
12-03-2019, 08:45 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,985
الدولة :
|
|
التربية والتعليم قضيتنا جميعا
التربية والتعليم قضيتنا جميعا
حسان أحمد العماري
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم، جعل العلم النافع طريقاً موصلاً لرضاه، وصراطاً يتبعه من أراد هداه، ويحيد عنه من ضل واتبع هواه، وأشهد أن لا إله إلا الله رفع شأن العلم وأهله حتى وصلوا من المجد منتهاه، ومن العز أعلى ذراه، القائل - سبحانه -: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة:11].
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المعلم الأول القائل: ((من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة))[رواه مسلم عن أبي هريرة (17/21)] صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الهداة التقاه، ومن سار على نهجه واستن بسنته إلى يوم أن نلقاه أما بعد:
عباد الله: عشرات الآلاف بل مئات الآلاف من أبنائنا وبناتنا الطلاب والطالبات يتوجهون إلى مدارسهم في بداية عامٍ دراسي جديد لينهلوا من العلم والمعرفة والأدب والسلوك ما ينمي عقولهم ويقوم سلوكهم ويقوي عزائمهم حتى يكونوا أفراداً صالحين ومؤثرين وفاعلين في مجتمعاتهم وأوطانهم وأمتهم.. قال - تعالى -: (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ)[الأعراف: 58].
وهاهي البيوت والأسر والآباء والأمهات والطلاب والمؤسسات التعليم يعيشون هذه الأيام حالة طوارئ استعداداً للعام الدراسي الجديد وهذا أمر جيد وعمل مهم فبالعلم تزدهر الحضارات وتتقدم الأمم وتتربى الأجيال أذا قام كل فرد من أفراد المجتمع بواجباته ومسئولياته تجاه العملية التربوية والتعليمة.. ذلك أن الأمة التي تهتم بتعليم أبنائها وتربيتهم وتبصيرهم بالكون بما فيه هي أمة حيّة تسير في سلم الرقي والتقدم والحضارة.
ومن هنا فلا بد أن تتضافر جهود كل المؤسسات التربوية والعلمية، للنهوض بالأجيال نحو العلم وهدفه ورسالته في صناعة الإنسان وازدهار الأوطان.
أيها المؤمنون أيها الآباء أيها المعلمون والمربون أيها الطلاب: لقد رفع الله - تعالى - شأن العلم وأهله، وبين مكانتهم، ورفع منزلتهم، سواء كان العلم الشرعي وفقه الشريعة أو العلم الدنيوي الذي ينفع البلاد والعباد، فقال - سبحانه وتعالى -: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)[المجادلة: 11].
ومنع الله - سبحانه - المساواة بين العالم والجاهل، لما يختص به العالم من فضيلة العلم ونور المعرفة، (قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُو الاْلْبَابِ)[الزمر: 9].. ولم يأمر المولى جلا و علا نبيه - صلى الله عليه وسلم - بالاستزادة من شيء إلا من العلم، فقال له - سبحانه وتعالى -: (وَقُل رَّبّ زِدْنِى عِلْماً) [طه: 114]، وما ذاك إلا لما للعلم من أثر في حياة البشر، فبالعلم يعرف العبد ربه ويعبده حق عبادته ويكون أكثر الناس خوفاً وخشيةً منه - سبحانه – القائل: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ)[فاطر: 28].
وبالعلم يحصَّن المسلم نفسه من الشهوات والشبهات وبه يعرف الحلال من الحرام والحق من الباطل والخير من الشر والصحيح من الخطأ.. عن عطاء بن أبي رباح قال: سمعت ابن عباس يخبر أن رجلا أصابه جرح في رأسه، على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم أصابه احتلام، فأمر بالاغتسال (أي أمره من كان حوله وأفتوه بالاغتسال)، فاغتسل، فمات، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: " قتلوه، قتلهم الله، أولم يكن شفاء العي السؤال "[حسنه الألباني صحيح سنن ابن ماجة /464 وفي صحيح أبي داود/ 364)].
والعلم طريق موصل إلى جنة الله ورضوانه.. عن أبي الدرداءِ - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم وإن طالب العلم يستغفر له من في السماء والأرض حتى الحيتان في الماء وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب إن العلماء هم ورثة الأنبياء إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر))[صحيح ابن ماجه للألباني/183)].
