آدم عليه السلام - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1174 - عددالزوار : 131126 )           »          3 مراحل لانفصام الشخصية وأهم أعراضها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          متلازمة الشاشات الإلكترونية: كل ما تود معرفته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          ما هي أسباب التعرق الزائد؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          أضرار الوجبات السريعة على الأطفال: عواقب يُمكنك تجنبها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          الوقاية من القمل بالقرنفل: أهم الخطوات والنصائح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          علاج جفاف المهبل: حلول طبيّة وطبيعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          الوقاية من القمل في المدارس: دليل شامل للأهل والمعلم! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          الوقاية من التهاب الكبد: 9 خطوات بسيطة لصحة أفضل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          الوقاية من الجلطات: دليلك الشامل لصحة أفضل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث > ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29-12-2022, 07:50 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,857
الدولة : Egypt
افتراضي آدم عليه السلام

آدم عليه السلام (1)

الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد

نتحدَّث إليكم عن آدم عليه السلام في نقاطٍ تتناول قصَّة خَلْقه، وخلقه من أصناف تراب الأرض، ومقدار طوله، والشجرة التي نُهي عن الأكل منها، ومقدار لبثه في الجنة، وإهباطه من الجنة، وعدد أبنائه، وهل سمَّى ابنًا له عبدالحارث؟ وذِكر هبته مِن عمره لداود عليه السلام، وما ذُكر عن شعره في قتل ابنه، وهل بَنى الكعبةَ؟ وهل توسَّل إلى الله بمحمد صلى الله عليه وسلم؟ ورؤية النبي محمد صلى الله عليه وسلم له ليلة الإسراء والمعراج، ثم نتحدَّث عن وفاته، ومكان دفنه، ثم ذكر احتجاج موسى وآدم بالقدَر، ثم ذكر تأخُّره عن الشفاعة يوم القيامة.

أمَّا قصَّة خلقه: فقد ذكرها الله تبارك وتعالى في مواضع كثيرة من كتابه الكريم، فهو يقول في سورة البقرة: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ﴾ [البقرة: 30 - 33]، وقد ذكَر الله تبارك وتعالى أنه خلَقَه مِن تُراب، وأنه خلَقه مِن طين، وأنه خلقه من صلصال كالفخَّار مِن حمَأ مَسنون، وأنه خلقه من طين لازب؛ حيث يقول في سورة آل عمران: ﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [آل عمران: 59]، ويقول في سورة الأعراف: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾ [الأعراف: 11، 12]، ويقول في سورة الحجر: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ * وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ * قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ * قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ﴾ [الحجر: 26 - 33]، ويقول في سورة السجدة: ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ ﴾ [السجدة: 7]، ويقول في سورة الصافات: ﴿ فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ ﴾ [الصافات: 11]، ويقول في سورة ص: ﴿ إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ ﴾ [ص: 71]، ويقول في سورة الرحمن: ﴿ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ ﴾ [الرحمن: 14]، وأصل ذلك أن الله تبارك وتعالى أخَذ مِن تراب الأرض قبضةً فخَلَق منها آدم، وقد اجتمع في هذه القبضة من التراب جميع ألوان تراب الأرض؛ ولذلك جاء بنو آدم على هذه الألوان، وهذه القبضة قد بلَّها اللهُ تعالى بالماء، ثم مرَّت عليها مدَّة حتى تحجرت فصارت صلصالًا.

والصلصال: هو الطِّين المتحجر؛ لأنَّ الطين إذا طُبخ بالنار سمِّي فخارًا، وإذا لم يُطبخ بالنار لكنه تُرك حتى تحجَّر يسمَّى صلصالًا، فقوله تعالى: ﴿ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ ﴾ [الرحمن: 14]، أي: من طِين تحجَّر حتى صار شبيهًا بالفخَّار، وهو المطبوخ بالنار في تحجُّره وصلصلته إن قلنا: إنَّه مِن صَلصل، بمعنى: صوَّت، وإن قلنا: إنَّه مِن صل، بمعنى: تغيَّر، فإنَّ الطِّين إذا مضت عليه مدَّة أنتن واسودَّ فيصير حمأ مَسنونًا، أي: أسود متغيرًا له رائحة خاصَّة، فإذا يبس وتحجَّر صار كالفخَّار.

والطين اللَّازب: هو اللَّاصق، ويقال أيضًا: لزب الطِّين إذا صلب.

والحمأ المسنون: هو الطِّين الأسود المتغيِّر الرائحة المنتن.

وقد خلق اللهُ تبارك وتعالى آدمَ بيده، وصوَّره، وجعل طولَه ستِّين ذراعًا، وقد روى أحمد وأبو داود والترمذي وقال الترمذي: حسن صحيح مِن حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ الله خلَق آدمَ مِن قبضةٍ قبضها مِن جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قَدْر الأرض؛ فجاء منهم الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك، والسَّهل والحزن وبين ذلك، والخبيث والطيِّب وبين ذلك))، كما روى البخاري ومسلم مِن حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((خلَق الله آدمَ وطوله ستون ذِراعًا، ثمَّ قال: اذهب فسلِّم على أولئك النَّفَر مِن الملائكة فاستمِعْ ما يجيبونك؛ فإنَّها تحيَّتُك وتحيَّةُ ذرِّيَّتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليكم ورحمة الله، فزادوه ورحمة الله، فكلُّ مَن يدخل الجنَّةَ على صورة آدَم، فلم يزَلِ الخلق يَنقص حتى الآن)).

أمَّا الشجرة التي نَهى الله آدمَ عن الأكل منها؛ فقد ذكَر بعضُ الناس أنها الحنطة، وبعضهم يَذكر أنها التِّين، وبعضهم يَذكر أنَّها العنب، ويذكر آخرون غير ذلك، ولم يصحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرٌ في تعيين الشجرة، ولو كان في تعيينها خيرٌ لعيَّنها اللهُ عز وجل وبيَّنها، وما دام الله عز وجل لم يبيِّن نوعَ الشجرة ولم يبيِّنه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فلا حاجة إلى تكلُّف تعيينها ولا إلى مَعرفة نوعها، ولا ينبغي لأحد أن يقول على الله بغير علم، إنَّما المقصود أنَّ الله تبارك وتعالى خلَق آدمَ وأمَرَه أن يسكن الجنَّةَ هو وزوجته التي خلقها له وأخرجها مِن ضلعٍ من أضلاعه؛ فقد روى البخاريُّ ومسلم مِن حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((استَوصوا بالنِّساء خيرًا، فإنَّ المرأة خُلقتْ مِن ضِلع، وإنَّ أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبتَ تقيمه كسرتَه، وإن تركتَه لم يزل أعوج؛ فاستوصوا بالنِّساء خيرًا)).

وقد نَهى الله آدمَ وزوجَه أن يأكلا مِن شجرةٍ عيَّنها لهما، وفي ذلك يقول الله عز وجل في سورة البقرة: ﴿ وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ * فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 35 - 37]، ويقول في سورة الأعراف: ﴿ وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ * فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ * قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الأعراف: 19 - 23].
ويقول الله تعالى في سورة طه: ﴿ فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى * إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى * فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى * فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى ﴾ [طه: 117 - 122]، وقوله تعالى: ﴿ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ﴾؛ هو في الحقيقة مِن باب قولهم: إياك أعني واسمعي يا جارة؛ إذ ليس المراد هنا المعصية التي حمى اللهُ منها أنبياءه ورسله؛ إذ ليس الأكل من هذه الشَّجرة كشرب الخمر أو الزِّنا أو قتل النفس بغير حقٍّ أو فساد في الأرض، وقد وصف الله تبارك وتعالى أكلَ آدم من الشجرة بأنه صدر عن نسيان حيث يقول: ﴿ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ﴾ [طه: 115]، والإنسان إذا فعل الشيء وهو ناسٍ رُفع عنه القلم، وإنما عاتبه الله تبارك وتعالى لتنبيهه وتنبيه ذرِّيَّته مِن دسائس إبليس والاحتراس من وسوسته؛ ولذلك يقول تعالى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 27]، فالمقصود من هذا التصوير في قوله: ﴿ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ﴾ [طه: 121] هو التنصيص على أنَّ الله رفع الإصرَ عن آدم حيث قال: ﴿ ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى ﴾ [طه: 122]، فصار كأنه لم يأكل من الشجرة.

وقد اقتضَتْ حكمةُ الله أن يأكل آدم مِن الشَّجرة، والله يعلم أنَّه آكلٌ منها لا محالة؛ لأنَّه لا بدَّ وأن يسكن الأرضَ ويعمرها هو وذرِّيَّته مِن بعده، ويجعل الله فيهم خيرًا كثيرًا، وعبادًا صالحين وأنبياء ومرسلين.

ولا بدَّ مِن الابتلاء والامتحان والاختبار في هذه الأرض، فكانت الصُّورة الأولى للامتحان هي نهي الله له أن يأكل مِن الشجرة ونسيان آدم هذا النهي وأكله منها.

وقد اختلف أهلُ العلم في الجنَّة التي أُمر آدم أن يَسكنها هو وزوجُه، وأكثر السَّلَف مِن هذه الأمَّة على أنها جنَّة المأوى؛ لأنَّ الصفات التي وصف الله بها هذه الجنَّة في قوله: ﴿ إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى ﴾ [طه: 118، 119] تدلُّ على أنَّها جنَّة النَّعيم، كما أنَّ الحديث الصحيح في قصَّة الشفاعة يوم القيامة أنَّ آدم يقول للذين طلبوا منه الشفاعة: ((وهل أخرجكم مِن الجنَّة إلا خطيئةُ أبيكم)).

وقد ذهب بعضُ السَّلَف إلى أنَّها جنَّة في مكان عالٍ مِن الأرض، والراجح عند أهل العلم أنَّها جنَّة المأوى، فإذا قيل: إن كانت جنَّة المأوى فكيف يَخرج آدمُ منها؟ ومَن سكَن جنَّةَ المأوى لا يخرج، فالجواب هو: أنَّ مَن يسكن جنَّة المأوى ولا يخرج منها هو مَن يدخلها جزاء على عمله بعد أن يَقضي عمرَه في الدنيا؛ حتى إذا مات على دِين الأنبياء والمرسَلين وتفضَّل الله عليه بدخول الجنَّة فإنه لا يَخرج منها ولا يتحوَّل عنها؛ لأنَّها دار جزاء المتَّقين، على حدِّ قوله تعالى في سورة النحل: ﴿ وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 30 - 32]، أمَّا كون آدم يسكنها قبلَ أن يعمل شيئًا فهذا للامتحان والابتلاء والاختبار؛ لتكون هذه الصُّورة ماثلةً أمام أعين ذرِّيته دائمًا، ليحذروا إبليس الذي أخرجَ أبويهم مِن الجنة.

أمَّا مقدار لبث آدم في الجنة: فلم يعيِّنْه اللهُ، ولم يعيِّنْه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، والقول فيه قولٌ على الله بلا علم، وقد بيَّن الله تعالى أنه أهبط آدم مِن الجنة كما قال في سورة البقرة: ﴿ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ * فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 36 - 38]، وقال في سورة الأعراف: ﴿ قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ * قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ ﴾ [الأعراف: 24، 25]، وقال في سورة طه: ﴿ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: 123، 124].

أمَّا عدَد أبناء آدم عليه السلام: فلم يصحَّ فيهم أيضًا خبرٌ عن الله أو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعض الناس يقول: إنَّ حوَّاء ولدت لآدم أربعين ولدًا في عشرين بطنًا، وبعضهم يقول: ولدت حواء مائة وعشرين بطنًا، في كلِّ بطن ذكر وأنثى، وقال ابن كثير في تاريخه: وقد ذكر أهلُ التاريخ أنَّ آدم لم يَمُت حتى رأى من ذرِّيَّته من أولاده وأولاد أولاده أربع مائة ألف نسمة؛ اهـ، والعلم في ذلك كله عند الله عز وجل.

أمَّا دعوى أنَّ آدم سمَّى ولدًا له عبدالحارث وأنه المشار إليه في قوله تعالى في سورة الأعراف: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ ﴾ [الأعراف: 189 - 191]، وهذا قول على آدم بغير دليلٍ صحيح، وتأويل للآية على غير وجهِها، فأمَّا ما رواه أحمد والترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم مِن طريق عبدالصمد بن عبدالوارث، عن عمر بن إبراهيم، عن قتادة، عن الحسن البصري، عن سمرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لمَّا ولدتْ حوَّاء طاف بها إبليسُ، وكان لا يعيش لها ولد فقال: سميه عبدَالحارث فإنه يَعيش، فسمَّتْه عبدالحارث فعاش، وكان ذلك مِن وحي الشيطان وأمره)).

وقال الترمذي: حسن غريب لا نعرفه إلَّا مِن حديث عمر بن إبراهيم، ورواه بعضهم عن عبدالصمد ولم يرفعه، قال ابن كثير في تاريخه: فهذه علَّةٌ قادِحة في الحديث أنَّه رُوي موقوفًا على الصَّحابي، وهذا أشبه، والظاهر أنه تلقَّاه من الإسرائيليات، وهكذا رُوي موقوفًا عن ابن عباس، والظاهر أنَّ هذا متلقى عن كَعب الأحبار وذَويه؛ والله أعلم، وقد فسَّر الحسنُ البصري هذه الآيات بخِلاف هذا، فلو كان عنده عن سمرة مرفوعًا لما عدل عنه إلى غيره؛ اهـ.

وهذا تفسيرٌ عجيب لهذه الآيات، كيف يكون أول شِرك في الأرض مِن آدم وزوجه، والمعروف أنَّ الشِّرك الأصغر أكبر مِن الزِّنا والقتل وشرب الخمر والسرقة، كما أنَّ المعروف أنَّه لم يقع شِركٌ في الأرض إلَّا في أمَّة نوح عليه السلام، ولا شك أنَّ المراد بقوله: ﴿ خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾ هو آدم، وأن قوله: ﴿ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا ﴾، يعني: حواء، أمَّا قوله: ﴿ فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا ﴾؛ إلى آخر الآيات، فهو انتِقال بعد ذِكر آدم وزوجته، واستطراد إلى ذِكر الجِنس والذرِّيَّة، فإنَّ من الأساليب البلاغية أنه قد يذكر الشيء ثم يستطرد إلى ذكر جنسه؛ على حدِّ قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ﴾ [المؤمنون: 12، 13]، فالمخلوق من الطِّين آدم، والمخلوق مِن النطفة بنوه وذرِّيته، وكذلك قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ ﴾ [الملك: 5]؛ فالمعلوم أنَّ رجوم الشياطين ليست هي أعيان مصابيح السَّماء، ولكنَّه استِطراد من شخصها إلى جنسها؛ فآدم عليه السلام يحميه الله مِن الشِّرك الأصغر ومن الشِّرك الأكبر.

وإلى فصلٍ قادم إن شاء الله، والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 29-12-2022, 07:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,857
الدولة : Egypt
افتراضي رد: آدم عليه السلام

آدم عليه السلام (2)



الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
قد ذكرت في ختام المقال السابق أن الله تبارك وتعالى ذكر في سورة الأعراف قوله: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ ﴾ [الأعراف: 189 - 191]، وقلت: إنه قد دُسَّ في بعض الأخبار المنسوبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ حوَّاء لم يكن يعيش لها ولد في أول الأمر؛ فوسوس لها الشيطان إذا أرادت أن يعيش لها ولد أن تسمِّيه عبدالحارث ليدخل الشِّرك على الناس؛ وهذا عجيب، إنَّها خُلِقتْ لعمارة الأرض فكيف لا يعيش لها ولد؟ قال ابن كثير رحمه الله في تاريخه: فالله تعالى إنَّما خلَق آدم وحواء ليكونا أصل البشَر وليبثَّ منهما رجالًا كثيرًا ونساء، فكيف كانت حواء لا يعيش لها ولد؟ اهـ.

وقوله تعالى: ﴿ حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ ﴾؛ أي: نطفة لا ثقل لها في البطن، فصارت المرأة تذهب وتجيء لخفَّة حملها وسهولته، وقوله: ﴿ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ ﴾؛ أي: كبر بطنُها، وثقل عليها حملها واقترب وقتُ الولادة، وقوله: ﴿ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾؛ أي: سألا الله عز وجل وتضرَّعا إليه أن يرزقهما ولدًا صالحًا ليشكراه، ﴿ فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا ﴾؛ أي: ولدًا صالحًا ﴿ جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا ﴾؛ أي: لم يقوما بشكر نعمة الله، بل جعلا لله شركاء فيما أنعم به عليهما، وهذان الزوجان المشركان لم يقصد بهما آدم وحواء قطعًا، وإنما هو توبيخٌ لمن يشرك بالله من جنس بني آدم؛ ولذلك قال: ﴿ فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾، ولو كان المراد به آدم وحواء - عصمهما الله من ذلك - لقال: "فتعالى الله عما يُشركان"، والآية ظاهرة في أن المرادَ بالشرك هنا ما يعمُّ الشرك الأصغر والأكبر؛ ولذلك زاد في توبيخهم والتنديد بهم؛ حيث قال: ﴿ أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ ﴾ [الأعراف: 191، 192]، وأهل العلم متَّفقون على أن قوله: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا ﴾، هما آدم وحواء، وانتهى الكلام هنا في ذكر الأصل - آدم وحواء - ثم استطرد إلى الجنس، وهذا أسلوب بلاغي كما ذكرت في الفصل السابق، فقوله: ﴿ جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا ﴾؛ أي: الوالد والوالدة من جنس بني آدم وحواء، وقد أشار في صلب الآية إلى أنه ليس آدم وحواء بقوله: ﴿ فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾.

وأما قصةُ هِبَتِهِ مِن عُمره لِدَاودَ؛ فقد رواها أحمد والطبراني من طريق علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أولُ من جحدَ آدمُ - قالها ثلاثَ مرات - إن الله عز وجل لمَّا خلقه مسح ظهره فأخرج ذريَّته فعرضهم عليه، فرأى فيهم رجلًا يُزهر، فقال: أي رب، من هذا؟! فقال: هذا ابنك داود، قال: يا رب، كم عمره؟ قال: ستون عامًا، قال: أي رب، فزِد في عمره، قال: لا، إلا أن تزيده أنت من عمرك، فزاده أربعين سنة من عمره، فكتب الله تعالى عليه كتابًا وأشهد عليه الملائكة، فلمَّا أراد أن يقبض روحه قال: إنه بقي من أَجَلِي أربعون سنة، فقيل له: إنك قد جعلتها لابنك داود، قال: فجحد، فأخرج الله الكتاب وأقام عليه البينة، فأتمَّها لداود مائة سنة، وأتم لآدم عمره ألف سنة))؛ فهذا الخبر لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحال؛ لأنه يدور على علي بن زيد وفي حديثه نكارة، وقد أخرج نحوه الترمذي بسندٍ فيه هشام بن سعد، وقد وُصف بأنه له أوهام وقد رُمي بالتشيع، والظاهر أن هذا من أوهامه، كما رواه ابن أبي حاتم من طريق عبدالرحمن بن زيد بن أسلم، وهو ضعيف عند المحدِّثين، ولا يجوز أن يوصم أبو البشر نبي الله آدم عليه السلام بالجحود بمثل هذه الأخبار؛ إذ الجحود من الأمور المذمومة التي لا يرتضيها عوام المسلمين لأنفسهم، فكيف يوصف بها نبي من أنبياء الله؟!

أما ما ذكر من شعره لما قتل قابيلُ أخاه هابيلَ فلا ينبغي لمن ينتسب للعلم أن ينسب مثله لآدم عليه السلام؛ لأنه لم ينقل عن خبر معصوم ولا يدَّعي أحد صحَّةَ سند فيه، وهذا الشعر المزعوم هو:
تغيَّرتِ البلادُ ومَنْ عليها
فوجهُ الأرضِ مغبرٌّ قبيح
تغيَّر كلُّ ذي لونٍ وطعمٍ
وقلَّ بشاشَةُ الوجهِ المليح


أما ما ذكر مِن توسُّله بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهو لا يصحُّ كذلك، وقد رواه الحاكم والبيهقي وابن عساكر من طريق عبدالرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لما اقترف آدمُ الخطيئةَ قال: أي رب، أسألك بحقِّ محمدٍ إلَّا غفرت لي، فقال الله: كيف عرفت محمدًا ولم أخلقه بعد؟ فقال: يا رب، لأنك لما خلقتني بيدك ونفختَ فيَّ من روحك رفعتُ رأسي فرأيتُ على قوائم العرش مكتوبًا: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعلمتُ أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك، فقال الله: صدقت يا آدم إنه لأحب الخلق إليَّ، وإذْ سألتني بحقه فقد غفرت لك، ولولا محمدٌ ما خلقتك))، قال البيهقي: تفرد به عبدالرحمن بن زيد بن أسلم من هذا الوجه وهو ضعيف.

