|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الإمام إسماعيل بن يحيى المزني عبدالله بن عبده نعمان العواضي العلم النافع من الأعمال الصالحة التي تفيد صاحبها بعد وفاته، ويأتي ذلك بترك كتاب مصنَّف أو موقوف، أو تلاميذ يعلمون الناس ذلك العلم، أو فتاوى يستفيد الخلق منها في بيان الأحكام وحل المشكلات، ويدخل ذلك تحت قوله تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ﴾ [يس: 12]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)[1]. قال النووي رحمه الله: "قال العلماء: معنى الحديث: أن عمل الميت ينقطع بموته وينقطع تجدد الثواب له، إلا في هذه الأشياء الثلاثة؛ لكونه كان سببها، فإن الولد من كسبه، وكذلك العلم الذي خلفه من تعليم أو تصنيف، وكذلك الصدقة الجارية وهي الوقف، وفيه فضيلة الزواج لرجاء ولد صالح - وقد سبق بيان اختلاف أحوال الناس فيه - وأوضحنا ذلك في كتاب النكاح، وفيه دليل لصحة أصل الوقف وعظيم ثوابه، وبيان فضيلة العلم والحث على الاستكثار منه، والترغيب في توريثه بالتعليم والتصنيف والإيضاح، وأنه ينبغي أن يختار من العلوم الأنفع فالأنفع"[2]. إن من الخير العظيم للعالم أن يكون له تلميذ نجيب صالح يحمل علمه عقب وفاته، فينفع الناس به، ويخلد علمه وذكره والدعاء له من بعده، فيكون بذلك حيًّا وإن كان في قبره، وهذا مما يجعل العلماء يُعنون باختيار تلاميذهم وكثرة العناية بفضلائهم، رجاء تحقُّق تلك المنفعة المرجوة. وقد كان من أولئك العلماء السعداء بطلابهم النجباء: الإمام الشافعي الذي ورَّث من تلاميذه تلميذًا نجيبًا هو الإمام المزني الذي نقل للأمة علم شيخه وفقهه، حتى قال فيه الشافعي في حياته: "المزني ناصر مذهبي"[3]، فتحققت مقولة الشافعي فيه بعد مماته؛ قال أبو الحسن بن عبدالسلام: حدثنا الفقيه أبو إسحاق قال: "فأما الشافعي رحمه الله فقد انتقل فقهه إلى أصحابه، فمنهم: أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن عمرو بن إسحاق المزني..."[4]، وقال الذهبي: "أخذ عنه خلق من العلماء، وبه انتشر مذهب الإمام الشافعي في الآفاق"[5]. اسم المزني ونسبه ومولده رحمه الله: هو: الإمام، العلامة، فقيه الملة، علم الزهاد، أبو إبراهيم، إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن عمرو بن مسلم، المزني، المصري، تلميذ الشافعي. والمزني - بضم الميم وفتح الزاي وبعدها نون - هذه النسبة إلى مزينة بنت كلب، وهي قبيلة كبيرة مشهورة. مولده: ولد في مصر سنة موت الليث بن سعد، عام: (175هـ)[6]. علمه وثناء العلماء عليه رحمه الله: كان الإمام المزني على علم جم، وفقه عم، قوي العارضة، ثاقب الفهم، وكانت عنايته بالفقه أكثر من غيره من العلوم، فهو "قليل الرواية، ولكنه كان رأسًا في الفقه"[7]، ولم يكن له شيوخ كُثر، بل كانت ملازمته للشافعي هي الغالبة عليه، وقد "حدث عن الشافعي، وعن علي بن معبد بن شداد، ونعيم بن حماد"[8]، ولكن كان له تلاميذ كثيرون أخذوا عنه منهم: "إمام الأئمة أبو بكر بن خزيمة، وأبو الحسن بن جوصا، وأبو بكر بن زياد النيسابوري، وأبو جعفر الطحاوي ابن أخته، وأبو نعيم بن عدي، وعبدالرحمن بن أبي حاتم، وأبو الفوارس بن الصابوني، وخلق كثير من المشارقة والمغاربة"[9]. "ومن جلة تلامذته: العلامة أبو القاسم عثمان بن بشار الأنماطي، شيخ ابن سريج، وشيخ البصرة زكريا بن يحيى الساجي"[10]. وكان رحمه الله ذا قدرة فائقة في المحاجة والمناظرة، وقال ابن خلكان عنه: "وكان زاهدًا عالِمًا مجتهدًا محجاجًا، غواصًا على المعاني الدقيقة، وهو إمام الشافعيين وأعرفهم بطرقه وفتاويه وما ينقله عنه"[11]. وكان رحمه الله عالِمًا شكورًا لله على فضله في تعليمه وتفهيمه، فإنه "كان إذا فرغ من مسألة وأودعها مختصره قام إلى المحراب وصلى ركعتين شكرًا لله تعالى"[12]. ولعل هذا من أسباب جعل البركة في مختصره كما سيأتي، وكهذا الصنع صنع البخاري، ولكن قبل جعله الحديث في الصحيح، فقد قال محمد بن يوسف الفربري: "قال لي محمد بن إسماعيل البخاري: ما وضعت في كتاب الصحيح حديثًا إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين"[13]. وقال أيضًا: "ما أدخلت في الصحيح حديثًا إلا بعد أن استخرت الله تعالى وتيقنت صحته"[14]، وبهذه وغيرها بورك في صحيح البخاري رحمه الله. عبادته رحمه الله: العلم النافع حينما يلامس شغاف فؤاد المرء يورثه إقبالًا على العمل به، وتوظيفه فيما يدعو إليه من فعل الخير، واجتناب الشر، وهكذا كان الإمام أبو إبراهيم، فإن علمه قد كساه نزوعًا عن الدنيا، وإقبالًا على الآخرة، فعُرف بين الناس بزهده وورعه وتقواه؛ قال عمرو بن عثمان المكي: "ما رأيت أحدًا من المتعبدين في كثرة من لقيت منهم أشد اجتهادًا من المزني، ولا أدوم على العبادة منه، وما رأيت أحدًا أشد تعظيمًا للعلم وأهله منه، وكان من أشد الناس تضييقًا على نفسه في الورع، وأوسعه في ذلك على الناس، وكان يقول: أنا خلق من أخلاق الشافعي"[15]. وقال ابن يونس: "كانت له عبادة وفضل، ثقة في الحديث، لا يختلف فيه حاذق من أهل الفقه، وكان أحد الزهاد في الدنيا، وكان من خير خلق الله عز وجل، ومناقبه كثيرة"[16]. وقال الذهبي: "ولم يلِ قضاء، وكان قانعًا، شريف النفس"[17]. ومن مظاهر تعبُّده وصلاح نفسه أنه: "كان يغسل الموتى تعبدًا واحتسابًا، وهو القائل: "تعانيت غسل الموتى ليرق قلبي، فصار لي عادة"، وهو الذي غسل الشافعي رحمه الله"[18]. تصانيفه رحمه الله: للإمام المزني رحمه الله مؤلفات متعددة غالبها في الفقه ومسائل المذهب، فمن تلك المؤلفات: الجامع الكبير، والجامع الصغير، والمنثور، والمسائل المعتبرة، والترغيب في العلم، وكتاب الوثائق[19]. غير أن أشهر كتبه وأبعدها صيتًا، وأكثرها شروحًا من علماء المذهب، هو كتابه المختصر الذي عُرف بمختصر المزني، وقد أثنى عليه أهل العلم، وتحدثوا عن ذيوعه بين الناس؛ قال أبو العباس أحمد بن سريج: "وهو أصل الكتب المصنفة في مذهب الشافعي رضي الله عنه، وعلى مثاله رتبوا، ولكلامه فسروا وشرَحوا"[20]. وقال الذهبي: "وامتلأت البلاد بـ(مختصره) في الفقه، وشرحه عدة من الكبار؛ بحيث يقال: كانت البكر يكون في جهازها نسخة بـ (مختصر) المزني"[21]. وفاته رحمه الله: امتد عمر المزني فانتفع الناس بعلمه وتصانيفه، وبعد ذلك العمر المديد الذي قضاه في العلم والعمل به وافته المنية بمصر في رمضان، لست بقين منه، سنة: (264هـ)، وله تسع وثمانون سنة. ودفن بالقرب من تربة الإمام الشافعي رضي الله عنه، بالقرافة الصغرى بسفح المقطم رحمه الله تعالى[22]. وفي حياة المزني من العبر: 1- أن العلم كالنسب ينبغي وصله في الحياة، وذلك بحرص الشيخ على تلاميذ يحملون العلم من بعده، وقيام التلاميذ بتلك المهمة ردًّا لجميل ذلك العالم، ونشرًا للخير بين الأمة. 2- العلم النافع الذي يغبط عليه صاحبه هو العلم الذي يعقبه عمل صالح تصلح به النفس، ويستقيم به السلوك. 3- على من تأهل في العلم أن يحرِص على تبليغه والتصنيف فيه، ولا يبخل بعلمه فيحرم فضله وأثره. 4- على من رزقه الله حُسن التصنيف أن يخلص لله فيه، ويشكره عليه. 5- الحياة الباقية في هذه الحياة الفانية هي حياة أهل العلم الذين إذا ماتوا لم يمت لسان الثناء عليهم والدعاء لهم، ولم تمت علومهم التي ورَّثوها، ولا سِيَرهم الحسنة التي تركوها... قد مات قوم وهم في الناس أحياء. [1] رواه مسلم (3/ 1255) (1631). [2] شرح النووي على مسلم (11/ 85). [3] سير أعلام النبلاء، للذهبي (12/ 493)، وفيات الأعيان، لابن خلكان (1/ 217). [4] سير أعلام النبلاء، للذهبي (12/ 493). [5] المرجع السابق (12/ 495). [6] سير أعلام النبلاء، للذهبي (12/ 492)، وفيات الأعيان، لابن خلكان (1/ 217). [7] سير أعلام النبلاء، للذهبي (12/ 493). [8] المرجع السابق. [9] المرجع السابق. [10] سير أعلام النبلاء، للذهبي (12/ 495). [11] وفيات الأعيان، لابن خلكان (1/ 217). [12] المرجع السابق. [13] تاريخ بغداد، للخطيب البغدادي (2/ 9). [14] مقدمة فتح الباري، لابن حجر (ص: 345). [15] طبقات الشافعية الكبرى، لابن السبكي (2/ 94). [16] وفيات الأعيان، لابن خلكان (1/ 218). [17] المرجع السابق (12/ 494). [18] المرجع السابق. [19] وفيات الأعيان، لابن خلكان (1/ 217)، سير أعلام النبلاء، للذهبي (12/ 493)، طبقات الشافعية الكبرى، لابن السبكي (2/ 94). [20] وفيات الأعيان، لابن خلكان (1/ 217). [21] سير أعلام النبلاء، للذهبي (12/ 493). [22] سير أعلام النبلاء، للذهبي (12/ 495)، وفيات الأعيان، لابن خلكان (1/ 218)، طبقات الشافعية الكبرى، لابن السبكي (2/ 95).
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |