|
ملتقى الحج والعمرة ملتقى يختص بمناسك واحكام الحج والعمرة , من آداب وأدعية وزيارة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() اللباس المُحَرَّم على المُحْرِم د.حسن بن أحمد بن محمد الغزالي إن الحمد لله, نحمده, ونستعينه, ونستهديه, ونستغفره, ونتوب إليه, وأشهد أن لا إله إلى الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد .. فموضوع هذا البحث يتعلق بالإحرام الذي هو عقد بين العبد وربه، ومن الوفاء بهذا العقد اجتناب الأمور التي تَحْرُم بالإحرام، ومنها أنواع من اللباس. فاجتناب اللباس المُحَرَّم هو تعظيم للإحرام, ووفاء بالعقد مع الله, وأول ما يظهر من حال المُحْرِم، فهو أول مظاهر الإحرام وجوداً وأبرزها ظهوراً. واللباس من الأمور المتجددة في حياة الناس والتي تختلف فيها الأعراف, والأذواق, فالحاجة ماسة إلى وضع الضوابط لما يحل وما يَحْرُم. والعناية بتعيين ما يَحْرُم من اللباس على المُحْرِم أولى من العناية بتعيين ما يحل لأن ما يَحْرُم منحصر, ولذلك فإن النبي –صلى الله عليه وسلم- لما سأله السائل عن ما يلبسه المُحْرِم من الثياب أجاب عما لا يلبسه. منهج البحـث : أقمت هذا البحث على منهج معين اجتهدت في الالتزام به وأبرز معالمه ما يلي : 1- تناولت في كل مسألة ما تمكنت من الاطلاع عليه من أقوال أهل العلم من علماء المذاهب الأربعة وغيرهم من علماء أهل السنة، ورتبت المذاهب الأربعة حسب تاريخ ظهورها. 2- ترتيب الأقوال مع الأدلة, والمناقشة, والترجيح جعلته على النحو التالي : أعرض القول مع أدلته قبل الانتقال إلى القول الثاني وأدلته، وبعد كل دليل أورد ما دار حوله من مناقشة, فأورد الاعتراض، ثم الجواب عن الاعتراض، ثم رد الجواب. وبعد الانتهاء من عرض الأقوال والأدلة يأتي عرض سبب الخلاف – إن استبان لي – ويعقبه الترجيح، مذيلاً بأسباب الترجيح. 3- الاعتراض على الدليل إذا كان منصوصاً عليه عند أحد من أهل العلم فإني أنقله مصدراً بلفظ " اعترض بكذا " ، أما إذا كان فهماً لا نقلاً فإني أصدره بكلمة " يرد الاعتراض". 4- ما نقلته من الأقوال نقلاً حرفياً حصرته بين علامات التنصيص " ...... ". وما نقلته بألفاظ مقاربة لم أحصره بعلامة التنصيص، وإنما أبدأ بكلمة قال : 5- توثيق المعلومات الواردة من مصادرها الأصلية، فوثقت لكل قول في مذهب من كتب المذهب. 6- خرجت الأحاديث والآثار من أمهات كتب الحديث، وبالنسبة لدرجة الحديث فإني أنقل الحكم عليه – عند توفر ذلك – عن أئمة الفن. 7- شرحت المصطلحات والألفاظ التي تحتاج شرح وبيان. 8- ترجمت لعدد من الأعلام الوارد ذكرهم في البحث ممن نقلت عنه قولاً تميز به واشتهر. مع تجنب الترجمة للنجوم المشاهير من الأعلام؛ لعدم الحاجة إلى ذلك. 9- ترتيب المراجع في الهامش كان على النسق التالي : أ - مراجع المذاهب الأربعة رتبتها حسب التاريخ الزمني لظهور المذاهب، الحنفي، ثم المالكي، ثم الشافعي ، ثم الحنبلي. ومراجع المذهب الواحد رتبتها وفق الحروف الأبجدية. ب - مراجع الأقوال الفقهية من غير المذاهب الأربعة، ومراجع التخريج رتبتها وفق الحروف الأبجدية، بحسب الكلمة الواردة : إما اسم الكتاب، أو اسم المؤلف. 10- وضعت للبحث خاتمة تضمنت أهم نتائج البحث. مخطط البحـث : يتضمن البحث تمهيد ومبحثين وخاتمة : التمهيد وفيه ثلاث مسائل : المسألة الأولى : التعريف باللباس. المسألة الثانية : التعريف بالإحرام، والمُحْرِم . المسألة الثالثة : تحديد نطاق البحث. المسألة الرابعة: بيان الحكمة من تحريم أنواع من اللباس على المُحْرِم. المبحث الأول : ضوابط اللباس المُحَرَّم على المُحْرِم. وفيه ثلاثة مطالب : المطلب الأول : بيان ضابط اللباس المُحَرَّم على المُحْرِم في عموم البدن. المطلب الثاني : بيان ما اختص به الرأس من الضوابط. المطلب الثالث : حكم تغطية الوجه للمُحْرِم. المبحث الثاني: أنواع اللباس المختلف في تحريمها على المُحْرِم. وفيه خمسة مطالب : المطلب الأول : القَبَاء. المطلب الثاني : الخاتم. المطلب الثالث : الهِمْيان والمِِنطقة. المطلب الرابع : الحزام. المطلب الخامس: السلاح. الخاتــمـة : وفيها أهم نتائج البحث. التمهيد : وفيه أربع مسائل : المسألة الأولى تعريف اللباس قال ابن فارس[1]: " اللام, والباء, والسين أصل صحيح واحد يدل على مخالطة ومداخلة، ومن ذلك لبستّ الثوب ألبسُه، وهو الأصل ومنه تفرعت الفروع ....، واللبوس : كل ما يلبس من ثياب ودرع "[2]. واللباس ، واللبُوس ، والَّلبْسُ, والملْبَسُ : ما يُلبس على الجسد ويستره، والجمع : ألبسةٌ، ولُبُس[3]. وقد ورد استعمال كلمة اللباس في لغة العرب على عدة معان، وأصلها " الستر " كقولك "لبس الثوب" إذا استتر به، ومنه قول الله تعالى {ويلبسون ثياباً خضراً من سندس وإستبرق}[4],وقوله تعالى { يابني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يُواري سوءاتكم وريشا}[5]. وقد استعمل الفقهاء كلمة اللباس في معناها اللغوي, فأطلقوا اللباس على كل ما يستر الجسد كله, أو عضواً منه، ومنه ما هو مباح بإطلاق, ومنه ما هو مُحَرَّم بإطلاق، ومنه ما هو مُحَرَّم على الذكور دون الإناث، ومنه ما هو مُحَرَّم على الإناث دون الذكور، ومنه ما هو مُحَرَّم في حال دون حال كتحريم المخيط على الرجل حال إحرامه، وإباحته في غير حال الإحرام.. المسألة الثانية التعريف بالإحرام والمُحْرِم تعريف الإحرام في اللغة. الإحرام : هو إدخال الإنسان نفسه في شيء حَرُم عليه به ما كان حلالاً له، وهو مصدر " أحرم يُحْرِم إحراماً "، كما يقال " أنجد " إذا أتى نجداً ، و" أشتى " إذا دخل الشتاء. ومن ذلك الإهلال بالحج أو العمرة إذا باشر أسبابهما، وما يقتضيه الإحرام من خلع المخيط, واجتناب الأشياء التي منعه الشرع منها كالطيب, والنكاح, والصيد, وغير ذلك[6]. تعريف الإحرام في الاصـطلاح. قال الحطاب[7]: " الإحرام في لسان الفقهاء يطلق على أحد معنيين : الأول : الصفة المقتضية لحرمة الأمور المذكورة[8] .، وهو بذلك غير النية, والتوجه, والدخول.... وهو المراد بقولهم ينعقد " الإحرام بكذا, ويمنع الإحرام من كذا " الثاني : الدخول بالنية في حرمة أحد النسكين, أو كليهما مع القول, أو الفعل المتعلق به... وهو المراد بقولهم " الإحرام ركن يجب الإتيان به "[9]. ونص الحنفية على : أن الإحرام هو الدخول في حرمات مخصوصة غير أنه لا يتحقق شرعاً إلا بالنية مع الذكر, أو الخصوصية[10]. وجاء في حاشية الشرواني في تعريف الإحرام " يطلق على نية الدخول، أي يطلق شرعاً على الفعل المصدري فيراد به نية الدخول في النسك، إذ معنى - أحرم به - نوى الدخول في ذلك، ويطلق على الأثر الحاصل بالمصدر فيراد به نفس الدخول في النسك"[11]. وقال ابن حجر في تعريف الإحرام " والذي يظهر أنه مجموع الصفة الحاصلة من تجرد, وتلبية, ونحو ذلك "[12]. وعرَّف الإحرام في زاد المستقنع بأنه " نية النسك"، قال البهوتي[13]" أي نية الدخول فيه ، لا نية أن يحج, أو يعتمر"[14]. والمُحْرِم هـو: من اتصف بالصفة المذكورة في تعريف الإحرام. قال ابن حجر " المراد بالمُحْرِم: من أحرم بالحج أو قرن"[15]. المسألة الثالثة تحديد نطاق البحث. 1- يقتصر البحث على ما يسمى لباساً، فلا يدخل فيه مالا يدخل في اسم اللباس مما يغطي البدن مما يذكره أهل العلم في باب محظورات الإحرام, كأن يغطي المُحْرِم بدنه بالماء بأن ينغمس فيه، أو يحمل على رأسه شيئاً فيستر ذلك الشيء رأسه، أو يغطي رأسه بالطين[16]. 2- يقتصر البحث على تبيين تحريم اللباس، ولا يتعداه إلى تبيين ما يترتب على لبسه من إثم, أو فدية, أو غير ذلك، وإنما يأتي ذكر الفدية في حالات محدودة, للتوصل بذلك إلى إثبات التحريم. 3- يقتصر البحث على الرجل دون المرأة، ولفظ " المُحْرِم" في النصوص يطلق ويراد به الرجل دون المرأة، ويطلق ويراد به الرجل والمرأة، ومن الاستعمال الأول ما جاء في حديث عبد الله ابن عمر – رضي الله عنهما - { أن رجلاً قال يا رسول الله ما يلبس المُحْرِم من الثياب؟ قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- : لا يلبس القُمُص ولا العمائم، ولا السراويلات، ولا الخفاف }[17]. والمقصود بالمُحْرِم في الحديث الرجل خاصة, وقال البخاري " باب ما ينهى عن الطيب للمُحْرِم والمُحْرِمة، وقالت عائشة – رضي الله عنها – لا تلبس المُحْرِمة ثوباً بورس, أو زعفران"[18]. فاختص هنا لفظ المُحْرِم بالرجل ولفظ " المُحْرِمة " بالمرأة. وجاء في سنن البيهقي أن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – قال : { قام رجل فقال : يا رسول الله ماذا تأمرنا أن نلبس من الثياب للمُحْرِم ؟ ، فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لا تلبسوا القُمُص، ولا السراويلات، ولا العمائم ، ولا البرانس ، ولا الخفاف، إلا أن يكون أحد ليس له نعلان فليلبس الخفين، وليقطعهما ما أسفل من الكعبين، ولا تلبسوا شيئاً من الثياب مسه الزعفران ولا الورس، ولا تنتقب المرأة المُحْرِمة، ولا تلبس القفازين }[19]. فاختصاص لفظ " المُحْرِم " بالرجل في هذا البحث قائم على ما جاء في حديث ابن عمر، وهو الأصل في باب ما يَحْرُم على الرجل من اللباس أثناء إحرامه. المسألة الرابعــة بيان الحكمة من تحريم أنواع من اللباس على المُحْرِم . الحكمة العامة من التحريم في أحكام الشارع هي الابتلاء، وذلك في اللباس وغيره، وفي الإحرام وغيره. وأما الحكمة الخاصة من تحريم أنواع من اللباس على المُحْرِم فلها أوجه متعددة فهي : أن يخرج المُحْرِم عن عادته في اللباس، فيكون ذلك مذكراً له بما هو فيه من عبادة ربه، فيشتغل بها[20]. ومنها : أن يخرج المُحْرِم عن ما اعتاد عليه من الرفاهية في اللباس, ويفارق ذلك إلى حال الشعث, تواضعاً لله تعالى, وتذللا بين يديه, يستعطف مولاه بضعف حاله؛ عسى أن يرحمه ويقبله[21]. المبحث الأول الضوابط العامة للباس المُحَرَّم على المُحْرِم وفيه ثلاثة مطالب . المطلب الأول ضابط اللباس المُحَرَّم في عموم البدن نقل ابن المنذر، وابن عبد البر، وابن قدامة : الإجماع على أنه لا يجوز للمُحْرِم لبس شيء من المخيط[22]. قال ابن قدامة: " ليس للمُحْرِم ستر بدنه بما عُمل على قدره، ولا ستر عضو من أعضاءه بما عُمل على قدره كالقميص[23] للبدن, والسراويل[24] لبعض البدن، والقفازين[25] لليدين، والخفين[26] للرجلين، ونحو ذلك ، وليس في هذا كله اختلاف[27]". ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية الإجماع على : أنه لا يجوز للمُحْرِم أن يلبس اللباس المصنوع للبدن فقط وهو القميص وما في معناه من الجُبَّة[28]. والفَرُّوج[29], ونحوهما، أو المصنوع للرأس فقط وهو العِمـامة[30] وما في معناه، أو المصنوع للبدن والرأس معاً وهو البُرْنُس[31] وما في معناه، أو المصنوع للفخذين والساق وهو السراويل وما في معناه من تُبَّان[32] ونحوه، أو للرجلين وهو الخف ونحوه[33], ونقل اتفاقهم على " أنه يستحب للمُحْرِم أن يُحْرِم في إزار[34] (7), ورداء[35], سواء كانا مخيطين أو غير مخيطين[36] , وعلى أنه يجوز أن يلبس كل ما كان من جنس الإزار والرداء، فله أن يلتحف بالقَبَاء[37] ، والجُبَّة والقميص ونحو ذلك، وله أن يتغطى بالقميص عرضاً، ويلبسه مقلوباً يجعل أسفله أعلاه، وله أن يغطي سائر بدنه – غير الرأس – باللحاف وغيره[38]. ونص الحنفية على أن من محظورات الإحرام على المُحْرِم لبس المخيط : وبينوا ضوابطه: قال في البحر الرائق : " وحقيقة لبس المخيط أن يحصل بواسطة الخياطة اشتمال على البدن واستمساك، فلذا لو ارتدى بالقميص أو اتشح[39] , أو ائتزر بالسراويل فلا بأس به، لأنه لم يلبسه لبس المخيط؛ لعدم الاشتمال[40] ." قال ابن عابدين"[41]: فخرج ما خيط بعضه ببعض لا بحيث يحيط بالبدن" قال : " فلا بأس بلبسه"[42] . وقال الكاساني : " وانما يمنع المُحْرِم من لبس المخيط إذا لبسه على الوجه المعتاد، فأما إذا لبسه لا على الوجه المعتاد فلا يمنع منه، بأن يتشح بالقميص أو اتزر بالسراويل[43]." ونص المالكية: على أنه يَحْرُم على الرجل بالإحرام أن يستر بدنه بمُحِيْط سواء كان مخيطاً أو غير مخيط، ولا يَحْرُم عليه أن يستر بدنه بغير مُحِيْط ولو كان مخيطاً، فيجوز ارتداء أو اتزار بقميص أو جُبَّة، ويجوز أن يستر بدنه بإزار مرقع برقاع وبردة ملفقة من قطعتين, ونصوا على أنه لا يَحْرُم المخيط إذا لبسه لغير ما خيط له، ومثلوا له بالارتداء والاتزار بالقميص والجُبَّة[44]. وقالوا : يَحْرُم كل مُحِيْط سواء أحاط بالبدن كله أو بعضو من أعضائه كيد أو رجل أو أصبع أو رأس، وسواء كانت إحاطته بنسج كدرع حديد, أو بصياغة، أو بلصق، أو كانت بسبب زر يعمل في اللباس فيصبح مُحِيْطاً بالبدن، أو عقد أو تخليل بعود، أو كان اللباس جلد حيوان سلخ بلا شق[45]. ونصوا على أنه : يَحْرُم اللباس إذا كان بهذه الصفة حتى ولو كان رقيقاً[46]. وقال الشافعية: يَحْرُم على المُحْرِم أن يلبس ما يحيط بالبدن أو بعضو من أعضاءه، حتى ولو كان اللباس شفافاً لا يستر البدن، أو كان قصيراً لا يستوعب العضو كما لو ستر بعض رأسه، أو لبس القميص إلى سرته, ويستوي في التحريم كون اللباس اكتسب صفة الإحاطة بالخياطة كالقميص، أو بالنسج كالدرع، أو بالعقد كجُبَّة ، أو باللزق، سواء اتخذ من جلد, أو قطن, أو كتان. ونصوا على أن المعتبر في التحريم : أن يلبسه على الوجه المعتاد، فإذا لبسه على وجه غير معتاد لا يَحْرُم، فيجوز أن يرتدي بالقميص والسراويل أو يتزر بهما، أو يتزر بازار لفقه من رقاع، وله أن يدخل يده في كم قميص منفصل عنه، أو يلقي على بدنه قَبَاء وهو مضطجع بحيث لو قام أو قعد لم يستمسك عليه[47]. وقال الحـنابلة: يَحْرُم على المُحْرِم اللباس المُحِيْط بالبدن كله أو بعضو منه، سواء كان معمولاً بالخياطة أو بغيرها كأن ينسج نسجاً، أو يلصق بلصوق، أو يربط بخيوط ، أو يخلل بخلال, أو يُزَرّ, ونحو ذلك مما يوصل به الثوب المقطع حتى يصير كالمخيط، فإن حكمه حكم المخيط[48] قال شيخ الإسلام : " وإنما يقول الفقهاء المخيط بناء على الغالب"[49]. فلا يجوز له لبس القميص سواء كان له كُمَّ أم لا، وسواء أدخل فيه يديه أو لم يدخلهما، وسواء كان سليماً أو ممزوقاً، وليس له لبس القَبَاء, ولا البُرْنُس, ولا العِمـامة, ولا السراويل ولا التُبَّان ولا الخف، ونحو ذلك. ونصوا على أنه : إنما يَحْرُم هذا اللباس إذا لبسه على الوجه المعتاد بحيث يحيط بالبدن، فإن لبسه من غير إحاطة جاز، فله أن يلتحف بالقَبَاء والجُبَّة والقميص، وغيرهما، وله أن يلبس القميص مقلوباً بحيث يجعل أسفله أعلاه، وله أن يتغطى باللحاف وغيره من غير أن يغطي رأسه، وله أن يرتدي برداء معمول من عدة قطع موصل بعضها ببعض[50] وإذا لبسه على صفة تخالف المعتاد لكن مع احاطة بالبدن فهو لباس مُحَرَّم، قال القاضي[51]وغيره :" كجورب في كف, وخُف في رأس[52]". ويتبين مما سبق أن المخيط المُحَرَّم على المُحْرِم هو ما توفرت فيه الضوابط التالية : 1- أن يكون مصنوعاً على هيئة تحيط بالبدن كله أو بعضو من أعضاءه، وجرت العادة بلبسه على هذه الهيئة، كالقميص فإنه مصنوع للإحاطة بالبدن كله وجرت العادة بلبسه على هذه الهيئة، فيَحْرُم لبسه على هذه الهيئة المعتادة، ولا يَحْرُم لبسه على هيئة لا تحيط بالبدن، كأن يتخذه رداء فيلفـه على النصف العلوي من بدنه. 2- لا فرق في تحريم اللباس المُحِيْط بين المخيط وغيره، والمخيط هو المعمول بالخياطة، وأما غيره فهو المعمول بغير الخياطة كالنســج، واللصق، والعقد، والتشبيك، ونحو ذلك. فالمُحِيْط يَحْرُم لبسه سواء كان مخيطاً أو غير مخيط، وغير المُحِيْط يباح لبسه سواء كان مخيطاً أو غير مخيط، وعليه يَحْرُم على المُحْرِم لبس ثوب منسوج نسجاً على هيئة قطعة واحدة لا خياطة فيه؛ لأنه مُحِيْط بالبدن، ويجوز له الارتداء برداء معمول من عدة قطع موصول بعضها ببعض بالخياطة؛ لأنه غير مُحِيْط بالبدن. 3- لا فرق في تحريم اللباس المُحِيْط على المُحْرِم بين الملبوس وفق ما جرت به العادة، والملبوس على خلاف ما جرت به العادة، ومثال الأول القفاز يلبسه في اليد، ومثال الثاني القفاز يلبسه في الرِجْل. 4- لا فرق في تحريم اللباس المُحِيْط على المُحْرِم بين اللباس الساتر الذي يستر ما تحته والرقيق الذي يشف عن ما تحته. 5- لا فرق في تحريم اللباس المُحِيْط على المُحْرِم بين اللباس السابغ الذي يغطي العضو المعمول له, والقصير الذي يغطي بعضه ويقصرعن تغطية باقيه. الأدلة على صحة اعتبار هذه الضوابط . الدليل الأول:عن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – { أن رجلاً قال : يا رسول الله ما يلبس المُحْرِم من الثياب؟ فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لا يلبس القُمُص, ولا العَمائم، ولا السراويلات، ولا البرانس، ولا الخفاف، إلا أحد لا يجد نعلين، فليلبس خفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين، ولا تلبسوا من الثياب شيئاً مسه الزعفران, أو ورس "}[53]. وجه الاستدلال بالحديث على تحريم اللباس المُحِيْط بالبدن كله أو بعضو منه : أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- نهى عن خمسة أنواع من اللباس تشمل جميع ما يَحْرُم – فإنه قد أوتي جوامع الكلَم، وذلك أن اللباس إما أن يصنع للبدن فقط وهو القميص، أو للرأس فقط وهو العِمـامة، أولهما وهو البُرْنُس، أو للفخذين والساق وهو السراويل، أو للرجلين وهو الخف ونحوه. والوصف المشترك بين هذه الألبسة الإحاطة بالبدن كله أو بعضو منه, فألحق أهل العلم بهذه الألبسة المذكورة في الحديث ما كان في معناها فألحقوا بالقميص كل لباس مصنوع للبدن كله كالجُبَّة والفََرُّوُج، وألحقوا بالعِمـامة كل لباس مصنوع للرأس وحده، وألحقوا بالبُرْنُس كل لباس مصنوع للبدن مع الرأس، وألحقوا بالسراويل كل لباس مصنوع للفخذين والساق[54]. الدليل الثاني : أن لبس المخيط على الوجه المعتاد من باب الترفه، والمُحْرِم ممنوع من الترفه[55]. واستدل القاضي من الحنابلة على تحريم اللباس المُحِيْط إذا لبسه بخلاف ما جرت به العادة كجورب لبسه في كفه بأن عموم الأخبار يقتضي التحريم[56]. واستدلوا على إباحة المخيط وغيره إذا كان لا يحيط بالبدن أو بعضو منه بثلاثة أدلة : الدليل الأول: أن النبي –صلى الله عليه وسلم- عندما ذكر أنواع اللباس المُحَرَّم على المُحْرِم لم يذكر إلا اللباس المُحِيْط بالبدن أو بعضو منه فدل على إباحة ما سواه[57]. الدليل الثاني : أن اللباس إذا كان غير مُحِيْط بالبدن لا يحصل به الترفه, فإذا لبس المئزر المرقوع لم يحصل ترفه بما فيه من الخياطة، إذ لا منفعة فيه إلا ستر العورة أو دفع المضرة عن الجسد والمُحْرِم مأمور بهذا، وإذا ألقى القميص على كتفيه احتاج إلى تكلف وتعاهد لبقاءه على كتفيه فلا يحصل بذلك ترفه، والاتشاح بالقميص والاتزار بالسراويل في معنى الارتداء والاتزار في أنه يحتاج في حفظه إلى تكلف كما يحتاج إلى التكلف في حفظ الرداء والإزار، فإذا لم يحصل الترفه باللباس لم يكن محرماً فإن العلة في التحريم هي الترفه[58]. الدليل الثالث : أن الالتحاف بالقميص, ونحو ذلك لا يسمى لبساً, فلا يكون محرماً على المُحُرِم[59], فإنه إذا اتشح بالقميص فقد اتخذه رداء، وإذا اتزر بالسراويل فقد اتخذه إزارا[60]. ويستدل على أن الإباحة هي الأصل في لباس المُحْرِم ، بأن النبي –صلى الله عليه وسلم- لما سأله السائل عن ما يلبسه المُحْرِم أجاب بذكر ما لا يلبسه, فدل ذلك على أن التحريم منحصر فيه. المطلب الثاني ما اختص به الرأس في ضابط التحريم أجمع أهل العلم على أنه يَحْرُم على المُحْرِم تغطية رأسه كله أو بعضه، فيَحْرُم عليه لبس عمامة وقَلَنْسوة[61] ونحو ذلك[62]. نص على ذلك الحنفية[63], والمالكية[64]، والشافعية[65], والحنابلة[66] ، وغيرهم[67]. فيَحْرُم ستر الرأس بكل ما يقصد به الستر سواء كان معتاداً أو غير معتاد[68]، ولا فرق بين ستر الرأس كله أو بعضه، فَيَحْرُم عليه أن يعصب حول رأسه عصابه، أو يشد حول رأسه سيراً [69]، وأباح بعض الشافعية له أن يشد خيطاً؛ لأنه ليس ساتراً عندهم[70]. وقد اختص الرأس عن عموم البدن بأنه يَحْرُم تغطيته بكل ما يعد ساتراً؛ سواء كان مُحِيْطاً بالرأس كالعِمـامة, أو غير مُحِيْط كخرقة يلقيها على رأسه، أما باقي البدن فإنه يَحْرُم تغطيته باللباس المُحِيْط فحسب, كقميص أوسراويل يلبسه، أما تغطيته بالساتر غير المُحِيْط فلا يَحْرُم، فيجوز أن يتغطى بلحاف، أو يضع على بدنه قميصاً أو يتزر بسراويل ونحو ذلك[71]. ومراعاة لهذا الفارق فإن أهل العلم أفردوا الرأس عن سائر البدن عند البحث في أحكام اللباس المُحَرَّم على المُحْرِم. واختلفوا في الاذنيين هل تدخل في الرأس أم لا، فمنهم من ذهب إلى أنها تدخل في الرأس فيَحْرُم سترها بالمُحِيْط وغيره[72]. ومنهم من ذهب إلى أنها لا تدخل في الرأس فلا يَحْرُم سترها[73]. والأدلة على هذه الضوابط ما يلي : الدليل الأول : حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - وفيه { نهى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- المُحْرِم عن لبس العمائم والبرانس}[74]. الدليل الثاني :عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما قال- {بينما رجل واقف مع النبي –صلى الله عليه وسلم- بعرفة إذ وقع عن راحلته فوقصته[75] فقال النبي –صلى الله عليه وسلم- اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين- أو قال ثوبيه-ولا تحنطوه,ولا تُخَمِّرُوا رأسه,فإن الله يبعثه يوم القيام يلبي[76]}. وجه الاستدلال بالحديث أن : أن قول النبي –صلى الله عليه وسلم- " فإنه يبعث ملبياً " يدل على أن العلة في منع تغطية الرأس هو الإحرام[77]. وقد اعترض على هذا الاستدلال باعتراضين : الاعتراض الأول: أن الإحرام يبطل بالموت، وأما بقاؤه في حق هذا الرجل فهو مخصوص به لإخبار النبي –صلى الله عليه وسلم- بذلك[78]. الاعتراض الثاني : أن بقاء الإحرام بعد الموت أمر غيبي وقد عرفنا بقاءه في حق الرجل الوارد ذكره في الحديث بإخبار النبي –صلى الله عليه وسلم- ، ولا طريق لنا بعد ذلك إلى معرفة من يبعث ملبياً ممن يموت اليوم من المُحْرِمين[79]. ويمكن أن يجاب عن الاعتراضين بأن الحديث فيه أن علة التحريم هي الإحرام، وليس فيه ما يدل على الخصوصية فيبقى الحكم على عمومه. الدليل الثالث : عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما - أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال " إحرام الرجل في رأسه وإحرام المرأة في وجهها "[80]. وروي موقوفاً على ابن عمر- رضي الله عنهما -. الدليل الرابع : أن المُحْرِم مأمور بالشعث، وهذا يقتضي منع المُحْرِم من لبس العمائم وما في معناها[81]. واستدلوا على التفريق بين الرأس وسائر البدن في ضابط اللباس المُحَرَّم؛ بأن الأصل أن الإحرام يقتضي التجرد من كل ما يستر الجسد فجرى الحكم في الرأس والوجه على هذا الأصل، ولم يجر في سائر البدن؛ لأنه عورة في الجملة فلو حرم ستره بكل ساتر للزم الوقوع في المعصية, وربما يوصل ذلك إلى الفساد فلذا جاز ستره بغير المَخِيط المُحِيْط[82]. ويرد على هذا الاستدلال اعتراض بانه يصدق على مكان العورة من الجسد, ولا يصدق على سواه. واستدلوا على عدم التفريق بين القليل والكثير في تحريم تغطية الرأس بدليلين : الدليل الأول : عموم الأدلة الواردة في النهي عن تغطية المُحْرِم رأسه؛ لأن المنهي عنه يَحْرُم فعل بعضه كما يَحْرُم فعله كله؛ لذلك لما قال الله تعالى { ولا تحلقوا رؤوسكم } حرم حلق بعضه[83]. الدليل الثاني : عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما - قال : " لا يعصب المُحْرِم رأسه بسير, ولا بخرقه "[84]. واستدل الشافعيةعلى إباحة شد الخيط دون العصابة، بأن الخيط لا يعد ساتراً بخلاف العصابة فإنها ساتر[85]. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |