|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله . ثم أما بعد: فإن الولاء والبراء ركن من أركان العقيدة ، وشرط من شروط الإيمان ، تغافل عنه كثير من الناس وأهمله البعض فاختلطت الأمور وكثر المفرطون . ومعنى الولاء : هو حُب الله ورسوله والصحابة والمؤمنين الموحدين ونصرتهم . والبراء : هو بُغض من خالف الله ورسوله والصحابة والمؤمنين الموحدين ، من الكافرين والمشركين والمنافقين والمبتدعين والفساق . فكل مؤمن موحد ملتزم للأوامر والنواهي الشرعية ، تجب محبته وموالاته ونصرته . وكل من كان خلاف ذلك وجب التقرب إلى الله تعالى ببغضه ومعاداته وجهاده بالقلب واللسان بحسب القدرة والإمكان ، قال تعالى : ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض).الآية. نماذج مضيئة في تحقيق عقيدة الولاء والبراء: لقد حقق سلف هذه الأمة وعلماؤها العاملون عقيدة الولاء والبراء في حياتهم، فكانوا موالين لأهل الإيمان، محبين لهم، ناصرين لهم، وأيضاً أعلنوا بوضوح براءتهم من أهل الكفر، وعدواتهم وبغضهم لهم. وسأعرض لبعض النماذج والأمثلة المشرقة من حياتهم؛ لعلنا نحذو حذوهم ونقتدي بهم. فمن صور تحقيقهم للولاء والبراء: 1 ـ إظهار البراءة من المشركين، ومحبة النبي -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين حتى عند الشدائد والمحن. وأبرز مثال على ذلك قصة زيد بن الدَثِّنة ـ رضي الله عنه ـ الذي اشتراه صفوان بن أمية ليقتله بأبيه أمية بن خلف، فخرجوا بزيد إلى (التنعيم)، حيث اجتمع رهط من قريش فيهم أبو سفيان بن حرب، فقال له أبو سفيان حين قُدِّم ليقتل: أنشدك الله يا زيد: أتحب محمداً عندناالآن في مكانك نضرب عنقه وأنك في أهلك؟ فقال زيد: والله ما أحب أن محمداًالآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه؛ وأني جالس في أهلي. فقال أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً. ثم قتلوا زيداً ـ رضي الله عنه ـ فانظر إلى ولاء زيد ـ رضي الله عنه ـ الصادق للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فهو لا يحب أن يصيب النبي -صلى الله عليه وسلم- شوكة؛ فضلاً عن أن يصيبه ما هو أعظم من ذلك! وها هو أبو الفرج الجوزي يروي لنا قصة الشهيد أبي بكر النابلسي فيقول: أقام (جوهر) القائد لأبي تميم صاحبِ مصر أبا بكر النابلسي فقال له: بلغنا أنك قلت: إذاكان مع الرجل عشرة أسهم وجب أن يرمي في الروم سهماً وفينا تسعة؟ قال: ما قلت هذا؛ بل قلت: إذا كان معه عشرة أسهم؛ وجب أن يرميكم بتسعة وأن يرمي العاشر فيكم أيضاً؛ فإنكم غيرتم الملة، وقتلتم الصالحين، وادعيتم نور الإلهية. فضربه، ثم أمر يهودياً فسلخه، فكان يذكر الله ويقرأ قوله ـ تعالى ـ: {كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا}. ويصبر حتى بلغ الصدر فطعنه، ثم حُشي تبناً، وصُلِب. فتأمل شدة بغض أبي بكر النابلسي ـ رحمه الله ـ لأعداء الدين، وبراءته منهم، وإنكاره علهم، وكيف لم يخَفْ في الله لومة لائم؟! وانظر إلى طريقة أهل الكفر والنفاق في التنكيل بعلماء الإسلام ومحاربتهم! وذلك لما يحملونه في صدورهم الخَربة من بغض المؤمنين وعداوتهم. وهذا ما تواطأت عليه قلوب جميع أعداء الملة، فهم؛ وإن اختلفوا فيما بينهم؛ إلا أنهم يجتمعون في شدة عدواتهم للمسلمين. 2 ـ البراءة من أهل الكفر والمشركين وإن كانوا من الأقربين: وذلك تحقيقاً لقوله ـ تعالى ـ: {لاتَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ...} [المجادلة: قيل إنها نزلت في أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ، حيث سب أبو قحافة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فصكه أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ صكة فسقط منها على وجهه، ثم أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكر ذلك، فقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ: «أوَ فعلته؟! لا تعد إليه» فقال: «والذي بعثك بالحق نبياً، لو كان السيف مني قريباً لقتلته». وقال ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ: «نزلت في أبي عبيدة بن الجراح ـ رضي الله عنه ـ قتل أبـاه عبد الله بن الجراح يوم أحد، [وقيل: يوم بدر]، وكان الجراح يتصدى لأبي عبيدة، وأبو عبيدة يحيد عنه، فلما أكثر؛ قصد إليه أبو عبيدة، فقتله»، وقيل في سبب نزول الآية غيـر ذلـك. بل يصل الأمرُ أحياناً بأولئك الصادقين إلى الرغبة في التمكين من قتل أقربائهم من الكفار؛ ليُرُوا اللهَ منهم خيراً بذلك، وابتغاءً لمرضاته. فها هو النبـي -صلى الله عليه وسلم- عندما استشار الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ في أسرى بدر، فقال: «ما ترى يا بن الخطاب؟» قـال عمـر ـ رضي الله عنه ـ: قلت: والله ما أرى ما رأى أبو بكر؛ ولكن أرى أن تُمكِّنني من فلان [قريب لعمر] فأضرب عنقه، وتُمكِّن علياً من عقيل فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من فلان [أخيه] فيضرب عنقه، حتى يعلم الله أنه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين». وقد روي «أن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قال لسعيد ابن العاص ـ رضي الله عنه ـ إني أراك كأنك في نفسك شيء! أراك تظن أني قتلت أباك؟ إني لو قتلته لم أعتذر إليك من قتله، ولكني قتلت خالي العاص بن هشام بن المغيرة، فأما أبوك فإني مررت به وهو يبحث بحث الثور بروقه؛ فحدت عنه، وقصد له ابن عمه علي فقتله. فقال سعيد بن العاص ـ رضي الله عنه ـ: «لو قتلته لكنت على حق وكان على الباطل» فأعجبه قوله». 3 ـ ثبات المؤمن على عقيدته مع شدة إغراءات أهل الباطل بضمه إليهم: فقد يبذل الحاقدون على المسلمــين إغراءاتهــم وما بوسعهم في سبيل تخلي المسلمين عن دينهم، ويسلكون في ذلك وسائل مختلفة للوصـول إلـى هـذا الهـدف. وفـي قصـة عبد الله بن حذافة السهمي ـ رضي الله عنه ـ ما يدل على ذلك: فإنه قد أُسِر في أحد المعارك مع الروم، فعرض عليه ملك الروم أن يتنصَّر، فرفض، ثم قال له: إن فعلتَ شاطرتُك مُلْكي، وقاسمتك سلطاني، فقال عبد الله: لو أعطيتني جميع ما تملـك وجمــيع ما تملكه العرب على أن أرجع عن ديني طرفة عين؛ ما فعلت ذلك، ثم هدده الملك بالقتل، وصَلَبَه ورماه قريباً من رجليه وقريباً من يديه، وهو يعرض عليه مفارقة دينه، فأبى، فقال له: هل لك أن تقبِّل رأسي وأخلي عنك؟ فقال عبد الله له: وعن جميع أسارى المسلمين أيضاً؟ قال نعم: فقبَّل رأسه، فأمر الملك بإطلاق سراحه وسراح جميع المسلمين المأسورين لديهم، وقدِم بالأسرى على عمر ـ رضي الله عنه ـ فأخبره خبره، فقال عمر: حق على كل مسلم أن يقبِّل رأس ابن حذافة؛ وأنا أبدأ، فقبَّل رأسه. إنها عزة المسلم الحق، وثباته عند الشدائد، وعدم تنازله عن دينه؛ حتى لو أدى ذلك إلى موته. وتأمل حب عبد الله ـ رضي الله عنه ـ لأسرى المسلمين واهتمامه لهم! فإنه لم يغفل عنهم في تلك الظروف الحرجة؛ بل حرص على فكاك أسرهم. والمؤمن مطالب ومأموربولائه لدينه ولرسوله -صلى الله عليه وسلم- وللمؤمنين؛ وإنْ هَجَرَه المؤمنون لسبب من الأسباب المشروعة لذلك. وهذا يذكرنا بما حدث لكعب بن مالك ـ رضي الله عنه ـ الذي هجره المسلمون حتى في رد السلام..، فابتلي في هذا الوقت العصيب بإغراء عظيم من قبل أحد الملوك في ذلك الوقت، فرفـض ذلــك الإغـراء وثبــت ـ رضـي اللـه عنـه ـ. يقول حاكياً ما حدث: «... فبينما أنا أمشي في سوق المدينة؛ إذا نبطي من أنباط أهل الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول: من يدلني على كعب بن مالك؟ فطفق الناس يشيرون له، حتى إذا جاءني؛ دفع إليِّ كتاباً من ملك غسان، فإذا فيه: «أما بعد: فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك، ولـم يجعـلك الله بـدار هـوان ولا مضيعة، فالحقْ بنا نواسِك!» فقلت لما قرأتها: وهذا من البلاء. فتممت بها التنور فسجرته بها...» ، فـرفض ـ رضي الله عنه ـ هذا الود الظاهر في وقت هو فيه أحوج ما يكون إلى من يواسيه ويواليه؛ لكن لِـما قام في قلبه من عظم الولاء لله ولرسوله، والبراءة من أعداء الدين؛ رفض هذه الدعوة التي كشفت له بصيرته ما وراءها، فرفضها وعدَّها بلاءً آخر فكانت عقباه الخير. فكيف أخي المسلم بمن يتنازل عن ثوابت دينه ومعتقده؛ خوفاً من أعداء الدين، أو حباً في مال أو رئاسة في هذه الدنيا الزائلة؟! 4 ـ دور الخلفاء والسلاطين في موالاة المؤمنين ونصرتهم، والبراءة من المشركين ومحاربتهم: وشواهد التاريخ على هذا كثيرة، من ذلك ما يروى من أنه عندما أسر الرومُ أحد المسلمين قال له ملك الروم: ماذا يريد خليفتكم من الإغارة علينا؟ أما تكفيكم بلادكم؟ فأخبره الجندي المسلم أنهم يهدفون إلى نشر الإسلام، وإقامة العدل بين الناس الذي افتقده الناس؛ بسبب بعدهم عن الحق، فغضب عند ذلك البطريرك الذي كان جالساً قرب الملك، وقام من مجلسه وصفع الجندي على وجهه صفعة مؤلمة، وأمر به إلى السجن، ثم بعد ذلك جرى تبادل الأسرى بين المسلمين والروم، وعاد الجندي المسلم إلى أهله، واستدعاه الخليفة وأكرمه، وسمع خبره، ثم أمر بتوجيه بعثة من الجنود تنكَّروا على شكل صيادين حتى وصلواإلى القسطنطينية، فدخلوها، واحتالوا على البطريرك؛ فقبضوا عليه، وجاؤوا به مكبلاً إلـى أن أُدخل على مجلس الخليفة معاوية ـ رضي الله عنه ـ، وكان الجندي الذي أُسِر بجانب الخليفة، فقال له معاوية ـ رضي الله عنه ـ: أهذا هو؟ فقال: نعم يا أمير المؤمنين، فقال له: دونك فاقتص منه! فقال الجندي: بل عفوت عنه يا أمير المؤمنين. فقال معاوية ـ رضي الله عنه ـ للبطريرك: اذهب إلى مَلِكِك، وقل له: إن أمير المؤمنين يقيم العدل ويقتص من الجاني حتى من مملكتك؛ فرضي الله عن معاوية بن أبي سفيان الذي ضرب بتلك الحادثة أروع الأمثلة في مدافعة الحاكم المسلم عن حقوق المسلمين أفراداً وجماعات. وروي أن أحد الجنود المسلمين وقع أسيراً في حوزة الرومان، وأنهم حملوه إلى إمبراطورهم الذي حاول أن يُكْرِهَه على ترك إسلامه، فرفض الأسير المسلم، فأمر الإمبراطور أن تُفقأ عيناه..، وسمع عمر بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ بذلك، فكتب إلى ملك الروم يقول: «أما بعد: فقد بلغني ما صنعت بالأسير المسلم، وإني أقسم بالله لئن لم ترسله إليَّ من فورك لأبعثنَّ إليك من الجند؛ ما يكون أولهم عندك وآخرهم عندي». وعندما وصل الخطاب تراجع ملك الروم أمام هذه العزيمة، وأمر بإعادة الأسير المسلم إلى أهله وقومه. ومن ذلك أيضاً ما اشتهر عن المعتصم في نصرته لتلك المرأة التي صاحت بأعلى صوتها: (وامعتصماه!)؛ حيث كانت ضمن الأسرى عند الروم، فنقل بعضُ الحاضرين هذه الصيحة إلى المعتصم فنهض مردداً: لبيكِ لبيكِ! يا أختاه، وأمر بالنفير العام، واستدعى القضاة والشهود، وأشهدهم على وصيته: أن ماله إذا استُشهد في هذه المعركة يقسّم إلى ثلاثة أقسام: ثُلثه صدقة، وثُلثه لأولاده، وثُلثه لمواليه. وسار بنفسه ومن معه من المسلمين، فحاصر عموريَّة حتى فتحها بعد حصار شديد، وثأر المعتصم من أعداء الله، واسترد كرامة المسلمين، وتبيَّن كيف تكون غضبة الحاكم المسلم إذا انتُهكت حرمات الله. 5 ـ دور علماء الأمة في بيان الولاء والبراء، والحث على تحقيقها وذلك عبر: الفتيا، الرسالة، التصانيف، والردود. يُروى أنه نشأ خلاف كبير بين الأخوين: سلطان الشام الملكُ الصالحُ إسماعيل، وسلطان مصر الملك الصالح نجم الدين أيوب، وكان من نتيجته أن استعان الملك إسماعيل بالصليبيين أعداء الإسلام، وتحالف معهم على قتال أخيه نجم الدين، وأعطاهم مقابل ذلك مدينة صيدا، وكذلك قلعة (صفد) وغيرها؛ بل سمح للصليبيين أن يدخلوا دمشق، ويشتروا منها السلاح وآلات الحرب، وما يريدون! فأثار هذا الصنيعُ المنكر استياءَ علماء الإسلام، فقام سلطانُ العلماء العزُّ بن عبدالسلام وأنكر على السلطان فعلَه ذلك، وأفتى المسلمين بتحريم بيع النصارى السلاح. فسُجن بسبب ذلك. هذا في الفتيا. وشواهد ذلك كثيرة، حفظها لنا التاريخ، وحفظ لنا أيضاً تلك الرسائل التي خطَّها علماء السُّنة اقتداءً بنبيهم -صلى الله عليه وسلم- في مراسلاته للملوك ورؤوس الكفر، كما مر معنا. فقد أرسل شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ رسالةً إلى ملك قبرص (سرجوان) يخاطبه في شأن أسرى المسلمين، فمما ورد في كلامه ـ رحمه الله ـ بعد دعوته للإسلام: «... ومن العجب أن يأسِر النصارى قوماً غدراًأو بغير غدر، ولم يقاتلوهم...، وكلما كثرت الأسرى عندكم كان أعظم لغضب الله وغضب عباده المسلمين؛ فكيف يمكن السكوت على أسرى المسلمين في قبرص؟! فما يُؤمِّنُ الملكَ أن هؤلاء الأسرى المظلومين ببلدته ينتقم لهم ربُّ العباد والبلاد كما ينتقم لغيرهم؟ وما يُؤمِّنُه أن تأخذ المسلمين حميةٌ إسلاميةٌ؛ فينالون منها ما نالوا من غيرها؟...». وهذه الرسالة من شيخ الإسلام للملك النصراني تبين شدة ولائه ـ رحمه الله ـ وحبه للمسلمين، والسعي في تخليص أسراهم من الكافرين)، وفيها بيان لعزِّة المؤمن بقوة إنكاره وشدته على أهل الباطل، وفيها أيضاً بيان لأهمية دور العلماء في الذود عن الحق وأهله أينما كانوا. كذلك فإن أهل العلم حرصوا على التصنيف والتأليف في هذا الموضوع المهم في حياة المسلمين. فمن ذلك: ما قاله الشيخ عبد الله بن سليمان بن حميد ـ رحمه الله ـ في رسالته (الهدية الثمينة في ما يحفظ به المرءُ دينَه)؛ إذ قال ـ رحمه الله ـ: «لـمَّا رأيتما عمّ وطمّ من انقلاب الأكثرين عن دين الإسلام، وموالاتهم لعبدة الأوثان وأعداء الشريعة من: النصارى، والملحدين، والرافضة، حملتني العزة الدينية والشفقة الإنسانية أن أجمع بعض آيات قرآنية وأحاديث نبوية ومن كلام علماء السُّنة المقتدى بهم، نبذةً يسيرةً في بيان تحريم مخالطة المشركين ووجوبالبعد عنهم، وحكم التولي والموالاة والسفر إلى بلادهم، وما يجب على من اضطُّر إلى العمل مع الشركات الأجنبية؛ لتكون تذكرة للمؤمنين وحجة على المعاندين، وسميتها: (الهدية الثمينة في ما يحفظ به المرء دينه)». وأختم هذه النماذج المباركة بإضاءة من حياة سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله ـ الذي كان ينبِّه بين وقت وآخر، في دروسه ومحاضراته وفي ردوده، على وجوب موالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين. ومن ذلك ردّه على ما جاء في أحد الصحف، وهو خبر يتعلق بإقامة صلاة الجمعة في مسجد قرطبة، وذُكر فيه: إن الاحتفال بذلك يعد تأكيداً لعلاقات الأخوة والمحبة بين أبناء الديانتين: الإسلام والمسيحية، فقال ـ رحمه الله ـ في رده عليهم: «... ونظراً إلى ما في هذا الكلام من مصادمةِ الأدلةِ الشرعية الدالة على أنه: لا أخوةَ ولا محبة بين المسلمين والكافرين؛ وإنما ذلك بين المسلمين أنفسهم، وأنه لا اتحاد بين الدينين الإسلامي والنصراني؛ لأن دين الإسلام هو الحق الذي يجب على جميع أهل الأرض المكلفين اتباعُهُ، أما النصرانية فكفرٌ وضلال بنص القرآن الكريم». ومن ذلك قوله ـ رحمه الله ـ: «... فقد نشرت بعض الصحف المحلية تصريحاً لبعض الناس قال فيه ما نصه: «إننا لا نَكِنُّ العداء لليهود واليهودية، وإننا نحترم جميع الأديان السماوية»، ولما كان هذا الكلامُ في شأن اليهود واليهوديةِ؛ يخالف صريحَ الكتاب العزيز والسُّنة المطهرة، ويخالف العقيدةُ الإسلامية، وهو صريح يُخشى أن يغتر به بعض الناس؛ رأيت التنبيه على ما جاء به من الخطأ نصحاً لله ولعباده، فقد دلَّ الكتابُ والسُّنة وإجماع المسلمين على أنه: يجب على المسلمين أن يعادوا الكافرين من اليهود والنصارى وسائر المشركين، وأن يحذروا مودتَهم واتخاذهم أولياء../ نعم.. تـلك أفعال لا أقوال، وحقائق لا أوهام، وتلك نتفٌ يسيرة من سِيَر أقوام، نحسبهم ـ والله حسيبهم ـ رجالاً صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فهلاَّ اتبعنا أثرهم، واقتدينا بهم في هذا الزمان الذي وهنت فيه الأمة، وضعفت شوكتها، وهانت على بنيها قبل أعدائها! وما أصابها ما أصابها إلا من ضعف تحقيق هذا الأصل العظيم: الولاء لله ورسوله والمؤمنين، والبراءة من الكفار والمشركينوأعداء الدين. والولاء والبراء أوثق عرى الإيمان وهو من أعمال القلوب لكن تظهر مقتضياته على اللسان والجوارح ، قال - عليه الصلاة والسلام - في الحديث الصحيح : ( من أحب لله وأبغض لله ، وأعطى لله ومنع لله، فقد استكمل الإيمان ) ( أخرجه أبو داود ). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( إن تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله يقتضي أن لا يحب إلا لله ،ولا يبغض إلا لله ، ولا يواد إلا لله ، ولا يُعادي إلا لله ، وأن يحب ما أحبه الله ، ويبغض ما أبغضه الله ). **** علينا أن نقوي الأصل أما الفرع فمن الأصل يرتوي. والسلام عليكم و رحمة الله. في حفظ الله. ------------ المراجع: السيرة النبوية لابن هشام. سير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي . البداية والنهاية، لابن كثير . الموالاة والمعاداة في الشريعة الإسلامية للشيخ محامس الجلعود . مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام. الدرر السنية مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبد العزيز بن باز . |
#2
|
|||
|
|||
![]() من أحب لله، و أبغض لله، و أعطى لله، و منع لله، فقد استكمل الإيمان.
__________________
![]() |
#3
|
||||
|
||||
![]() موضوع في غاية في غايه الأهمية...بارك الله فيكم
__________________
![]() |
#4
|
|||
|
|||
![]() بارك الله فيك أخي الكريم أبوالشيماء
قرأت هذا الكتاب بل ومحتفظ به لكن لدي سؤال يحيرني ما قولك في المستحدثين في تفسير الولاء والبراء هل يجوز ان ناخذ منهم ؟ فلديا الكتاب الاول الولاء والبراء ولديا كتاب جديد اخذته اسمه الولاء والبراء لكن تفسيره مستحدث يعني المفسرين المستحدثين لما يجري في الساحه وكذلك المستحدثين من المفسرين للقران هل يؤخذ التفسير لما الف له من كتاب الولاء والبراء ام لا ياخذ ؟ وهل يؤخذ تفسير القران من المفسرين المستحدثين ام كما فسره علمائنا الاجلاء الاوائل رحمهم الله وجزاهم خيرا ؟ بارك الله لك
__________________
![]() |
#5
|
||||
|
||||
![]() تعريف الولاء والبراء/ - النهي عن مشابهة الكافرين. - الفرق بين حسن المعاملة والموالاة. - نماذج من صور الولاء والبراء. - التعامل مع الكفار في البيع والشراء. - حكم معايدتهم ونحوه بمناسبة أعياد الميلاد. يعتبر الولاء والبراء من عقيدة الإسلام المهمة في حياة المسلم. فالولاء هو: المحبة والنصرة والكون مع المحبوبين ظاهرًا وباطنًا. والبراء: هو البعد والخلاص والعداوة بعد الإنذار. ولذلك نجد أن كلمة التوحيد (لا إله الله) تثبت ولاء وبراءً، نفيًا وإثباتًا، ولاء لله ودينه، وكتابه وسنة نبيه، وعباده الصالحين، وبراء من كل طاغوت عبد دون الله، {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى } [البقرة:256]، ومن هنا قال العلماء: «أن الولاء والبراء - الولاء لله، والبراء من الكافرين - من لوازم لا إله إلا الله، حيث إنه لما كان أصل الموالاة الحب، وأصل المعاداة البغض، وينشأ عنهما من أعمال القلوب والجوارح ما يدخل في حقيقة الموالاة والمعاداة كالنصرة والمعاونة، كان الولاء والبراء من لوازم لا إله إلا الله، والأدلة على ذلك كثيرة جدًّا فمنها: قال تعالى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ } [آل عمران:28]. وقال تعالى: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} [النساء:89]. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } [المائدة:51]. {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [الممتحنة:4]. أما الأحاديث فمنها: ما رواه أحمد عن جرير بن عبد الله « أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بايَعَهُ على أنْ ينصحَ لكُلِّ مسلمٍ، ويتبرَّأَ من كُلِّ كافرٍ» [رواه أحمد وهو حديث حسن]. وقال صلى الله عليه وسلم: «أَوْثَقُ عُرَى الإيمَانِ الحُبُّ في اللهِ، والبُغْضُ في اللهِ» [أخرجه الطبراني في الكبير، وهو حديث حسن]. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنه قال: «من أحَبَّ في اللهِ، وأبْغَضَ في اللهِ، ووَالَى في اللهِ، وعادَى في اللهِ، فإنَّمَا ينالُ وَلايَةَ اللهِ بذلك، ولن يجدَ عبدٌ طَعْمَ الإيمانِ - وإنَّ الغُرَماءَ صلاتُه وصومُه - حتَّى يكونَ كذلك، وقد صارتْ عامَّةُ مُؤاخاةِ النَّاسِ على أمرِ الدُّنيا، وذلك لا يجدي على أهْلِهِ شيئًا». فقوله رضي الله عنه: (ووالى في الله) هذا بيان للازم المحبة في الله، وهو الموالاة فيه، إشارة إلى أنه لا يكفي في ذلك مجرد الحب، بل لابد من ذلك من الموالاة التي هي لازم الحب، وهي النصرة، والإكرام والاحترام، والكون مع المحبوبين ظاهرًا وباطنًا. وقوله: (وعادى في الله) هذا بيان للازم البغض وهو المعاداة فيه، أي إظهار العداوة بالفعل والجهاد لأعداء الله، والبراءة منهم، والبعد عنهم باطنًا وظاهرًا إشارة إلى أنه لا يكفي مجرد بغض القلب بل لابد مع ذلك من الإتيان بلازمه، كما قال تعالى: { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}، فالمسلم له نسب عريق، وماضٍ طويل، وأسوة ممتد إلى آماد الزمان، وهو راجع إلى إبراهيم لا في عقيدته فحسب، بل في تجاربه التي عاشها كذلك، فيشعر المسلم أنه له رصيدًا من التجارب، فقد مر بما مر به إبراهيم عليه السلام وصحبه، فاتخذ قرارًا ليس جديدًا ولا مبتدعًا ولا تكليفًا يشق على المؤمنين، فهي البراءة من القوم ومعبوداتهم وعباداتهم، وهو الكفر بهم والإيمان بالله، وهي العداوة والبغضاء التي لا تنقطع حتى يؤمن القوم بالله وحده، وهي المفاصلة الحاسمة الجازمة التي لا تستبقي شيئًا من الوشائج والأواصر بعد انقطاع وشيجة العقيدة، وآصرة الإيمان، في هذا فصل الخطاب في مثل هذه التجربة التي يمر بها المؤمن في أي جيل، وفي قرار، { إبْرَاهِيمَ والَّذِينَ مَعَهُ } أسوة لخلفائهم من المسلمين إلى يوم الدين». ومن هنا نجد الإسلام حاسمًا في عدم مشابهة الكفار، لأن مشابهتهم قد تؤدي إلى ولائهم وحبهم، ولذلك يقول الأستاذ محمد أسد النمساوي الذي أسلم وهو خبير بهذه القضية يقول: «... وإن السطحيين من الناس فقط لا يستطيعون أن يعتقدوا أنه من الممكن تقليد مدينة أو أمة ما في مظاهرها الخارجية من غير أن يتأثروا في الوقت نفسه بروحها. إن المدينة ليست شكلاً أجوف فقط ولكنه نشاط حي، وفي اللحظة التي نبدأ فيها بتقبل شكلها تأخذ مجاريها الأساسية ومؤثراتها الفعالة تعمل فينا، ثم تخلع على اتجاهنا العقلي كله شكلاً معينًا، ولكن ببطء من غير أن نلحظ ذلك. ولقد قدر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الاختيار حينما قال: « مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ » وهذا الحديث مشهور ليس إيماءة أدبية فحسب، بل تعبير إيجابي يدل على أن لا مفر من أن يصطبغ المسلمون بالمدينة التي يقلدونها. وإذا حاكى المسلم أوروبا في لباسها وعاداتها وأسلوب حياتها فإنه يكشف عن أنه يؤثر المدينة الأوروبية مهما كانت دعواه التي يعلنها، وإنه لمن المستحيل عمليًّا أن تقلد مدينة أجنبية في مقاصدها العقلية والبديعية من غير إعجاب بروحها، وإنه لمن المستحيل أن نعجب بروح مدينة مناهضة للتوجيه الديني، وتبقى مع ذلك مسلمًا صحيحًا. إن الميل إلى تقليد التمدن الأجنبي نتيجة الشعور بالنقص هذا ولا شيء سواه» انتهى كلامه. فهذا كلام رجل غربي مستشرق عرف الحضارة والمدينة الغربية، وخبر حلوها ومرها، يقول هذا الكلام الواضح، فما بالك بمن يهنئ الكفار في أعيادهم ونحوها. ولذلك أقول إن أصل المشابهة هو أن الله جبل بني آدم بل سائر المخلوقات على التفاعل بين الشيئين المتشابهين، وكلما كانت المشابهة أكثر كان التفاعل في الأخلاق والصفات أتم، والمشاركة بين بني الإنسان أشد تفاعلاً، فلأجل هذا الأصل وقع التأثر والتأثير في بني آدم، فاكتسب بعض أخلاق المشاركة، والمعاشرة، والمشابهة في الأمور الظاهرة، والتي توجب مشابهة في الأمور الباطنة على وجه المسارقة والتدرج الخفي، وكما قال أحد العلماء: «فقد رأينا اليهود والنصارى الذين عاشروا المسلمين أقل كفرًا من غيرهم، كما رأينا المسلمين الذين أكثروا من معاشرة اليهود والنصارى هم أقل إيمانًا من غيرهم ممن جرد الإسلام». ثم إن المشابهة في الهدي الظاهر توجب مناسبة وائتلافًا وإن بعد المكان والزمان وهذا أمر محسوس بل إنها تورث نوع مودة ومحبة وموالاة في الباطن، كما أن المحبة في الباطن تورث المحبة والموالاة، فكيف بالمشابهة في الأمور الدينية، أو التهنئة بعيد الكريسماس الذي يدل على عقيدة دينية عند النصارى. وقد يسأل سائل فيقول: ما الفرق بين حسن المعاملة والموالاة؟ أنا موظف مثلاً في شركة مديرها نصراني فما الفرق بين حسن المعاملة بين المدير والعامل، وبين الموالاة؟ أقول: إن الولاء شيء، والمعاملة شيء آخر، والأصل في هذا قوله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة:8]، وقد اختلف المفسرون في هذه الآية وأرجح الأقوال كما قال ابن جرير هو: أن الله لا ينهاكم عن الذين لم يقاتلوكم في الدين من جميع أصناف الملل والأديان أن تبروهم وتقسطوا إليهم، لأن الله عزَّ وجلَّ عم بقوله: { الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ }، لأن بر المؤمن أحدًا من أهل الحرب ممن بينه وبين قرابة أو نسب أو ممن لا قرابة بينهما ولا نسب غير محرم ولا منهيٍّ عنه إذا لم يكبر في ذلك دلالة على الحب والولاء القلبي. ومما يزيد الأمر إيضاحًا حديث أسماء بنت أبي بكر في البخاري ومسلم لما زارتها أمها وكانت لا تزال مشركة. قال ابن حجر: البر والصلة والإحسان لا يستلزم التحابب والتواد المنهي عنه بقوله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } [المجادلة:22]، ومن هنا يتضح لنا أيها الأخوان في الله: أن الموالاة الممثلة في الحب والنصرة للكافر شيء، وأن النفقة والصلة والإحسان للأقارب الكفار أو الجيران من أجل إسلامهم شيء آخر. وأقول لمن يتهم الإسلام ويميع الدين ويقول: لماذا لا أهنئ الكفار بعيده؟ أقول له: إن الإسلام دين سلامٍ وعقيدة حبٍ، ونظام يستهدف أن يظلل العالم كله بظله، وأن يقيم فيه منهجه، وأن يجمع الناس تحت لواء الله إخوة متعارفين متحابين، وليس هناك من عائق يحول دون اتجاهه هذا إلا عدوان أعدائه عليه وعلى أهله، فأما إذا سالموهم فليس الإسلام براغب في الخصومة ولا متطوع بها كذلك، وهو حتى في حالة الخصومة يستبقي أسباب الود في النفوس بنظافة السلوك، وعدالة المعاملة انتظارًا لليوم الذي يقتنع فيه خصومه بأن الخير أن ينضووا تحت لوائه الرفيع، ولا ييأس الإسلام من هذا اليوم الذي تستقيم فيه النفوس فتتجه هذا الاتجاه المستقيم. وليعلم المسلم أن التسامح يكون في المعاملات الشخصية من براء وشراء وإحسان ووظيفة، لا في التصور الاعتقادي، ولا في النظام الاجتماعي، والمسلم مأمور بأن يتعامل مع اليهود والنصارى، وهو مطالب بإحسان معاملتهم ما لم يؤذوه في الدين، ويباح له أن يتزوج المحصنات منهن، ولذلك فإن حسن المعاملة، وجواز النكاح باليهودية والنصرانية ليس معناه الولاء والتناصر في الدين بتهنئتهم بأعيادهم، وليس معناه الاعتراف ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم دون الإيمان به، وليس بأن يكون الإسلام معه في جهة واحدة لمقاومة الإلحاد، كلا، فهذا لا يقبله الله، إن الإسلام جاء ليصحح عقائد أهل الكتاب، كما جاء ليصحح عقائد الوثنيين سواء، ويدعوهم إلى الإسلام جميعًا، لأن الإسلام هذا هو الدين الذي لا يقبل الله غيره من الناس جميعًا { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85]، وإذا تقررت هذه البديهية فيعرف المسلم أن حسن المعاملة ليس معناه الولاء. نماذج من صور الولاء والبراء: 1- من قصة كعب بن مالك: أنظر إلى هذه العظمة، وهذا الصدق في الولاء والحب للإسلام والمسلمين، لم يقل كعبٌ: هجرني النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، أو مصالحي الشخصية تلتقي مع مصالح ملك غسان، كلا. 2- وفي قصة عبد الله بن حذافة السهمي: دلالة واضحة على عمق الولاء للدين، ورسوخ العقيدة في قلبه. 3- قصة قتل أبي عبيدة لأبيه في غزوة بدر أعظم أثرًا، فلم تمنعه صلة الأبوة من تنفيذ الولاء والنصرة والدين والجهاد، والبراء لعدو الله الذي رضي أن يكون مع الكافرين. 4- زيد بن الدثنة: نموذج للحب والتفاني والولاء لله ورسوله. 5- موقف عبد الله بن عبد الله بن أبي من والده بعد الرجوع من غزوة المريسيع عندما منعه من دخول المدينة إلا بعد أن يأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم له بدخولها. 6- موقف مصعب بن عمير من أمه لما منعت عنه الكسوة والطعام والنفقة. وبعد هذه الأمثلة الرائعة الفذة من سيرة سلفنا الصالح، وبمناسبة الحديث عن قضية الولاء والبراء أنبه على أمر مهم انتشر في حياتنا المعاصرة ألا وهو تهنئة الكفار والنصارى بعيد الكريسماس، فليعلم المسلم: أن تهنئة النصارى بعيد الكريسماس أو شعائر المختصة بهم أن ذلك حرام باتفاق المسلمين جميعًا، وذلك مثل أن يهنأهم بأعيادهم فيقول: عيدك مبارك، أو نهنأ بهذا العيد فهذا معلوم إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثمًا عند الله، وأشد مقتًا من التهنئة بشرب الخمر، وقتل النفس ونحوه، كما قال العلماء: «وقد سئل مجموعة من العلماء هذا السؤال: ما حكم تهنئة الكفار بعيد الكريسماس: وكيف نرد عليهم إذا هنئونا بها، وهل يجوز الذهاب إلى أماكن الحفلات التي يقيمونها بهذه المناسبة، وهل نأثم إذا فعل الإنسان شيئًا من ذلك بغير قصد، وإنما فعله مجاملة أو حياء وإحراجًا أو غير ذلك من الأسباب؟ فأجاب العلماء: تهنئة الكفار بعيد الكريسماس حرام بالاتفاق، لأن في ذلك إقرارًا لما هم عليه من شعائر الكفر، ورضًى به لهم، وإن هو المسلم لا يرضى بهذا الكفر لنفسه، لكن يحرم على المسلم أن يرضى بشعائر الكفر، أو يهنئ بها غيره، لأن الله تعالى لا يرضى بذلك قال تعالى: {إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } [الزمر:7]. وتهنئتهم بذلك حرام سواء كانوا مشاركين للشخص في العمل أو لا، وإذا هنئونا بأعيادهم فلا نجيبهم على ذلك، لأنها ليست بأعياد لنا، ولأنها أعياد لا يرضاها الله تعالى، لأنها إما مبتدعة في دينهم، وإما مشروعة لكن نسخت دين الإسلام الذي بعث الله به محمدًا صلى الله عليه وسلم وإلى جميع الخلق، وقال الله فيه: { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلاَمِ} [آل عمران:85]. وإجابة المسلم دعوتهم بهذه المناسبة حرام، لأن هذا أعظم من تهنئته بها لما في ذلك من مشاركتهم فيها، وكذلك يحرم على المسلمين التشبه بالكفار بإقامة الحفلات بهذه المناسبة، أو تبادل الهدايا، أو توزيع الحلوى، أو أطباق الطعام، أو تعطيل الأعمال ونحو ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فهُوَ مِنْهُمْ »، لأن مشابهتهم في بعض أعيادهم توجب سرور قلوبهم بما هم عليه من الباطل، وربما أطمعهم ذلك في انتهار الفرص، واستذلال الضعفاء. ومن فعل شيئًا من ذلك فهو آثم، سواء فعله مجاملة أو توددًا أو حياءً أو لغير ذلك من الأسباب لأنه من المداهنة في دين الله، ومن أسباب تقوية نفوس الكفار، وفخرهم بدينهم». [أ. هـ الفتوى]. اللهم جنبنا الشرك وأهله، اللهم لا تجعلنا ممن يتشبهون بأعدائك، اللهم احفظ المسلمين من كل ما يخدش عقيدتهم ودينهم، اللهم آمين.
__________________
__________________ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ![]() |
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |