الدين النصيحة

[ابوالوليد المسلم]

الدين النصيحة
عبد الله بن فيصل الأهدل



الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً).
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً).
ثم أما بعد:
من هدي المصطفى -صلى الله عليه وسلم- ما رواه مسلم في صحيحه عن تميم الداري - رضي الله عنه - عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((الدين النصيحة الدين النصيحة الدين النصيحة. قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتبه ورسله ولأئمة المسلمين وعامتهم)).
أيها المسلمون: هذا الحديث أصل من أصول الدين وأس من أساسه المتين، يقول –صلى الله عليه وسلم- فيه وقد أوتي جوامع الكلم: ((الدين النصيحة)).
والنصيحة في اللغة من نصحت العسل وإذا أزلت الشمع وخلصته من الشمع.
والنصيحة كلمة يراد بها الخير للمنصوح له.
وقوله: ((الدين النصيحة)) دليل على أن النصيحة تدخل في مراتب الدين الثلاثة وهو الإسلام والإيمان والإحسان.
كما جاء في حديث جبريل الطويل الذي أخرجه مسلم في صحيحه وأصله في الصحيحين وفيه أن جبريل سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الإسلام وعن الإيمان وعن الإحسان فأجابه -صلى الله عليه وسلم- ثم قال في آخر الحديث ((هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم)).
ف((الدين النصيحة)) يتناول المراتب الثلاث لهذا الدين سواء كانت النصيحة في واجبات هذا الدين أو في مكملاته وسواء كانت في الإرادات والقصد أو في الأعمال.
ولقد بعثت الرسل بالنصيحة فكانوا ينصحون أقوامهم ويعالجون انحرافاتهم التي وقعوا فيها.
كل رسول يحدّث عن انحرافات قومه ويقوّمهم ويصلحهم كما قال الله - جل وعلا - عن أول الرسل نوح - عليه السلام -: (وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ). وقال هود - عليه السلام -: (وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ). وقال صالح - عليه السلام -: (وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ). وقال شعيب - عليه السلام -: (وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ).
هكذا بعث الرسل كما قصهم الله علينا في سورة الأعراف وسورة هود وغيرها من سور القرآن.
بعثوا بالنصيحة يعلمون الناس التوحيد ويصححون انحرافاتهم وأغلاطهم كل ذلك شفقة بالناس ورحمة لهم وخشية من أن يقعوا في نار جهنم.
((الدين النصيحة)). قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله.
كيف تكون لله؟
- النصيحة لله تكون بالإيمان به واحترام أمره والعمل بأمر الله - عز وجل - فهذه هي النصيحة لله.
- والنصيحة لكتابه تكون بإتباع هذا الكتاب وتلاوته والقيام بالواجب الشرعي تجاهه.
ومن كمالات النصيحة الشدة في تلاوته آناء الليل وأطراف النهار والحرص على تعلم دقائقه وأسراره. ومن ذلك حفظ ذلك الكتاب والاجتهاد في ذلك فهذا من النصيحة لهذا الكتاب.
ومن النصيحة لهذا الكتاب أن نعرف الكتاب في خاصة أنفسنا فنتمثل أمر الله - عز وجل -، كما قال أبو عبد الرحمن السلمي كيف كان نصح الصحابة لهذا الكتاب؟ قال: حدثنا الذين يقرؤوننا القرآن عثمان وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن مسعود إنهم كانوا لا يتجاوزون عشر آيات حتى يعلموا معناهن ويحفظوهن ويعملوا بمقتضاهن. هذه هي النصيحة لكتاب الله - عز وجل -.
- والنصيحة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- تكون بحبه واتّباع شريعته وتوقيره وتعظيم أمره والدفاع عنه في حياته والدفاع عن سنته بعد مماته، ومن ذلك ما يختص به أهل العلم من الرد على المبطلين والمنحرفين والمبدلين فإن ذلك من النصح لسنته.
- والنصيحة لأئمة المسلمين وهم العلماء والحكام الذين يحكمون بشرع الله كيف تكون النصيحة لهم بإسداء المشورة لهم وتسديدهم ومنعهم إذا ظلموا كما قال صلى الله عليه وسلم: ((أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً)) قال: يا رسول الله أنصره إن كان مظلوماً فكيف أنصره إذا كان ظالماً؟ قال: تمنعه وتحجبه عن الظلم)). وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيح: ((إن الله رضي لكم ثلاثاً: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم)).
* والنصيحة لعامة المسلمين تكون بإرشادهم وتعليم جاهلهم وتوجيه سفيههم وتكون النصيحة لكل مسلم وتتأكد من مواضع:
ـ منها إذا أستنصحك واستشارك، وتتأكد النصيحة هنا والإخلاص له، وفي الصحيح من حديث جبير بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: ((بايعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم)).
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله أشهد بأنه قد بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الغمة وجاهد في الله حق جهاده فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا.
ثم أما بعد:
يقول الله - عز وجل -: (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ).
ومعنى هذه الآية الكريمة أن الله - عز وجل - يعذر المتخلفين عن الجهاد الذين لا يستطيعون الجهاد لعذر شرعي إما لقلة ذات اليد والنفقة وإما للعجز من مرض أو عمى أو عرج أو نحو ذلك فهؤلاء ليس عليهم حرج بشرط أن ينصحوا لله ولرسوله ويكونوا صادقين في أعذارهم هذه، فإن المنافقين لهم أعذار يبدونها ويظهرونها عند السؤال ولكنهم غير صادقين في هذه الأعذار وليسوا ناصحين لله ولا لرسوله فهذا معنى قوله: (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ).
فليفتش كل واحد منا نفسه وقلبه هل هو ناصح لله وناصح لرسوله وناصح لأئمة المسلمين ولكتاب الله ولعامة المسلمين.
وإن من النصيحة أن يوسد الأمر إلى أهله. فإذا وسّد الأمر إلى غير أهله فذلكم الغش وذلكم تضييع الأمانة.
سأل رجل النبي -صلى الله عليه وسلم-: متى الساعة؟ قال: (إذا ضيّعت الأمانة)) قال: وما إضاعتها؟ قال: ((إذا وسّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)).
وفي الصحيح عن المصطفى -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((ما من رجل يسترعيه الله رعيه ثم لا ينصح لها إلا حرّم الله عليه الجنة)).
فكل من كان مسئولاً فوضع رجلاً في غير موضعه وأسند الأمر إلى غير أهله فهذا يدخل في هذا العموم وقد يُحرم الجنة بوعيد النبي -صلى الله عليه وسلم-.
واعلموا عباد الله أنكم غداً بين يدي الله موقوفون وعلى أعمالكم الصالحة مثابون وعلى تقصيركم في جنب الله محاسبون ومعاقبون: (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون).
يا ابن آدم أحبب ما شئت فإنك مفارقه، وأعمل ما شئت فإنك ملاقيه وكن كما شئت فكما تدين تدان.
ألا وصلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين محمد الصادق الأمين فقد أمركم بذلك رب العالمين بقوله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً).
اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
وارضى اللهم عن الأئمة الخلفاء الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون، أبي بكر الصديق، وعمر الفاروق، وذي النورين عثمان، وأبي السبطين علي وعن سائر الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بعفوك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين واحفظ حوزة الدين وأذل الشرك والمشركين.
اللهم أبرم لهذه الأمة أمرا رشدا، يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر يا سميع الدعاء.
اللهم ارفع عنا الغلا والوبا والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ماظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة برحمتك يا أرحم الراحمين.
ربنا انصر المسلمين في فلسطين وانصرهم في العراق وفي أفغانستان وفي الصومال وفي كل مكان أللهم أيدهم بتأييدك وانصرهم بنصرك، اللهم عليك بأعداء الإسلام فرق جمعهم وشتت شملهم اجعل الدائرة عليهم يا قوي يا عزيز.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فاذكروا الله العلي الجليل يذكركم واسألوه من فضله يعطكم واشكروه على آلائه يزدكم وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء المنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون