|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() كيف نُصلح بيوتنا 1 أمير بن محمد المدري الخطبة الأولى الحمد لله مُجيبِ الدّعوات، مُجزل العطايا والهِبات، يجيبُ دعوةَ المضطرّين ويكشِف السوء وينزل الرّحمات، أحمده - تعالى- وأشكُره، وأثني عليه وأستغفِره، له الخلق والأمر، وبيده تدبير الأرض والسمَوات، سبحانك ربَّنا ما أعظمك، سبحانك ربَّنا ما أحلمك، تُطاع فتَشكُر، وتُعصَى فتغفِر، سترتَ عيوبنا، فاغفِر ذنوبنا، وأجِرنا من خزيِ الدنيا وعذاب الآخرة. وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريك له، يعطي ويمنع، ويخفض ويرفع، ( وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ) [الشورى:28]. فيا عجباً كيف يُعصى الإله *** أم كيف يجحده الجاحد ولله في كل تحريكةٍ *** وفي كل تسكينةٍ شاهد وفي كل شيءٍ له آية *** تدل على أنه الواحد وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، علَّق بربه رجاهُ وجنانَه، فأُجيب قبل أن يبرحَ مكانَه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليمًا كثيرًا. أما بعد..عباد الله:.. أوصيكم ونفسي بتقوى الله وأن نقدم لأنفسنا أعمالاً صالحه مباركه تبيض وجوهنا يوم نلقاه -عز وجل-.. ( يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)، (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ) [آل عمران: 106]. (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً). ( يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ ) [التغابن: 9]. نسأل الله -عز وجل- بمنِّه وكرمه أن يُحبب إلينا الإيمان ويُزينه في قلوبنا وأن يُكِرِّه إلينا الكفر الفسوق والعصيان ويجعلنا من الراشدين. عباد الله: ماذا يمثل البيت لأحدنا؟ أليس هو مكان أكله ونكاحه ونومه وراحته؟ أليس هو مكان خلوته واجتماعه بأهله وأولاده؟ أليس هو مكان ستر المرأة وصيانتها؟! قال - تعالى-: ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى ) [الأحزاب: 33]. البيت نعمةٌ لا يعرف قيمتَه وفضله إلا من فقده، فعاش في ملجأٍ مُوحش، أو ظلماتِ سجن، قال - تعالى-: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا ) [النحل: 80] ولما انتقم الله من يهود بني النضير سلبهم هذه النعمة وشرّدهم من ديارهم فقال - تعالى-: ( هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ) [الحشر: 2]. ثم قال: ( يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الأَبْصَارِ ) [الحشر: 2]. من هنا فالمسلم مطالبٌ بإصلاح بيته وأهله، ولماذا وجب على المسلم ذلك لخمسة أمور: أولاً: ليقي نفسه وأهله نار جهنم، ولينجو وإياهم من عذاب الحريق فلا يكفي صلاح الإنسان لوحده فقط: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) [التحريم: 6] ثانياً: لعِظَم المسئولية الملقاة على راعي البيت أمام الله يوم الحساب: قال - صلى الله عليه وسلم -: (( إن الله - تعالى -سائل كل راع عما استرعاه أحفظ ذلك أم ضيعه، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته)) [رواه ابن حبان وإسناده حسن]. ثالثاً: لأن البيت هو مكان حفظ النفس، والسلامة من الشرور وكفّها عن الناس، وهو الملجأ الشرعي عند الفتنة: قال - صلى الله عليه وسلم -: ((طوبى لمن ملك لسانه ووسعه بيته وبكى على خطيئته)) [رواه الطبراني في الأوسط عن ثوبان وهو في صحيح الجامع]. رابعاً: لأن الناس يقضون أكثر أوقاتهم في الغالب داخل بيوتهم، وخصوصاً في الحر الشديد والبرد الشديد والأمطار وأول النهار وآخره، وعند الفراغ من العمل والدراسة، ولا بد من صرف الأوقات في الطاعات، وإلا ستضيع في المحرمات. خامساً: وهو أهمها، نصلح بيوتنا لأن الاهتمام بالبيت هو الوسيلة الكبيرة لبناء المجتمع المسلم، فإن المجتمع يتكون من بيوت هي لبناته، والبيوت أحياء، والأحياء مجتمع، فلو صلحت اللبنة لكان مجتمعاً قويا بأحكام الله، صامداً في وجه أعداء الله، يشع الخير ولا ينفذ إليه شر. ولا بد أن نعلم عباد الله: أنَّ من الأسباب التي أضعفت المسلمين اختلال الأسس التي تقوم عليها الأسرة في مجتمعنا إما بإهمال أبوي للرعاية والقوامة، أو بسوء معاملة تبغضه لدى أهله وأولاده، أو بضعف دور الأم التي انشغلت عن بيتها وأولادها بالموضات والأسواق والسهرات أو بإغفال مواهب الأولاد من بنين وبنات وهدر طاقاتهم في المنزل والخارج على ما يعود عليهم بالضرر أو بقلة نفعهم في الأمة، أو ترى قطيعة رحم بين الأقارب أبعدت ما بينهم وغير ذلك من مظاهر غزت الأسرة وهي اللبنة الأمتن في بناء المجتمع وأضعفت بناء الوطن والأمة. عباد الله: كيف نصلح بيوتنا؟ كيف نبني بيوتنا البناء السليم كما قال - تعالى-: ( أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) [التوبة: 109]، نبنيها بالوسائل التالية: أولاً: حُسن اختيار الزوجة الصالحة: قال - تعالى -: ( وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) [النور: 32]. فالمرأة كما قال - صلى الله عليه وسلم -: ((تُنكح لأربع: لمالها وعسى مالها أن يطغيها، ولحسبها وعسى حسبها أن يشقيها، ولجملها وعسى جمالها أن يفتنها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك)). [متفق عليه]. وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((الدنيا كلها متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة)) [رواه مسلم] وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((ليتخذ أحدكم قلباً شاكرا، ولساناً ذاكرا، وزوجةً مؤمنة تُعينه على أمر الآخرة)). [رواه أحمد والترمذي وابن ماجه عن ثوبان وهو في صحيح الجامع]. وكما أن المرأة الصالحة واحدة من أربع من السعادة، فالمرأة السوء واحدة من أربع من الشقاء، كما جاء في الحديث الصحيح وفيه قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((من السعادة: المرأة الصالحة تراها فتعجبك، وتغيب عنها فتأمنها على نفسها ومالك، ومن الشقاء: المرأة التي تراها فتسوؤك، وتحمل لسانها عليك، وإن غبت عنها لم تأمنها على نفسها ومالك)). وفي المقابل لابد من التبصر في حال الخاطب الذي يتقدم للمرأة المسلمة، والموافقة عليه حسب الشروط التي حددها نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض)). [أخرجه الترمذي وابن ماجه وحسّنه لغيره الألباني في السلسلة الصحيحة ((1022))]. سأل الحسن البصري - رحمه الله - رجل فقال: يا إمام لمن أزوج ابنتي قد كثر خُطّابها؟. فقال زوجها التقي الذي إذا أحبها أكرمها وإذا كرهها لم يُهنها. والرجل الصالح مع المرأة الصالحة يبنيان بيتاً صالحاً لأن البلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه، والذي خبث لا يخرج إلا نكدا. عباد الله: إن الواجب على الأب الصالح أن يجتهد كلّ الاجتهاد في البحث والسؤال والتحرّي بكل وسيلة ممكنة، يسأل هذا، ويسأل ذاك، يسأل عن صلاحه وصلاته وأخلاقه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوّجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض))، يسأل عن أخلاقه، يسأل عن عقيدته. أيّها الأب الكريم يا رعاك الله، إن التي تدفعُها إليه ما هي إلا ابنتك فلذةُ كبدك، ربيتها صغيرةً وكبيرةً، وأحسنت تربيتَها، وأصلحت تنشئتها، وقد عرفتْ لك أبوّتَك وحقَك، وحفظت لك عرضك، فاعرف لها حقّها، واحفظ لها كرامتها وبرّها. ومن الآباء من يقتصر على مجرّدُ سؤالٍ عابر، وكأن ابنته حِملٌ يريد أن يُلقيَه عن ظهره، يريد الخلاص منها بشكل أو آخر، يريد أن لا يُبقيَها أمامه. آهٍ من قلوب تحجّرت، ما أقساه من قلب أبٍ لا يعرفُ للبنوّة حقها، ولا للرحمة طريقها، أين تذهبُ من الله - تعالى -عندما تقفُ بين يديه ويسألك عن هذه المسكينة الضعيفة؟! ماذا ستجيب؟! أيها الأب الحبيب، حذار أن تضيّع ما استرعاك الله من رعية، وأن تخون ما ائتمنك الله عليه من أمانة، حذار أن يقال لك يوم القيامة: تأخر، ويقال لابنتك: تقدمي واقتصي. أيها الإخوة الكرام، نسأل الله - تعالى -أن يمنّ على بناتنا بالصالحين الطاهرين الذين يقدّرون سعادة بناتنا ويكرمونهن، وأن يرزق أبناءنا الصالحات العفيفات الذين يحفظونهم في الغيب والشهادة. الوسيلة الثانية لإصلاح بيوتنا السعي في إصلاح الزوجة: إذا كانت الزوجة صالحة فبها ونعمت، وهذا من فضل الله، وإن لم تكن صالحة، فإن من واجبات رب البيت السعي في إصلاحها، فقد يتزوج المرء امرأة غير صالحة فعليه أن يعلم أولاً أن الهداية من الله، والله هو الذي يُصلح، فقد منَّ على عبده زكريا بصلاح زوجه فقال - تعالى -: (وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ) [الأنبياء: 90] سواءً كان إصلاحاً بدنياً أو دينياً، قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: (( كانت عاقراً لا تلد فولدت))، وقال عطاء - رحمه الله -: ((كان في لسانها طول فأصلحها الله)). اللهم أصلح بيوتنا وأصلح نساءنا وذرياتنا يا رب العالمين. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية: الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، واشهد أن لا اله إلا الله تعظيماً لشانه، واشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، وعلى آله وأصحابه وجميع إخوانه. وبعد عباد الله: كيف نُصلح نساءنا؟ أولاً: تصحيح عبادتها كالصلاة والصيام والطهارة وتعليمها أمور دينها. كم رأينا من آباء حريصون على إطعام وكسوة نساءهم وبناتهم لكن ليس في قاموسهم الدين وتعليمه لهنّ. ثانياً: حثها على الطاعات، ومن ذلك حثها على الصلاة، فالزوج الصالح دائماً يسأل زوجته هل صليتِ صلاة الفجر؟ هل صليتِ صلاة العصر؟ وهكذا.. وحثها على تلاوة القران وتعلّمه وإدخالها مدارس تحفيظ القران الكريم، وله في كل ذلك أجر فالدال على الخير كفاعله. حثها وتعليمها الأذكار النبوية ومنها أذكار الصباح والمساء التي هي حصن وحماية ووقاية من شر شياطين الإنس والجن. شراء الأشرطة الإسلامية النافعة، فإن وجدت عندها نقصٌ اشتري لها شريطاً عن الصلاة وإن كانت لا تعلم الحقوق التي عليها فاشتري لها شريطاً إسلامياً يتكلم عن ذلك، وهكذا في كل الأمور.. اللهم أصلح نساءنا وربِّ لنا أولادنا يا رب العالمين ثالثاً: أبعدها عن قنوات السوء والرذيلة فلو علمتها ما علمت ستأتي قنوات الرذيلة تهدم ما بنيت في سنين في ساعات. رابعاً: اختيار صاحبات لها من أهل الدين تعقد معهن أواصر الأخوة، وتتبادل معهن الأحاديث الطيبة والزيارات الهادفة، وإبعادها عن قرينات السوء وأماكن السوء. فقد تجدها أحياناً تتغير وتتبدل وتتحول فتستغرب ما غيّرها ما حوّلها ما بدّلها؟ إنهن قرينات السوء وصاحبات الهوى. الوسيلة الثالثة لإصلاح بيوتنا، جعل البيت مكاناً لذكر الله - تعالى -: حياة البيت المسلم عباد الله: وسعادته وأُنسه ولذتُه في ذكر الله قال - صلى الله عليه وسلم -: ((مثل البيت الذي يذكر الله فيه، والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت)) [رواه مسلم]. فلنجعل بيوتنا مكاناً للذكر بأنواعه؛ سواءً ذكر القلب، وذكر اللسان، أو الصلوات وقراءة القرآن، أو مذاكرة العلم الشرعي وقراءة كتبه المتنوعة. أيها المسلمون لا تجعلوا بيوتكم ميتةً بعدم ذكر الله فيها. اصرفوا عن بيوتكم ألحان الشيطان من المزامير والغناء، والغيبة والبهتان والنميمة. كيف تدخل الملائكة بيتاً هذا حاله؟! فأحيوا بيوتكم رحمكم الله بأنواع الذكر. عباد الله: إذا خلت البيوت من الصلاة والذكر صارت قبوراً موحشة وحياةً ضنكى ولو كانت قصوراً مشيدة، وبدون ذكر الله والقرآن تغدو البيوت خاملةً ومرتعاً للشياطين، سُكَّانها موتى القلوب وإن كانوا أحياءَ الأجساد. اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تهدينا وتسددنا، اللهم اهدنا وسددنا، اللهم اهدنا واهدي بنا وأجري على أيدينا الخير لكثير من خلقك إلى يوم القيامة، اللهم اجعلنا مباركين حيثما كنا، اللهم قنعنا بما آتيتنا. اللهم اغننا بحلالك عن حرامك وبطاعتك عن معصيتك وبفضلك عمن سواك يا رب العالمين، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. اللهم إنا نسألك البر والتقوى ومن العمل ما ترضى، اللهم أعز دينك وأعلي كلمتك وانصر جندك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين وانصر عبادك المجاهدين في سبيلك يا رب العالمين. اللهم أقم علم الجهاد واقمع أهل الشر والشرك والفساد وانشر رحمتك على العباد يا رب العالمين. هذا وصلوا وسلموا على عبد الله ورسوله فقد أمركم الله بذلك فقال - تعالى-: ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) [الأحزاب: 56]. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. وارض اللهم عن أصحابه أجمعين وعن التابعين.
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() كيف نُصلح بيوتنا 2 أمير بن محمد المدري الخطبة الأولى: الحمد لله ذي النعم الكثيرة والآلاء، الغني الكريم الواسع العطاء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الأسماء الحسنى والصفات الكاملة العليا وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المصطفى وخليله المجتبى صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الكرام النجباء وعلى أتباعهم في هديهم القويم إلى يوم الميعاد والمأوى وسلم تسليما. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]. أما بعد عباد الله: كيف نُصلح بيوتنا؟ كيف نبني بيوتنا على الخير والقرآن؟ كيف نؤسس بيوتنا على تقوى الله: ( أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) [التوبة: 109]. وهذا هو اللقاء الثاني مع وسائل ونصائح لإصلاح بيوتنا. عباد الله: من وسائل إصلاح البيوت المعاشرة بالمعروف بين الزوجين، فحسن العشرة بين الزوجين من أهم الركائز التي يؤكد عليها الدين الحنيف، وينتج عنها عيش الأسرة في ود وسلام وصفاء ووئام، قال - تعالى-: ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) [النساء: 19]، وقال جل شأنه: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [البقرة: 228]، وفي الحديث يقول - صلى الله عليه وسلم -: ((خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)) [رواه الترمذي]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا وألطفهم بأهله)) [رواه الترمذي]. وهنا يضع الإسلام خطوات متوالية وإجراءات متتابعة لحل النزاع وإعادة الأُنس والصفاء الذي كانت تعيش في ظلاله الوارفة وسمائه الصافية، قال - تعالى-: ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ) [النساء: 34]. فيبدأ الزوج بوعظ شريكة حياته وملاطفتها بالكلام بأسلوب رقيق وألفاظ حسنة مهذبة، تؤثر في نفسها، وتُقرِّب عاطفتها، ويعيدها بذاكرتها إلى أيام حياتهما الزوجية الأولى، وما كان بعدها من المشاعر والأحاسيس الرقيقة الفياضة التي جمعت بينهما في محبة ووئام ومودةٍ والتئام، والمرأةُ العاقلة هي التي تؤثر فيها تلك الكلمات الصادقة من الزوج، فتعود إلى رشدها وتلبي رغبته. فإن لم تعبأ بذلك انتقل إلى هجرها في فراشها، وذلك بأن يدير ظهره إليها، ويبدي لها امتعاضه منها، فلا يكلمها ولا يلتفت إليها، وليس المراد من هجرها نومه في غرفة مستقلةٍ عنها، فإن ذلك ربما أدى إلى زيادة تأزم العلاقة بينهما واتساع الفجوة في حياتهما. فإذا لم تستجب الزوجة لهذا التأديب المعنوي انتقل الزوج إلى الخطوة الثالثة وهي قوله - تعالى-: (وَاضْرِبُوهُنَّ) [النساء: 34] فإن الضرب هو الذي يصلحها له، ويحملها على توفيةِ حقوقه وقيامها بها. لكن لا يتبادر إلى الذِّهن الضربُ الشديد القاسي الذي من شأنه التأثير في جسدها، أو إلحاق عاهةٍ أو أذى بها، أو إهانتها والانتقام منها، أو قهرها وإذلالها، بل المراد الضرب التأديبي غير المبرح، أي: الذي لا يؤدي إلى شيء مما ذُكر، بل يضربها ضربًا خفيفًا، وقد نبه إلى ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوله في خطبة عرفات: ((فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مبرح))[متفق عليه]. وقد بين أن البعد عن العنف وترك القسوة في التعامل مع الزوجة دليل على حسن العشرة، وذلك مما يجب على الزوج تجاهها، فقد سأل أحد الصحابة - رضي الله عنهم - رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن حق المرأة على الزوج، فقال: ((يطعمها إذا طعم، ويكسوها إذا اكتسى، ولا يضرب الوجه ولا يُقبِّح، ولا يهجر إلا في البيت))[رواه أبو داود]. ومن وسائل إصلاح البيوت نقول لكل مسلم: اجعل بيتك قبلة، والمقصود اتخاذ البيت مكاناً للعبادة. قال الله -عز وجل-: ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّأَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ) [يونس: 87]. قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: ((أُمروا أن يتخذوها مساجد)). عند المشاكل عند الأزمات يهرع المسلم إلى ربه إلى محرابه، كما قال الله - تعالى -: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ ) [البقرة: 153] وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا حزبه أمر هرع إلى الصلاة وقال أرحنا بها يا بلال. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((صَلاَةُ الرَّجُلِ تَطَوُّعاً حَيْثُ لاَ يَرَاهُ النَّاسُ تَعْدِلُ صَلاَتَهُ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ خَمْساً وَعِشْرِينَ)) [صحيح الجامع، عن صهيب ا] وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((أَفْضَلُ صَلاَةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلاَّ الْمَكْتُوبَةَ)) [متفق عليه]. وصلاة النافلة في البيت لماذا؟ لنتعلم أولاً: الإخلاص في الطاعة، وثانياً: لنُعلِّم أهلنا الصلاة ونجتمع على طاعة الله. ومما نصلح به بيوتنا التربية الإيمانية لأهل البيت. فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يصلي من الليل فإذا أوتر قال قومي فأوتري يا عائشة". [رواه مسلم] وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته، فصلت، فإن أبت نضح في وجهها الماء ((رش في وجهها الماء)) ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فصلى، فإن أبى نضحت في وجهه الماء))[أخرجه أحمد ((2/250)) واللفظ له، وأبو داود والنسائي، وابن ماجه، وصححه ابن حبان]. فالبيت السعيد يتعاون أفراده على الطاعة والعبادة، فضعف إيمان الزوج تقويه الزوجة، واعوجاج سلوك الزوجة يقوّيه الزوج، تكامل وقوة ونصيحة وتناصح. وعن أبي سعيد وأبي هريرة - رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا استيقظ الرجل من الليل وأيقظ امرأته فصليا ركعتين، كُتبا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات))[رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه واللفظ له]. ومما يزيد الإيمان في البيوت ترغيب النساء في البيت بالصدقة مما يزيد الإيمان، وهو أمر عظيم حث عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: ((يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار)). [رواه البخاري ومسلم] ومن الأفكار المبتكرة وضع صندوق للتبرعات في البيت للفقراء والمساكين، فيكون كل ما دخل فيه صدقةً للمحتاجين. ومما يقوي إيمان الأسرة الصيام الجماعي، ما أجمل حين يجتمع البيت بكامله على صيام