاضي أبي بكر وأكثر شيوخنا. ومما يدل على هذا حديث حفصة، وهو قولها يا رسول الله ما بال الناس حلوا من عمرتهم ولم تحل أنت من عمرتك فقال: ((إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر))[1].
وهذا يفيد أنه تعذر النحر عليه فوجب لامتناعه من الحلاقة، ولو كان النحر مباحاً لعلل امتناع الإحلال بغير تأخير النحر ولما صح اعتلاله به.
ويمكن أن يناقش الاستدلال بالآية بأنها في الإحصار فإن قبلها قوله تعالى: (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) [سورة البقرة الآية 196]، والكلام في هدي التمتع والقران لا الإحصار.
الثاني: قوله تعالى: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) [سورة البقرة الآية 196]، وجه الدلالة أن الآية مطلقة من جهة تحديد وقت ذبح الهدي وقد جاء ما يدل على تحديده وهو قوله تعالى: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) [سورة الحج الآية 29]، ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ. ووجه الدلالة ما ذكره الجصاص وغيره من أن قضاء التفث وطواف الزيارة لا يكون قبل يوم النحر ولما رتب هذه الأفعال على ذبح هدي البدن دل على أنها بدن القران والتمتع لأن جميع الهدايا لا يترتب عليها هذه الأفعال، وأن له أن ينحرها متى شاء فثبت بذلك أن هدي المتعة غير مجز قبل يوم النحر.
وقد نوقش هذا الاستدلال بقول الجصاص- رحمه الله - " إذا كان الصيام بدلا من الهدي والهدي لا يجوز ذبحه قبل يوم النحر فكيف جاز الصوم؟ وأجاب عن ذلك بقوله: " لا خلاف في جواز الصيام قبل يوم النحر وقد ثبت بالسنة امتناع ذبح الهدي قبل يوم النحر وأحدها ثابت بالاتفاق وبدليل قوله تعالى: (فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ) [سورة البقرة الآية 196]، والآخر ثابت بالسنة فالاعتراض عليهما بالنظر ساقط.
وأيضا فإن الصوم مراعى ومنتظر به شيئان، أحدهما إتمام العمرة والحج في أشهر الحج والثاني ألا يجد حتى يحل فإذا وجد المعنيان صح الصوم عن المتعة وإذا عدم أحدهما بطل أن يكون الصوم متعة وصار تطوعا، وأما الهدي فقد رتب عليه أفعال أخر من حلق وقضاء التفث وطواف الزيارة فلذلك اختص بيوم النحر.
واعترض على ذلك بما قاله الجصاص من أن الله - تعالى -قال: (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ) [سورة البقرة الآية 196].
فلا يجوز تقديمه على الحج وأجاب عن ذلك بقوله: لا يخلو قوله تعالى: (فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ) [سورة البقرة الآية 196]، من أحد معان إما أن يريد به في الأفعال التي هي عمدة الحج وسماه النبي - صلى الله عليه وسلم - حجا وهو الوقوف بعرفة؛ لأنه قال: ((الحج عرفة))[2] في أول أشهر الحج لأن الله قال: سورة البقرة الآية 197 الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ، وغير جائز أن يكون المراد فعل الحج الذي لا يصح إلا به، لأن ذلك إنما هو يوم عرفة بعد الزوال ويستحيل صوم الثلاثة الأيام منه، ومع ذلك فلا خلاف في جوازه قبل يوم عرفة فبطل هذا الوجه، وبقي من وجوه الاحتمال في إحرام الحج أو في أشهر الحج وظاهره يقتضي جواز فعله بوجود أيهما كان لمطابقته اللفظ في الآية وأيضا قوله تعالى: (فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ) [سورة البقرة الآية 196]، معلوم أن جوازه معلق بوجود سببه لا بوجوبه فإذا كان هذا المعنى موجودا عند إحرامه للعمرة وجب أن يجزئ ولا يكون ذلك خلاف الآية، كما أن قوله تعالى: (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) [سورة النساء الآية 92]، دال على جواز تقديمها على القتل لوجود الجراحة وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول))[3] لم يمنع جواز تعجيلها؛ لوجود سببها وهو النصاب فكذلك قوله تعالى: (فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ) [سورة البقرة الآية 196]، غير مانع جواز تعجيله لأجل وجود سببه الذي جاز فعله في الحج.
ثم نقده - رحمه الله - بقوله لم نجد بدلاً يجوز تقديمه على وقت المبدل عنه، ولما كان الصوم بدلاً عن الهدي لم يجز تقديمه عليه.
وأجاب عن ذلك بقوله: هذا اعتراض على الآية؛ لأن نص التنزيل قد أجاز ذلك في الحج قبل يوم النحر. وأيضا فإننا لم نجد ذلك فيما تقدم البدل كله على وقت المبدل منه، وهاهنا إنما جاز تقديم بعض الصيام على وقت الهدي وهو صوم الثلاثة الأيام والسبعة التي معها غير جائز تقديمها عليها؛ لأنه - تعالى -قال: (وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ) [سورة البقرة الآية 196]، فإنما أجيز له من ذلك مقدار ما يحل به يوم النحر فإذا لم يجد الهدي وهدي العمرة يصح إيجابه بعد العمرة ويتعلق به حكم التمتع في باب المنع من الإحلال إلى أن يذبحه انتهى كلامه.
ونوقش الاستدلال بالآية على أن ثم للتراخي، فربما يكون الذبح قبل يوم النحر وقضاء التفث فيه. وأجيب عنه بأن موجب ثم بالتراخي يتحقق بالتأخير ساعة، فلو جاز الذبح قبل النحر جاز قضاء التفث بعده بساعة كذلك.
وأما الأدلة من السنة فكثيرة نكتفي منها بما يأتي:
روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: ((تمتع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وأهدى فساق معه الهدي من ذي الحليفة وبدأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج وتمتع الناس مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعمرة إلى الحج فكان من الناس من أهدى فساق الهدي ومنهم من لم يهد فلما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة قال للناس: " من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجه ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر وليحل ثم ليهل بالحج وليهد فمن لم يجد هديا فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله))[4] الحديث.
ولهما عن جابر - رضي الله عنه - قال: ((أهللنا بالحج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما قدمنا مكة أمرنا أن نحل ونجعلها عمرة فكبر ذلك علينا وضاقت به صدورنا: فقال يا أيها الناس أحلوا فلولا الهدي معي فعلت كما فعلتم " قال: فأحللنا حتى وطئنا النساء وفعلنا كما يفعل الحلال حتى إذا كان يوم التروية وجعلنا مكة بظهر أهللنا بالحج))[5].
ولهما عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: ((قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو منيخ بالبطحاء فقال: بما أهللت؟ قال: قلت: أهللت بإهلال كإهلال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: سقت من هدي؟ قلت: لا، قال: فطف بالبيت وبالصفا والمروة، ثم حل فطفت بالبيت وبالصفا والمروة، ثم أتيت امرأة من قومي فمشطتني وغسلت رأسي))[6].
روى البخاري عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - أنه سئل عن متعة الحج فقال: ((أهل المهاجرون والأنصار وأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع وأهللنا فلما قدمنا مكة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة إلا من قلد الهدي " فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة وآتينا النساء ولبسنا الثياب وقال: من قلد الهدي فإنه لا يحل له حتى يبلغ الهدي محله، ثم أمرنا عشية التروية أن نهل بالحج وإذا فرغنا من المناسك جئنا فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة فقد تم حجنا وعمرتنا وعلينا الهدي كما قال تعالى: (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ) [سورة البقرة الآية 196])).
وروى مسلم عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: ((خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن نصرخ بالحج صراخاً فلما قدمنا مكة أمرنا أن نجعلها عمرة إلا من ساق الهدي فلما كان يوم التروية ورحنا إلى منى أهللنا بالحج))[7].
وروى البزار في مسنده عن أنس- رضي الله عنه- أن النبي- صلى الله عليه وسلم - أهل هو وأصحابه بالحج والعمرة فلما قدموا مكة طافوا بالبيت وبين الصفا والمروة وأمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يحلوا فهابوا ذلك فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أحلوا فلولا أن معي الهدي لأحللت فحلوا حتى خلوا إلى النساء))[8].
وروى أبو داود عن أنس قال: بات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعني بذي الحليفة حتى أصبح، ثم ركب حتى استوت به راحلته على البيداء فحمد الله وسبح وكبر، ثم أهل بحج وعمرة وأهل الناس بهما فلما قدم أمر الناس فحلوا حتى إذا كان يوم التروية أهلوا بالحج فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحج نحر سبع بدنات بيده قياما))[9].
وروى أحمد وأبو داود والنسائي عن عبد الله بن قرط أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إن أعظم الأيام عند الله - عز وجل - يوم النحر ثم يوم القر))[10]، قال ثور: وهو اليوم الثاني، قال: وقرب رسول الله- صلى الله عليه وسلم - بدنات (خمس أو ست) فطفقن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ قال: فلما وجبت جنوبها قال: فتكلم بكلمة خفية لم أسمعها فقلت ما قال؟ قال من شاء اقتطع.
وروى مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه ((أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحر عن نسائه في حجه بقرة))[11].
وفي رواية قال: ((نحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن عائشة بقرة يوم النحر))[12].
وروى البخاري ومسلم عن عمرة بنت عبد الرحمن قالت: سمعت عائشة - رضي الله عنها - تقول خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لخمس بقين من ذي القعدة لا نرى إلا الحج فلما دنونا من مكة أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من لم يكن معه هدي إذا طاف وسعى بين الصفا والمروة أن يحل، قالت: فدخل علينا يوم النحر بلحم بقر فقلت ما هذا؟ قال: نحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أزواجه))[13] قال يحيى: فذكرته للقاسم فقال: أتتك بالحديث على وجهه ولهما عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: فلما دخلنا مكة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من شاء أن يجعلها عمرة إلا من كان معه الهدي " قالت: وذبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نسائه البقر يوم النحر))[14].
وروى البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال: ((وقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع بمنى للناس يسألونه فجاء رجل فقال: يا رسول الله لم أشعر فحلقت قبل أن أنحر فقال: اذبح ولا حرج ثم جاء رجل آخر فقال: يا رسول الله لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي فقال: ارم ولا حرج فما سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: افعل ولا حرج))[15].
وروى مسلم في صحيحه عن جابر- رضي الله عنه - قال: أمرنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم – ((إذا أحللنا أن نهدي ويجتمع النفر منا في الهدية وذلك حين أمرهم أن يحلوا من حجتهم))[16].
وروى مسلم عن عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما- قال: ((أهل النبي- صلى الله عليه وسلم - بعمرة وأهل أصحابه بالحج فلم يحل النبي- صلى الله عليه وسلم - ولا من ساق الهدي من أصحابه وحل بقيتهم))[17].
وله أيضا عن أسماء بنت أبي بكر- رضي الله عنها- قالت: خرجنا محرمين مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((من كان معه هديه فليقم على إحرامه ومن لم يكن معه هدي فليحل))[18] فلم يكن معي هدي فحللت، وكان مع الزبير هدي فلم يحل.
وروى مسلم من طريق الليث عن أبي الزبير عن جابر- رضي الله عنه - أنه قال: ((أقبلنا مهلين مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحج مفرد وأقبلت عائشة بعمرة حتى إذا كنا بسرف عركت حتى إذا قدمنا طفنا بالكعبة والصفا والمروة فأمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يحل منا من لم يكن معه هدي قال: فقلنا: يا رسول الله حل ماذا؟ قال: " الحل كله " فواقعنا النساء وتطيبنا بالطيب ولبسنا ثيابنا وليس بيننا وبين عرفة إلا أربع ليال ثم أهللنا يوم التروية))[19]، الحديث.
وله أيضاً من طريق أبي خيثمة عن أبي الزبير عن جابر قال: ((خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مهللين بالحج معنا النساء والولدان فلما قدمنا مكة طفنا بالبيت وبالصفا وبالمروة فقال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من لم يكن معه هدي فليحل، قلنا: يا رسول الله أي الحل؟ فقال: " الحل كله "، قال: فأتينا النساء ولبسنا الثياب ومسسنا الطيب فلما كان يوم التروية أهللنا بالحج))[20]، الحديث.
وروى الإمام أحمد عن أنس- رضي الله عنه - قال: خرجنا نصرخ بالحج فلما قدمنا مكة أمرنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أن نجعلها عمرة وقال: ((لو استقبلت من أمري ما استدبرت لجعلتها عمرة ولكن سقت الهدي وقرنت بين الحج والعمرة))[21].
وله أيضا عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم - مكة وأصحابه مهلين بالحج فقال: من شاء أن يجعلها عمرة إلا من كان معه الهدي، قالوا: يا رسول الله أيروح أحدنا إلى منى وذكره يقطر منيا؟ قال: نعم، وسطعت المجامر))[22].
وله أيضا وابن ماجه عن البراء بن عازب قال: خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فأحرمنا بالحج فلما قدمنا مكة قال: اجعلوا حجكم عمرة))[23].
قال: فقال الناس: يا رسول الله قد أحرمنا بالحج كيف نجعلها عمرة؟ قال: " انظروا ما آمركم به فافعلوا " فردوا عليه القول فغضب ثم انطلق حتى دخل على عائشة وهو غضبان فرأت الغضب في وجهه فقالت: من أغضبك أغضبه الله فقال: ومالي لا أغضب وأنا آمر بالأمر فلا أتبع.
وروى أبو داود عن الربيع بن سبرة عن أبيه قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا كنا بعسفان قال له سراقة بن مالك المدلجي: يا رسول الله اقض لنا قضاء قوم كأنما ولدوا اليوم فقال: " إن الله - عز وجل - قد أدخل عليكم في حجكم عمرة فإذا قدمتم فمن تطوف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة فقد حل إلا من كان معه هدي))[24].
فهذه الأحاديث منها ما هو نص في أن بدء وقت النحر للمتمتع والقارن يوم الأضحى، ومنها ما يدل عليه بمفهومه أو مع أمره - صلى الله عليه وسلم - أن نأخذ عنه المناسك وقد نحر عن نفسه وعن أزواجه يوم الأضحى ونحر أصحابه كذلك ولم يعرف عن أحد منهم أنه نحر هديه لتمتعه أو قرانه قبل يوم الأضحى فكان ذلك عمدة في التوقيت بما ذكر من جهات عدة.
وأما الإجماع: فقد قال ابن عابدين: على قول صاحبي تنوير الأبصار وشرحه الدر المختار: ويتعين يوم النحر أي وقته وهو الأيام الثلاثة لذبح المتعة والقران فقط، فلم يجز قبله قال: فلم يجزئ، أي بالإجماع وهو بضم أوله من الإجزاء.
وأما الأثر: فقد نقل ابن قدامة عن الإمام أحمد أنه قال: روي عن غير واحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورواه الأثرم عن ابن عمر وابن عباس. وأما المعنى فقد ذكره ابن قدامة بقوله: إنما قبل يوم النحر لا يجوز ذبح الأضحية فيه فلا يجوز فيه ذبح الهدي للمتمتع كمثل التحلل من العمرة.
القول الثاني:
أنه يجوز قبل يوم النحر وهو منقول عن بعض المالكية، وبه قال الشافعي، وبعض أصحابه، وهو رواية عن الإمام أحمد، وقول لبعض أصحابه والذين قالوا بهذا القول: منهم من يرى جواز ذبحه إذا قدم به قبل العشر وهو رواية عن أحمد، ومنهم من يرى جواز ذبحه إذا أحرم بالعمرة، ومنهم من يرى جواز ذبحه إذا حل من العمرة، ومنهم من يرى جواز ذبحه بعد الإحرام بالحج.
وفيما يلي نقول عن القائلين بهذا القول مع مناقشتها، ثم نتبع ذلك بأدلتهم ومناقشتها.
أ - نقل الأبي عن القاضي عياض- رحمه الله - في الكلام على قول جابر- رضي الله عنه - ((فأمرنا إذا أحللنا))، أنه قال: في الحديث حجة لمن يجوز نحر الهدي للمتمتع بعد التحلل من العمرة وقبل الإحرام بالحج، وهو إحدى الروايات عندنا أي المالكية، والأخرى أنه لا يجوز إلا بعد الإحرام بالحج؛ لأنه بذلك يصير متمتعاً، والقول الأول جار على تقديم الكفارة على الحنث، وعلى تقديم الزكاة على الحول، وقد يفرق بين هذه الأصول، والأول ظاهر الأحاديث لقوله: ((فأمرنا إذا أحللنا أن نهدي))[25].
