كرم النبي صلى الله عليه وسلم وسخاؤه وعظم عطائه وكثرته - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         معرفة الحق في فِطر الخلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          الدعاء والذكر عند قراءة القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 6 - عددالزوار : 754 )           »          شرح كتاب الحج من صحيح مسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 67 - عددالزوار : 54796 )           »          الغش والتزوير لنيل الشهادات العلمية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          حكم التيمّم حال وجود الماء ووقت جوازه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          الواجب على من نسي سجوداً في صلاته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          القضاء والقدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          التحايل على غير المسلمين في المعاملات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          التحذير من شرّ شخص من الغيبة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          ترْكُ الأولاد نائمين في صلاة الفجر لضيق الوقت (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث > ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 20-03-2023, 02:26 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,980
الدولة : Egypt
افتراضي كرم النبي صلى الله عليه وسلم وسخاؤه وعظم عطائه وكثرته

كرم النبي صلى الله عليه وسلم وسخاؤه وعظم عطائه وكثرته
محمد حامد موسى

قَالَ أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: خَرَجْتُ لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِي، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي وَحْدَهُ، وَلَيْسَ مَعَهُ إِنْسَانٌ، قَالَ: فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يَكْرَهُ أَنْ يَمْشِيَ مَعَهُ أَحَدٌ، قَالَ: فَجَعَلْتُ أَمْشِي فِي ظِلِّ القَمَرِ (أَيْ: فِي الْمَكَانِ الَّذِي لَيْسَ لِلْقَمَرِ فِيهِ ضَوْءٌ لِيُخْفِيَ شَخْصَه، وَإِنَّمَا اسْتَمَرَّ يَمْشِي لِاحْتِمَالِ أَنْ يَطْرَأ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَاجَةٌ فَيَكُونُ قَرِيبًا مِنْهُ)، فَالْتَفَتَ فَرَآنِي، فَقَالَ: «مَنْ هَذَا»، قُلْتُ: أَبُو ذَرٍّ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ، تَعَالَهْ» قَالَ: فَمَشَيْتُ مَعَهُ سَاعَةً فِي حَرَّةِ المَدِينَةِ (مَكَان مَعْرُوف بِالْمَدِينَةِ مِن الْجَانِبِ الشَّمَالِيِّ مِنْهَا, وَقِيلَ: الْحَرَّةُ: الْأَرْض الَّتِي حِجَارَتُهَا سُود، وَهُوَ يَشْمَلُ جَمِيعَ جِهَاتِ الْمَدِينَة الَّتِي لَا عِمَارَةَ فِيهَا)، فَاسْتَقْبَلَنَا أُحُدٌ، فَقَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ» قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «مَا يَسُرُّنِي أَنَّ عِنْدِي مِثْلَ أُحُدٍ هَذَا ذَهَبًا، تَمْضِي عَلَيَّ ثَالِثَةٌ (أَيْ: تمرُّ عليَّ ثلاثة أَيْام) وَعِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ، إِلَّا شَيْئًا أَرْصُدُهُ لِدَيْنٍ، إِلَّا أَنْ أَقُولَ بِهِ فِي عِبَادِ اللَّهِ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا» عَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ شِمَالِهِ، وَمِنْ خَلْفِهِ (أَيْ: جَمِيع وُجُوه الْمَكَارِم وَالْخَيْر)، ثُمَّ مَشَى، فَقَالَ: «إِنَّ المُكْثِرِينَ هُمُ المُقِلُّونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، إِلَّا مَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ خَيْرًا، فَنَفَحَ فِيهِ (أَيْ: ضَرَبَ يَدَيْهِ فِيهِ بِالْعَطَاءِ) يَمِينَهُ وَشِمَالَهُ وَبَيْنَ يَدَيْهِ وَوَرَاءَهُ، وَعَمِلَ فِيهِ خَيْرًا - وَقَلِيلٌ مَا هُمْ»...[1].

وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَمُوذَجًا فَرِيدًا فِي السَّخَاءِ، فَكَانَ أكثرَ النَّاسِ بذلًا لِمَا يَقدِرُ عَليهِ؛ وَلِذَلكَ يَقَولُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَعَبْدُاللَّهِ بْن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ)[2]، وَهُوَ أَيْضًا مَا يَشْهَدُ بِهِ حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حِينَ قَالَ: «مَا سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ فَقَالَ: لَا»[3]، وَقَدْ بَلَغَ مِنْ كَرَمِهِ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ رُبَّمَا أَخَّرَ الصَّلاةَ حَتَّى يَقْضِيَ لِلسَّائِلِ حاجَتَهُ، يَقَولُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحِيمًا، وَكَانَ لَا يَأْتِيهِ أَحَدٌ إِلَّا وَعَدَهُ، وَأَنْجَزَ لَهُ إِنْ كَانَ عِنْدَهُ، وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، وَجَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَأَخَذَ بِثَوْبِهِ، فَقَالَ: إِنَّمَا بَقِيَ مِنْ حَاجَتِي يَسِيرَةٌ، وَأَخَافُ أَنْسَاهَا، فَقَامَ مَعَهُ حَتَّى فَرَغَ مِنْ حَاجَتِهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ فَصَلَّى"[4].

كَان صلى الله عليه وسلم يُعْطِي عَطَاءَ مَنْ لَا يَخَافُ الْفَقْرَ:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يُسْأَلُ شَيْئًا عَلَى الْإِسْلَامِ[5]، إِلَّا أَعْطَاهُ»، قَالَ: فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ، «فَأَمَرَ لَهُ بِشَاءٍ كَثِيرٍ بَيْنَ جَبَلَيْنِ (أَيْ: كَثِيرَةً كَأَنَّهَا تَمْلَأُ مَا بَيْنَ جَبَلَيْنِ) مِنْ شَاءِ الصَّدَقَةِ»، قَالَ: فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ: يَا قَوْمِ أَسْلِمُوا، فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءً مَا يَخْشَى الْفَاقَةَ (هِيَ الْفَقْرُوالحَاجَةُ)، فَقَالَ أَنَسٌ: «إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيُسْلِمُ مَا يُرِيدُ إِلَّا الدُّنْيَا، فَمَا يُسْلِمُ حَتَّى يَكُونَ الْإِسْلَامُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا»[6].

كَان صلى الله عليه وسلم لا يَرُدُّ سَائِلًا:
فَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبُرْدَةٍ، فَقَالَ سَهْلٌ لِلْقَوْمِ: أَتَدْرُونَ مَا البُرْدَةُ؟ فَقَالَ القَوْمُ: هِيَ الشَّمْلَةُ (كِسَاءٌ يُشْتَمَلُ بِهِ، وَالْاِشْتِمالُ: إِدَارَةُ الثَّوْبِ عَلَى الْجَسَدِ كُلِّهِ)، فَقَالَ سَهْلٌ: هِيَ شَمْلَةٌ مَنْسُوجَةٌ فِيهَا حَاشِيَتُهَا (طَرَفُهَا أَوْ هُدْبُهَا؛ أَيْ: إِنَّهَا جَدِيدَةٌ لَمْ تُقْطَعْ مِنْ ثَوْبٍ أَوْ لَمْ يَتَقَطَّعْ هُدْبُهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُسْتَعْمَلْ)، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي نَسَجْتُ هَذِهِ بِيَدِي أَكْسُوكَهَا، فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْتَاجًا إِلَيْهَا، فَخَرَجَ إِلَيْنَا وَإِنَّهَا لَإِزَارُهُ، فَجَسَّهَا (فَمَسَّهَا بِيَدِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ: (فَحَسَّنَهَا) وَصَفَهَا بِالحُسْنِ) رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اكْسُنِيهَا، قَالَ: «نَعَمْ»، فَجَلَسَ مَا شَاءَ اللَّهُ فِي المَجْلِسِ، ثُمَّ رَجَعَ فَطَوَاهَا، ثُمَّ أَرْسَلَ بِهَا إِلَيْهِ، فَلامَهُ أَصْحَابُهُ، قَالُوا: مَا أَحْسَنْتَ حِينَ رَأَيْتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَهَا مُحْتَاجًا إِلَيْهَا، ثُمَّ سَأَلْتَهُ إِيَّاهَا، وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ لا يَرُدُّ سَائِلًا، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَاللَّهِ، مَا سَأَلْتُهَا إِلَّا لِتَكُونَ كَفَنِي يَوْمَ أَمُوتُ، رَجَوْتُ بَرَكَتَهَا حِينَ لَبِسَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ سَهْلٌ: فَكَانَتْ كَفَنَهُ[7].

عَدَم ادِّخَارِهِ صلى الله عليه وسلم شيئًا مِنَ المَالِ يَزِيدُ عَنْ حَاجَتِهِ وَشَفَقَته أَنْ يُدْرِكَهُ الْمَوْتُ وَعِنْدَهُ ذَلِكَ:
مَوقِفُهُ صلى الله عليه وسلم مَعَ أُمِّ سَلَمَةَ وَعَائِشَةَ رضي الله عنهما:
فَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ سَاهِمُ الْوَجْهِ، قَالَتْ: فَحَسِبْتُ ذَلِكَ مِنْ وَجَعٍ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَاكَ سَاهِمَ الْوَجْهِ، أَفَمِنْ وَجَعٍ؟ فَقَالَ: «لَا؛ وَلَكِنَّ الدَّنَانِيرَ السَّبْعَةَ الَّتِي أُتِينَا بِهَا أَمْسِ، أَمْسَيْنَا وَلَمْ نُنْفِقْهَا، نَسِيتُهَا فِي خُصْمِ (أَيْ: طرف أو جَانِب) الْفِرَاشِ»[8].

وَمِثلُ ذَلِكَ وَرَدَ أَيضًا، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها؛ حَيثُ قَالَتْ: أَمَرَنِي نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِذَهَبٍ كَانَتْ عِنْدَنَا فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، قَالَتْ: فَأَفَاقَ، فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ، مَا فَعَلَتْ تِلْكَ الذَّهَبُ»؟ قَالَتْ: فَقُلْتُ: هِيَ عِنْدِي، لَقَدْ شَغَلَنِي مَا رَأَيْتُ مِنْكَ، فقَالَ: «ائْتِنِي بِهَا» قَالَتْ: فَجِئْتُ بِهَا، فَوَضَعَهَا فِي كَفِّهِ سَبْعَةَ، أَوْ تِسْعَةَ دَنَانِيرَ [شَك الراوي]، فَجَعَلَ يُقَلِّبُهَا بِيَدِهِ، وَيَقُولُ: «مَا ظَنُّ مُحَمَّدٍ أَنْ لَوْ لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَهَذِهِ عِنْدَهُ، وَمَا تُبْقِي هَذِهِ مِنْ مُحَمَّدٍ لَوْ لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَهَذِهِ عِنْدَهُ، أَنْفِقِيهَا»[9].

مَوقِفُهُ صلى الله عليه وسلم مَعَ بِلَالِ بْنِ رَبَاحٍ رضي الله عنه:
وَيَحْكِي عَبْدُاللَّهِ بْنُ لُحَيٍّ الْهَوْزَنِيُّ، قَالَ: لَقِيتُ بِلَالًا مُؤَذِّنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا بِلَالُ، أَخْبِرْنِي كَيْفَ كَانَتْ نَفَقَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: مَا كَانَ لَهُ مِنْ شَيْءٍ (مِنَ المَالِ مرصد للنَّفَقَةِ وَلا كَانَ يدَّخِرُ شَيئًا لَهَا وَلَا لِغَيرِهَا)، وَكُنْتُ أَنَا الَّذِي أَلِي ذَلِكَ (أَيْ: النَّفَقةَ) مُنْذُ بَعَثَهُ اللَّهُ حَتَّى تُوُفِّيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ إِذَا أَتَاهُ الْإِنْسَانُ الْمُسْلِمُ فَرَآهُ عَارِيًا (أَيْ: يحتاجُ إلى كُسوةٍ)، يَأْمُرُنِي، فَأَنْطَلِقُ، فَأَسْتَقْرِضُ، فَأَشْتَرِي الْبُرْدَةَ (هي الشملة المُخطَّطة، وقيل: كساء أسود مربَّع، وفيه صِغَر تلبسه الأعراب) أَوِ النَّمِرَةَ، فَأَكْسُوهُ، وَأُطْعِمُهُ، حَتَّى اعْتَرَضَنِي رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: يَا بِلَالُ، إِنَّ عِنْدِي سَعَةً (أَيْ: غِنًى ومالًا يَفيضُ عَن حَاجَتِي)، فَلَا تَسْتَقْرِضْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا مِنِّي، فَفَعَلْتُ (أَيْ: استقرَضْتُ مِنِ ذَلك