(إن يعلم الله في قلوبكم خيرًا)

[ابوالوليد المسلم]

(إن يعلم الله في قلوبكم خيرًا)



أحمد عباس



الخير الذي يكون عند الله تعالى للإنسان هو المنفعة التي تعود على هذا الإنسان في حياته الدنيا وفي الوقت نفسه يتعدى تأثيرها لكي يصب في صالح هذا الإنسان في حياته الحقيقية بعد مماته، وهذا هو سر الاختلاف بين تصور الإنسان القاصر للخير وحكمة الله تعالى في منح الخير لمن يستحقه من عباده

إن الله تبارك وتعالى وصف الإنسان في محكم الآيات الكريمات بأنه يحب الخير ولا ييأس من دعاء الخير، وإنه إذا مسه الخير يكون فرحًا فخورًا إلا من هدى الله تعالى قلبه ونقى سريرته وآتاه رشده، فهو يعرف أن نظرته للخير قد تكون نظرة غير حقيقية تشوبها شوائب عديدة نابعة من قصور العلم وهوى النفس والعجز عن ميزان كل الأمور بميزان الحق.

قال الله تعالى عن الأسرى الذين يقعون في قبض الجيش المسلم في المعركة أن أمامهم فرصة جديدة للحياة وهذه الفرصة مرتبطة بخير يكون في قلوبهم وخير يمنحه الله تعالى لهم بناء على الخير الذي في قلوبهم، فقال سبحانه "إن يعلم الله في قلوبكم خيرًا يؤتكم خيرًا".

لو كان كل إنسان في هذه الدنيا بمثابة الأسير الذي لا يملك من أمره وأمر من يحب شيئًا إلا ما قدره الله تعالى، فإن حالة الأسر في الدنيا التي تحبس الإنسان عن أن تكون قدرته متحكمة وإرادته شاملة ورؤيته نافذة، هذه الحالة من الأسر تستدعي من كل إنسان صاحب ضمير يقظ وعقل صحيح أن يبادر بجعل قلبه مملوءًا بالخير، وهذا الخير هو الخير الحقيقي الذي يبنى على الصدق والوفاء والإيثار، هو الخير الذي يرتبط بحب المساكين والحنو عليهم والعدم التعامل بكبر أو غطرسة أو غرور، هو الخير المقرون بحب الجمال والتعايش معه والقدرة على التسامح وقبول ضعف الناس واختلافهم وتنوعهم، هو الخير الذي يدفع الإنسان نحو أن يكون طيب القلب عطوفًا.

هذا الخير الذي يجب على الإنسان أن يزيد درجته ويعمق أثره في قلبه يومًا بيوم بل ساعة بساعة طالما ان في صدره أنفاس تتردد، هو الخير الذي يمكن إن امتلأ به قلب الأسير في هذه الدنيا أن يكون سببًا في أن يؤتيه الله خيرًا، وخير يأتي من عند الله هو خير كامل مطلق لا مجال فيه لنقص أو عيب هو خير يمنح الإنسان هناءة النفس وراحة البال وسعادة القلب، خير من عند الله يمنح الإنسان في الدنيا استقامة في النفس وسلامة في القلب ووضوحًا في الرؤية وثباتًا في الخطوات.

والإنسان الأسير في هذه الدنيا خلال رحلته لزرع الخير في قلبه لابد أن يدرك حقيقة شديدة الأهمية أن هذا الخير وحتى يكون سببًا في قدوم الخير الحقيقي من الله لابد أن يكون خيرًا راسخًا ثابتًا يتوافق مع المعايير الفطرية في حياة الناس وهذا الصدق سيحكم عليه من هو عليم بالذات الصدور فالخير من عنده جل وعلا نتيجة لعلمه بوجود الخير في القلب وطالما أن علمه سبحانه وتعالى يتسم بالكمال المطلق فليس من مصلحة الإنسان الأسير أن يكذب على نفسه ويقنع ذاته بأن قلبه فيه الخير بينما الواقع يخالف ذلك، ومن هنا يتضح أن الراغبين في الخير الحقيقي من الله يجب عليهم قبل كل شيء أن يصارحوا أنفسهم بحقيقة ما في قلوبهم ويصدقوا مع أنفسهم في زرع هذه القلوب بالخير الذي سيطلع عليه رب القلوب ليعلم إن كان بالفعل خيرًا صادقًا أم أنه مجرد ادعاء وتشكك واضطراب.