وبالعلم تُبنى الأمجاد، وتشيد الحضارات، وتسود الشعوب، وتبنى الممالك، ولا يستطيع أن يقدم أحدٌ لمجتمعه خيراً، أو لأمته عزاً ومجداً ونصراً إلا بالعلم.
وما فشا الجهل في أمة من الأمم إلا قَوَّض أركانها، وصدَّع بنيانها، وأوقعها في الرذائل والمتاهات المهلكة.. وإن هتلر الذي دوخ العالم بقوته وغزا أوربا ووقف يحارب العالم لم يكن يُرجِع سبب انتصاراته إلى ما عنده من رجال أو عتاد أو قوة عسكرية ضاربه بل كان يقول عندي تعليم جيد.. واليابان التي دُمرت في الحرب العالمية الثانية وضُربت بالقنابل الذرية أدركت أن بناء القوة والاستحواذ عليها لا يحقق لها البقاء والتطور والرخاء ولذلك اتجهت إلى العلم وبناء الإنسان فعن طريق ذلك يأتي كل شيء ومن يشاهد اليوم التطور والرقي والحضارة وكثرة الاختراعات والانجازات واكتشاف خبايا هذا الكون الفسيح والاستفادة منها يجد أن طريق العلم وحده من أوصل تلك الدول والشعوب إلى ما وصلت إليه.
عباد الله: - نحن أمة كانت الصيحة الأولى المدوية في حياتها التي أطلقها الإسلام في أنحاء المعمورة عند نزول الوحي: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ َخلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)[العلق 1-5)].
وما سادت أمة الإسلام وحكمت الدنيا وبنت الحضارة إلا بالعلم في جميع جوانب الحياة وفي جميع التخصصات والعلوم.. ولما ضعف الإيمان وفسدت القيم وأُهمل العلم في حياة المسلمين ظهر التأخر والتخلف في جميع جوانب الحياة وأصبحنا أمة مستهلكة بعد أن كنا أمة منتجة وفاعلة.. بل شهد الغرب أنفسهم بدور هذه الأمة وبفضل علماء الحضارة الإسلامية على أوربا، ومن هؤلاء: الألمانية (سيجريد هونكه) في كتابها الرائع (شمس العرب تَسْطع على الغرب)، حيث قالت في مقدمته: إن هذا الكتاب يرغب في أن يرد للعرب ديْنًا لهم على البشرية استُحِقَّ منذ زمن بعيد).
أيها المؤمنون: وإذا كان العلم بهذه الأهمية وهذه آثاره في حياة الأفراد والشعوب والمجتمعات فما هو دور الآباء والمعلمين والقائمين على التربية والتعليم ومؤسسات المجتمع المدني في تربية وتعليم أبنائنا.. إن المسئولية عظيمة والأمانة كبيرة و أن أقل ما يُنتظَر من المعلم أن يكون قدوة حسنة لطلابه في قوله وفعله وسلوكه ومظهره، وأن يكون معلماً ناجحاً ومربياً مخلصاً فلا علم بدون تربية فأبناء المسلمين أمانة بين يديه وعليهم تعول الأمة ومنهم سيكون الأمير والوزير والطبيب والمهندس والضابط والعالم وغيرهم... فإذا ما قصر في واجباته فقد فرط في هذه الأمانة، ولذلك يقول الشاعر:
وإذا المعلم ساء لحظ بصيرةٍ *** جاءت على يده البصائر حولا
وإن أقل ما ينتظر من ولي أمر الطالب أن يكون عوناً للمدرسة في تربية وتعليم ابنه فيكون متابعاً جيد لسلوكيات ابنه وتحصيله العلمي، يزور المدرسة ويسأل عن أبنائه ومستوياتهم وفي البيت يتابع مذاكرة دروسهم وتحفيزهم على النجاح.. وكم يحز في النفس أن تجد بعض الآباء لا يتابعون ولا يعرفون حتى في أي صف يدرس أولادهم وليس لهم أي عذر قد شغلوا بالدنيا عن فلذات أكبادهم وثمار جهودهم وأعظم مشروع في حياتهم.. وليحرص ولي الأمر على العدل في تعليم أبنائه فكما يعلم الذكور من أبنائه عليه تعليم بناته وتشجيعهن وتربيتهن حتى يتعلمنّ واجباتهن الشرعية والدنيوية فالعلم فريضة على كل مسلم ومسلمة... وقد رأيتم أن أوائل الطلاب في التعليم الأساسي والثانوي من الطالبات وما ذاك إلا لحرصن وتفوقهن وكم هي المجتمعات محتاجة إلى المرأة الطبيبة تعالج بنات جنسها وإلى المعلمة وإلى المربية والعالمة بأمور دينها ودنياها وقد روى البخاري ومسلم في " صحيحهما " من حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: جاءت امراءة إلى رسول الله، فقالت: يا رسول الله ذهب الرجال بحديثك، فاجعل لنا من نفسك يوما نأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله، فقال: اجتمعن في يوم كذا وكذا في مكان كذا " فالمرأة نصف المجتمع وهي التي تقوم بتربية وتعليم النصف الآخر:
وإذا النساءُ نشأن في أُمّيّةٍ *** رَضَعَ الرجالُ جهالةً وخمولا
ليس اليتيمُ من انتهى أبواه *** من همِّ الحياةِ وخلّفاهُ ذليلا
فأصابَ بالدنيا الحكيمةِ مِنهُما *** وبِحُسنِ تربيةِ الزمان بديلا
إن اليتيم هو الذي تلقى له *** أماً تخلّت أو أباً مشغولا
عباد الله: وهناك واجب على وزارة التربية والتعليم والمناطق التعليمية ومكاتب التربية وإدارة المدارس توفير البيئة التعليمة المناسبة للطلاب والكتب المدرسية والكراسي والوسائل التعليمية والبحث عن المعلم الكفء وتدريبه والتوجيه عليه ومتابعة أدائه طوال السنة وتكريمه والثناء عليه بما هو أهله وإعطائه حقوقه وليقف الجميع أمام الإهمال والتسيب واللامبالاة التي أوصلت التعليم في بلادنا إلى مستويات متأخرة وضعيفة... ثم إن على أفراد المجتمع ومؤسسات المجتمع المدني تبجيل العلم والمعلم ونشره ورصد الجوائز والمسابقات العلمية وتشجيع أفراد المجتمع على طلبه حتى كبار السن فهناك مدارس محو الأمية في الفترة المسائية... أسأل اللهَ جل في علاه أن يرزُقَنِي وإيَّاكمُ وأبنائنا وبناتنا الإيمانَ الكاملَ والعلمَ النافعَ والعملَ الصالحَ.. قلت قولي هَذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخطبة الثانية:
عباد الله: ليقم كل واحدٍ منا بواجباته ومسئولية فإن ذلك من الأمانة التي سيسأل عنه الجميع بين يدي الله يوم القيامة ولنجعل هذا العام الدراسي الجديد عام جد واجتهاد ونشاط ومتابعة وتربية وتعليم لتنتفع البلاد والعباد... وإن وضعنا التعليمي في مدارسنا ومؤسساتنا ليحتاج إلى جهود جبارة وتعاون من الجميع حتى نستبشر كبارا وصغارا ببدء العام الدراسي بعد طول غياب لنتقدم بخطوات مليئة بالثقة والحرص على التعليم و العلوم وعلى الاداب والاخلاق والقيم..... فكم تبكي حروف العلم على أبواب مدارسنا وعلى عتبات منازلنا وفي أدراج ودفاتر وكراسات تطلابنا... وكم من الأخلاق والآداب والقيم تحتاج إلى تصحيح في نفوس طلابنا وكم من همم هبطت وسقطت وضعفت تشربتها نفوس أبنائنا حين أصبح التعليم مجرد أشكال لا مضمون فيها... وكم كنا نتمنى أن لا يصبح التعليم عالة وهم وغم على المعلم وولي الأمر والطالب والتربية لسوء مخرجاته..... وإنها دعوة للجميع للمساهمة الجادة في أن تكون التربية التعليم مشروعا وطنيا وتكون قضيتنا جميعاً لا ننفك عنها او نحيد نفكر بها ونحلم لها ونعيش لأجلها إدارات ومعلمين ومجتمع وطلاب ومؤسسات وحكومة..... فنسأله - سبحانه وتعالى - أن يوفقنا لأداء ما ائتمننا عليه، وأن يحفظ علينا أمننا وأعراضنا وأموالنا وبلادنا وكل ما أنعم به علينا، وأن يعيننا على شكره وحسن عبادته، وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح وأن يأخذ بأيدينا إلى كل خير.... هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله على خير الورى، على النبي المصطفى والحبيب المجتبى، كما أمركم بذلك ربكم - جل وعلا - فقال عز من قائل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56]..اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين..
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|