الأيام البيض أو الاثنين والخميس، والتاسع والعاشر من شهر محرم وغيرها من الأيام الفاضلة. عباد الله: من النصائح لإصلاح البيوت: الاهتمام بالأذكار الشرعية والسنن المتعلقة بالبيوت، ومن أمثلة ذلك: أذكار دخول المنزل. روى مسلم في صحيحه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا دخل الرجل بيته فذكر اسم الله - تعالى -حين يدخل وحين يطعم، قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء هاهنا، وإن دخل فلم يذكر اسم الله عند دخوله قال: أدركتم المبيت، وإن لم يذكر اسم الله عند مطعمه قال: أدركتم المبيت والعشاء)). وروى أبو داود في سننه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا خرج الرجل من بيته فقال: بسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، فيقال له: حسبك قد هديت، وكفيت ووقيت، فيتنحى له الشيطان فيقول له شيطان آخر: كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي؟ )). اللهم اصرف عنا شر الأشرار وكيد الفجار وشر طوارق الليل والنهار. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية: الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا اله إلا الله تعظيماً لشانه، واشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه وعلى آله وأصحابه وجميع إخوانه. وبعد عباد الله: ومما نصلح به بيوتنا مواصلة قراءة سورة البقرة في البيت لطرد الشيطان منه وفي هذا عدة أحاديث ومنها: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تجعلوا بيوتكم قبورا، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة))[رواه مسلم] وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((اقروا سورة البقرة في بيوتكم، فإن الشيطان لا يدخل بيتا يقرأ فيه سورة البقرة)). [رواه مسلم] وعن فضل الآيتين الأخيرتين منها، وأثر تلاوتهما في البيت، قال - عليه الصلاة والسلام -: ((إن الله - تعالى- كتب كتاباً قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي عام، وهو عند العرش، وأنه أنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة، ولا يُقرأن في دارٍ ثلاث ليال فيقربها الشيطان)) [حديث صحيح رواه النسائي وغيره]. وما يصلح بيوتنا عباد الله: تعليم أهل البيت، فالبيت المسلم يُؤسَّس على علم وعمل، علم يدلُّه على الصراط المستقيم، ويُبعده عن طرق الضلال، علم ٌبآداب الطهارة وأحكام الصلاة وآداب الاستئذان والحلال والحرام، لا يجهل أهل البيت أحكامَ الدين، فهم ينهلون من علم الشريعة بين الفينة والأخرى. ولا بد أن نعلم عباد الله: أنّ تعليم الأسرة فريضة شرعية لابد أن يقوم بها رب الأسرة إنفاذاً لأمره - تعالى -في الآية الكريمة: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ )[التحريم: 6]، وهذه الآية أصل في تعليم أهل البيت وتربيتهم، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، وإليك أيها القارئ الكريم بعضاً مما قاله المفسرون في هذه الآية، بشأن ما يجب على رب الأسرة: قال قتادة - رحمه الله -: " يأمرهم بطاعة الله، وينهاهم عن معصيته، وأن يقوم عليهم بأمر الله يأمرهم به، ويساعدهم عليه". وقال الضحاك ومقاتل: " حقٌ على المسلم أن يُعلِّم أهله من قرابته وإمائه ما فرض الله عليهم وما نهاهم عنه". وقال علي - رضي الله عنه -: " علِّمُوهم وأدبوهم". عباد الله: ما أجمل أن يجمع الأب أبناءه فيقرأ عليهم القرآن ويُعلِّمهم، ويسرد عليهم من قصص الأنبياء والصحابة ويغرس فيهم الأخلاق العالية. إنّ أهم رسالة للبيت المسلم هي تربية الأولاد التربية الصحيحة، تربيةٌ لا غبش فيها ولا تشوه، تربية من أهم أهدافها تحقيق القدوة الحسنة في الوالدين، القدوة في العبادات والأخلاق، القدوة في الأقوال والأعمال، القدوة في المخبر والمظهر، فيأمر الأب أولاده بالصلاة وهو أول المصلين، ويأمرهم بالأخلاق وهو أعلاهم خُلقاً، ويحثهم على الصدق وهو أصدقهم، قال - تعالى-: ( وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ) [الفرقان: 74]، وتدبَّر دعوةَ إبراهيم - عليه السلام -: ( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ) [إبراهيم: 40]، وقال - تعالى -: ( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ) [طه: 132]. قال الشاعر: مشى الطاووس يوماً باختيالٍ *** فقلّده بمشيته بنوه فقال علام تختالون فقالوا *** بدأت به ونحن مقلدوه وينشأ ناشئ الفتيان منا *** على ما كان عوداه أبوه فالأولاد مفطورون على حب التقليد، وأول من يُقلِّد الطفل أباه وأمه، لكن عندما انشغل الآباء عن تربية أبناءهم والقيام بالقوامة على نساءهم والحفاظ على أبنائهم من قرناء السوء والضياع والدمار عند ذلك تحطّمت الأسر والبيوت وضاع جيل بعد جيل: فليتق الله كل الآباء. عباد الله: إن البيت الذي لا يغرس الإيمان ولا يستقيم على نهج القرآن ولا يعيش في أُلفةٍ ووئام يُنجب عناصرَ تعيش التمزُّقَ النفسي، والضياعَ الفكري، والفسادَ الأخلاقي، هذا العقوق الذي نجده من بعض الأولاد والعلاقات الخاسرة بين الشباب والتخلي عن المسؤولية والإعراض عن الله والتمرُّد على القيم والمبادئ الذي يعصِف بفريق من أبناء أمتنا اليوم، ذلك نتيجة حتمية لبيت غفل عن التزكية، وأهمل التربية، وفقد القدوة، وتشتَّت شمله. البيت الذي يجعل شرائع الإسلام عِضين، يأخذ ما يشتهي، ويذر ما لا يريد، إلى شرقٍ أو غرب، يُنشئ نماذجَ بشرية هزيلة، ونفوساً مهزوزة، لن تفلح في النهوض بالأمة إلى مواقع عزها وسُؤددها. البيت المسلم من سماته الأصيلة أنه يردُّ أمرَه إلى الله ورسوله عند كل خلاف، وفي أي أمرٍ مهما كان صغيراً، وكل من فيه يرضى ويسلِّم بحكم الله، قال - تعالى-: ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا ) [الأحزاب: 36]. وقال - تعالى-: ( وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)[الشورى: 10] قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: " لولا الولد ما تزوجت، أن يخرج الله من صلبي من يقول لا اله إلا الله"، فالأولاد إن كانوا صالحين فصلاتهم وأجورهم مثلها في ميزان حسنات الآباء لأن الأولاد من سعي الآباء. اللهم أصلح القلوب والأعمال، وأصلح ما ظهر منا وما بطن، واجعلنا من عبادك المخلصين. اللهم إنا نعوذ بك من الغواية والضلالة، اللهم ثبتنا على دينك، اللهم آمنا في أوطاننا، اللهم أصلح الأئمة وولاة الأمور، اللهم خذ بنواصينا إلى ما تحب وترضى، وزينا برحمتك بالبر والتقوى واجعلنا من عبادك المهتدين. هذا وصلوا- عباد الله: - على رسول الهدى فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() كيف نُصلح بيوتنا 3 أمير بن محمد المدري الخطبة الأولى الحمد لله الذي أعدّ للمؤمنين جناتٍ خالدين فيها أبداً وأعدّ للكافرين جهنم لا يخرجون منها أبداً. - سبحانه - من بكت من خشيته العيون، سبحان من أمره بين الكاف والنون، سبحان الذي سبح بحمده الأولون والآخرون وسجد له المصلون. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، في السماء ملكه وفي الأرض سلطانه، وفي البحر عظمته، وفي جهنم سطوته وفي الجنة رحمته. تأمل في نبات الأرض وانظر *** إلى آثار ما صنع المليك عيون من لجينٌ شاخصات *** بأحداق هي الذهب السبيك على كُثب الزبرجد شاهدات *** بأن الله ليس له شريك وأشهد أن محمداً رسول الله البشير النذير والسراج المنير من بعثه الله هادياً وبشيراً ونذيراً. عباد الله: أوصيكم بتقوى الله –عز وجل- فإنها وصيةُ الله للأولين والآخرين، قال - تعالى-: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)[النساء: 131]. فما من خيرٍ عاجل ولا آجل ظاهر ولا باطن إلا وتقوى الله سبيلٌ موصل إليه، وما من شرٍ عاجل ولا آجل ظاهر ولا باطن إلا وتقوى الله -عز وجل- حرز متين وحصن متين وحصن حصين للسلامة منه والنجاة من ضرره. وبعد.. عباد الله: لا زلنا وإياكم مع البيوت وإصلاحها، فنحن مطالبين بإصلاح بيوتنا لتكون سكناً طيباً مباركاً، ولتكون مبنية على أسسٍ طيبة. ومن وسائل إصلاح البيوت: تعلُّم الأحكام الشرعية الخاصة بالبيوت، ومن ذلك أن يصلي الرجال الفريضة في المسجد إلا لعذر، والنافلة في البيت أفضل، يقول - صلى الله عليه وسلم -: ((أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة)).[رواه مسلم] وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أيضاً: ((تطوع الرجل في بيته يزيد على تطوعه عند الناس، كفضل صلاة الرجل في جماعة على صلاته وحده))، وأما المرأة صلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد ولكن إذا اقترن مع صلاتها في المسجد طلب علم وتعلُّم القران والشريعة، فصلاتها في مسجدها أفضل هكذا يقول علماءنا. ومن أحكام البيوت الاستئذان: يقول - تعالى -: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ )[النور: 28]. ويقول جل شأنه: ( وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا )[البقرة: 189]. وجواز دخول البيوت التي ليس فيها أحد بغير استئذان إذا كان للداخل فيها متاع كالبيت المُعد للضيف، قال جل شأنه: ( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ )[النور: 29]. ولقد علّمنا الإسلام أن نُعلم أبناءنا الاستئذان في ثلاث أوقات، قال - تعالى-: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ )[النور: 58]. قال أكثر أهل العلم: إنها آية محكمة واجبة على الرجال والنساء؛ فقد أدّب الله –عز وجل-عباده في هذه الآيات بأن على العبيد والأطفال الذين لم يبلغوا الحلم إلا أنهم يعقلون ما يرون أن يستأذنوا على أهلهم في هذه الأوقات الثلاثة، وهي الأوقات التي هي عرضة للانكشاف: أولها: من قبل صلاة الفجر؛ لأن الناس إذ ذاك يكونون نياماً في فرشهم، وهو أيضاً وقت انتهاء النوم ووقت الخروج عن ثياب النوم ولبس ثياب النهار. الثاني: وقت القيلولة، حين تضعون ثيابكم من الظهيرة؛ لأن الإنسان قد يضع ثيابه في تلك الحال مع أهله. الثالث: من بعد صلاة العشاء؛ لأنه وقت النوم، فيؤمر الأطفال والخدم أن لا يهجموا على أهل البيت في هذه الأحوال؛ لِما يخشى أن تقع أبصارهم على أمر يجب ستره. ومن الآداب عباد الله: تحريم الاطلاع في بيوت الآخرين بغير إذنهم: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من اطلع في بيت قوم بغير إذن ففقئوا عينه فلا دية له ولا قصاص)) [رواه مسلم] ومن الآداب التفريق بين الأولاد في المضاجع، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع)) [أخرجه أبو داود والحاكم]. ومن النصائح لإصلاح البيوت تكوين مكتبة إسلامية مصغرة في البيت، فمما يساعد في تعليم أهل البيت، وإتاحة المجال لتفقههم في الدين وإعانتهم على الالتزام بأحكام الشريعة؛ عمل مكتبة إسلامية في البيت، وليس بالضرورة أن تكون كبيرة، ولكن العبرة بانتقاء الكتب المهمة، ووضعها في مكان يسهل تناولها وحث أهل البيت على قراءتها. أخي الحبيب ليكن لك كتاب في التفسير، وليكن مثلاً تفسير ابن كثير، تفسير ابن سعدي، وكتاب في الحديث، مثل صحيح الكلم الطيب، رياض الصالحين وشرحه نزهة المتقين، وكتاب في العقيدة: مثل كتاب شرح العقيدة الطحاوية تحقيق الألباني، أو سلسلة العقيدة لعمر سليمان الأشقر ثمانية أجزاء، وكتاب في الفقه مثل كتاب فقه السنة والفقه على المذاهب الأربعة، وكتاب في الأخلاق وتزكية النفوس مثل تهذيب مدارج السالكين، الفوائد، الجواب الكافي، وكتاب في السير والتراجم مثل البداية والنهاية لابن كثير، الرحيق المختوم للمباركفوري، وزاد المعاد لابن القيم. وغير هذا كثير من النافع الطيب، وما ذكرناه على سبيل المثال لا الحصر، وهناك في عالم الكتيبات أشياء كثيرة نافعة، سيطول بنا المقام إذا أردنا السرد، فعلى المسلم الاستشارة والتمعن للانتقاء. ومن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين. ومما ننصح به تكوين مكتبة إسلامية صوتية في البيت، فالمسجل في كل بيت سلاح ذو حدين قد يعمل في الخير أو في الشر. فمما يُصلح بيوتنا: عمل مكتبة صوتية في البيت تحوي طائفة من الأشرطة الإسلامية الجيدة، للعلماء والقراء والمحاضرين، والخطباء والوعّاظ. إن سماع أشرطة التلاوة الخاشعة من أصحاب الأصوات الندية له تأثير عظيم على النفوس، وكم لأشرطة الفتاوى من أثر في تفقيه النساء بالأحكام الشرعية التي يتعرضنّ لها يومياً في حياتهنّ. ومما ننصح به لإصلاح البيوت: دعوة الصالحين والأخيار وطلبة العلم لزيارة البيت، وليكن لسان حال الواحد منا كما دعا نوحٍ - عليه السلام -: ( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا )[نوح: 28]. إن دخول أهل الإيمان بيتك يزيده نوراً، ويحصل بسبب أحاديثهم وسؤالهم والنقاش معهم من الفائدة أمور كثيرة، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، وجلوس الأولاد والإخوان والآباء وسماع النساء من وراء حجاب لما يُقال فيه تربية للجميع، وإذا أدخلت رجلاً صالحاً منعت سيّئاً من الدخول والتخريب. عباد الله: من وسائل إصلاح البيوت عدم إظهار الخلافات العائلية أمام الأولاد: أيها المسلمون ليس هناك بيتٌ يخلو من الخصومات والمشاكل، لكن أين الحكمة في حل هذه المشاكل والصلح خير والرجوع إلى الحق فضيلة. ومما يزعزع تماسك البيت، ويضر بسلامة البناء الداخلي هو ظهور الصراعات أمام أهل البيت، فينقسمون إلى معسكرين أو أكثر، ويتشتت الشمل، بالإضافة إلى الأضرار النفسية على الأولاد وعلى الصغار بالذات، فتأمل حال بيت يقول الأب فيه للولد: لا تُكلم أمك، وتقول الأم له: لا تكلم أباك، والولد في دوّامة وتمزق نفسي، والجميع يعيشون في نكد. فلنحرص على عدم وقوع الخلافات، ولنحاول إخفاءها إذا حصلت، ونسأل الله أن يؤلف بين القلوب. ومما ننصح به لإصلاح بيوتنا الدقة في ملاحظة أحوال أهل البيت: من هم أصدقاء أولادك؟ هل سبق أنْ قابلتهم أو تعرفت عليهم؟ ماذا يجلب أولادك معهم من خارج البيت؟ إلى أين تذهب ابنتك ومع من؟ بعض الآباء لا يدري أنّ في حوزة أولاده صوراً سيئة، وأفلاماً خليعة، وربما مخدرات، يتأخر أولاده إلى منتصف الليل لا يسأل عنهم ولا أين يذهبون. وهؤلاء الآباء الذين يهملون أولادهم لن يفلتوا من مشهد يومٍ عظيم، ولن يستطيعوا الهرب من أهوال يوم الدين قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله سائل كل راع عما استرعاه، أحفظ ذلك أم ضيعه حتى يسأل الرجل عن أهل بيته)). [أخرجه النسائي في عشرة النساء ((292)) وصححه ابن حبان ((4492))]. ومما ينشر في البيت الراحة والسعادة الممازحة والملاطفة: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يداعب الأطفال يمسح رؤوسهم، ويتلطف في مناداتهم، ويعطي أصغرهم أول الثمرة، وربما ارتحله بعضهم. وفيما يلي مثالان على مداعبته للحسن والحسين - رضي الله عنهما -، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدلع لسانه لحسن بن علي، فيرى الصبي حُمرة لسانه فيبهش له" أي أعجبه وجذبه فأسرع إليه. [في السلسلة الصحيحة]، وكان يلاطف ويمازح زوجته عائشة - رضي الله عنها - وربما يسابقها. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية: الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه واشهد أن لا اله إلا الله تعظيماً لشانه، واشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه وعلى اله وأصحابه وجميع إخوانه. وبعد عباد الله: ومما نصلح به بيوتنا حفظ أسرار البيوت: وهذا يشمل أموراً منها: أولاً: عدم نشر أسرار العلاقة الزوجية. ثانياً: عدم تسريب الخلافات الزوجية. ثالثاً: عدم البوح بأي خصوصية يكون إظهارها ضرر بالبيت أو أحد أفراده. فأما المسألة الأولى فدليل تحريمها قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها))[أخرجه أحمد ((3/69))، ومسلم ((1437)) بمعناه]. ومعنى يُفضي: أي يصل إليها بالمباشرة والمجامعة كما في قوله - تعالى -: ( وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ )[النساء: 21] ومما يصلح بيوتنا إشاعة خلق الرفق في البيت: فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أراد الله - عز وجل - بأهل بيت خيراً أدخل عليهم الرفق)) وفي رواية أخرى: ((إن الله إذا أحب أهل بيت أدخل عليهم الرفق)). أي صار بعضهم يرفق ببعض، وهذا من أسباب السعادة في البيت، فالرفق نافع جداً بين الزوجين، ومع الأولاد، ويأتي بنتائج لا يأتي بها العنف كما قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على سواه))[رواه مسلم]. ومما نصلح به بيوتنا اختيار الجار قبل الدار، وهذه مسألة تحتاج إلى إفراد لأهميتها، فالجار في عصرنا له مزيد من التأثير على جاره، بفعل تقارب المساكن، وتجمع الناس في البنايات والشقق، والمجمعات السكنية. وقد أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أربع من السعادة وذكر منها: الجار الصالح، وأخبر عن أربع من الشقاء وذكر منها: الجار السوء.. ولخطر الجار السوء كان يتعوذ منه في دعائه فيقول: ((اللهم إني أعوذ بك من جار السوء في دار المقامة فإن جار البادية يتحول عنك ))[رواه ابن حبان في صحيحه وحسنه الألباني في صحيح الأدب: 86]. أي الذي يجاورك في مكان ثابت فإن جار البادية يتحول،. ودار المقام يعني: القرية والمدينة. عباد الله: ومن وسائل إصلاح البيوت عدم إدخال من لا يُرضى دينه وخلقه إلى البيت، روى أبو داود والنسائي عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مثل الجليس الصالح كمثل صاحب المسك، إن لم يصبك منه شيء أصابك منه ريحه، ومثل الجليس السوء كمثل صاحب الكير إن لم يصبك من سواده أصابك من دخانه)). وفي رواية البخاري: ((وكير الحداد يحرق بيتك أو ثوبك أو تجد منه ريح خبيثة)). إيه ورب الكعبة إنه يحرق بيتك بأنواع الفساد والإفساد، فكم كان دخول المفسدين والفاسقين سبب العدوان بين أهل البيت!! وكم فُرِّّق بين الرجل وزوجته بسبب دخول الفاسدين المفسدين!! وكم سبّب دخولهم العداوة بين الأب وأولاده! وما أسباب وضع السحر في البيوت أو حدوث السرقات أحياناً وفساد الخُلُق كثيراً إلا بإدخال من لا يُرضى دينه وخلقه. وإن المرأة تتحمل في البيت جزءً عظيماً من هذه المسؤولية، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثنانا خطبته الجامعة في حجة الوداع: ((فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذنّ في بيوتكم لمن تكرهون)) [رواه الترمذي وهو في صحيح الجامع]. ومما ننصح به أخيراً لإصلاح البيوت: الحذر من دخول الأقارب غير المحارم على المرأة في البيت عند غياب زوجها، ومن ذلك فصل النساء عن الرجال في الزيارات العائلية. اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو فعل أو عمل ونعوذ بك من النار، اللهم إنا نسألك الفردوس الأعلى ونعوذ بك من النار، اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئاً نعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه. اللهم هيئ لنا من أمرنا رشداً واجعلنا هداة مهتدين، اللهم اختم بالصالحات أعمالنا واجعل خير أيامنا يوم لقائك، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك. هذا وصلوا- عباد الله: - على رسول الهدى فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )[الأحزاب: 56].
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |