من السنن الإلهية الثابتة التي لا تتبدل ولا تتغير - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         التأمل: دليل للمبتدئين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1146 - عددالزوار : 130252 )           »          الصلاة مع المنفرد جماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          الاكتفاء بقراءة سورة الإخلاص (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          أصول العقيدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          الإسلام يبيح مؤاكلة أهل الكتاب ومصاهرتهم وحمايتهم من أي اعتداء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          تحريم الاعتماد على الأسباب وحدها مع أمر الشرع بفعلها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          تفسير القرآن الكريم ***متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3097 - عددالزوار : 370084 )           »          وليس من الضروري كذلك! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          مساواة صحيح البخاري بالقرآن الكريم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 21-02-2025, 11:48 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,820
الدولة : Egypt
افتراضي من السنن الإلهية الثابتة التي لا تتبدل ولا تتغير

من السنن الإلهية الثابتة التي لا تتبدل ولا تتغير – فقه التعامل مع الفتن (١)


  • الفتن من السنن الإلهية الثابتة التي لا تتبدل ولا تتغير وينبغي لنا أن نتعلم فقهها لنحسن التعامل معها
  • الفتن نوعان: خاصة وهي فتنة الرجلِ في أهلهِ ومالهِ وولدهِ وجارهِ، وفتنة عامة وهي التي تعمُّ الصالحَ والطالحَ والذكرَ والأنثى والكبيرَ والصغيرَ
  • تعدد أحاديث الفتن دليل على حرص النبي صلى الله عليه وسلم على بيان طبيعة الطريق وأنه يلزم الأمة أن تؤهل نفسها للفتن وأن تأخذ بأسباب النجاة منها لأنها من الخطورة بمكان
  • بالرغم من أن الفتن لها آثارها السلبية لكن المؤمن يحولها إلى محضن تربوي يسمو به ويرتقي معه
  • جاءت نصوص الكتاب والسُّنة تحذر من الفتن وأسبابها ودواعيها وهذه الفتن لها أثر سلبيّ كبير على الفرد والمجتمع والأمم وأعظمها تأثيرًا ما كان في الدين
  • المتأمل في واقعنا اليوم يرى حجم الفتن ويرى في مقابلها الجهل بها والزهد في طلب العلم في ظل مناهج كثيرة منحرفة موجودة على الساحة
  • إننا في مرحلة انتقالية حرجة جدا لا نستطيع تجاوزها إلا بالعلم الشرعي والتأهيل الجيد حتى نخرج من الفتن أقوى مما دخلنا فيها
  • حكمة الله تعالى تقتضي أن كل من ادعى الإيمان لنفسه أن يبتلى حتى يميز الصادق من الكاذب
  • كان للصحابة رضي الله عنهم اهتمام خاص بقضية الفتن ولذلك حرصوا على بيان أسباب النجاة منها
الفتن من السنن الإلهية الثابتة التي لا تتبدل ولا تتغير، التي ينبغي أن نتعلم فقهها لنحسن التعامل معها؛ لأننا إن تعاملنا معها بغير علم كان المفقود كبيرا، والأثر وخيما، ولا شك أنَّ واقع أمتنا في مشارق الأرض ومغاربها، ما هو إلا نتيجة لجهل فقه التعامل مع الفتن؛ لذلك فالواجب علينا أن نهتم بهذه القضية ونحرص على توريثها للأجيال لتأمين الطريق لهم، يسيرون عليه بتؤدة، وليورثوا هذا المنهج للأجيال التالية؛ لأنه ما من يوم يمر إلا والفتن تزداد.
وعندما نتحدث عن الفتن فإننا نجد أنَّ منها الخاص ومنها العام، الخاص كفتنة الرجل في أهله وماله وولده، وأما الفتنة العامة فهي التي تصيب الأمة بمجموعها ومن أمثلتها قديمًا وحديثًا، مما وقع ومما لم يقع: ظهور الخوارج، وفتنة القول بخلق القرآن، وظهور مدعي النبوة، وقبض العلم ورفعه، ونزول الجهل وكثرته، وظهور المعازف واستحلالها، وفتنة الدجال، وكثرة القتل.. وغير ذلك مما يصيب الأمة بعامة، والفتن لا تخرج غالبًا عن أصلين، الشهوات والشبهات بوصفهما مادة للامتحان، أي قد تأتي بما في ظاهره الشر، وقد تأتي بما في ظاهره الخير.
أولاً: كيف تَحَدّثَ القرآن عن الفتنة؟
الصحب الكرام مروا بمراحل لا تخفى عليكم، وكأني بهم يشتكون لنبينا - صلى الله عليه وسلم-، فينزل القرآن للفت أنظارهم لهذه القضية المهمة، {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}، (العنكبوت: 2-3)، قال الشيخ السعدي -رحمه الله-: يخبر -تعالى- عن تمام حكمته، وأنها لا تقتضي أن كل من قال: «إنه مؤمن» وادعى لنفسه الإيمان، أن يسلم فيها من الفتن والمحن، ولا يعرض له ما يشوش عليه إيمانه وفروعه، فإنه لو كان الأمر كذلك، لم يتميز الصادق من الكاذب، والمُحق من المبطل، ولكن سنته وعادته في الأولين وفي هذه الأمة، أن يبتليهم بالسراء والضراء، والعسر واليسر، والمنشط والمكره، والغنى والفقر، وإدالة الأعداء عليهم في بعض الأحيان، ومجاهدة الأعداء بالقول والعمل ونحو ذلك من الفتن، التي ترجع كلها إلى فتنة الشبهات المعارضة للعقيدة، والشهوات المعارضة للإرادة، فمن كان عند ورود الشبهات يثبت إيمانه ولا يتزلزل، ويدفعها بما معه من الحق وعند ورود الشهوات الموجبة والداعية إلى المعاصي والذنوب، أو الصارفة عما أمر اللّه به ورسوله، يعمل بمقتضى الإيمان، ويجاهد شهوته، دل ذلك على صدق إيمانه وصحته، ومن كان عند ورود الشبهات يتأثر قلبه شكا وريبا، وعند اعتراض الشهوات تصرفه إلى المعاصي أو تصدفه عن الواجبات، دلَّ ذلك على عدم صحة إيمانه وصدقه.
الابتلاء بالخير والشر
وقال القرآن أيضًا عن الفتنة فقال: {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}، والمعنى باختصار: قد تُبتلى أخي المسلم بما في ظاهره الشر بالنسبة لك وقد يكون في طياته الخير، قال -تعالى-: {وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} وقد تُبتلى بما في ظاهره الخير، مال وأولاد ومناصب ووجاهات ودنيا، ولكن قد يكون فيه الاستدراج، وقد يكون فيه السقوط المُدَوّي والعياذ بالله -تعالى-، وفي كلا الحالين أنت مُمتحَن ومُختبَر ومُبتلَى، ولذلك قد يتطور الامتحان والاختبار والابتلاء ليصل إلى الأموال والأولاد، قال -تعالى-: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ}. بل انظر إلى هذا المعنى الجميل، قد يصل الاختبار إلى حد قد يكون مؤلما، لكن وطّن نفسك على كل الاحتمالات، وبيّن الله -تبارك وتعالى- هذا باختصار ووضوح وجلاء {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا}، سبحان الله! هذا امتحان واختبار وابتلاء أتصبرون عليه؟ وماذا لو جزعتم وتسخّطتم واعترضتم وتململتم؟ لن تغيروا من الأمر شيئا، بل ستخسرون؛ ولذلك اصبروا في الامتحان لتنجوا وتصلوا إلى بر الأمان، وهكذا القرآن تناول الموضوع بهذه الطريقة الرائعة الجميلة البديعة.
فتنة الأنبياء
والمتأمل لحال الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- يجد أنهم تعرضوا لفتن عديدة بأشكالها وأنواعها، قال الله -تعالى عن إبراهيم عليه السلام-: {وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} (الصافات: 104-107)، وقال -سبحانه- لنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا} (الفرقان:20). أما داوود -عليه السلام- فقد أخبرنا القرآن الكريم بالفتنة التي ابتلي بها داود ليعلمه الله-تعالى- أصول الحكم بين الناس قبل أن يوليه خلافة الأرض فقال -سبحانه-: {وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24) فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ}. وأما سليمان -عليه السلام-: فكان أشد ابتلاء بالمُلك من أبيه؛ فلم يكن مفهوم الملك في الدنيا سوى أنه فتنةٌ واختبارٌ من الله له، فهو مجرد سؤالٍ عملي وتجربةٌ ابتلائية، اجتازها سليمان ونجح فيها بالشكر لله، وليكن مثالاً للملك الناجح في ابتلائه وشاهداً يوم القيامة على أمثاله من الملوك والأغنياء، قال -تعالى-: {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ}. أما أيوب -عليه السلام-: فقد قال الله -تعالى في شأنه-: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} {الأنبياء: 83-84}، وقال -سبحانه عن موسى عليه السلام-: {وفتناك فتونا} أي ابتليناك ابتلاءً عظيمًا. أما يوسف -عليه السلام-: فقد تميز بالابتلاء بالجمال الأخاذ الذي عَرضه لفتنة الشهوة من امرأة العزيز قال -تعالى-: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} (يوسف: 23-24).
اهتمام النبي - صلى الله عليه وسلم- بالفتن
لخوف النبي - صلى الله عليه وسلم - على أمته، وعمله لنجاتها، اهتم بطرح قضية الفتن بطريقة عجيبة جدا، تشعرك بأهمية هذه القضية، فعن عمرو بن أخطب عند الإمام مسلم يقول - رضي الله عنه -: «صلَّى بنا رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم- الصُّبحَ، ثمَّ صعِد المِنبَرَ فخطَب حتَّى حضَرتِ الظُّهرَ، ثمَّ نزَل فصلَّى ثمَّ صعِد المِنبَرَ فخطَبَنا حتَّى حضَرتِ العصرُ، ثمَّ نزَل فصلَّى ثمَّ صعِد المِنبَرَ فخطَبَنا حتَّى غابتِ الشَّمسُ، فحدَّثنا بما كان وبما هو كائنٌ فأعلَمُنا أحفَظُنا»، موعظة من الفجر إلى المغرب! الموضوع فعلا جد خطير، كأنها رسالة للأمة، ما كان هذا الحديث في هذه المدة الطويلة؟ والصحابه كأن على رؤوسهم الطير ولم ينصرفوا من المكان، قيل: كان يتحدث عن الفتن، ما كان وما قد يكون منها.
تعدد أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم- عن الفتنة
ولم يفعل النبي - صلى الله عليه وسلم- ذلك مرة واحدة، بل روى لنا عمرو بن العاص - رضي الله عنه - فقال: بينا نحن مع رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم- في سفرٍ؛ إذ نَزَلْنَا منزلًا، فمِنَّا مَن يَضْرِبُ خباءَه، ومِنَّا مَن يَنْتَضَلُ، ومِنَّا من هو في جَشْرَتِه؛ إذ نادى منادي النبيِّ - صلى الله عليه وسلم-: الصلاةُ جامعةٌ، فاجتَمَعْنا فقام النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فخَطَبَنَا فقال: «إنه لم يَكُنْ نبيٌّ قبلي إلا كان حقًا عليه، أن يدلَ أمتَه على ما يَعْلَمَه خيرًا لهم، ويُنْذِرَهم ما يَعْلَمُه شرًا لهم، وإن أمتَكم هذه جُعِلَتْ عافيتُها في أولِها، وإن آخرَها سيُصِيبُهم بلاءٌ وأمورٌ يُنْكِرُونها، تَجِيءُ فتنٌ فيُدَقِّقُ بعضُها لبعضٍ، فتَجِيءُ الفتنةُ فيقولُ المؤمنُ: هذه مُهْلِكَتي، ثم تَنْكَشِفُ، ثم تجيءُ فيقولُ: هذه مُهْلِكَتي، ثم تَنْكَشِفُ، فمَن أحبَّ منكم أن يُزَحْزَحَ عن النارِ، ويُدْخَلَ الجنةَ فلتُدْرِكْه موتَتُه، وهو مؤمنٌ باللهِ واليومِ الآخرِ، وليَأْتِ إلى الناسِ ما يُحِبُّ أن يُؤْتَى إليه، ومَن بايع إمامًا فأعطاه صفقةَ يدِه، وثمرةَ قلبِه، فلْيُطِعْه ما استطاع، فإن جاء أحدٌ يُنازِعُه فاضربوا رقبةَ الآخرِ». وتعددت أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم- عن الفتنة نذكر منها حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: «تكونُ بينَ يديِ السَّاعةِ فِتَنٌ كقطَعِ اللَّيلِ المظلِمِ، يصبِحُ الرَّجلُ فيها مؤمِنًا ويمسي كافِرًا، ويمسي مؤمِنًا ويصبِحُ كافِرًا، يبيعُ أقوامٌ دينَهم بعرَضٍ منَ الدُّنيا»، تأمل المعنى، في أول النهار مؤمن وفي آخره كفر والعياذ بالله، مترنح من شدة الفتنة ولقلة العلم، وعدم التأهيل المبكر لاستقبالها ومعرفتها جيدًا، والأخذ بما يؤدي إلى النجاة منها.