المُشْرِكِ)، فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ، تَوَضَّأْتُ، ثُمَّ قُمْتُ أُؤَذِّنُ بِالصَّلَاةِ، فَإِذَا الْمُشْرِكُ فِي عِصَابَةٍ (أَيْ: في جماعةٍ) مِنَ التُّجَّارِ، فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: يَا حَبَشِيُّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا لَبَّيَهُ (مِنَ التَّلْبِيَةِ وَهُوَ الإِجَابَةِ)، فَتَجَهَّمَنِي (أَيْ: لَقِيَنِي بِغِلظةِ لَفظٍ وَوَجهٍ كَرِيهٍ)، وَقَالَ لِي قَوْلًا غَلِيظًا (أَيْ: بِعُنْفٍ وَشِدَّةٍ وَارتفاعِ صَوْتٍ)، وَقَالَ: أَتَدْرِي كَمْ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الشَّهْرِ (أَيْ: بَينَ آخرِ الشَّهْرِ)؟ قَالَ: قُلْتُ: قَرِيبٌ، قَالَ لِي: إِنَّمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ أَرْبَعٌ، فَآخُذُكَ بِالَّذِي عَلَيْكَ (أَيْ: أَتَمَلَّكُكَ بِهِ)، فَإِنِّي لَمْ أُعْطِكَ الَّذِي أَعْطَيْتُكَ مِنْ كَرَامَتِكَ عَلَيَّ، وَلَا كَرَامَةِ صَاحِبِكَ، وَلَكِنِّي إِنَّمَا أَعْطَيْتُكَ لِتَجِبَ لِي عَبْدًا، فَأَرُدُّكَ تَرْعَى الْغَنَمَ كَمَا كُنْتَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَأَخَذَ فِي نَفْسِي (أَيْ: مِنَ الهَمِّ والحَزَنِ) مَا يَأْخُذُ النَّاسُ، فَانْطَلَقْتُ، ثُمَّ أَذَّنْتُ بِالصَّلَاةِ، حَتَّى إِذَا صَلَّيْتُ الْعَتَمَةَ (أَيْ: صلاةَ العِشاءِ) رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِهِ، فَاسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهِ فَأَذِنَ لِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي (أَيْ: فِداكَ أبي وأُمِّي)، إِنَّ الْمُشْرِكَ الَّذِي ذَكَرْتُ لَكَ أَنِّي كُنْتُ أَتَدَيَّنُ مِنْهُ (أَيْ: أَسْتَدِينُ وَأَسْتَقْرِضُ) قَالَ لِي كَذَا وَكَذَا، وَلَيْسَ عِنْدَكَ مَا تَقْضِي عَنِّي، وَلَا عِنْدِي، وَهُوَ فَاضِحِي (بَيْنَ المَلأِ)، فَأْذَنْ لِي أَنُوءُ (أَيْ: أَذْهَبُ وَأَبتَعِدُ) إِلَى بَعْضِ هَؤُلَاءِ الْأَحْيَاءِ (جَمْع حَيٍّ، وَهِي الْقَبِيلَةُ مِنَ الْعَرَبِ) الَّذِينَ أَسْلَمُوا حَتَّى يَرْزُقَ اللَّهُ رَسُولَهُ مَا يَقْضِي عَنِّي، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا شِئْتَ اعْتَمَدْتَ»، قَالَ: فَخَرَجْتُ حَتَّى آتِيَ مَنْزِلِي، فَجَعَلْتُ سَيْفِي وَجَعْبَتِي وَمِجَنِّي (هو: التُّرْسُ الَّذي يُوقِي مِنْ ضَرَباتِ السَّيْفِ) وَنَعْلِي عِنْدَ رَأْسِي، وَاسْتَقْبَلْتُ بِوَجْهِي الْأُفُقَ، فَكُلَّمَا نِمْتُ سَاعَةً اسْتَنْبَهْتُ، فَإِذَا رَأَيْتُ عَلَيَّ لَيْلًا نِمْتُ حَتَّى أَسْفَرَ الصُّبْحُ الْأَوَّلُ، أَرَدْتُ أَنْ أَنْطَلِقَ، فَإِذَا إِنْسَانٌ يَسْعَى (أَيْ: يَعْدُو عَلى رِجْلَيْهِ) يَدْعُو: يَا بِلَالُ، أَجِبْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَتَيْتُهُ، فَإِذَا أَرْبَعُ رَكَائِبَ (جَمْعُ رَكوبَةٍ، وَهِي النَّاقَةُ الَّتِي تُرْكَبُ) مُنَاخَاتٌ عَلَيْهِنَّ أَحْمَالُهُنَّ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَأْذَنْتُهُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَبْشِرْ، فَقَدْ جَاءَ اللَّهُ بِقَضَائِكَ (أَيْ: بِمَا تَقْضِي وتُسدِّدُ بِهِ دَيْنَكَ)»، فَحَمِدْتُ اللَّهَ، وَقَالَ: «أَلَمْ تَمرَّ عَلَى الرَّكَائِبِ الْمُنَاخَاتِ الْأَرْبَعِ؟»، فَقُلْتُ: بَلَى، فَقَالَ: «إِنَّ لَكَ رِقَابَهُنَّ، وَمَا عَلَيْهِنَّ كِسْوَةٌ وَطَعَامٌ أَهْدَاهُنَّ إِلَيَّ عَظِيمُ فَدَكَ (اسْمُ قَرْيَةٍ بِخَيْبَر بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ يَوْمَانِ)، فَاقْبِضْهُنَّ، ثُمَّ اقْضِ دَيْنَكَ» قَالَ: فَفَعَلْتُ، فَحَطَطْتُ عَنْهُنَّ أَحْمَالَهُنَّ، ثُمَّ عَقَلْتُهُنَّ، ثُمَّ عَمَدْتُ إِلَى تَأْذِينِ صَلَاةِ الصُّبْحِ، حَتَّى إِذَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجْتُ لِلْبَقِيعِ، فَجَعَلْتُ أُصْبُعَيَّ فِي أُذُنِي، فَنَادَيْتُ: مَنْ كَانَ يَطْلُبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَيْنًا فَلْيَحْضُرْ، فَمَا زِلْتُ أَبِيعُ وَأَقْضِي، وَأَعْرِضُ فَأَقْضِي، حَتَّى إِذَا فَضَلَ فِي يَدَيَّ أُوقِيَّتَانِ أَوْ أُوقِيَّةٌ وَنِصْفٌ، انْطَلَقْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَقَدْ ذَهَبَ عَامَّةُ النَّهَارِ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ وَحْدَهُ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «مَا فَعَلَ مَا قِبَلَكَ (أَيْ: هل قَضَى المالُ الدَّيْنَ)؟»، فَقُلْتُ: قَدْ قَضَى اللَّهُ كُلَّ شَيْءٍ كَانَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ (أَيْ: لم يَبْقَ عليه مِنَ الدَّينِ شيءٌ)، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفَضَلَ (أَيْ: هل بَقِيَ وفَضَلَ مِنَ المالِ بعد استيفاءِ الدَّيْنِ) شَيْءٌ؟»، قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «انْظُرْ أَنْ تُرِيحَنِي مِنْهُ، فَإِنِّي لَسْتُ بِدَاخِلٍ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِي حَتَّى تُرِيحَنِي مِنْهُ»، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَتَمَةَ دَعَانِي، فَقَالَ: «مَا فَعَلَ الَّذِي قِبَلَكَ؟»، قَالَ: قُلْتُ: هُوَ مَعِي لَمْ يَأْتِنَا أَحَدٌ، فَبَاتَ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى أَصْبَحَ، فَظَلَّ فِي الْمَسْجِدِ الْيَوْمَ الثَّانِي، حَتَّى كَانَ فِي آخِرِ النَّهَارِ جَاءَ رَاكِبَانِ، فَانْطَلَقْتُ بِهِمَا فَكَسَوْتُهُمَا وَأَطْعَمْتُهُمَا، حَتَّى إِذَا صَلَّى الْعَتَمَةَ دَعَانِي، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا فَعَلَ الَّذِي قِبَلَكَ؟»، فَقُلْتُ: قَدْ أَرَاحَكَ اللَّهُ مِنْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ (أَيْ: أنفقْتُه كُلَّه في سبيلِ اللهِ)، فَكَبَّرَ وَحَمِدَ اللَّهَ شَفَقًا أَنْ يُدْرِكَهُ الْمَوْتُ وَعِنْدَهُ ذَلِكَ، ثُمَّ اتَّبَعْتُهُ حَتَّى جَاءَ أَزْوَاجَهُ فَسَلَّمَ عَلَى امْرَأَةٍ امْرَأَةٍ، حَتَّى أَتَى مَبِيتَهُ، فَهَذَا الَّذِي سَأَلْتَنِي عَنْهُ[10].

إنْفَاقُهُ صلى الله عليه وسلم كُلَّ مَا جَاءَهُ مِنْ مَالٍ وَلَمْ يُبْقِ لِنَفْسِهِ مِنْهُ شَيْئًا:
فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَالٍ مِنَ البَحْرَيْنِ (مِنَ الخَراجِ المفروضِ على مَجوسِ هَجَر، وهي بلدةٌ مِن بلادِ البَحرينِ)، فَقَالَ: «انْثُرُوهُ (أَيْ: صُبوهُ) فِي المَسْجِدِ» وَكَانَ أَكْثَرَ مَالٍ أُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلم، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الصَّلاةِ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ (إشارةً منه وبيانًا لأصحابِه رضي الله عنهم أنَّ المالَ لا يُهتَمُّ له، ولا يَشغَلُ عن الصَّلاةِ والدِّينِ)، فَلَمَّا قَضَى الصَّلاةَ جَاءَ فَجَلَسَ إِلَيْهِ، فَمَا كَانَ يَرَى أَحَدًا إِلَّا أَعْطَاهُ (فِيه: دَلالَةٌ عَلَى كَثْرَةِ إعْطَائِهِ، وَعُلُوِّ كَرَمِهِ، وَزُهْدِهِ)، إِذْ جَاءَهُ العَبَّاسُ (وَهُوَ عَمُّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم)، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعْطِنِي، فَإِنِّي فَادَيْتُ نَفْسِي وَفَادَيْتُ عَقِيلًا (يَقصِدُ أنَّه دَفَع الفِديةَ لِنفْسِهِ وَلِابنِ أَخِيهِ عَقيلِ بنِ أبي طالبٍ عندَما كانوا أَسْرى يومَ بَدْرٍ، يُريدُ بذلك أن يُعوِّضَه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عمَّا فَقَدَه مِن مالٍ)، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خُذْ» فَحَثَا فِي ثَوْبِهِ (الحَثْو وَالْحَثْي: الْاغْتِرَافُ بِمِلْءِ الْكَفَّيْنِ، وَإِلْقَاءُ مَا فِيهِمَا)، ثُمَّ ذَهَبَ يُقِلُّهُ (أَيْ: يَرْفَعُهُ وَيَحْمِلُهُ) فَلَمْ يَسْتَطِعْ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اؤْمُرْ بَعْضَهُمْ يَرْفَعْهُ إِلَيَّ (حتَّى يَستطيعَ حمْلَه)، قَالَ: «لا» قَالَ: فَارْفَعْهُ أَنْتَ عَلَيَّ، قَالَ: «لا» فَنَثَرَ مِنْهُ (أَيْ: رَمى منه العبَّاسُ جُزءًا؛ حتَّى يَستطيعَ حمْلَه)، ثُمَّ ذَهَبَ يُقِلُّهُ، فَلَمْ يَرْفَعْهُ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اؤْمُرْ بَعْضَهُمْ يَرْفَعْهُ عَلَيَّ، قَالَ: «لا» قَالَ: فَارْفَعْهُ أَنْتَ عَلَيَّ، قَالَ: «لا» فَنَثَرَ مِنْهُ (أَيْ: وضَعَ منه العبَّاسُ جُزءًا آخَرَ)، ثُمَّ احْتَمَلَهُ، فَأَلْقَاهُ عَلَى كَاهِلِهِ (أَيْ: بَيْنَ كَتِفَيْهِ)، ثُمَّ انْطَلَقَ[11]، فَمَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُتْبِعُهُ بَصَرَهُ حَتَّى خَفِيَ عَلَيْنَا - عَجَبًا مِنْ حِرْصِهِ (تعجُّبًا مِن حِرْصِه على المالِ)- فَمَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَمَّ مِنْهَا دِرْهَمٌ (أَيْ: وزَّعَ جَميعَ الأموالِ، ولم يَبْقَ منها دِرهمٌ لِنَفْسِهِ)[12].
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 114.87 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 113.19 كيلو بايت... تم توفير 1.68 كيلو بايت...بمعدل (1.46%)]