وقد ناقش محمد بن أحمد بن محمد بن يوسف الرهوني ما نقله الأبي عن القاضي عياض فقال:
وأما ما نقله ويعني أبا عبد الله الأبي عن عياض فليس فيه أن الرواية بالجواز هي المشهورة أو الراجحة أو مساوية للأخرى، على أن قوله وفي الحديث حجة لمن يجيز نحر هدي التمتع بعد التحلل من العمرة وقبل الإحرام بالحج وإن كان في الأبي كذلك (نحر بالنون والحاء والراء) مخالفا لما وجدته لعياض في الإكمال فإن الذي وجدته فيه تقليد هدي التمتع (بالتاء والقاف واللام والياء والدال) كذا وجدته في نسخة عتيقة مظنون بها الصحة لم أجد في الوقت غيرها ويؤيد ما وجدته في أنه ذكر المسألة في موضع آخر فلم يذكر فيها جواز ذلك (أي النحر بعد الفراغ من العمرة وقبل الإحرام بالحج) عند أحد لا من أهل المذهب ولا من غيره ونصه وقوله للمتمتعين فمن لم يجد هديا فليصم (ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ) [سورة البقرة الآية 196] نص في كتاب الله تعالى مما يلزم المتمتع وقد اختلف العلماء في تفسير هذه الجملة فقال جماعة من السلف: ما استيسر من الهدي شاة وهو قول مالك وقال جماعة أخرى منهم: بقرة دون بقرة وبدنة دون بدنة، وقيل المراد بدنة أو بقرة أو شاة أو شرك في دم وهذا عند مالك للحر والعبد إذ لا يهدي إلا أن يأذن له سيده وله الصوم وإن كان واجدا الهدي ولا يجوز عند مالك وأبي حنيفة نحره قبل يوم النحر، وأجاز ذلك الشافعي بعد إحرامه بالحج اهـ منه بلفظه.
ونقله الأبي نفسه مختصرا (عن القاضي عياض) وسلم ذكره قبل كلامه الذي نقله محمد البناني بنحو كراسين في كلامه (أي القاضي عياض) يفيد اتفاق الأئمة الثلاثة - رضي الله عنهم - على أنه لا يجوز نحره قبل الإحرام بالحج وكذا بعده مالك وأبو حنيفة خلافا للشافعي فكيف يذكر بعد ذلك الروايتين عند مالك في جواز نحره قبل الإحرام بالحج.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 04-11-2019, 03:57 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,857
الدولة : Egypt
افتراضي رد: هدي التمتع والقران


ويؤكد ذلك أيضا أن اللخمي إنما ذكر الخلاف في التقليد لا في النحر ونصه " ولا يقلد هدي المتعة إلا بعد الإحرام بالحج وكذلك القارن واختلف إذا قلد وأشعر قبل إحرام بالحج فقال أشهب وعبد الملك في كتاب ابن حبيب: لا يجزئه وقال ابن القاسم: يجزئه، فلم يجزئ في القول الأول لأن المتعة إنما تجب إذا أحرم بالحج وإذا قلد وأشعره قبل ذلك كان تطوعا والتطوع لا يجزئ عن الواجب وأجزأ في القول الأخير قياسا على تقديم الكفارة قبل الحنث والزكاة إذا قرب الحول والذي تقتضيه السنة التوسعة في جميع ذلك اهـ منه بلفظه.
ولا يخفى على منصف وقف على كلام اللخمي هذا وعلى كلام عياض أن الصواب هو ما وجدته في الإكمال ما نقله عنه الأبي ونص الإكمال قوله: ((فأمرنا حين أحللنا أن نهدي ويجتمع النفر منا في الهدي وذلك حين أمرهم أن يحلوا من حجهم لوجوب الهدي على المتمتع كما قال الله تعالى: فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ))[26].
لأن هؤلاء صاروا بإحلالهم في أشهر الحج وانتظارهم الحج متمتعين وقد تقدم الكلام عليها في أول الكتاب ويحتج به ويجيز الاشتراك في الهدي الواجب ومن يجيز تقليد هدي التمتع عند التحلل من العمرة وقبل الإحرام بالحج وهي إحدى الروايتين عندنا والأخرى لا يجوز إلا بعد الإحرام؛ لأنه حينئذ صار متمتعا ووجب عليه الدم والقول الأول على أصل تقديم الكفارة قبل الحنث وتقديم الزكاة قبل الحول على من يقول بها وقد يفرق بين هذه الأصول إذ ظاهر الحديث يدل على ما قلناه اهـ محل الحاجة منه بلفظه.
ب - قال خليل: "ودم التمتع يجب بإحرام الحج وأجزا قبله":
لقد ناقش الشيخ محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله - هذه الجملة عن خليل فقال: واعلم أن قول من قال من المالكية: إنه يجب بإحرام الحج وأنه يجزئ قبله كما هو ظاهر قول خليل في مختصره المالكي في ترجمته مبينا لما به الفتوى " ودم التمتع يجب بإحرام الحج وأجزأ قبله فقد اغتر به بعض من لا تحقيق عنده بالمذهب المالكي.
والتحقيق أن الوجوب عندهم برمي جمرة العقبة وبه جزم ابن رشد وابن العربي وصاحب الطراز وابن عرفة قال ابن عرفة: سمع بن القاسم " إن مات يعني المتمتع قبل رمي جمرة العقبة فلا دم عليه " ابن رشد؛ لأنه إنما يجب في الوقت الذي يتعين فيه نحره وهو بعد رمي جمرة العقبة فإن مات قبله لم يجب عليه وهو خلاف نقل النوادر عن محمد بن القاسم وعن سماع عيسى: من مات يوم النحر ولم يرم فقد لزمه دم، ثم قال ابن عرفة: فقول ابن الحاجب يجب بإحرام الحج يوهم وجوبه على من مات قبل وقوفه ولا أعلم في سقوطه خلافا، ولعبد الحق عن ابن الكاتب عن بعض أصحابنا من مات بعد وقوفه فعليه الدم انتهى من الحطاب " فأصح الأقوال الثلاثة وهو المشهور أنه لا يجب على من مات إلا إذا كان موته قبل رمي جمرة العقبة وفيه قول بلزومه إن مات يوم النحر قبل الرمي وأضعفها أنه يلزمه إن مات بعد الوقوف بعرفة أما لو مات قبل الوقوف بعرفة فلم يقل أحد بوجوب الدم عليه من عامة المالكية وقول من قال منهم: إنه يجب بإحرام الحج ولا يتفرع عليه من الأحكام شيء إلا جواز إشعاره وتقليده وعليه فلو أشعره أو قلده قبل إحرام الحج كان هدي تطوع فلا يجزئ عن هدي التمتع فلو قلده وأشعره بعد إحرام الحج أجزأه؛ لأنه قلده بعد وجوبه أي بعد انعقاد الوجوب في الجملة اهـ، وعن ابن القاسم أنه لو قلده وأشعره قبل إحرام الحج ثم أخر ذبحه إلى وقته أنه يجزئه عن هدي التمتع وعليه فالمراد بقول خليل: وأجزا قبله أي أجزأ الهدي الذي تقدم تقليده وإشعاره على إحرام الحج، هذا هو المعروف عند عامة علماء المالكية فمن ظن أن المجزئ هو نحره قبل إحرام الحج أو بعده قبل وقت النحر فقد غلط غلطا فاحشا.
قال الشيخ المواق في شرحه: قول خليل: وأجزأ فيه ما نصه: ابن عرفة يجزئ تقليده وإشعاره
بعد إحرام حجه ويجوز أيضا قبله على قول ابن القاسم انتهى.
وقال الشيخ الحطاب في شرحه: لقول خليل في مختصره ودم التمتع يجب بإحرام الحج وأجزأ قبله ما نصه: فإن قلت إذا كان هدي التمتع إنما ينحر بمنى إن وقف بعرفة أو بمكة بعد ذلك على ما سيأتي فما فائدة الوجوب هنا قلت يظهر في جواز تقليده وإشعاره بعد الإحرام للحج، وذلك أنه لو لم يجب الهدي حينئذ مع كونه يتعين بالتقليد لكان تقليده إذ ذاك قبل وجوبه فلا يجزئ إلا قلد بعد كمال الأركان.
وقال الشيخ الحطاب أيضا: والحاصل أن دم التمتع والقران يجوز تقليدها قبل وجوبها على قول ابن القاسم ورواية عن مالك، وهو الذي مشى عليه المصنف فإذا علم بعد ذلك فلم يبق للحكم بوجوب دم التمتع بإحرام الحج فائدة لا سيما على القول بأنه لا يجزئه ما قلده قبل الإحرام بالحج تظهر ثمرة الوجوب في ذلك ويكون المعنى أنه يجب بإحرام الحج وجوبا غير متحتم؛ لأنه معرض للسقوط بالموت والفوات فإذا رمى جمرة العقبة تحتم الوجوب فلا يسقط بالموت، كما نقول في كفارة الظهار أنها تجب بالعودة وجوبا غير متحتم بمعنى أنها تسقط بموت الزوجة وطلاقها فإن وطئ تحتم الوجوب ولزمت الكفارة ولو ماتت الزوجة وطلقها إلى أن قال: بل تقدم في كلام ابن عبد السلام في شرح المسألة الأولى: أن هدي التمتع إنما ينحر بمنى إن وقف به بعرفة أو بمكة بعد ذلك إلى آخره، وهو يدل على أنه لا يجزئ نحره قبل ذلك والله أعلم، ونصوص المذهب شاهدة بذلك.
قال القاضي عبد الوهاب في المعونة: ولا يجوز نحر هدي التمتع والقران قبل يوم النحر خلافا للشافعي لقوله تعالى: (وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) [سورة البقرة الآية 196]، وقد ثبت أن الحلق لا يجوز قبل يوم النحر فدل على أن الهدي لم يبلغ محله إلا يوم النحر وله نحو ذلك في شرح الرسالة، وقال في التلقين: الواجب بكل واحد من التمتع والقران هدي ينحره بمنى ولا يجوز تقديمه قبل فجر يوم النحر وله مثله في مختصر عيون المجالس، ثم قال الحطاب- رحمه الله -: فلا يجوز الهدي عند مالك حتى يحل وهو قول أبي حنيفة وجوزه الشافعي من حيث يحرم بالحج واختلف قوله فيما بعد التحلل من العمرة وقبل الإحرام بالحج ودليلنا أن الهدي متعلق بالتحلل وهو مفهوم من قوله تعالى: (وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) [سورة البقرة الآية 196]، اهـ منه.
وكلام العلماء المالكية بنحو هذا كثير معروف، والحاصل أنه لا يجوز ذبح دم التمتع والقران عند مالك، وعامة أصحابه قبل يوم النحر، وفيه قول ضعيف بجوازه بعد الوقوف بعرفة وهو لا يعول عليه.
وإن قولهم: إنه يجب بإحرام الحج لا فائدة فيه إلا جواز إشعار الهدي وتقليده بعد إحرام الحج لا شيء آخر فيما نقل عن عياض وغيره من المالكية مما يدل على جواز نحره قبل يوم النحر، كله غلط إما من تصحيف الإشعار والتقليد وجعل النحر بدل ذلك غلطا، وإما من الغلط في فهم المراد عند علماء المالكية كما لا يخفى على من عنده علم بالمذهب المالكي فاعرف هذا التحقيق ولا تغتر بغيره.
قال الشافعي: وإذا ساق المتمتع الهدي أو القارن لمتعته أو قرانه فلو تركه حتى ينحره يوم النحر كان أحب إلي، وإن قدم فنحره في الحرم أجزأه، من قبل أن على الناس فرضين فرضا في الأبدان فلا يكون إلا بعد الوقت وفرضا في الأموال فيكون قبل الوقت إذا كان شيئا مما فيه الفرض وهكذا إن ساقه مفردا متطوعا به والاختيار إذا ساقه معتمرا أن ينحره بعدما يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة قبل أن يحلق عند المروة وحيث نحره من فجاج مكة أجزأه والاختيار في الحج أن ينحره بعد أن يرمي جمرة العقبة وقبل أن يحلق.
وقال الشيرازي: ويجب دم التمتع بالإحرام بالحج، وفي وقت جوازه قولان:
أحدهما: لا يجوز قبل أن يحرم بالحج.
والثاني: يجوز بعد فسخ الإحرام من العمرة، وقال النووي: ووقت وجوبه عندنا الإحرام بالحج بلا خلاف ولا يتوقف بوقت كسائر دماء الجبران، لكن الأفضل ذبحه يوم النحر، وهل تجوز إراقته بعد التحلل من العمرة وقبل الإحرام بالحج؟ فيه قولان مشهوران، وحكاهما جماعة وجهين، والمشهور قولان وذكرهما المصنف - يريد الشيرازي - في كتابه المهذب بدليلهما وأصحهما الجواز فعلى هذا هل يجوز قبل التحلل من العمرة فيه طريقان:
أحدهما: لا يجوز قطعاً، وهو مقتضى كلام المصنف وكثيرين، ونقله صاحب البيان عن أصحابنا العراقيين، ونقل الماوردي اتفاق الأصحاب عليه.
والثاني: فيه وجهان أصحهما لا يجوز، والثاني يجوز بوجود بعض السبب حكاه أصحابنا الخراسانيون، وصاحب البيان فالحاصل في وقت جوازه ثلاثة أوجه: أحدها بعد الإحرام بالعمرة، وأصحها بعد فراغها، والثالث بعد الإحرام بالحج.
4 - قال ابن قدامة: أما وقت وجوبه فعن أحمد أنه يجب إذا أحرم بالحج، وهو قول أبي حنيفة والشافعي، وعنه أنه يجب إذا وقف بعرفة، وهو قول مالك واختيار القاضي، وقال أبو طالب: سمعت أحمد قال في الرجل يدخل مكة في شوال ومعه هدي، قال: ينحر بمكة، وإن قدم قبل العشر لم ينحره حتى ينحره بمنى، ومن جاء من قبل ذلك نحره عن عمرته، وأقام على إحرامه وكان قارنا انتهى، وقال أيضا: وقد ذكرنا رواية في جواز تقديم الهدي على إحرام الحج انتهى.
وذكر صاحب الفروع رواية عن الإمام أحمد أنه يجب بإحرام العمرة.
وقال صاحب الفروع أيضاً: أما وقت ذبحه فجزم جماعة منهم المستوعب والرعاية أنه لا يجوز نحره قبل وقت وجوبه، وقاله القاضي وأصحابه: لا يجوز قبل فجر يوم النحر (و هـ م)، فظاهره يجوز إذا وجب.
أدلة هذا القول:
نظراً إلى اختلاف القائلين بهذا القول في تحديد بدء وقت جواز ذبحه فإننا نذكر أدلة كل قول على حده مع المناقشة.
أما رواية أبي طالب عن الإمام أحمد أنه إن قدم به قبل عشر ذي الحجة جاز ذبحه، وإن قدم به بعد دخول العشر فإنه لا يذبحه إلا يوم النحر فهذه الرواية مبنية على مصلحة مرسلة، وذلك أنه جاء في رواية أبي طالب كما في المغني أنه قال: سمعت أحمد قال في الرجل يدخل مكة في شوال ومعه هدي قال: ينحره بمكة وإن قدم قبل العشر ينحره حتى لا يضيع أو يموت أو يسرق انتهى المقصود.
ويمكن أن يجاب عن ذلك بأمور ثلاثة:
أحدهما: أن العمل بالمصلحة المرسلة مشروط بعدم مخالفتها نصاً، وقد خالفت النص هنا وهو أن النبي- صلى الله عليه وسلم - أخر ذبح الهدي إلى يوم النحر قصدا وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((خذوا عني مناسككم))[27].
الثاني: أنها منتقضة فإن التعليل بخوف الموت والضياع والسرقة وارد أيضاً على الهدي إذا قدم به بعد دخول العشر؛ لأن العشر يحتمل أن يموت فيها الهدي أو يضيع أو يسرق.
الثالث: أن التحديد بالعشر لا دليل عليه من كتاب ولا سنة ولا إجماع.
وأما من قال بجواز ذبحه بعد الإحرام بالعمرة، وهو قول عند الشافعية ورواية عن الإمام أحمد وقول أبي الخطاب من الحنابلة ومن وافقهم من أهل العلم فاستدل له بالكتاب وهو قوله تعالى: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) [سورة البقرة الآية 196].
وجه الدلالة: ما ذكره الشيرازي وغيره أن هدي التمتع والقران له سببان هما: العمرة والحج في تلك السنة فإن أحرم بالعمرة انعقد السبب الأول في الجملة فجاز الإتيان بالمسبب كوجوب قضاء الحائض أيام حيضها من رمضان؛ لأن انعقاد السبب الأول الذي هو وجود شهر رمضان كفى في وجوب الصوم، وإن لم تتوفر الأسباب الأخرى وإن لم تنتف الموانع، لأن قضاء الصوم فرع من وجوب سابقه في الجملة.
ويمكن أن يجاب عن ذلك بأن هذا مجرد فهم للآية باجتهاد عارضه نص، ومن القواعد المقررة في باب الاجتهاد أنه لا يجوز الاجتهاد مع النص، والنص هو قوله تعالى: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ * ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) [سورة الحج الآية 28 - 29]، وقد سبق الاستدلال بهذه الآية ومناقشتها في القول الأول فلا نطيل الكلام بالإعادة.
ج - وأما من قال بجواز ذبحه بعد التحلل من العمرة، وقبل الإحرام بالحج، وهو قول الشافعية ومن وافقهم من أهل العلم، فقد استدلوا بالكتاب والسنة والمعنى.
أما الكتاب: فقوله تعالى: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) [سورة البقرة الآية 196]. ووجه الاستدلال بها مع المناقشة، يقال فيه ما قيل عند الاستدلال بها للقول قبل هذا.
وأما السنة: فما رواه مسلم في صحيحه قال: وحدثني محمد بن حاتم حدثنا محمد بن بكر، أخبرنا ابن جريج أخبرنا أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يحدث عن حجة النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: ((فأمرنا إذا أحللنا أن نهدي ويجتمع النفر منا في الهدية، وذلك حين أمرهم أن يحلوا من حجهم في هذا الحديث))[28].
وجه الدلالة: قال النووي: فيه دليل لجواز ذبح هدي التمتع بعد التحلل من العمرة وقبل الإحرام بالحج.
ويمكن أن يجاب عن ذلك بثلاثة أمور:
أحدها: أن يقال: لا منافاة بين هذا الحديث وبين ما سبق من أدلة السنة للقول الأول وما جاء في معناها فإن جميعها يدل على أن النبي- صلى الله عليه وسلم - أمر المفرد والقارن اللذين لم يسوقا الهدي بالتحلل، وأمر بالهدي، وأمر باشتراك السبعة في البدنة إلا أنه في هذا الحديث نسق أمرهم بالهدي وأمرهم بأن يشترك السبعة في البدنة على أمره إياهم بالفسخ بدون فاصل متبعاً ذلك قوله: ((وذلك حين أمرهم أن يحلوا من حجهم))، وليس في تلك الأحاديث هذه اللفظة ولا ذلك التنسيق فمن هنا نشا الخطأ في استدلال من استدل بهذا الحديث، حيث لم يفرق بين زمن الأمر بالشيء وبين زمن فعل المأمور به، فظن أن الإشارة في قوله (وذلك) إلى زمن الذبح، وإنما هي إشارة إلى زمن الأمر والمراد أن زمن الأمر بالفسخ وزمن الأمر بالهدي والاشتراك فيها زمن واحد والحديث صريح في أن ذلك حين إحلالهم من حجهم وذلك إنما وقع يوم النحر؛ لأنه لا إحلال من حج البتة قبل يوم النحر فيكون الحديث حجة عليهم لا لهم وهذا ما يسمى عند الأصوليين بالقلب.
الثاني: أنه على تقدير أن قوله: ((وذلك حين أمرهم أن يحلوا من حجهم في هذا الحديث)) مخالف لما سبق من الأدلة، فيقال: في أن هذه الزيادة شاذة ووجه شذوذها مخالفتها لما سبق من الأدلة الصحيحة الخالية من هذه الزيادة، ومدارها على محمد بن أبي بكر البرساني، وقد رواه عن جابر عدول عن طريق أبي الزبير المكي أئمة: مالك بن أنس، والليث بن سعد، وأبو خيثمة، ومطر الوراق، وسفيان بن عيينة، وجميع رواياتهم خالية من هذه الزيادة.
الثالث: أن هذا من الأمور التي تتوافر الهمم والدواعي على نقلها فلو وقع أمره - صلى الله عليه وسلم- للصحابة بأن يذبحوا الهدي بعد التحلل من العمرة وقبل الإحرام بالحج لسارعوا إلى الامتثال كما سارعوا إلى امتثال أوامره من لبس الثياب والتطيب ومجامعة النساء وغير ذلك، ولو وقع ذلك لنقل فلما لم ينقل دل على عدم وقوعه ولم يأمرهم بالتحلل من العمرة إلا أنهم ليس معهم هدي.
وأما المعنى: فقال الشيرازي: إنه حق مالي يجب بشيئين، فجاز تقديمه على أحدهما كالزكاة بعد ملك النصاب، ويمكن أن يناقش ذلك بأنه دليل اجتهادي في مقابل نص، ولا اجتهاد مع النص، وقد مضى ذلك.
د- (وأما من قال من الشافعية ومن وافقهم بأنه يجوز بعد الإحرام بالحج، فقد استدلوا بالكتاب والسنة والمعنى.
أما الكتاب، فقوله تعالى: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) [سورة البقرة الآية 196]، ووجه الدلالة ما ذكره الشيرازي وغيره من أن الله أوجب الهدي على المتمتع، وبمجرد الإحرام بالحج يسمى متمتعاً فوجب حينئذ؛ لأنه يطلق على المتمتع وقد وجد، ولأن ما جعل غاية تعلق الحكم بأوله كقوله تعالى: (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) [سورة البقرة الآية 187]، فالصيام ينتهي بأول جزء من الليل فكذلك التمتع يحصل بأول جزء من الحج وهو الإحرام.
ويجاب عن الاستدلال بهذه الآية بما أجيب به عن الاستدلال بها لمن قال بجواز ذبحه إذا أحرم بالعمرة أو بعد تحلله منها وقد سبق، ويجاب أيضا بأن المتمتع لا يتحقق بإحرام الحج لاحتمال أن الحج قد يفوته بسبب عائق عن الوقوف بعرفة؛ لأنه لو فاته لا يسمى متمتعا.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 04-11-2019, 03:58 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,857
الدولة : Egypt
افتراضي رد: هدي التمتع والقران



وأما السنة: فقد استدلوا بأدلة:
الأول: ما رواه مسلم في صحيحه قال: وحدثني محمد بن حاتم حدثنا محمد بن بكر، أخبرنا ابن جريج أخبرنا أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يحدث عن حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((فأمرنا إذا أحللنا أن نهدي ويجتمع النفر منا في الهدية وذلك حين أمرهم أن يحلوا من حجهم))[29] في هذا الحديث. وجه الدلالة قد يقال أن هذا الحديث يدل على جواز ذبح هدي التمتع بعد التحلل من العمرة وقبل الإحرام بالحج فيدل بطريق الأولى على جوازه بعد الإحرام بالحج.
وقد مضت مناقشة هذا الدليل عند الاستدلال به لمن قال بجواز ذبحه بعد التحلل من العمرة وبهذا يتبين أنه لا دلالة فيه ويجاب ثانيا بما أجيب به من الوجه الثاني عن الاستدلال بالآية. الدليل الثاني ما أخرجه الحاكم في المستدرك قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن عيسى بن إبراهيم ثنا أحمد بن النضر بن عبد الوهاب، ثنا يحيى بن أيوب، ثنا وهب بن جرير، ثنا أبي عن محمد بن إسحاق، ثنا ابن أبي نجيح عن مجاهد وعطاء، عن جابر بن عبد الله قال: كثرت القالة بين الناس فخرجنا حجاجا حتى لم يكن بيننا وبين أن نحل إلا ليال قلائل أمرنا بالإحلال الحديث إلى أن قال:
قال عطاء: قال ابن عباس- رضي الله عنه -: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قسم يومئذ في أصحابه غنما فأصاب سعد بن أبي وقاص تيس فذبحه عن نفسه فلما وقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعرفة أمر ربيعة بن أمية بن خلف فقام تحت يدي ناقته فقال له النبي- صلى الله عليه وسلم -: " اصرخ أيها الناس هل تدرون أي شهر هذا؟ الحديث ثم قال الحاكم بعد إخراجه: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وأقره الذهبي على تصحيحه.
ومحل الشاهد من هذا الحديث قوله: ((فأصاب سعد بن أبي وقاص تيس فذبحه عن نفسه فلما وقف بعرفة))[30] إلخ.
وجه الدلالة قد يقال: إن عطف الوقوف بالفاء على ذبح سعد تيسه عن نفسه يدل على جواز ذبح الهدي بعد الإحرام بالحج.
والجواب: أن ذبح سعد للتيس كان يوم النحر بدليل ما رواه الإمام أحمد في مسنده قال: حدثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج قال: أخبرني عكرمة مولى ابن عباس زعم أن ابن عباس أخبره أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قسم غنما يوم النحر في أصحابه وقال: (( اذبحوها لعمرتكم فإنها تجزئ، فأصاب سعد بن أبي وقاص تيسا))[31] وقد ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: أخرجه الإمام أحمد ورجاله رجال الصحيح فرواية الإمام أحمد مفسرة لرواية الحاكم وحينئذ لا دلالة في الحديث.
وأما المعنى فمن وجوه:
أحدها: ما ذكره الشيرازي بقوله: إن شرائط الدم إنما توجد بوجود الإحرام فوجب أن يتعلق الوجوب به. انتهى.
ويمكن أن يناقش ذلك بأنه دليل اجتهادي، ولا اجتهاد مع النص، وقد سبق ما يدل على خلاف ذلك عند الكلام على أدلة المذهب الأول.
الثاني: ويجاب أيضاً بما أجيب به من الوجه الثاني عن الآية التي استدل بها أهل هذا القول، ما سبق من المناقشة لاستدلال أهل القول الأول بقوله تعالى: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) [سورة البقرة الآية 196]، والمحل المقصود من المناقشة جواز ذبح الهدي قبل يوم النحر قياساً على جواز الصيام؛ لأنه بدله والبدل له حكم المبدل منه.
الثالث: ويجاب عن هذا بما أجيب به عنه هناك تركنا إعادته هنا اختصارا. ما ذكره النووي بقوله: "ولا يتوقت بوقت كسائر دماء الجبران".
ويناقش ذلك بما ذكره ابن القيم- رحمه الله تعالى- في كتابه زاد المعاد: من أنه دم شكران لا دم جبران[32].
ويمكن أن يناقش ثانياً: بأنه قياس مع النص، فقد وردت أدلة دالة على ذبحه يوم النحر، وسبقت من أدلة القول فيكون هذا القياس فاسد الاعتبار.
ثانياً: انتهاء وقت ذبح الهدي.
اختلف أهل العلم في تحديد نهاية أيام النحر، هل هي يوم العيد ويومان بعده، أو يوم العيد وثلاثة أيام بعده، أو يوم العيد فقط إلخ، ما ستأتي الإشارة إليه من الأقوال التي لا تعتمد على دليل شرعي وفيما يلي ذكر المذاهب، ومن قال بكل مذهب منها ومستنده مع المناقشة في حدود ما يسره الله.
القول الأول: ينتهي وقت النحر بغروب شمس اليوم الثاني من أيام التشريق، وممن قال بهذا القول الحنفية، وهو مذهب مالك وأحمد الجصاص، ذهب أصحابنا والثوري إلى أنه يوم العيد ويومان بعده. وقال القرطبي: قال مالك: ثلاثة يوم النحر ويومان بعده، وقال ابن قدامة: قال أحمد: أيام النحر ثلاثة عن غير واحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال ابن القيم: هذا مذهب أحمد، وقال في الإنصاف: هذا هو الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم واستدل لهذا القول بالكتاب والسنة والإجماع والأثر والمعنى:
أما الكتاب: فقوله تعالى: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) [سورة الحج الآية 28]، وجه الدلالة ما ذكره القرطبي بقوله "وهذا جمع قلة لكن المتيقن منه الثلاثة وما بعد الثلاثة غير متيقن فلا يعمل به".
وأما السنة: ((فنهى النبي-صلى الله عليه وسلم- عن ادخار لحوم الأضاحي بعد ثلاثة))[33]، وجه الدلالة ما ذكره الباجي بقوله: ومعلوم أنه أباح الأكل منها في أيام الذبح فلو كان اليوم الرابع منها لكان قد حرم على من ذبح في ذلك اليوم أن يأكل من أضحيته انتهى كلام الباجي وليس هناك فرق بين الأضحية والهدي بالنسبة لانتهاء وقت الذبح.
وأما الإجماع: فقد قرره الجصاص بقوله بعد ذكره هذا الرأي عن بعض أصحابه قال: قد ثبت عمن ذكرنا من الصحابة أنها ثلاثة، واستفاض ذلك عنهم، وغير جائز لمن بعدهم خلافهم إذا لم يرد عن أحد من نظرائهم خلافه فثبتت حجته.
وأيضا فإن سبيل تقدير النحر التوقيف أو الاتفاق إذ لا سبيل إليها من طريق القياس فلما قال: من ذكرنا قوله من الصحابة بالثلاثة صار ذلك توقيفاً كما قلنا في مقدار مدة الحيض وتقدير المهر ومقدار التشهد في إكمال فرض الصلاة وما جرى مجراها من المقادير التي طريق إثباتها التوقيف أو الاتفاق وإذا قال به قائل من الصحابة ثبتت حجته وكان ذلك توقيفاً.
وأما الأثر: فقد نقله الجصاص وغيره عن علي وابن عباس وابن عمر وأنس بن مالك وأبي هريرة وسعيد بن جبير وسعيد بن المسيب.
وأما المعنى فمن وجهين:
أحدها: ما ذكره الجصاص بقوله: قد ثبت الفرق بين أيام النحر وأيام التشريق؛ لأنه لو كانت أيام النحر أيام التشريق لما كان بينهما فرق، وكان ذكر أحد العددين ينوب عن الآخر فلما وجدنا الرمي في يوم النحر وأيام التشريق ووجدنا النحر يوم النحر، وقال قائلون: إلى آخر أيام التشريق وقلنا نحن يومان بعده وجب أن نوجد فرقا بينهما لإثبات فائدة كل واحد من اللفظين وهو أن يكون من أيام التشريق ما ليس من أيام النحر وهو آخر أيامها.
الثاني: ما ذكره الباجي بقوله: هو يوم مشروع النحر قبله فلم يكن من أيام الذبح كالخامس.
القول الثاني: أن وقت الذبح ينتهي بغروب الشمس من اليوم الثالث من أيام التشريق وبهذا قال الشافعي: واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم ومن وافقهم من أهل العلم قال الشافعي: والأضحية جائزة يوم النحر وأيام منى كلها.
وقال المرداوي في الإنصاف: قال في الإيضاح: آخره آخر يوم من أيام التشريق واختاره ابن عبدوس في تذكرته بأن آخره آخر اليوم الثالث من أيام التشريق واختاره الشيخ تقي الدين قاله في الاختيارات وجزم به ابن رزين في نهايته والظاهر أنه مراد صاحب النهاية فإن كلامه محتمل.
وقال ابن القيم في زاد المعاد: وهو مذهب إمام أهل الهجرة الحسن، وإمام أهل مكة عطاء بن أبي رباح، وإمام أهل الشام الأوزاعي، وإمام فقهاء أهل الحديث الشافعي- يرحمه الله - ، واختاره ابن المنذر، واستدل لهذا القول بالكتاب والسنة والأثر والمعنى:
أما الكتاب: فقوله تعالى: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) [سورة الحج الآية 28].
وجه الدلالة: أن المراد بالمعلومات أيام النحر يوم العيد وثلاثة أيام بعده، واستدلوا لهذا التوجيه بقوله تعالى: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ) [سورة البقرة الآية 203].
قال ابن القيم- رحمه الله -: هذه الأيام الثلاثة تختص بأنها أيام منى، وأيام الرمي، وأيام التشريق، ويحرم صيامها فهي أخوة في هذه الأحكام فكيف تفترق في جواز الذبح بغير نص ولا إجماع.
وأما السنة فقد استدلوا بأدلة:
الأول: أن النبي-صلى الله عليه وسلم- نحر هديه يوم النحر ضحى.
وجه الدلالة: ما ذكره الشافعي بقوله: فلما لم يحظر على الناس أن ينحروا بعد يوم النحر بيوم أو يومين لم نجد اليوم الثالث مفارقا لليومين قبله؛ لأنه ينسك فيه ويرمى كما ينسك ويرمى فيهما.
الثاني: ما رواه سليمان بن أبي موسى عن أبي حسين عن جبير بن مطعم عن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: ((كل عرفات موقف وارتفعوا عن عرنة وكل مزدلفة موقف وارتفعوا عن محسر وكل فجاج مكة منحر وكل أيام التشريق ذبح))[34].
وهذا نص في الدلالة أن كل أيام النحر بأنها ثلاثة بعد العيد، وأجيب عن هذا الحديث بما نقله الرازي عن الإمام أحمد أنه قال جوابا لمن سأله عن هذا الحديث قال: لم يسمعه ابن أبي حسين بن جبير بن مطعم وأكثر روايته عنه سهو.
وقال الرازي: وقد قيل إن أصله ما رواه مخرمة بن بكير بن عبد الله بن الأشج عن أبيه قال: سمعت أسامة بن زيد يقول: سمعت عبد الله بن أبي حسين يخبر عن عطاء بن أبي رباح وعطاء يسمع قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ((كل عرفة موقف وكل منى منحر وكل فجاج مكة طريق ومنحر))[35]، فهذا أصل الحديث ولم يذكر فيه ((وكل أيام التشريق ذبح))[36] ويشبه أن يكون الحديث الذي ذكره فيه هذا اللفظ إنما هو من كلام جبير بن مطعم أو من دونه؛ لأنه لم يذكره.
وأجاب ابن القيم عن ذلك بقوله وروي من وجهين مختلفين يشد أحدهما الآخر عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((كل منى منحر وكل أيام التشريق ذبح))[37]، وروي من حديث جبير بن مطعم وفيه انقطاع، ومن حديث أسامة بن زيد عن عطاء عن جابر قال يعقوب بن سفيان: أسامة بن زيد عند أهل المدينة ثقة مأمون. انتهى.
وقد تكلم الزيلعي على هذا الحديث في نصب الراية فقال: رواه أحمد في مسنده، وابن حبان في صحيحه في النوع الثالث والأربعين من القسم الثالث من حديث عبد الرحمن بن أبي حسين عن جبير بن مطعم عن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: ((كل أيام التشريق ذبح وعرفة كلها موقف))[38] إلى آخره، وقد ذكرناه بتمامه في الحج، ورواه البزار في مسنده.
وقال: ابن أبي حسين لم يلق جبير بن مطعم، ورواه البيهقي في المعرفة ولم يذكر فيه انقطاعاً، وأخرجه الداراقطني في سننه عن أبي معيد عن سليمان بن موسى عن عمرو بن دينار عن جبير بن مطعم مرفوعاً، وأبو معين بمثناه فيه لين، وأخرجه هو والبزار عن سويد بن عبد العزيز عن سليمان بن موسى عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه مرفوعاً قال البزار: لا نعلم قال فيه عن نافع بن جبير عن أبيه الأسود بن عبد العزيز وهو ليس بالحافظ ولا يحتج به إذا انفرد، وحديث ابن أبي حسين هو الصواب مع أن أبي حسين لم يلق جبير بن مطعم. انتهى.
وأخرجه أحمد أيضاً البيهقي عن سليمان بن موسى عن جبير بن مطعم عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال البيهقي: وسليمان بن موسى لم يدرك جبير بن مطعم وأخرجه ابن عدي في الكامل عن معاوية ابن يحيى الصدفي عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أيام التشريق كلها ذبح))[39] انتهى.
وضعف معاوية بن يحيى عن النسائي والسعدي وابن معين وعلي بن المديني ووافقهم، وقال ابن أبي حاتم في كتاب العلل: قال أبي: هذا حديث موضوع بهذا الإسناد. انتهى.
وقيل معاوية محمد بن شعيب.
وأما الأثر: فقد أخرج البيهقي عدة آثار في ذلك عن ابن عباس والحسن وعطاء وعمر بن عبد العزيز وسليمان بن موسى وذكر ابن قدامة أنه مروي عن علي.
وأما المعنى: فإنها أيام تكبير وإفطار فكانت محلا للنحر كالأولين ذكر ذلك ابن قدامة.
وأما ما عدا هذين القولين من الأقوال فقد تركنا ذكرها لعدم جدوى البحث فيها فإنها أقوال مبنية على مدارك اجتهادية ولا محل للاجتهاد مع الأدلة قال ابن عبد البر: ولا يصح عندي في هذا إلا قولان أحدهما قول مالك والكوفيين والثاني قول الشافعي والشاميين وهذان القولان مرويان عن الصحابة فلا معنى للاشتغال بما خالفهما؛ لأن ما خالفهما لا أصل له في السنة ولا في قول الصحابة وما خرج عن هذين فمتروك انتهى المقصود، بواسطة نقل القرطبي عنه في جامعه.
ثالثا: ذبح الهدي ليلاً
اختلف أهل العلم في جواز الذبح ليلا فمنهم من يرى أنه لا يجوز ومنهم من قال بجوازه وفيما يلي ذكر القولين مع الأدلة والمناقشة.
القول الأول: لا يجوز الذبح ليلاً، ومن قال به مالك وأصحابه إلا أشهب، وهو رواية عن أحمد وهي ظاهر كلام الخرقي، قال الباجي: ولا يجوز نحر الهدي ليلاً وعلى هذا قول مالك وأصحابه إلا أشهب، فقد روى عنه ابن الحارث أنه يجوز نحر الهدي أو ذبحه ليلاً وقال ابن قدامة: ولا يجزئ أي الذبح في ليلتهما في قول الخرقي.... قال: واختلفت الرواية عن أحمد في الذبح في ليلتي يومي التشريق ففيه لا يجزئ نص عليه أحمد- رضي الله عنه- في رواية الأشرم، واستدل لهذا القول بالكتاب والسنة والمعنى:
أما الكتاب: فقوله تعالى: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ)[سورة الحج الآية 28].
وجه الدلالة قد يقال: إن الله ذكره بلفظ الأيام، وذكر اليوم يدل على أن الليل ليس كذلك ومن وجه آخر قال الباجي: أن الشرع ورد بالذبح في زمن مخصوص وطريق تعلق النحر والذبح بالأوقات الشرع لا طريق له غير ذلك فإذا ورد الشرع بتعلقه بوقت مخصوص كقوله تعالى: (فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) [سورة الحج الآية 28]، وبنحر النبي- صلى الله عليه وسلم- وذبحه أضحيته نهاراً علمنا جواز ذلك نهاراً، ولم يجز أن نعديه إلى الليل إلا بدليل وقد طلبنا في الشرع فلم نجد دليلاً ولو كان لوجدناه مع البحث والطلب فهذا من باب الاستدلال بعدم الدليل فيما تتوقف شرعيته على وجود الدليل.
وأجاب ابن حزم عن هذا الاستدلال بقوله: هذا إيهام منهم يمقت الله عليه؛ لأن الله تعالى لم يذكر في هذه الآية ذبحاً ولا تضحية ولا نحراً لا في نهار ولا في ليل، إنما أمر الله تعالى بذكره في تلك الأيام المعلومات أفترى يحرم ذكره في لياليه إن هذا لعجب ومعاذ الله من هذا وليس هذا النص يمانع من ذكره تعالى وحمده على ما رزقنا من بهيمة الأنعام في ليل ونهار في العام كله ولا يختلفون فيمن حلف ألا يكلم زيدا ثلاثة أيام أن الليل يدخل في ذلك النهار.
وأما السنة: فما روي عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن الذبح ليلاً.
وهذا نص في الدلالة على عدم جواز الذبح ليلاً، وقد أجاب عنه ابن حزم بقوله: وذكروا حديثاً لا يصح رويناه من طريق بقية بن الوليد عن مبشر بن عبيد الحلبي عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار ((نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الذبح بالليل))، وبقية ليس بالقوي، ومبشر بن عبيد مذكور بوضع الحديث عمداً، ثم هو مرسل. انتهى كلام ابن حزم.
وقال ابن حجر في مبشر بن عبيد: هو متروك، ويجاب عن ذلك بأن البيهقي أخرج في سننه حديثا فيه النهي عن الذبح ليلاً قال: أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا الحسن بن علي بن عفار ثنا يحيى بن آدم ثنا حفص عياش عن شيث بن عبد الملك عن الحسن قال: ((نهي عن حداد الليل وحصاد الليل والأضحى بالليل))، وأجاب عنه البيهقي بقوله: إنما كان ذلك من شدة حال الناس كان الرجل يفعله ليلاً فنهي عنه، ثم رخص في ذلك.
وأما المعنى: فمن وجهين ذكرهما عبد الرحمن بن قدامة
أحدهما: أنه ليل يوم يجوز الذبح فيه فأشبه ليلة يوم النحر.
الثاني: أن الليل يتعذر فيه تفرقة اللحم في الغالب، ولا يفرق طريا فيفوت بعض المقصود وأجاب ابن حزم عن الدليل الأول فقال هذا قياس والقياس كله باطل ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل؛ لأن يوم النحر هو مبدأ دخول وقت التضحية وما قبله ليس وقتا للتضحية ولا يختلفون معنا في أن من طلوع الشمس إلى أن يمضي بعد ابيضاضها وارتفاعها وقت واسع من يوم النحر لا يجوز فيه التضحية فيلزمهم أن يقيسوا على ذلك اليوم ما بعده من أيام التضحية فلا يجيزون التضحية فيها إلا بعد مضي مثل ذلك الوقت وإلا فقد تناقضوا وظهر فساد قولهم وما نعلم أحدا من السلف قبل مالك منع من التضحية ليلا.
القول الثاني: أنه يجوز الذبح ليلاً بمنى، قال بذلك أبو حنيفة، وروي عن مالك إن فعل ذلك أجزأه، وقال به أشهب من المالكية والشافعي، وهو رواية عن أحمد وقول أكثر الصحابة وبه قال ابن حزم: قال الباجي نقلا عن القاضي أبي الحسن: وقد روي عن مالك فيمن فعل ذلك أجزأه ونقل الباجي القول عن أشهب فيه أنه يجوز الذبح ليلا، وقال الشافعي- رحمه الله -: ويذبح في الليل والنهار وإنما أكره ذبح الليل لئلا يخطئ رجل في الذبح أو لا يوجد مساكين حاضرون فأما إذا أصاب الذبح ووجد مساكين فسواء وقال النووي: مذهبنا جواز الذبح ليلا ونهارا في هذه الأيام لكن يكره ليلا وبه قال أبو حنيفة وإسحاق وأبو ثور والجمهور وهو الأصح عن أحمد وقال ابن قدامة بعد ذكره لرأي الخرقي وقال غيره من أصحابنا: يجوز ليلتي يومي التشريق الأوليين وهو قول أكثر الفقهاء وقال في الشرح: وروي عن أحمد أن الذبح يجوز ليلا اختاره أصحابنا المتأخرون وبه قال الشافعي وإسحاق وأبو حنيفة وأصحابه انتهى كلامه.
واستدل لهذا القول بالكتاب والمعنى، أما الكتاب فقوله تعالى: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) [سورة الحج الآية 28].
وجه الدلالة: يمكن أن يقال: إن الأيام تطلق لغة على ما يشمل الليالي ويمكن أن يجاب عن ذلك بأن حمل الآية على ظاهرها وهو أنها تتناول الأيام دون الليالي أحوط من حملها على تناول الليل والنهار
رابعاً: مكان ذبح الهدي
لم نطلع على كلام أحد من أهل العلم أن هدي التمتع والقران يجوز ذبحه خارج الحرم ولم يرد في القرآن ولم نطلع على شيء من السنة يدل على جواز ذبحه خارج الحرم وقد جاءت أدلة من القرآن خاصة في غير هدي التمتع والقران وجاءت آية دالة بعمومها على محل هدي التمتع والقران وجاءت أدلة من السنة تدل على ذبحه في أي موضع من الحرم وفيما يلي بيان هذه الأدلة.
قال تعالى في المحصر: (وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) [سورة البقرة الآية 196]، وفسر محله بأنه الحرم عند القدرة على إيصاله وقوله - تعالى -في جزاء الصيد (هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ) [سورة المائدة الآية 95]، ومعلوم أنه لم يرد الكعبة بعينها وإنما أراد الحرم وقال: (ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) [سورة الحج الآية 33]، وهذا عام في الهدايا ومنها هدي التمتع والقران وأما الأحاديث فقد روى البيهقي أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: ((كل منى منحر وكل فجاج مكة طريق ومنحر))[40] ولتمام الفائدة نورد ما ذكره الزيلعي على هذا الحديث قال: روي من حديث جابر ومن حديث أبي هريرة فحديث جابر أخرجه أبو داود وابن ماجه عن أسامة بن زيد الليثي عن عطاء بن أبي رباح عن جابر قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ((كل عرفة موقف وكل منى منحر وكل المزدلفة موقف وكل فجاج مكة طريق ومنحر))[41] انتهى بلفظ أبي داود ومثله لفظ ابن ماجه. إلا أن فيه تقديماً وتأخيراً ولاختلاف لفظهما فرقهما ابن عساكر في موضعين من ترجمة عطاء عن جابر في أطرافه فجعلهما حديثين وليس بجيد والصواب ما فعله شيخنا أبو الحجاج المزي في أطرافه فإنه ذكره في ترجمة واحدة والشيخ زكي الدين المنذري قلد ابن عساكر فلم يعزه في مختصر السنن لابن ماجه والله أعلم.
وأسامة بن زيد الليثي قال في التنقيح روى له مسلم متابعة فيما أرى ووثقه ابن معين في روايته انتهى فالحديث حسن واعلم أن بعض الحديث في مسلم أخرجه عن جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((نحرت هاهنا ومنى كلها منحر فانحروا في رحالكم))[42].
وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أبو داود في الصوم عن محمد بن المنكدر عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أفطر يوم تفطرون وأضحي يوم تضحون وكل عرفة موقف وكل منى منحر وكل فجاج مكة منحر وكل جمع موقف))[43] انتهى.
قال المنذري في مختصره: قال ابن معين: محمد بن المنكدر لم يسمع من أبي هريرة - رضي الله عنه - وقال: أبو زرعة لم يلق أبا هريرة انتهى ورواه البزار في مسنده وقال: محمد بن المنكدر لا نعلمه سمع من أبي هريرة انتهى، وروى الواقدي في كتاب المغازي حدثني إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال في عمرة القضية وهديه عند المروة: ((هذا المنحر وكل فجاج مكة منحر فنحر عند المروة))[44] انتهى كلام الزيلعي.
وقال ابن حجر في إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة الأشهلي مولاهم أبو إسماعيل المدني: ضعف من السابقة روى له أبو داود والترمذي والنسائي.
خامساً: حكم الاستعاضة عن ذبح الهدي بالتصدق
دل الكتاب والسنة والإجماع وسد الذرائع على أنه لا يجوز أن يستعاض عن ذبح الهدي بالتصدق بقيمته.
أما الكتاب: فقوله تعالى: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ) [سورة البقرة الآية 196].
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 04-11-2019, 03:58 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,857
الدولة : Egypt
افتراضي رد: هدي التمتع والقران


وجه الدلالة: أن الله - جل وعلا - أوجب على المتمتع الهدي في حال القدرة عليه فإذا لم يجد هدياً أو ثمنه فإنه ينتقل إلى الصيام، ولم يجعل الله واسطة بين الهدي والصيام ولا بدلاً عن الصيام عند العجز عنه وما كان ربك نسياً، وقد بين الله ما يجب على المريض إذا عجز مطلقاً عن الصيام من الإطعام بقوله تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) [سورة البقرة الآية 184]، وإذا كان قادراً على القضاء فقد بين حكمه بقوله تعالى: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) [سورة البقرة الآية 185]، وبين في كفارة اليمين أنه يجب العتق أو الإطعام أو الكسوة، وعند العجز يصوم ثلاثة أيام متتاليات، وبين في كفارة من أصيب بمرض أو أذى في رأسه واحتاج إلى ارتكاب محظور ليتخلص مما أصيب به بقوله تعالى: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) [سورة البقرة الآية 196]، وقال في كفارة القتل خطأ: (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) [سورة النساء الآية 92] إلى أن قال: (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) [سورة النساء الآية 92]، وقال في كفارة الظهار: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ* فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) [سورة المجادلة الآية 3 - 4] الآية.
وأما السنة: فإن أدلتها في هذا الموضوع متفقة مع القرآن.
وأما الإجماع: فإن الصحابة والتابعين ومن بعدهم من المجتهدين أخذوا بما دل عليه القرآن ودلت عليه السنة من وجوب الهدي على المتمتع والقارن، فإذا لم يجد هدياً أو لم يجد ثمنه فإنه يصوم عشرة أيام ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله ومن قال بالتصدق فإنه يطالب بدليل يخالف ذلك.
وأما سد الذرائع: فإنه لو أجيز القول بالاستعاضة عن ذبح الهدي بالتصدق بقيمته، لأدى ذلك إلى التوسع في أبواب الشريعة فمثلاً يقال: تخرج نفقة الحج بدلاً من الحج نظراً لصعوبته في هذا العصر. وهناك شبه قد يتعلق بها من تسول له نفسه القول بالجواز نذكرها فيما يلي ثم نتبع كل شبهة بجوابها:
الشبهة الأولى: قد يقال بالجواز نظراً لصعوبة تنظيم الذبح في الوقت الحاضر مع بقاء المفسدة على حالها بل ربما زادت مع تزايد عدد الحجاج. ويمكن أن يجاب عن هذه الشبهة بأمور:
أحدها: أن سوء تطبيق الناس لأمر كلفوا به لا يجوز نقلهم عنه إلى أمر لم يشرع لهم بدعوى أنه يسهل عليهم تطبيقه، بل يجب السعي في تسهيل الذبح عليهم وحسن تطبيقه.
الثاني: أن هذا حكم مبني على مصلحة ملغاة، وقد قرر العلماء على أن المصالح ثلاثة أقسام مصلحة معتبرة فيعمل بها بالإجماع، ومصلحة ملغاة فلا يعمل بها بالإجماع، ومصلحة مرسلة وفي العمل بها خلاف والمصلحة المذكورة هنا مصلحة ملغاة فإن الشرع لم يعتبرها بعد ذكره للهدي وفي حالة عدم القدرة عليه أو على ثمنه ينتقل إلى الصيام.
الثالث: أن المقصود من هذه العبادة إراقة الدم، وأما اللحوم فهي مقصودة بالقصد الثاني قال تعالى: (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ) [سورة الحج الآية 37]، وفي الاكتفاء بالتصدق بالثمن دون إراقة الدم إضاعة للقصد الأول.
الشبهة الثانية: ما يجري عليه بعض الحجاج من تسليم ثمن الهدي الواجب عليهم للمطوفين وعمالهم بأنفسهم بصفة التوكيل حيث لا يباشرون بأنفسهم عمليات الشراء والذبح والتصدق باللحوم لتعذر ذلك عليهم وخوف الهلاك من شدة الازدحام أو المشقة أو الحرج.
ويمكن أن يجاب عن هذه الشبهة بما أجيب به عن الشبهة الأولى ويضاف إلى ذلك أن الحاج إذا وكل شخصا يشتري عنه هديا ويذبحه ويوزعه على المستحقين على الصفة الشرعية فقد خرج بذلك عن عهدة الهدي وصارت العهدة على من صار وكيلا للقيام بالشراء والذبح والتصدق فإن هذا مما يجوز التوكيل فيه شرعا.
الشبهة الثالثة: أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح وبالتالي درء للمفاسد عن الأمة وجلب لمصالحها.
ويجاب عن هذه الشبهة بما أجيب به عن الشبهة الأولى ويضاف إلى ذلك:
أولاً: أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح لكن لا يصح أن يقال: إن ذبح الهدايا مفسدة وإن درءها بما ذكروه من إلغاء هذه الشعيرة والتصدق بثمنها؛ لأن من القواعد المقررة في الشريعة أن المفاسد درجات وأن المصالح درجات وأنه يجوز تفويت أدنى المصلحتين لتحصيل أعلاهما وارتكاب أخف المفسدتين لاجتناب كبراهما ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح فيما ليس فيه دليل شرعي وفيما إذا كانت المفسدة أرجح من المصلحة وما نحن فيه ليس كذلك بل قام الدليل على خلافه والمصلحة أرجح مما ظن مفسدة بتحريف النصوص عن مواضعها ومقاصدها.
ثانياً: أن هذا يفتح باب تلاعب في الشريعة فلا يكون للنصوص قيمة وإنما القيمة لما يصدر من سفهاء العقول من تصورات يزعمون أنها مصالح تستحق أن تقدم على الأدلة. ثالثا: أن النسك عبادة مبنية على التوقيت فلا يجوز العدول عن المشروع إلا بدليل شرعي موجب للعدول عنه وكل تشريع مبني على التوقيت فإنه لا يدخله الاجتهاد ومنه القول بالمصلحة المدعاة هنا.
رابعاً: أن من وجب عليه الهدي يجب عليه إيصاله إلى مستحقه كما في قوله تعالى: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) [سورة الحج الآية 28]، وكذلك سائر ما يجب عليه من الحقوق كالزكاة والنذر والكفارات وغيرها.
خامساً: أن الشارع لم يمنع الذبح في أي محل من الحرم كما قال - صلى الله عليه وسلم -: ((نحرت هاهنا ومنى كلها منحر وفجاج مكة طريق ومنحر))[45]، فالحاج ينحره في أي موضع من فجاج مكة ويوزعه على الفقراء.
سادساً: علاج مشكلة اللحوم في منى: مشكلة اللحوم يمكن أن تعالج بالأمور الآتية:
الأول: الكشف على ما يباع للتأكد من صلاحيته هدياً من حيث السن والسلامة من الأمراض وموانع الإجزاء وتوضع علامة يعرف بها أن هذه الذبيحة تجزئ وما عدا ذلك يمنع.
الثاني: التوسع في توعية الحجاج ببيان المجزئ وما لا يجزئ حتى لا يقدموا إلا على بصيرة. الثالث: الإكثار من عدد المجازر في أماكن مختلفة من منى وفجاج مكة وإرشاد الناس إليها.
الرابع: تسهيل طريق الحصول على هذه اللحوم للفقراء وذلك بما يلي:
1- إيصاله إليهم إن أمكن.
2- معاونتهم على إيصاله إلى منازلهم.
3- التوسع في توزيع ما زاد على فقراء الحرم على فقراء خارج الحرم ويكون إعطاء الفقراء الذين هم خارج الحرم بمنزلة دفع الزكاة لفقراء غير فقراء بلد المال إذا أعطي فقراء بلد المال حاجتهم ولم يوجد أحد يستحق فكذلك الهدي ينقل إلى فقراء البلدان المجاورة لمكة.
التوسع في التوكيل على ذبح الهدي بطرق منظمة تضمن مصلحة صاحب الهدي ومصلحة الفقير والمصلحة العامة ويكون فيه أناس يشرفون من قبل الدولة على تطبيق ذلك. هذا ما تيسر ذكره وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 04-11-2019, 04:00 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,857
الدولة : Egypt
افتراضي رد: هدي التمتع والقران

ــــــــــــــ
مصادر ومراجع هذا البحث "باب الهدي من كتاب الحج"
1. المذهب الحنفي: أحكام القرآن للجصاص لباب المناسك للسندي، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر، المبسوط للسرخسي، كتاب الآثار لأبي يوسف، فتح القدير.
2. المذهب المالكي: المدونة للإمام مالك، المنتقى للباجي، حاشية الرهوني على شرح عبد الباقي الزرقاني لمختصر خليل، أحكام القرآن للقرطبي، أضواء البيان للشيخ محمد الأمين الشنقيطي، شرح الرسالة لابن أبي زيد، شرح الأبي على مسلم.
3. المذهب الشافعي: الأم للشافعي، شرح صحيح مسلم للنووي، فتح الباري المجموع شرح المهذب الإيضاح للنووي، المنهاج وشرحه مغني المحتاج، الأشباه والنظائر للسيوطي، أحكام القرآن للشافعي، القرى لقاصد أم القرى للطبري.
4. المذهب الحنبلي: تفسير ابن كثير، المغني لابن قدامة، الشرح الكبير لابن قدامة، حاشية المقنع، زاد المعاد، الإنصاف، مسائل الإمام أحمد، القواعد لابن رجب، الفروع لابن مفلح المحرر، تحفة الودود في أحكام المولود، القياس في الشرع الإسلامي.
5. كتب أخرى المحلى لابن حزم، السنن الكبرى للبيهقي، سنن الدارقطني، نصب الراية، التلخيص الحبير، الدراية، شرح معاني الآثار، سنن أبي داود وعليه معالم السنن للخطابي، بلوغ المرام.
القرار
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
بناء على ما تقرر في الدورة السابعة لهيئة كبار العلماء المنعقدة في الطائف في النصف الأول من شعبان عام 1395هـ من إدراج موضوع (هدي التمتع والقران) في جدول أعمال الدورة الثامنة وإعداد بحث في ذلك فقد اطلعت الهيئة في الدورة الثامنة المنعقدة بمدينة الرياض في النصف الأول من شهر ربيع الثاني عام 1396هـ على البحث الذي أعدته اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في وقت الذبح ومكانه وحكم الاستعاضة عن الهدي بالتصدق بقيمته وعلاج مشكلة اللحوم.
وبعد تداول الرأي تقرر بالإجماع ما يلي:
1- لا يجوز أن يستعاض عن ذبح هدي التمتع والقران بالتصدق بقيمته لدلالة الكتاب والسنة والإجماع على منع ذلك مع أن المقصود الأول من ذبح الهدي هو التقرب إلى الله تعالى بإراقة الدماء كما قال تعالى: (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ) [سورة الحج الآية 37]، ولأن من القواعد المقررة في الشريعة سد الذرائع والقول بإخراج القيمة يفضي إلى التلاعب بالشريعة فيقال مثلا: تخرج نفقة الحج بدلا من الحج لصعوبته في هذا العصر، ولأن المصالح ثلاثة أقسام: مصلحة معتبرة بالإجماع، ومصلحة ملغاة بالإجماع ومصلحة مرسلة، والقول بإخراج القيمة مصلحة ملغاة لمعارضتها للأدلة، فلا يجوز اعتبارها.
2 - قرر المجلس بالأكثرية أن أيام الذبح أربعة، يوم العيد وثلاثة أيام بعده، ويجوز الذبح في ليالي أيام التشريق لقوله تعالى: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) [سورة الحج الآية 28]، (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) [سورة الحج الآية 29] .
فإن قضاء التفث وطواف الزيارة لا يكون قبل يوم النحر ولما رتب هذه الأفعال على ذبح الهدي دل على أنه هدي القران والتمتع؛ لأن جميع الهدايا لا يترتب عليها هذه الأفعال.
ولأنه ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه ذبح هديه يوم العيد وكذلك ذبح هدي التمتع والقران عن نسائه يوم العيد ولم يثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أحد من أصحابه أنه ذبح قبل يوم العيد ولا بعد أيام التشريق ولما روى سليمان بن موسى عن ابن أبي حسين عن جبير بن مطعم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (( كل عرفات موقف ... وكل أيام التشريق ذبح))[46].
قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -: روي من وجهين مختلفين يشد أحدهما الآخر انتهى المقصود.
3 - لا يخصص الذبح بمنى بل يجوز الذبح في مكة وفي أي موضع من الحرم لقوله - صلى الله عليه وسلم – ((وكل منى منحر وكل فجاج مكة طريق ومنحر))[47].
4 - ما ترك من اللحوم في المجازر فإن على الحكومة حفظه على وجه يحفظ نفعه حتى يوزع بين فقراء الحرم.
5 - يجوز للحكومة تنظيم الاستفادة من سواقط الهدي التي تترك في المجازر مثل الجلد والعظام والصوف ونحو ذلك مما ترى فيه المصلحة لفقراء الحرم مما يتركه أهله رغبة عنه.
6 - ينبغي للحكومة وفقها الله أن تعني بتكثير المجازر في منى ومكة وبقية الحرم على وجه يمكن الحجاج من ذبح هداياهم بيسر وسهولة وأن يستمدوا من لحومها ما شاءوا.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
هيئة كبار العلماء
وجهة نظر
لصاحب الفضيلة الشيخ عبد الله بن منيع
عضو هيئة كبار العلماء
إن وجهة نظري تتلخص في الملاحظات الآتية:
أولاً: جاء في الصفحة الثالثة من البحث الاستدلال على تحديد وقت ذبح هدي التمتع والقران بالإطلاق في قوله تعالى: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) [سورة البقرة الآية 196]، وبالتقييد في قوله تعالى: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ* ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ) [سورة الحج الآية 28 - 29]، ولا شك أن بعض أهل العلم استدل بهذا ولكن الأمانة العلمية تقتضي مناقشة هذا الاستدلال.
إذ يمكن مناقشته بما يلي:
إن كمال الآية المراد بها تقييد عموم قوله تعالى: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) [سورة البقرة الآية 196]، وقوله تعالى: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ* ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ) [سورة الحج الآية 28 - 29].
وقد ذكر جمع كثير من العلماء من مفسرين ومحدثين وفقهاء أن المراد بالأيام المعلومات عشر ذي الحجة، فقد ذكر الجصاص في كتابه أحكام القرآن أنه روي عن ابن عباس بإسناد صحيح أن المعلومات العشر والمعدودات أيام التشريق وهو قول الجمهور من التابعين منهم الحسن ومجاهد وعطاء والضحاك وإبراهيم في آخرين منهم، وقد روي عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد أن المعلومات العشر والمعدودات أيام التشريق[48].
وروى البيهقي بإسناده إلى الشافعي أنه قال: الأيام المعلومات أيام العشر كلها والمعدودات أيام منى فقط[49]. اهـ
وقال النووي في المجموع:
وأما الأيام المعلومات فمذهبنا أنها العشر الأوائل من ذي الحجة إلى آخر يوم النحر إلى أن قال: وقال الإمام أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره: قال أكثر المفسرين: الأيام المعلومات هي عشر ذي الحجة[50] اهـ
فعلى هذا لا حجة في الآية على القول بتحديد وقت الذبح بيوم النحر وأيام التشريق، بل قد يكون فيها دليل على القول بذبح هدي التمتع والقران في الأيام المعلومات التي هي العشر الأوائل من ذي الحجة؛ لأن المقصود بذكر الله على بهيمة الأنعام في هذه الآية أمر صريح بتحديد وقت الذبح وإذا كان الدليل
يفهم من ترتيب قضاء التفث على ذكر الله على بهيمة الأنعام فإن هذا يعني بطلان أعمال الحج يوم العيد من رمي وحلق أو تقصير وطواف زيارة إذا فعل ذلك قبل الذبح أو النحر، ولا يخفى ما عليه إجماع أهل العلم قاطبة من أن الترتيب فيها مستحب وأنه لا حرج في تقديم واحد منها على الآخر لقوله - صلى الله عليه وسلم - حينما سئل عن تقديم بعض هذه الأفعال على بعض قال: ((افعل ولا حرج))[51]، فدل ذلك على أن غاية الأمر أن يكون مفهوم الترتيب الاستحباب، وبذلك ينتفي الاستدلال بالآية.
ثانياً: جاء في الصفحة الثالثة من البحث مناقشة الجصاص الاعتراض على منع تقديم ذبح هدي التمتع والقران بإجازة الصوم الذي هو بدل عنه قبل يوم النحر وقد كانت مناقشته في حاجة إلى مناقشة بما يلي:
أ‌- جاء في قوله إنه ثبت بالسنة امتناع ذبح الهدي قبل يوم النحر، ويرد على ذلك بأنه لو كان الأمر كما ذكر من ثبوت امتناع ذبح هدي التمتع والقران قبل يوم النحر بالسنة لما حصل الخلاف في ذلك والثابت بخصوص الهدي إنما هو في الهدي المسوق تطوعاً فلا يجوز ذبحه قبل يوم النحر، أما هدي المتعة والقران فإن القائلين بجواز ذبحه قبل يوم النحر يطالبون بالنص الصريح الثابت في امتناع ذبحه قبل يوم النحر من كتاب أو سنة بل إنهم يستدلون بهما على جواز ذلك.
ب‌- ما ذكره بأن الصوم مراعى ومنتظر به شيئان إلى آخر قوله: هذا القول يمكن أن يقال في هدي المتعة وأيضاً فإذا وجد المعنيان إتمام الحج والعمرة صح الهدي عن المتعة وإذا عدم أحدهما بطل أن يكون هدي متعة وصار هدي تطوع كصيام التطوع.
ت‌- قوله بأن الهدي رتب عليه أفعال أخرى من حلق وقضاء تفث وطواف زيارة فلذلك اختص بيوم النحر مناقشة ذلك ما مر في الملاحظة الأولى.
ثالثاً: جاء في الصفحة الثامنة من البحث ما نصه: فهذه الأحاديث منها ما هو نص في أن بدء وقت النحر للمتمتع والقارن يوم الأضحى ومنها ما يدل عليه بمفهومه أو مع أمره - صلى الله عليه وسلم - أن نأخذ عنه المناسك وقد نحر عن نفسه وعن أزواجه يوم الأضحى ونحر أصحابه كذلك
ولم يعرف عن أحد منهم أنه نحر هديه لتمتعه أو قرانه قبل يوم الأضحى فكان ذلك عمدة في التوقيت بما ذكر من جهات عدة.
وإن ذلك ممكن أن يناقش بما يلي:
أ‌- إن المتتبع لجميع ألفاظ الأحاديث الواردة في البحث لا يجد فيها نصا على تحديد بدء وقت نحر هدي التمتع والقران بيوم الأضحى، وإنما النص في بعضها على أن من ساق الهدي فلا يجوز له الإحلال حتى ينحر هديه، ولا شك أن الهدي الذي ساقه - صلى الله عليه وسلم - وساقه بعض أصحابه ودخلوا به مكة في حجهم معه - صلى الله عليه وسلم - هدي تطوع دخل فيه هدي التمتع أو القران فهو متصل به اتصال الجزء بكله بحيث لا يمكن فصله عنه.
ب‌- إن القول بأن منها (أعني الأحاديث الواردة في البحث) ما يدل مع أمره - صلى الله عليه وسلم - أن نأخذ عنه مناسكنا على بدء التحديد بيوم النحر يرد عليه بإجماع الأمة على جواز ذبح هدي التمتع أو القران في اليوم الأول أو الثاني من أيام التشريق وهو - صلى الله عليه وسلم - ذبح يوم العيد وقال: ((خذوا عني مناسككم))[52] فلو كان عموم قوله - صلى الله عليه وسلم - ((خذوا عني مناسككم))[53]، وارد على ذلك لكان الذبح في أيام التشريق غير جائز للمخالفة وقد لا يمكن القول بأن العموم مخصص بقوله - صلى الله عليه وسلم - ((وكل أيام التشريق ذبح))[54] فقد تكلم رجال الحديث في هذه الزيادة بما لا يتسع المقام لذكره وبما يبطل الاستدلال به للتخصيص مع أن قوله - صلى الله عليه وسلم - ((خذوا عني مناسككم))[55] عام في جميع أفعال النسك من ركن وواجب ومستحب وفي قوله تعالى: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) [سورة البقرة الآية 196]، تخصيص لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم - ((خذوا عني مناسككم))[56].
ت‌- إن ما نحره عن نفسه هو هديه الذي ساقه - صلى الله عليه وسلم - تطوعا ودخل به مكة محرما وكان سوقه سبب امتناعه عن الإحلال، وأما نحره - صلى الله عليه وسلم - عن أزواجه في حجه فقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن ذلك أضحية منه عنهن قال ابن حزم: ووجدنا ما رويناه من طريق مسلم نا أبو بكر بن أبي شيبة نا عبده بن سليمان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: ((خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع موافين لهلال ذي الحجة فكنت فيمن أهل بعمرة فقدمنا مكة فأدركني يوم عرفة وأنا حائض لم أحل من عمرتي فشكوت ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: دعي عمرتك وانقضي رأسك وامتشطي وأهلي بالحج، قالت: ففعلت فلما كانت ليلة الحصبة وقد قضى الله حجنا أرسل معي عبد الرحمن بن أبي بكر فأردفني وخرج بي إلى التنعيم فأهللت بعمرة وقضى الله حجنا وعمرتنا ولم يكن في ذلك هدي ولا صدقة ولا صوم))[57] إلى أن قال: فإن قيل: قد صح أنه - عليه السلام - أهدى عن نسائه البقر قلنا: نعم وقد بين معنى ذلك الإهداء سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنه كان أضاحي لا هدي متعة ولا هديا عن قران[58] اهـ
وعلى فرض أن ما ذبحه - صلى الله عليه وسلم - عن نسائه هدي تمتع أو قران فقد فعل الأفضل ولا شك أن الأفضل ذبح ذلك يوم العيد.
د - وأما القول بأنه لم يعرف أحد من أصحابه نحر هدي تمتعه أو قرانه قبل يوم الأضحى فإنه يمكن مناقشته بأن عدم معرفة أحد من الصحابة نحر هديه قبل يوم الأضحى لا يعني منع ذلك ولا نفي أن أحدا من الصحابة فعله ثم إن الحديث الذي أخرجه الحاكم في مستدركه وذكر أنه على شرط مسلم وأقره الذهبي صريح في أن سعد بن أبي وقاص ذبح هديه قبل يوم النحر، وقد أخرجه الطبراني في الكبير وذكر أن رجاله ثقات.
وسيأتي مزيد نقاش لهذا الحديث والاعتراض عليه بما في مجمع الزوائد عن عكرمة.
رابعاً: جاء في الصفحة الثامنة من البحث الاحتجاج لذلك القول بالإجماع بما ذكره ابن عابدين ويمكن أن يناقش ذلك بما يلي:
لعل ابن عابدين - رحمه الله - يقصد بالإجماع إجماع أهل مذهبه مع أن ابن قدامة - رحمه الله - نسب إلى أبي حنيفة القول بوجوب هدي التمتع بالإحرام بالحج وذلك في كتابه المغني، كما نسب ذلك إليه ابن العربي في كتابه أحكام القرآن، وابن مفلح في كتابه الفروع، أما أن يقصد ابن عابدين إجماع الأمة على منع ذلك فبعيد جداً؛ لوجود الخلاف القوي في المسألة بين العلماء من مالكيين وشافعيين وحنابلة وغيرهم، ولأن مثل ابن عابدين لا يخفى عليه الخلاف في المسألة لا سيما وهو خلاف مشهور وعلى فرض أن ابن عابدين يقصد بالإجماع إجماع الأمة فما ذكره غير صحيح والخلاف في ذلك مشهور يعرفه الخاص والعام.
خامساً: جاء في الصفحة الثامنة من البحث الاحتجاج بالمعنى بما ذكره ابن قدامة- رحمه الله - بقوله؛ لأن ما قبل يوم النحر لا يجوز ذبح الأضحية فيه إلى آخره، ويمكن نقاش ذلك بما ذكره ابن قدامة نفسه توجيها للقول بجواز تقديم ذبح هدي التمتع والقران قبل يوم النحر حيث قال: ووجه جوازه أنه دم يتعلق بالإحرام وينوب عنه الصيام فجاز قبل يوم النحر كدم الطيب واللباس ولأنه يجوز إبداله قبل يوم النحر فجاز أداؤه قبله كسائر الفديات[59] اهـ ، وبما ذكره في توجيه رواية الوجوب بعد الإحرام بالحج بقوله: لأن الله تعالى قال: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) [سورة البقرة الآية 196]، وهذا قد فعل ذلك ولأن ما جعل غاية فوجود أوله كاف كقوله تعالى: ( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْل) [سورة البقرة الآية 187][60]ِ.. اهـ
وبما ذكره الشافعي- رحمه الله - بقوله: وإذا ساق المتمتع الهدي معه أو القارن لمتعته أو قرانه فلو تركه حتى ينجزه يوم النحر كان أحب إلي، وإن قدم فنحره في الحرم أجزأ عنه من قبل أن على الناس فرضين فرضا في الأبدان فلا يكون إلا بعد الوقت، وفرضا في الأموال فيكون قبل الوقت إذا كان شيئا مما فيه الفرض[61] اهـ "
وبما ذكره ابن رجب في قواعده، قال: العبادات كلها سواء كانت بدنية أو مالية أو مركبة منهما، لا يجوز تقديمها على سبب الوجوب ويجوز تقديمها بعد سبب الوجوب وقبل الوجوب أو قبل شرط الوجوب ويتفرع على ذلك مسائل كثيرة - وذكر منها ما ذكر ثم قال: ومنها صيام التمتع والقران فإنه سبب العمرة السابقة للحج في أشهره فبالشروع في إحرام العمرة قد وجد السبب فيجوز الصيام بعده وإن كان وجوبه متأخرا عن ذلك، وأما الهدي فقد التزمه أبو الخطاب في انتصاره، ولنا رواية أنه يجوز ذبحه لمن دخل قبل العشر لمشقة حفظه عليه إلى يوم النحر[62]. اهـ
كما أنه يمكن مناقشة ما ذكره ابن قدامة - رحمه الله - من قياسه الهدي على الأضحية بما ذكره ابن مفلح في الفروع حيث قال: وقاسوه على الأضحية والهدي وهي دعوى[63]. اهـ
سادساً: جاء في الصفحة التاسعة من البحث اعتراض الراهوني على ما ذكره الأبي عن القاضي عياض في شرحه رواية مسلم ((فأمرنا إذا أحللنا أن نهدي ويجتمع النفر منا في الهدية وذلك حين أمرهم أن يحلوا من حجهم))[64]، مع أن في الحديث حجة لمن يجيز للمتمتع نحر هديه بعد التحلل من العمرة وقبل الإحرام بالحج إلى آخره حيث ذكر الرهوني أن لديه نسخة عتيقة مظنونا فيها الصحة وليس فيها جواز نحر هدي المتمتع بعد التحلل من العمرة وإنما ذكر فيها جواز تقليد الهدي قبل الإحرام بالحج إلى آخر ما ذكره الرهوني.
ويمكن مناقشة ذلك بما يلي:
أ‌- إن عبارة القاضي عياض في جواز نحر الهدي قبل الإحرام بالحج قد تناقلها شيوخ كبار في مذهب الإمام مالك فقد نقلها عنه الأبي والسنوسي والدسوقي والبناني ومحمد عابد فلم يعترض عليها واحد منهم بل احتج بها بعضهم على رد تأويلات بعض شراح مختصر خليل في قوله وأجزا (أي دم التمتع) قبله (أي قبل يوم النحر) حينما قال بعضهم: إن المقصود بذلك تقليد الهدي وإشعاره لا ذبحه.
ب‌- إن احتجاج الرهوني لدعواه التصحيف بما لديه من نسخة يدعي قدمها والوثوق بها فيه نظر، ولو سلم له احتجاجه لكان ذلك من أقصر الطرق لرد آراء العلماء وأقوالهم بإنكار نسبتها إليهم بالتصحيف فيما كتب عنهم، ثم هل يمكن أن تكون نسخة الرهوني هي الصحيحة الثابتة دون ما عداها مما لدى شيوخه وشيوخهم، إن العكس هو القريب الممكن المعقول.
ج - إن اللجنة أيدت دعوى التصحيف بما ذكره بأن اللخمي ذكر الخلاف في التقليد لا في النحر وهذه الحجة ليست أكثر عجباً من سابقتها فإن عدم ذكر الشخص الشيء لا يعني نفيه من الوجود، واللخمي كغيره من العباد ينطبق عليه القول: "علمت شيئا وغابت عنك أشياء".
على أن المرء يقف حائراً في تكييف وجه الخلاف بين علماء المذهب المالكي في جواز تقليد الهدي وإشعاره بعد الفراغ من العمرة وقبل الإحرام بالحج إلا أن يكون المراد بذلك مآل التقليد والإشعار وهو الذبح حسبما يفهم من التمثيل على جواز ذلك بقياسه على تقديم الكفارة قبل الحنث والزكاة قبل الحول وأن ذلك مما تقتضيه السنة توسعة في جميع ذلك فإن اقتضاء السنة التوسعة على العباد لا يعني الحرج وإيجاد العسر والمشقة في رعاية الهدي المقلد والمشعر حتى يأتي يوم النحر فينحر فإن الحاج في شغل عنه بتهيئة أسباب حجه من زاد وراحلة وغير ذلك وإنما التوسعة عليه في إراحته من ملازمته ورعايته بذبحه بعد وجوبه، ولا شك
أن المتتبع بإنصاف لنصوصهم يقوى لديه الظن بأنهم يقصدون بذلك الذبح لما في جميع ذلك من التوسعة التي تقتضيها السنة.
د - إن الرهوني تعقب ما نقله الأبي عن المازري من قوله: مذهبنا أن هدي التمتع إنما يجب بالإحرام بالحج وفي وقت جوازه ثلاثة أوجه: فالصحيح والذي عليه الجمهور أنه يجوز بعد الفراغ من العمرة وقبل الإحرام بالحج[65]. اهـ "
فقال: ليس فيه أن المراد بالجمهور جمهور أهل المذهب وقد تقدم أن المراد بهذه العبارة حيث أطلقها أهل الخلاف الكبير جمهور المجتهدين وإن كانت تشمل الإمام مالكا لكن لا تصريح بنسبة ذلك إليه[66] اهـ "، وهذا ما يفرح به القائلون بتقديم ذبح هدي التمتع قبل يوم النحر فلأن يكون هذا القول قول جمهور المجتهدين من علماء الإسلام أمثال الإمام مالك أحب إليهم من أن يكون قول جمهور المالكيين من أمثال الرهوني وأترابه.
هـ - إن المتتبع لحواشي الرهوني يخرج من تتبعها بالحكم عليه بأنه ليس في مستوى قيادي في مذهبه فهو يريد أن يقلل من شأن القول بجواز الذبح قبل يوم النحر بإنكار أن الجمهور القائلين به حسبما ذكره المازري جمهور المالكيين وإنما هم جمهور المجتهدين أمثال مالك وغيره، وهذا تقوية للقول من حيث لا يدري من أن المتتبع لقول المازري يخرج من تتبعه أنه يتحدث عن مذهبه وعن فقهاء مذهبه وأقوالهم مما يدل على أن ما ذكرنا في الرهوني وارد، وإذا كان الرهوني على مستوى يسمح باعتباره إماما في مذهبه ومحققا وإذا كانت نسخته هي المظنون بها الصحة فكيف لنا تفسير نقله من نسخته هذه التي لم يجد غيرها في ذلك الوقت حسبما ذكر، نقله آية من كتاب الله - تعالى -وأوردت خطأ دون أن يشير إلى تصحيحها فقد جاء في حاشيته ونقلته اللجنة عنه في السطر الثامن من الصفحة التاسعة من البحث ما نصه: ونصه وقوله للمتمتعين: (فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم نص في كتاب الله - تعالى -مما يلزم التمتع إن صحة الآية: (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ)، [سورة البقرة الآية 196].
سابعاً: جاء في الصفحتين العاشرة والحادية عشرة من البحث نقل طويل لشيخنا محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله - وفيه يشير إلى تغليظ من يجيز على المذهب المالكي ذبح
الهدي قبل الإحرام بالحج بعد أن أورد مجموعة نصوص لشراح مختصر خليل يؤولون قوله: وأجزأ قبله ويمكن مناقشة ما ذكره بعض شراح المختصر من التأويلات بما قاله الدسوقي بعد أن أورد قول بعضهم: إن المراد بذلك تقليد الهدي وإشعاره لا ذبحه.
قال: فيه نظر فقد قال الأبي في شرح مسلم على أحاديث الاشتراك في الهدي على قول الراوي وأمرنا إذا أحللنا أن نهدي ما نصه: (عياض) في الحديث حجة لمن يجوز نحر الهدي للمتمتع بعد الإحلال من العمرة وقبل الإحرام بالحج وهي إحدى الروايتين عندنا والأخرى أنه لا يجوز إلا بعد الإحرام بالحج؛ لأنه بذلك يصير متمتعاً وذكر بعضهم أنه يجوز بعد الإحرام بالعمرة. اهـ
وبه نعلم أنه يتعين صحة إبقاء كلام المصنف أي خليل على ظاهره، وسقوط تعقب الشراح عليه وتأويلهم له من غير داع لذلك اهـ حاشية الدسوقي على شرح الدردير على مختصر خليل.
وقال الشيخ محمد عابد في شرح قول الماتن: ولا يجوز نحر هدي التمتع قال: تبع في ذلك الخطاب في مناسكه والدردير وعبد الباقي على خليل عند قوله: وأجزأ قبله حيث قال كل منهم أي إشعاره وتقليده لا نحره إذ لم يقل به أحد وفي البناني ما يخالف ذلك وحاصل ما فيه أنه أطبق كثير من شراح خليل على تأويل قوله: أجزأ قبله أي الإشعار والتقليد محتجين بأنه لم يصرح أحد من أهل المذهب بأن نحر الهدي قبل الإحرام بالحج مجزئ وهو غير ظاهر لقول الأبي في شرح مسلم على أحاديث الاشتراك في الهدي على قول الراوي.
وأمرنا إذا أحللنا أن نهدي، ما نصه: عياض في الحديث حجة لمن يجوز نحر الهدي للمتمتع بعد التحلل من العمرة وقبل الإحرام بالحج ثم ساق بقية كلام القاضي (عياض) وكلام المازري عن طريق الأبي " حاشية الدسوقي على شرح الدردير على مختصر خليل..
ثامناً: جاء في الصفحة الرابعة عشرة من البحث مناقشة الرواية عن الإمام أحمد بجواز ذبح هدي من قدم به مكة قبل العشر خشية ضياعه أو سرقته، ويمكن نقاش ذلك بأن هذه المسألة خارجة عن موضوعنا فإنها خاصة فيمن قدم مكة ومعه هدي، وموضوعنا خاص فيمن تمتع بالعمرة إلى الحج فاستوجب الهدي أيذبحه بعد وجوبه أم يؤخر ذبحه حتى يوم النحر ؟
تاسعاً: جاء في الصفحة الرابعة عشرة من البحث مناقشة الاستدلال على جواز الذبح قبل يوم النحر بآية: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) [سورة البقرة الآية 196]، بأن هذا مجرد فهم للآية باجتهاد عارضه نص هو قوله تعالى: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) [سورة الحج الآية 28]، الآية وقد سبق مناقشة الاستدلال بهذه الآية في الملاحظة الأولى مما يغني عن إعادته.
عاشراً: جاء في الصفحة الخامسة عشرة من البحث مناقشة الاستدلال بحديث أبي الزبير عن جابر ((فأمرنا إذا أحللنا أن نهدي ويجتمع النفر منا في الهدي وذلك حين أمرهم أن يحلوا من حجهم))[67]، في هذا الحديث أمور ثلاثة يمكن أن تناقش بما يلي:
أ‌- التسليم بنفي التعارض بينه وبين الأحاديث الواردة في البحث إذ ليس فيها ما يدل بصريح العبارة على منع تقديم ذبح هدي التمتع أو القران على يوم النحر وقد سبقت مناقشة القول بدلالتها على المنع في الملاحظة الثالثة وعليه فإن دلالة الحديث على إجازة الذبح بعد التحلل من العمرة وقبل الإحرام بالحج قد فهمها علماء كبار من رجال الحديث وشراحه أمثال النووي والقاضي عياض والمازري والأبي والسنوسي وغيرهم.
ب‌- إن القول بأن المقصود بقول جابر: ((فأمرنا إذا أحللنا أن نهدي التحلل من الحج))[68] يرده مزيد التأمل والتدبر في نهاية الحديث وذلك حين أمرهم أن يحلوا من حجهم فلقد أمر - صلى الله عليه وسلم - أصحابه الذين أحرموا بالحج معه أن يحلوا منه إلى عمرة واشتد غضبه - صلى الله عليه وسلم - على قوم ترددوا في الأخذ بقوله وأمره أما التحلل من الحج يوم العيد فإنه لا يكون بأمر وإنما يحصل بأفعال يفعلها الحاج يوم العيد من رمي وحلق أو تقصير وطواف زيارة وفضلا عن ذلك كله فإن راوي الحديث عن جابر وهو أبو الزبير قد أبان المقصود من ذلك فقد ذكر أبو عبد الله الأبي في شرحه صحيح مسلم عند كلامه على حديث جابر ما نصه: ويعني بقوله حين أمرهم يعني إحلال الفسخ الذي أمرهم به في حجة الوداع. اهـ.
إن القول بأن في الحديث زيادة شاذة لمخالفتها ما سبق من الأدلة الصحيحة الخالية من هذه الزيادة وأن مدارها على محمد بن بكر البرساني يمكن أن يناقش بما يلي:
1 - نفي الشذوذ في هذه الزيادة إذ هي لم تخالف غيرها من الروايات فليس هناك حديث صريح صحيح ينص على بدء وقت ذبح هدي التمتع والقران بيوم النحر وإنما غاية ما في الأمر مفاهيم لا يجوز أن يحكم بها على زيادة من عدل رواها مسلم في صحيحه إذ الزيادة من العدل مقبولة.
2 - إن القول بأن مدار هذه الزيادة على محمد بن بكر البرساني غير صحيح فقد روى الإمام أحمد في مسنده هذا الحديث بكامل هذه الزيادة عن محمد بن بكر وروح بن عبادة القيسي فقال: حدثنا محمد بن بكر وروح قالا: حدثنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يحدث عن حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((فأمرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أحللنا أن نهدي ويجتمع النفر منا في البدنة وذلك حين أمرهم أن يحلوا من حجتهم))[69]. اهـ
وروح هو روح بن عبادة القيسي قال الحافظ ابن حجر: كان أحد الأئمة وثقه علي بن المديني ويحيى بن معين ويعقوب بن شيبة وأبو عاصم وابن سعد والبزار وأثنى عليه أحمد وغيره وقال يعقوب بن شيبة: قلت لابن معين: زعموا أن ابن القطان كان يتكلم فيه فقال: باطل ما تكلم فيه إلى أن قال الحافظ: قلت احتج به الأئمة كلهم[70] اهـ
وقال الحافظ ابن حجر في محمد بن بكر ما نصه: وثقه أبو داود والعجلي وقال عثمان الدارمي عن يحيى بن معين: ثقة وقال أبو حاتم: شيخ محله الصدق إلى آخر ما قال[71].
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 04-11-2019, 04:01 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,857
الدولة : Egypt
افتراضي رد: هدي التمتع والقران


وقال في تهذيب التهذيب: قال حنبل بن إسحاق عن أحمد صالح الحديث وقال الدوري عن ابن معين: ثنا البرساني وكان والله ظريفا صاحب أدب وقال عثمان الدارمي عن ابن معين: ثقة وقال أبو داود: والعجلي ثقة.
قال الحافظ: وذكره ابن حبان في الثقات وقال: هو وابن سعد وآخرون: مات سنة ثلاث ومائتين زاد ابن سعد بالبصرة في ذي الحجة وكان ثقة وذكر الحافظ أنه أجاب عن قول الذهبي في البرساني روي عن عبد الحميد بن جعفر عن هشام بن عروة في حديث بسرة في مس الذكر: أو أنثييه أو فرجه فرفع الزيادة وإنما هي من قول عروة قال: قد أوضحت ذلك في المدرج وذكرت فيه من شاركه في رفع هذه الزيادة لكن عن غير شيخه وبينت سبب الإدراج ومستنده[72].
3 - إن هذه الزيادة غير شاذة ففضلا عن أن محمد بن بكر لم ينفرد بها بل اشترك معه في روايتها عند أحمد روح بن عبادة وأنه ليس في الروايات الأخرى نص صريح في مخالفتها فقد تأيدت بما روى الحاكم في مستدركه والطبراني في الكبير من أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر أصحابه بالإحلال من الحج وفسخه إلى عمرة إلا من ساق معه الهدي ثم قسم - صلى الله عليه وسلم - يومئذ في أصحابه غنما فأصاب سعد بن أبي وقاص تيسا فذبحه وسيأتي مزيد نقاش لحديث الحاكم.
د - إن القول: بأن مسألة ذبح هدي التمتع والقران قبل يوم النحر من الأمور التي تتوافر الهمم والدواعي على نقلها لو كان فيها نص بالجواز يمكن نقاشه بأن الهمم والدواعي تتوافر أيضا على نقل ما فيها من نصوص تقتضي المنع لو كانت هناك نصوص في ذلك وحيث لم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نص صريح في منع ذلك وتعيين البدء بيوم النحر حتى يمكن أن يكون مخصصا لعموم قوله تعالى: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) [سورة البقرة الآية 196] تعين الأخذ بعموم الآية مع ما هناك من أدلة أخرى تسند الجواز فمتى دخل الحاج في معنى التمتع وجب عليه الهدي واستقر في ذمته حتى يؤديه كاستقرار الكفارات في ذمة مستوجبها وكوجوب الدماء في ذمة من استوجبها.
الحادية عشر: جاء في الصفحة الخامسة عشر من البحث الاستدلال للقائلين بجواز تقديم الذبح قبل يوم النحر بما ذكره الشيرازي ولو أضيف إليه ما ذكره الشافعي في الأم وابن قدامة في المغني وابن رجب في قواعده مما تقدم لنا ذكره في الملاحظة الخامسة لكان ذلك من إيفاء البحث حقه ومع ذلك فإن مناقشته بأنه دليل اجتهادي في مقابل نص قد تقدم ردها بالمطالبة بالنص الصريح الثابت من كتاب أو سنة أو قول صحابي في تحديد بدء وقت ذبح هدي التمتع والقران بيوم النحر.
جاء في الصفحة السادسة عشرة من البحث مناقشة الاستدلال بآية (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) [سورة البقرة الآية 187] في أن التمتع يحصل بأول جزء من الحج وهو الإحرام إلى آخره من أن التمتع قد لا يتحقق بإحرام الحج لاحتمال فوات الوقوف بعرفة ويمكن نقاش ذلك بأن هذا لا يمنع من لم يجد هديا أن يعدل إلى بدله وهو الصوم مع احتمال عدم التمكن من إكمال التمتع فإذا جاز ذلك في البدل جاز في المبدل عنه.
الثانية عشر: جاء في الصفحة السابعة عشرة من البحث مناقشة الاستدلال بحديث الحاكم بما رواه الإمام أحمد في مسنده عن طريق عكرمة مولى ابن عباس وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قسم يومئذ غنما يوم النحر في أصحابه وقال: " اذبحوها لعمرتكم فإنها تجزئ))[73] إلى آخره من أن رواية الإمام أحمد مفسرة لرواية الحاكم.
ويمكن مناقشة ذلك بما يلي:
إن الروايتين لا يصلح أن تكون إحداهما مفسرة للأخرى لانتفاء الإجمال في رواية الحاكم فإنها صريحة في ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قسم الغنم في أصحابه بعد الإحلال من العمرة وقبل الوقوف بعرفة)) كما يتضح ذلك من سياق الحديث الذي لم تذكره اللجنة بتمامه وتأسيسا عليه في النقاش فإنه يتعين ذكر نصه بتمامه، روى الحاكم في مستدركه قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن عيسى بن إبراهيم ثنا حمد بن النضر بن عبد الوهاب ثنا يحيى بن أيوب ثنا وهب بن جرير ثنا أبي عن محمد بن إسحاق ثنا ابن أبي نجيح عن مجاهد وعطاء عن جابر بن عبد الله قال: كثرت القالة من الناس فخرجنا حجاجا حتى لم يكن بيننا وبين أن نحل إلا ليال قلائل أمرنا بالإحلال فيروح أحدنا إلى عرفة وفرجه يقطر منيا فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقام خطيبا فقال: ((أبالله تعلموني أيها الناس فأنا والله أعلمكم بالله وأتقاكم له ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت هديا ولحللت كما أحلوا فمن لم يكن معه هدي فليصم ثلاثة أيام وسبعة إذا رجع إلى أهله ومن وجد هديا فلينحر))[74]، فكنا ننحر الجزور عن سبعة قال عطاء: قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قسم يومئذ في أصحابه غنما فأصاب سعد بن أبي وقاص تيسا فذبحه عن نفسه فلما وقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعرفة أمر ربيعة بن أمية بن خلف فقام تحت يدي ناقته فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: " اصرخ أيها الناس هل تدرون أي شهر هذا؟)) إلى آخر الحديث ثم قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه وأقره الذهبي على تصحيحه.
فقوله - صلى الله عليه وسلم - أبالله تعلموني أيها الناس إلى قوله: ومن وجد هديا فلينحر صريح في الأمر بالنحر في ذلك الوقت الذي ألقى فيه كلمته التوجيهية وقول جابر: ((فكنا ننحر الجزور عن سبعة))[75] صريح في الامتثال لأمره - صلى الله عليه وسلم - يومئذ وقول ابن عباس ((إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قسم يومئذ غنما فأصاب سعد بن أبي وقاص تيس فذبحه عن نفسه))[76] بين أن ذلك هو زمن أمره - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بالتحلل من الحج وفسخه إلى عمرة ويؤيد ذلك روايتا مسلم وأحمد عن أبي الزبير عن جابر ((فأمرنا إذا أحللنا أن نهدي ويجتمع النفر منا في الهدية وذلك حين أمرهم أن يحلوا من حجهم))[77].
ورواية عكرمة عن ابن عباس صريحة في أن الغنم التي قسمها - صلى الله عليه وسلم - في أصحابه سعد كان يوم النحر.
وبذلك يتضح التعارض بين الروايتين ويتعين المصير إلى الترجيح وعليه فيمكننا ترجيح رواية الحاكم على رواية الإمام أحمد بالأمور الآتية:
أ‌- إن رواية الحاكم فيها قصة ورجال الحديث وحفاظه متفقون على أن القصة في الحديث من أدلة حفظه قال ابن القيم - رحمه الله - في معرض توجيهه: القول بالأخذ بحديث عائشة في إنكارها على زيد بن أرقم بيعه بالعينة قال: وأيضا فإن في الحديث قصة وعند الحفاظ إذا كان فيه قصة دلهم على أنه محفوظ[78].
ب‌- إن دلالة رواية الحاكم على أن سعد بن أبي وقاص ذبح تيسه بعد إحلاله من العمرة مؤيد برواية مسلم وأحمد عن جابر ((فأمرنا إذا أحللنا أن نهدي ويجتمع النفر منا في الهدية وذلك حين أمرهم أن يحلوا من حجهم))[79] قال أبو الزبير راوي الحديث عن جابر: ويعني بقوله: حين أمرهم يعني إحلال الفسخ الذي أمرهم به في حجة الوداع اهـ
ت‌- إن رجال رواية الحاكم ثقات وعلى شرط مسلم كما ذكر ذلك الحاكم وأقره الذهبي وفيهم عطاء أفقه الناس في المناسك ومن أكثرهم علما وورعا وتقى وقد روى صدرها عن جابر عطاء ومجاهد وروى عجزها عن ابن عباس عطاء.
ث‌- إن رواية الحاكم مؤيدة بما روى الطبراني عند الهيثمي في مجمع الزوائد في باب الخطب في الحج حيث قال: وعن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قسم يومئذ في أصحابه غنما فأصاب سعد بن أبي وقاص تيس فذبحه فلما وقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعرفة أمر ربيعة بن أمية بن خلف فقام تحت يدي ناقته وكان رجلا صيتا فقال: ((اصرخ أيها الناس: أتدرون أي شهر هذا؟...))[80] ، قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات[81]، فقد رتب رواية وقوفه - صلى الله عليه وسلم - بعرفة وخطبته في الناس على رواية تقسيمه - صلى الله عليه وسلم - الغنم في أصحابه وإصابة سعد بن أبي وقاص تيسا منها وذبحه كما هو الحال في رواية الحاكم.
ج‌- إن رواية الإمام أحمد التي فيها قسم غنما يوم النحر في أصحابه من طريق عكرمة مولى ابن عباس ولا يخفى ما لعطاء على عكرمة من الفضل والتقديم والثقة فإن عكرمة وإن اعتبره بعض أهل العلم فيكفينا لرد الاحتجاج بروايته إذا عارضت رواية رجال ثقات أمثال عطاء وغيره ممن اعتبرهم أهل العلم ووثقوهم يكفينا لذلك ما ذكره الحافظ الذهبي في كتابه ميزان الاعتدال حيث قال عن عكرمة ما يلي:
قال محمد بن سيرين: ما يسوءني أن يكون من أهل الجنة ولكنه كذاب وقال ابن المسيب لمولاه برد: لا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس، وقال وهيب: شهدت يحيى بن سعيد الأنصاري ذكر عكرمة فقال: كذاب، وروى جرير عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث قال: دخلت على علي بن عبد الله فإذا عكرمة في وثاق عند باب الحش فقلت له ألا تتقي الله، فقال: إن هذا الخبيث يكذب على أبي، وقال ابن أبي ذئب: رأيت عكرمة وكان غير ثقة، وقال مطرف بن عبد الله: سمعت مالكا يكره أن يذكر عكرمة ولا رأى أن يروى عنه، قال أحمد بن حنبل: ما علمت أن مالكا حدث بشيء لعكرمة إلا في الرجل يطأ امرأته قبل الزيارة، رواه عن ثور عن عكرمة، وقال محمد بن سعد كان عكرمة كثير الحديث والعلم بحرا من البحور وليس يحتج بحديثه ويتكلم الناس فيه وقال خالد بن خداش: شهدت حماد بن زيد في آخر يوم مات فيه فقال: أحدثكم بحديث لم أحدث به قط لأني أكره أن ألقى الله ولم أحدث به سمعت أيوب يحدث عن عكرمة أنه قال: إنما أنزل الله متشابه القرآن ليضل به، قلت: القائل الحافظ الذهبي ما أسوأها عبارة وأخبثها بل أنزله ليهدي به وليضل به الفاسقين، وقال قطر بن خليفة: قلت لعطاء: إن عكرمة يقول: قال ابن عباس سبق الكتاب الخفين فقال: كذب عكرمة سمعت ابن عباس يقول: لا بأس بمسح الخفين وإن دخلت الغائط، قال عطاء: والله إن كان بعضهم ليرى أن المسح على القدمين يجزئ وثبت عن أحمد بن حنبل أنه قال في عكرمة: كان يرى رأي الصفرية وقال ابن المديني: كان يرى رأي نجدة الحروري، وقال عطاء: كان إباضيا وقال مصعب الزبيري: كان عكرمة يرى رأي الخوارج، وقال يحيى بن بكير: قدم عكرمة مصر وهو يريد المغرب قال: فالخوارج الذين هم بالمغرب عنه أخذوا إلى آخر ما ذكره[82].
و - ما في رواية عكرمة من الإشكال في قوله: ((اذبحوها لعمرتكم فإنها تجزئ))[83] إذ ليس على العمرة دم والتمتع والقران لا يسمى أحدهما عمرة فما نوع هذه العمرة المستوجبة للدم؟ ثم إن التعبير بلفظ: فإنها تجزئ تعبير رديء ركيك ساذج ينزه الأسلوب النبوي عن مستواه إنه يشبه من يقدم لشخص
جائع طعاما ثم يقول له كله فإنه يرفع الجوع ويدفعه اللهم إلا أن يكون الغرض من ذلك أنه قسم غنما رديئة لا يجزئ مثلها هديا فاعتبر لها حكما خاصا في الإجزاء كعناق خال البراء بن عازب وهذا مما لا نستطيع اعتباره والقول به فمقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرفع وأعلى من أن يرتضي لربه نسائك رديئة يتقرب بها إليه وقد تقرب - صلى الله عليه وسلم - لربه بهدي جزل بلغ مائة بدنة.
الثالثة عشرة: جاء في الصفحة السابعة عشرة من البحث مناقشة ما ذكره الشيرازي من الأمر المعنوي في جواز الذبح قبل يوم النحر بأمور ثلاثة يمكن نقاش أحدها بنفي وجود النص الصريح المقتضي منع ذبح هدي التمتع والقران قبل يوم النحر حتى يقال بمصادمته للاجتهاد فضلا عن أن القول بالجواز مؤيد بالكتاب والسنة وعمل الصحابة وقد مر بسط ذلك مما يغني عن إعادته، كما يمكن نقاش الأمر الثاني بما ذكره في الملاحظة الثانية ويمكن نقاش الأمر الثالث بأن ما يذكره ابن القيم - رحمه الله - أو غيره من أهل العلم لا يكون حجة حتى يستند قوله على ما يؤيده من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس صحيح أما إذا كان قوله مجرد رأي فإنه رجل وغيره رجال.
الرابعة عشرة: جاء في الصفحة الثامنة عشرة من البحث نفي الفرق بين الأضحية والهدي في الوقت ويمكن نقاش ذلك بأنه قياس مع الفارق فالأضحية عبادة مستقلة جاء النص الصريح بتحديد بدء وقت جواز ذبحها وكاد الإجماع ينعقد على تحديد نهاية الوقت بنهاية اليوم الثاني أو الثالث من أيام التشريق على خلاف بين أهل العلم أما الهدي الواجب للتمتع أو القران فليس عبادة مستقلة وإنما هو جزء من أعمال الحج لم يرد نص صريح من كتاب أو سنة بتحديد انتهاء وقته وقد جاء النص بوجوبه عند حصول التمتع قال تعالى: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) [سورة البقرة الآية 196]، فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فقد وجب عليه واستقر في ذمته حتى يؤديه قال ابن حزم - رحمه الله - بعد أن ذكر أن هدي التمتع يجب بالإحرام بالحج بعد التحلل من العمرة قال ما نصه: وأما ذبحه ونحره بعد ذلك فلأن هذا الهدي قد بين الله - تعالى -أول وقت وجوبه ولم يحدد آخر وقت وجوبه بحد وما كان هكذا فهو دين باق أبدا حتى يؤدى والأمر به ثابت حتى يؤدى، ومن خصه بوقت محدود فقد قال على الله - تعالى -ما لم يقله - عز وجل - وهذا عظيم جدا[84] اهـ
وقد رد بعض أهل العلم قياس هدي التمتع والقران على الأضحية أو هدي التطوع، فقال ابن مفلح: وقاسوه على الأضحية والهدي وهي دعوى[85] اهـ
وقال النووي: ويخالف الأضحية؛ لأنه منصوص على وقتها[86]. اهـ
الخامسة عشرة: جاء في الصفحة الثامنة عشر الاحتجاج على تحديد وقت انتهاء الذبح باليوم الثاني من أيام التشريق بالإجماع بما ذكره الجصاص عن بعض الصحابة وأنه لا يجوز لمن بعدهم مخالفتهم ويمكن نقاش ذلك بأمرين: أحدهما أن المقصود بالذبح ذبح هدي التطوع والأضاحي لا ذبح هدي المتعة والقران لورود النص فيهما دون هدي المتعة والقران ولاختلافه عنهما، الثاني استبعاد أن الجصاص يقصد بقوله: أنه لا يجوز لمن بعدهم مخالفتهم انعقاد الإجماع على ذلك وعلى فرض أنه يقصد الإجماع فإن النقل عن بعض الصحابة في حكم مسألة لا يعني إجماع كل الصحابة على القول به حتى يرد النص بنفي الخلاف بينهم فيها ما لم تكن مبنية على نص صريح ثابت من كتاب أو سنة.
السادسة عشرة: جاء في الصفحة الثانية من البحث نقول عن الرملي والفتوحي من الشافعية بأن وقت ذبح الهدي محدد بوقت ذبح الأضحية على الصحيح، وصحح ذلك النووي والرافعي ويمكن نقاش ذلك بأن مقصود الرملي والنووي والرافعي بالهدي هو هدي التطوع وفيما يلي بعض النصوص في بيان ذلك.
قال النووي: فرع في وقت ذبح الأضحية والهدي المتطوع بهما والنذور فيدخل وقتهما إذا مضى قدر صلاة العيد وخطبتين معتدلتين بعد طلوع الشمس يوم النحر سواء صلى الإمام أو لم يصل وسواء صلى المضحي أو لم يصل ويبقى إلى غروب الشمس من آخر أيام التشريق ويجوز في الليل لكنه مكروه إلى أن قال: وأما الدماء الواجبة في الحج بسبب التمتع أو القران أو اللبس أو غير ذلك من فعل محظور أو ترك مأمور فوقتها من حين وجوبها بوجود سببها ولا تختص بيوم النحر ولا غيره[87] اهـ "
وقال في موضع آخر: ووقت وجوب دم التمتع إذا أحرم بالحج فإذا وجب جازت إراقته ولم يتوقت بوقت كسائر دماء الجبرانات.[88] اهـ "، وقال الشربيني على قول النووي وسيأتي في آخر الباب محرمات الإحرام على الصواب ما نصه:
ووقته وقت الأضحية على الصحيح هذا بناه المصنف على ما فهمه من أن مراد الرافعي بالهدي هنا المساق تقربا إلى الله تعالى، فاعترضه هنا وفي الروضة والمجموع، واعترض الأسنوي المصنف بأن الهدي يطلق على دم الجبرانات والمحظورات، وهذا لا يختص بزمان، وهو المراد هنا، وفي قوله: أولاً ثم يذبح من معه هدي، وعلى ما يساق تقربا إلى الله وهذا هو المختص بوقت الأضحية على الصحيح، وهو المذكور في آخر باب محرمات الإحرام فلم يتوارد الكلامان على محل واحد حتى يعد ذلك تناقضاً. وقد أوضح الرافعي ذلك في باب الهدي من الشرح الكبير فذكر أن الهدي يقع على الكل وأن الممنوع فعله في غير وقت الأضحية هو ما يسوقه المحرم لكنه لم يفصح في المحرر عن المراد كما أفصح عنه في الكبير فظن المصنف - هو النووي - أن المسألة واحدة فاستدرك عليه وكيف يجيء الاستدراك مع تصريح الرافعي هناك بما يبين المراد[89]. اهـ
وبهذا يتضح أن النووي والرافعي والرملي يقصدون بتوقيت ذبح الهدي بوقت الأضحية ما يساق هديا تقربا إلى الله - تعالى -على سبيل التطوع أو النذر، أما هدي المتعة والقران فنصوصهم صريحة متضافرة على جواز ذبحها بعد وجوبها.
هذا ما تيسر إيراده، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
[1] صحيح البخاري: الحج (1566)، صحيح مسلم: الحج (1229)، سنن النسائي: مناسك الحج (2682)، سنن أبو داود: المناسك (1806)، سنن ابن ماجه: المناسك (3046)، مسند أحمد بن حنبل (6/285)، موطأ مالك: الحج (897).
[2] سنن الترمذي: الحج (889)، سنن النسائي: مناسك الحج (3016)، سنن أبو داود: المناسك (1949)، سنن ابن ماجه: المناسك (3015)، مسند أحمد بن حنبل (4/335)، سنن الدارمي: المناسك (1887).
[3] سنن ابن ماجه الزكاة (1792).
[4] صحيح البخاري الحج (1692)، صحيح مسلم الحج (1227)، سنن النسائي كتاب مناسك الحج (2732)، سنن أبو داود كتاب المناسك (1805).
[5] صحيح مسلم: الحج (1216)، سنن النسائي: مناسك الحج (2763).
[6] صحيح البخاري: الحج (1724) ، صحيح مسلم: الحج (1221) ، سنن النسائي: مناسك الحج (2738) ، مسند أحمد بن حنبل (4/393) ، سنن الدارمي: المناسك (1815).
[7] صحيح مسلم: الحج (1247)، مسند أحمد بن حنبل (3/5).
[8] مسند أحمد بن حنبل (3/142).
[9] صحيح البخاري: الحج (1551)، سنن أبو داود: المناسك (1796)، مسند أحمد بن حنبل (3/268).
[10] سنن أبو داود المناسك (1765).
[11] صحيح مسلم: الحج (1319).
[12] صحيح مسلم: الحج (1319).
[13] صحيح البخاري: الحج (1709)، صحيح مسلم: الحج (1211).
[14] سنن أبو داود المناسك (1782).
[15] صحيح البخاري: العلم (83)، صحيح مسلم: الحج (1306)، سنن الترمذي: الحج (916)، سنن أبو داود :المناسك (2014)، موطأ مالك الحج (959)، سنن الدارمي المناسك (1907).
[16] صحيح مسلم (1318) مسند أحمد بن حنبل (3/378).
[17] سنن النسائي: مناسك الحج (2814).
[18] صحيح مسلم: الحج (1236)، سنن النسائي: مناسك الحج (2992)، سنن ابن ماجه: المناسك (2983)، مسند أحمد بن حنبل (6/350).
[19] صحيح مسلم: كتاب الحج (1213)، سنن النسائي: مناسك الحج (2763)، سنن أبو داود: كتاب المناسك (1785).
[20] صحيح مسلم: الحج (1213)، سنن النسائي: مناسك الحج (2763)، سنن أبو داود: كتاب المناسك (1785).
[21] مسند أحمد بن حنبل (3/266).
[22] مسند أحمد بن حنبل (2/28).
[23] سنن ابن ماجه: المناسك (2982)، مسند أحمد بن حنبل (4/286).
[24] سنن أبو داود: المناسك (1801)، سنن الدارمي: كتاب المناسك (1857).
[25] صحيح مسلم: الحج (1318).
[26] صحيح مسلم: الحج (1318)
[27] سنن النسائي: مناسك الحج (3062).
[28] صحيح مسلم: الحج (1318).
[29] صحيح مسلم: الحج (1318).
[30] مسند أحمد بن حنبل (1/307).
[31] مسند أحمد بن حنبل (1/307).
[32] زاد المعاد(1 /217).
[33] صحيح البخاري: الأطعمة (5423)، سنن النسائي: الضحايا (4432)، سنن ابن ماجه: الأضاحي (3159).
[34] مسند أحمد بن حنبل (4/82).
[35] سنن أبو داود: المناسك (1937)، سنن ابن ماجه: المناسك (3048)، سنن الدارمي: كتاب المناسك (1879).
[36] مسند أحمد بن حنبل (4/82).
[37] مسند أحمد بن حنبل (4/82).
[38] مسند أحمد بن حنبل (4/82).
[39] مسند أحمد بن حنبل (4/82)
[40] سنن أبو داود: المناسك (1937)، سنن ابن ماجه: المناسك (3048)، سنن الدارمي: كتاب المناسك (1879).
[41] سنن أبو داود: المناسك (1937)، سنن ابن ماجه: المناسك (3048)، سنن الدارمي: كتاب المناسك (1879).
[42] سنن أبو داود: المناسك (1907)، مسند أحمد بن حنبل (3/321).
[43] سنن أبو داود: الصوم (2324).
[44] سنن أبو داود: الصوم (2324).
[45] صحيح مسلم: الحج (1218).
[46] مسند أحمد بن حنبل (4/82).
[47] سنن أبو داود المناسك (1937)، سنن ابن ماجه المناسك (3048)، سنن الدارمي كتاب المناسك (1879).
[48] أحكام القرآن (5 /6 )
[49] أحكام القرآن للشافعي جمع البيهقي (1 / 134).
[50] المجموع (8 / 295).
[51] صحيح البخاري: العلم (83)، صحيح مسلم: الحج (1306)، سنن أبو داود: المناسك (2014)، موطأ مالك الحج (959)، سنن الدارمي: المناسك (1907).
[52] سنن النسائي: مناسك الحج (3062).
[53] سنن النسائي: مناسك الحج (3062).
[54] مسند أحمد بن حنبل (4/82).
[55] سنن النسائي: مناسك الحج (3062).
[56] سنن النسائي: مناسك الحج (3062).
[57] صحيح البخاري: الحج (1786)، صحيح مسلم: الحج (1211)، مسند أحمد بن حنبل (6/177).
[58] المحلى (7 / 193 – 194).
[59] المغني ومعه الشرح (3 / 505).
[60] المغني ومعه الشرح (3 /503).
[61] الأم للشافعي (2 /217).
[62] قواعد ابن رجب (6، 7).
[63] الفروع (7 /249).
[64] صحيح مسلم الحج (1318).
[65] إكمال إكمال المعلم (3 /451).
[66] حاشية الرهوني على شرح عبد الباقي مختصر خليل (2 /434).
[67] صحيح مسلم: الحج (1318).
[68] صحيح مسلم: الحج (1318).
[69] مسند الإمام أحمد (3 /378).
[70] هدي الساري (2 /127).
[71] هدي الساري (2 /159).
[72] تهذيب التهذيب (9 /78).
[73] مسند أحمد بن حنبل (1/307).
[74] سنن النسائي كتاب مناسك الحج (2805).
[75] سنن الترمذي الأضاحي (1502)، سنن أبو داود الضحايا (2807)، سنن ابن ماجه الأضاحي (3132)، مسند أحمد بن حنبل (3/335)، موطأ مالك الضحايا (1049)، سنن الدارمي الأضاحي (1955).
[76] مسند أحمد بن حنبل (1/307).
[77] صحيح مسلم الحج (1318).
[78] إعلام الموقعين (3 /217).
[79] صحيح مسلم الحج (1318).
[80] مسند أحمد بن حنبل (1/307).
[81] مجمع الزوائد (3 /271).
[82] ميزان الاعتدال (3 /93 – 96).
[83] مسند أحمد بن حنبل (1/307).
[84] المحلى (7/ 155).
[85] الفروع (2 / 249).
[86] المجموع (7 /180).
[87] الإيضاح (375 – 376).
[88] الإيضاح (522).
[89] مغني المحتاج (1 /504)

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 14-07-2021, 05:28 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,857
الدولة : Egypt
افتراضي رد: هدي التمتع والقران

لا اله الا الله
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 195.43 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 190.99 كيلو بايت... تم توفير 4.44 كيلو بايت...بمعدل (2.27%)]