طرح عجيب ومتنوع
طرح عجيب ومتنوع كله يدل على اهتمامه - صلى الله عليه وسلم- بتوريثه هذا العلم الخطير الذي به النجاة بإذن الله -تبارك وتعالى- في الدنيا والآخرة، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم-: «يَتَقارَبُ الزَّمانُ، ويَنْقُصُ العَمَلُ، ويُلْقَى الشُّحُّ، وتَظْهَرُ الفِتَنُ، ويَكْثُرُ الهَرْجُ. قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، أيُّمَ هُوَ؟ قالَ: القَتْلُ القَتْلُ»، إنه حديث مخيف، ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم-: «ستكونُ فتَنٌ، القاعدُ فيها خيرٌ من القائمِ، والقائمُ فيها خيرٌ من الماشي، والماشي خيرٌ من السَّاعي»، إنها فتن من دخلها بغير علم ولا تأهيل مبكر أخذته والعياذ بالله -تعالى-، ونختم بهذا الحديث في الفتن لندخل إلى صلب الموضوع، يقول - صلى الله عليه وسلم-: «تُعرضُ الفتنُ على القلوبِ كالحصيرِ عودًا عودًا، فأيُّ قلبٍ أُشربَها نكتَتْ فيه نكتةٌ سوداءُ فيصيرُ أسودَ مربادًّا كالكوزِ مُجَخِّيًا، لا يعرفُ معروفًا ولا ينكرُ إلا ما أُشرِبَ من هَواه».
بيان طبيعة الطريق
هذه الأحاديث وغيرها الكثير ماذا نفهم منها؟ حرص النبي -عليه الصلاة والسلام- على بيان طبيعة الطريق، وأنه يلزم الأمة أن تؤهل نفسها للفتن، وأن تأخذ بأسباب النجاة منها، لأنها من الخطورة بمكان، ولذلك كان - صلى الله عليه وسلم- حريصا على بيان طبيعة الفتن مرة من الفجر إلى المغرب، ومرة في غزوة أو في السفر حتى مع الإرهاق والشدة والكرب، والناس يميلون إلى الراحة، لكن يجمعهم -صلى لله عليه وسلم- لبيان أهمية الموضوع، إنها قضية تحتاج إلى تذكّر وتدبّر.
الصحابة -رضوان الله عليهم- والفتن
كان للصحابة -رضوان الله عليهم- اهتمام خاص بقضية الفتن، وكانوا دائمي السؤال عنها، فعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: «بيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ عُمَرَ، إذْ قالَ: أيُّكُمْ يَحْفَظُ قَوْلَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في الفِتْنَةِ؟ قالَ: فِتْنَةُ الرَّجُلِ في أهْلِهِ ومَالِهِ ووَلَدِهِ وجَارِهِ، تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ والصَّدَقَةُ، والأمْرُ بالمَعروفِ والنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ قالَ: ليسَ عن هذا أسْأَلُكَ، ولَكِنِ الَّتي تَمُوجُ كَمَوْجِ البَحْرِ، قالَ: ليسَ عَلَيْكَ منها بَأْسٌ يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ، إنَّ بيْنَكَ وبيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا، قالَ عُمَرُ: أيُكْسَرُ البَابُ أمْ يُفْتَحُ؟ قالَ: بَلْ يُكْسَرُ، قالَ عُمَرُ: إذًا لا يُغْلَقَ أبَدًا، قُلتُ: أجَلْ. قُلْنَا لِحُذَيْفَةَ: أكانَ عُمَرُ يَعْلَمُ البَابَ؟ قالَ: نَعَمْ، كما يَعْلَمُ أنَّ دُونَ غَدٍ لَيْلَةً، وذلكَ أنِّي حَدَّثْتُهُ حَدِيثًا ليسَ بالأغَالِيطِ. فَهِبْنَا أنْ نَسْأَلَهُ: مَنِ البَابُ؟ فأمَرْنَا مَسْرُوقًا فَسَأَلَهُ، فَقالَ: مَنِ البَابُ؟ قالَ: عُمَرُ». الشاهد من هذا الأثر أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان يعلم أحاديث الفتن، وكذا حذيفة - رضي الله عنه - ومن كان حاضرًا من الصحابة -رضي الله عنهم-، لكن هذا قطاع عريض من التابعين يجب أن يورثوا هذا العلم، فكان هذا الطرح ما بين عمر وحذيفة ليورث هذا العلم إلى التابعين، ولذلك نقل إلينا هذا المشهد. مشهد آخر تشعر فيه أن هذه القضية كانت حاضرة عند الصحابة والتابعين، الزبير بن عباده - رضي الله عنه - يحكي فيقول: عن الزُّبيْرِ بنِ عديِّ قَالَ: أَتَيْنَا أَنس بن مالكٍ - رضي الله عنه - فشَكوْنا إليهِ مَا نلْقى مِنَ الْحَجَّاجِ. فَقَالَ: «اصْبِروا فإِنه لا يأْتي زمانٌ إلاَّ والَّذي بعْده شَرٌ مِنهُ حتَّى تلقَوا ربَّكُمْ» سمعتُه منْ نبيِّكُمْ - صلى الله عليه وسلم-. يا سبحان الله! هؤلاء رجال أرادوا أن يورثوا هذا المفهوم إلى التابعين، ويدعوهم للصبر، على الجملة؛ فالغربة تشتد مع مرور الأيام هذا متفق عليه عند السلف -رضي الله عنهم وأرضاهم-، ولذلك حرص السلف على بيان أسباب النجاة من الفتن، وهذا هو المقصد الذي نتحدث فيه الآن.
واقعنا اليوم
والمتأمل في واقعنا اليوم يرى حجم الفتن، ويرى في المقابل زهادة في طلب العلم، مناهج كثيرة منحرفة موجودة على الساحة، ناهيك عمن يسقطون أحاديث الفتن والملاحم على مثل هذا الواقع المختلف تمامًا افتئات وافتراء على الله -عزوجل- وعلى رسوله - صلى الله عليه وسلم- وعلى أهل العلم من السلف الصالح، لكن الذي أريد أن أقول: نحن فعلا -لضعف الإيمان، ولقلة الأعوان، ولشدة الغربة، ولكثرة الفتن-، نحتاج أن نحصّن أنفسنا، لقد تعلمنا من هذا المنهج المبارك أن التأهيل المبكر، والإعداد الجيد لأنفسنا، يحول بيننا وبين الفتن المتتابعة والمتلاحقة كما قلنا -عوداً عودا- تموج كموج البحر. إننا في مرحله انتقالية حرجة جدا، لا نستطيع تجاوزها إلا بالعلم الشرعي والتأهيل الجيد حتى نخرج من الفتن أقوى مما دخلنا فيها، ونتمكن -بعون الله وتوفيقه- من التزود منها، فالبرغم من أن الفتن لها آثارها السلبية، لكن المؤمن -والمؤمن فقط- هو الذي يحولها إلى محضن تربوي يسمو به ويرتقي معه.


اعداد: الشيخ شريف الهواري





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 18-03-2025, 10:23 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,820
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من السنن الإلهية الثابتة التي لا تتبدل ولا تتغير

من السنن الإلهية الثابتة التي لا تتبدل ولا تتغير – فقه التعامل مع الفتن (2)


  • بينت الشريعةَ الإسلاميّة أسباب النجاة والسلامة من الفتن قبل وقوعها كما أوضحت السبل التي ترفع أضرارها وآثارها بعدَ حُلولِها ورسمت للأمة المسارَ الصحيحَ للتعامل معها
  • نريد أن نحقق التزكية في أسمى معانيها من خلال هذه المعاني الإيمانية الجميلة للتصفية والتخلية والتحلية وذلك بالمحاسبة والمجاهدة حتى نوجد نفسا تقية زكية نقية
  • العلم النافع هو المصدر الرئيس للبصيرة والنور والهداية والتوفيق بعون الله عزوجل وللوصول للأحسن والأنفع والأكمل في الدنيا والآخرة
  • خلاصة العقيدة أنها تعطينا اليقين في الله تبارك وتعالى في دينه وفي ملائكته وفي خبره تبارك وتعالى وفي خبر نبيه [ الذي صحّ به الدليل
  • العلم بالدين عقيدة وشريعة من أعظم أسباب النجاة من الفتن والنجاة في الآخرة بعون الله وتوفيقه
  • التقوى بمعناها العملي أن توجد حيث أمرت وأن تفتقد حيث نهيت وأن تكون رهن الإشارة وطوع الأوامر، وأن تحقق الاستسلام والخضوع والانقياد لله عز وجل ولرسوله ظاهرا وباطنا
  • الخوف من الله عزوجل سراج في القلب يبصر به العبد الخير من الشر
ما زال الحديث مستمرا عن فقه التعامل مع الفتن؛ حيث ذكرنا أنها من السنن الإلهية الثابتة التي لا تتبدل ولا تتغير، وينبغي أن نتعلم فقهها لنحسن التعامل معها؛ لأننا إن تعاملنا معها بغير علم كان المفقود كبيرا، والأثر وخيما، ولا شك أنَّ الواقع المرير لأمتنا في مشارق الأرض ومغاربها، ما هو إلا نتيجة لجهل فقه التعامل مع الفتن؛ لذلك فالواجب علينا أن نهتم بهذه القضية ونحرص على توريثها للأجيال التالية لتأمين الطريق لهم، يسيرون عليه بتؤدة، وليقوموا أيضا بتوريث هذا المنهج للأجيال التالية؛ لأنه ما من يوم يمر إلا والفتن تزداد.
وقد ذكرنا كيف تحدث القرآن عن الفتن، وكيف أن الابتلاء يكون بالخير والشر، وتحدثنا عن حال الأنبياء وكيف أنهم كانوا أشد الناس بلاءً، ثم بينا الفتنة في أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذكرنا حال الصحابة -رضوان الله عليهم- مع الفتن، ثم تحدثنا عن حجم الفتن في واقعنا اليوم، وذكرنا أننا في مرحلة انتقالية حرجة جدا، لا نستطيع تجاوزها إلا بالعلم الشرعي والتأهيل الجيد حتى نخرج من الفتن أقوى مما دخلنا فيها.
أسباب النجاة من الفتن
لقد بينت الشريعة الإسلاميّة أسباب النجاة والسلامة من الفتن قبل وقوعها، كما أوضحت السبل التي ترفع أضرارها وآثارها بعدَ حُلولِها، ورسمت للأمة المسارَ الصحيحَ للتعامل معها، فينبغي للمسلم أن يعرف هذه الأسباب الشرعية التي تَقِيْهِ -بإذن الله- من غوائل الفتن وشرورها، ومن هذه الأسباب ما يلي:
أولاً: الاهتمام بصلاح القلب
بما أن الفتن أول ما تُعرض، تُعرض على القلوب كعرض الحصير عودًا عودًا كما بينا؛ لذلك السلف اهتموا بالقلب والحرص على سلامة هذا القلب، والنظر فيه هل هو سليم أم مريض أم ميت والعياذ بالله -تعالى-؟ لأنك تحتاج إلى قلب سليم على الدوام على الجملة وخصوصًا عند الفتن، القلب السليم من الشرك والنفاق والكبر والعجب والغرور والحقد والحسد والبغض والكراهية، نحتاج إلى قلب سليم ليكون محلا صالحًا للعقيدة التي سنتكلم فيها. ولذلك: ما أخبار قلبك؟ هل هو فعلا سليم؟ كيف يساس القلب السليم وكيف يحافظ عليه؟ لأن الباطل حريص على أن يدخل من أبوابه المعروفة الشهوات والشبهات، فلذلك سلامة قلبك في سيرك إلى الله من أعظم أسباب نجاتك، وإلا فإن كان قلبك على الشاكلة الثانية كالكوز المرباد المجخي، فهذا خطر عظيم يزداد سقوطه مع الفتن، أما إن كان من النوع الأول الذي هو أبيض كالصفا لا تضره فتنة، بل يسمو ويرتقي معها بإذن الله -تبارك وتعالى-.
وقفة مع النفس
إننا نحتاج أن نقف وقفة مع أنفسنا، هل هي أمّارة أم لوّامة أم مطمئنة؟ تعرّف عليها جيدًا، تعلم فن ترويضها كيف تروض الغرائز التي فيك؟ كيف تروض الجوارح التي أودعها -تبارك وتعالى- فيك؟ لأنك تحتاج إلى ربط بين الظاهر والباطن، بين القلب وبين الغرائز والجوارح، ليكون هناك تناغم وتكامل في حال الفتن وفي حال غيرها، حتى تكون وحدة واحدة، لا أن يكون عندك انفصام في الشخصية أو عندك اضطراب أو عندك تردد وحيرة وارتباك، وهذا لن يكون إلا حينما تتعلم فن ترويض الغرائز، كيف تُروّض بمنهج من خلقها وتوظف التوظيف الصحيح لتكون بفضل الله -تبارك وتعالى- مراسيل خير لقلبك، فيطمئن ويسمو ويرتقي.
ترويض الجوارح
ثم تنظر إلى جوارحك وكيف تجعلها رسل خير لقلبك؟ السمع والبصر واللسان إلى آخره. كيف تقوم بترويضها بمنهج مَن خلقها؟ هل تعرفون أين محل المعركة؟ إننا في معترك خطير لإدارة الغرائز والجوارح فمناهج الشرق ومناهج الغرب تتزاحم على غرائزنا وعلى جوارحنا لتديرها. ولذلك إن تعلمت فن ترويض الغرائز والجوارح بمنهج مَن خلقها وقمت بربطها، أي بربط الظاهر بالباطن حدث عندك هذا التناغم المطلوب الذي يعطيك وحدة واحدة، تكون قادرا عندها على المسألة الثالثة والمهمة وهي العملية التزكوية المستدامة لنفسك من خلال منهج السلف، نريد أن نحقق التزكية في أسمى معانيها من خلال هذه المعاني الإيمانية الجميلة، تصفية، وتخلية، وتحلية، من خلال المحاسبة والمجاهدة حتى نوجد نفسا تقية زكية نقية، تكون فعلا لديها تكامل وتناغم بين الظاهر والباطن، فتكون رهن الإشارة وطوع الأوامر، هذا كله نسميه مرحلة الإعداد المبكر والتأهيل المبكر لأنفسنا سواء للظاهر أم للباطن، وللغرائز أم الجوارح، تصفية وتخلية وتحلية، من خلال محاسبة ومن خلال مجاهدة، قمة الاستعداد لنيل الفلاح، {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}. {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}، إن شاء الله ستكون على بداية الطريق المستقيم الذي لا تضرك معه فتنة بإذن الله -تبارك وتعالى-.
ثانيًا: العلم النافع
من الآثار الرائعة التي وقفت عليها ما جاء عن أبو مسعود - رضي الله عنه - عندما سأل حذيفة - رضي الله عنه -: يا أبا عبدالله، أتخشى أن تكون هذه فتنة حين طرد الناس سعيد بن العاص؟ قال له حذيفة: أما تعرف دينك يا أبا مسعود؟ قال: بلى. قال: فإنها لا تضرك الفتنة ما عرفت دينك، إنما الفتنة إذا اشتبه عليك الحق والباطل فلم تدر أيهما تتبع، فتلك الفتنة! العلم النافع هو المصدر الرئيس للبصيرة، والنور، والهداية، والتوفيق بعون الله -عزوجل-، للوصول للأحسن والأنفع والأكمل لك في الدنيا والآخرة، ولذلك العلم! العلم! به تتميز، {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}.
العلم بالدين عقيدة وشريعة
العلم بالدين عقيدة وشريعة من أعظم أسباب النجاة من الفتن، لتنجو في الآخرة بعون الله وتوفيقه، ولم لا؟! وبالعلم وحده ستصح لك العقيدة، عقيدة التوحيد والإيمان، ستتعرف على ربك، من خلال أصول الإيمان التي عندك تتعرف عليه -سبحانه وتعالى-، كيف تؤمن به وبملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، كيف تؤمن به؟ أي كيف تؤمن بوجوده من خلال الأدلة الشرعية. كيف تؤمن بربوبيته؟ هو الخالق المالك المدبر المعطي المانع الخافض الرافع المعز المذل الخ. كيف تؤمن بأسمائه وصفاته؟ كيف تتعبد إليه بمقتضاها؟ كيف تجعل لنفسك منها نصيبا؟ كيف تؤمن باستحقاقه للإلهية؟ توحيد القصد والطلب، حتى تكون رهن الإشارة وطوع الأوامر، ثم كيف تؤمن بالملائكة وتوقّر وتُقدّر هذا المخلوق العظيم الذي سُخّر لإدارة شؤون الكون من أجلك؟ وهناك تماس بينك وبين كثير من الملائكة كرقيب وعتيد والكرام الحافظين، ما العلاقة؟! وما المردود وما الأثر؟ كيف تؤمن بالكتب، بالقرآن؟ كيف تؤمن بالرسل، بالنبي -[-؟ كيف تؤمن باليوم الآخر؟ بدءا من الموت مرورا بالقبر روضة أو حفرة ثم البعث والحشر والعرض والميزان والصراط والجنة والنار، هذه معان تكون حاضرة عندك، سبحان الله، كيف تؤمن بالقضاء والقدر بخيره وشره؟ حتى تكون مطمئنا في سيرك إلى الله -تبارك وتعالى- غير منزعج ولا متسخط ولا معترض.
أصول الإيمان الستة
أصول الإيمان الستة لو تمت بيقين في الله -تبارك وتعالى-، وفي وحييه المباركين -سبحانه وتعالى-، لا شك هذا اليقين هو الذي نبحث عنه كي نستقر ونثبت، لنتمكن من البذل والتضحية والعطاء والعمل المتواصل واحتمال الأذى والصبر، والأعظم الاحتساب لما قد نلاقي في سيرنا إلى الله -عز وجل.
خلاصة العقيدة
خلاصة العقيدة أنها تعطينا اليقين، فاليقين في الله -تبارك وتعالى-، في دينه، في ملائكته، في خبره -تبارك وتعالى-، في خبر نبيه - صلى الله عليه وسلم - الذي صحّ به الدليل، فهذا اليقين إذا صحّ في هذا القلب السليم الذي قمنا بتأهيله مع تلك النفس السوية التقية النقية فإن اليقين بفضل الله -عزوجل- سينتج لك الإخلاص، والإخلاص ينجيك من الفتن، واليقين إذا أنتج لك الإخلاص، أنتج لك المحبة، فتحب ربك، وتحب ما يحب -سبحانه وتعالى-، وهذا بفضل الله -عزوجل- يجعلك أكثر ثباتا وطمأنينة في سيرك إليه؛ لأنك في الخير وفي الشر تعلم أنك مطالب أن تتعامل بحسن أدب، فاليقين يولّد الإخلاص فيولّد المحبة فيولد الخوف والخشية.
معان متقاربة تعطي سراجا للقلب
فالخوف والخشية والوجل والرهبة، هذه معان متقاربة، تعطي سراجا في قلبك كما قال بعض السلف: الخوف من الله -عزوجل-، والخشية من الله -عزوجل- سراج في القلب، يبصر به العبد الخير من الشر، قلبك سيضيء، وستبصر طريقك كما ينبغي، وتستطيع السير بتؤدة كما يقولون. فلو أن اليقين أتى بإخلاص وأتى بمحبة وأتى بخوف وخشية، سيأتي برجاء، ما معنى الرجاء؟ أي يأتي بأمل، بثقة، فلا تنهزم ولا تُحبط ولا تيأس، فأنت تعرف ربك، فأنت مطمئن له على كل حال، فهذا الرجاء يوصلك إلى التوكل الحقيقي على الله -تبارك وتعالى- أخذًا بالأسباب المشروعة التي في مقدورك وفي وسعك وأنت في غاية الطمأنينة؛ لأن الوكيل هو القيّم والكفيل على شؤون خلقه في الدنيا والآخرة {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}، ولذلك تتوكل على الله -تعالى- أيا كانت الفتن، وبالتوكل لا تخرج من الفتن إلا أقوى وأثبت بإذن الله -تبارك وتعالى-.
المصدر الرئيس لإعطائك التقوى
هذه المعاني مجتمعة هي المصدر الرئيس لإعطائك التقوى، والنور الأسمى الذي به تسير في ظلمات الفتن بطمأنينة لا نظير لها، فالتقوى منتج من العبادات القلبية الراقية جدا التي تحول الإيمان لواقع عملي متحرك لتفعيل حقيقي للشريعة؛ لأن الدين عقيدة وشريعة، والإيمان غيب، شيء باطن، كيف يتحول لواقع عملي؟ بالإذعان للشريعة، كيف يتم الإذعان للشريعة؟ كيف تكون رهن الإشارة وطوع الأوامر؟ إنه بقوة هذا الإيمان، فالتقوى هي السبيل والموصل لهذا المعنى العظيم.
علاقة التقوى بالفتن
ولتوضيح علاقة التقوى بالفتن انظر إلى قوله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا}. قال ابن عباس: أي بصيرة ونورا تبصرون به الطريق، تفرقون به بين الحق والباطل، بين الغث والثمين، بين السنة والبدعة، فالتقوى تعطي البصيرة، وحسبك -يا عبدالله- أنك بها تدعّم من موقف قلبك ونفسك في حال الفتن؛ لأنك استمطرت معاني عظيمة ما أحوجك إليها! قال: بالتقوى سيحبك الله {فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}، بالتقوى ستُحصّل المعية الخاصة الحفظ والرعاية والنصر والتمكين {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا}، {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}، بالتقوى ستُحصّل الولاية الخاصة {وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ}، ولو حصلت المحبة والمعية والولاية ستحصل على النجاة {وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}، {وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا}. وبتحصيل تقوى الله -عزوجل- والفتن ضاغطة والأجواء كما تشاهدون وأنت تحتاج إلى أن تظبط الحركة في وقت الفتنة -التقوى ستيسر لك هذا الموضوع بطريقة عجيبة جدا- {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}، {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}، كيف تستمطر البركات؟ {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}، فمن الممكن أن تكون وقت الفتن مشغولًا بالذرية والأولاد ومستقبلهم ومنهك ومرهق وتفكر في مستقبل أولادك، {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا}. ثم بعد ذلك لو نظرت نظرة سيهون عليك ما تلاقي في وقت الفتن؛ لأنك تنتظر ما هو أعظم في الآخرة وذلك بالتقوى، {وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}، {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}، {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ}، {وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا}. فلو أنك فعلا استوعبت خطورة المرحلة وكثرة الفتن، فستتقي الله. ولذلك التقوى بمعناها العملي أن توجد حيث أمرت، وأن تفتقد حيث نهيت، وأن تكون رهن الإشارة وطوع الأوامر، وأن تحقق الاستسلام والخضوع والانقياد لله -عز وجل- ولرسوله ظاهرا وباطنا في الأقوال وفي الأفعال، في السر وفي العلن، في الرضا وفي الغضب، في السراء وفي الضراء، في الليل وفي النهار، في البيت وفي الطريق وفي السوق وفي كل مكان، لابد أن تستحضر هذا المعنى.


اعداد: الشيخ شريف الهواري





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 77.34 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 75.25 كيلو بايت... تم توفير 2.09 كيلو بايت...بمعدل (2.71%)]