أمَّا رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم آدم ليلة الإسراء والمعراج؛ فقد رواها البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة في خبر الإسراء والمعراج، وفيه: ((فانطلق بي جبريلُ حتى أتى بي إلى السماء الدنيا، فاستفتح فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: أوقد أُرسل إليه؟ قال: نعم، فقيل: مرحبًا به، ولنعم المجيء جاء، ففتح لنا، فلما خلصت فإذا فيها آدم، قال: هذا أبوك آدم فسلم عليه، فسلمتُ عليه، فرد السلام ثمَّ قال: مرحبًا بالابن الصالح والنبي الصالح... إلخ))، وفي رواية للبخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه: ((فعُرج بي إلى السماء الدنيا، فلما جئتُ إلى السماء قال جبريل لخازن السماء: افتح، قال: من هذا؟ قال: جبريل، قال: هل معك أحدٌ؟ قال: معي محمد صلى الله عليه وسلم، فقال: أُرسل إليه؟ قال: نعم، فلما فتح علونا السماء الدنيا، فإذا رجل قاعد، على يمينه أسودة، وعلى يساره أسودة، إذا نظر قِبل يمينه ضحك، وإذا نظر قِبل شماله بكى، فقال: مرحبًا بالنبي الصالح والابن الصالح، قال: قلت لجبريل: من هذا؟ قال: هذا آدم، وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه، فأهل اليمين منهم أهل الجنة، والأسودة التي عن شماله أهل النار، فإذا نظر عن يمينه ضحك، وإذا نظر عن شماله بكى...))؛ إلخ الحديث.

وقد أقرَّ آدم لرسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث الإسراء بالنبوَّة والبنوَّة لآدم عليه السلام، فصلوات الله وسلامه عليهما وعلى النبيين أجمعين.

أما عمرُ آدم عند وفاته ومكان دفنه، فلم يَرِد في ذلك خبر صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يُثبت أين مات آدم عليه السلام وأين دُفن، فالعلم في ذلك عند الله عز وجل.

وإلى الفصل القادم إن شاء الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 29-12-2022, 07:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,857
الدولة : Egypt
افتراضي رد: آدم عليه السلام

آدم عليه السلام (3)







الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
أشرتُ في المقال السابق إلى احتجاج موسى وآدم بالقدَر؛ فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((حاجَّ موسى آدم عليه السلام فقال له: أنت الذي أخرجتَ الناس بذنبك من الجنة وأشقيتهم؟ قال آدم: يا موسى، أنت الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه، أتلومُني على أمرٍ قد كتبه الله عليَّ قبل أن يَخلقني، أو قدَّره عليَّ قبل أن يخلقني، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فحجَّ آدمُ موسى))؛ أي: فغلب آدمُ موسى في هذه المحاجَّة.

أيها القراء الكرام، إنَّ الاحتجاجَ بالقدَر ينبغي أن يلاحَظ فيه أمران؛ فالقدر إمَّا أن يقترن بمصائب وإما أن يقترن بمَعايب؛ إذ قد يرتكب الإنسانُ جريمةً - كالزنا أو السرقة أو شرب الخمر أو القتل أو غير ذلك من المعاصي - فإذا قيل له: لم فعلتَ ذلك؟ قال: قَدَر الله، أو قدَّر الله، أو قضاء الله، ونسَب عملَه إلى القدر، وهذا خطأ؛ فإنه لا يحقُّ الاحتجاج بالقدَر على ارتكاب المعايب؛ لأنَّ الله لم يبيِّن له القدَر قبل ارتكاب الجريمة وأنه سيرتكبها، ولم يأذَنْ له في ارتكاب هذه الجريمة، أما إذا أُصيب إنسان بمصيبة من المصائب التي لم يقع فيها بإرادته واختياره كالمرض أو الفقر أو انقلب مثلًا وهو نائم على شخص فقتله، أو انفلتت منه حصاة أو نحوها على شخص فأصابته من غير قصدٍ منه، أو غلبَتْه عينه رغم أنفه فنام عن الصلاة حتى طلعتِ الشمس فله أن يحتجَّ في كل هذه المصائب بالقدر؛ لأنَّ هذا الذي وقع منه خارج عن إرادته، وله أن يقول: قدر الله وما شاء فعل.

وقد أشار إلى هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خيرٌ، احرص على ما يَنفعك، واستعِن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدَّر الله وما شاء فعل؛ فإنَّ لو تفتح عمل الشيطان))، فهذا الحديث يضعُ أوضحَ قواعدِ السلوك فيما يحتجُّ به مِن القدر، وما لا يحتجُّ به، فما أصاب الإنسان مِن شرٍّ لا إرادة له فيه فإن له أن يحتجَّ بالقدر، وما فعله بإرادته من المعايب فلا يجوز أن يحتجَّ فيها بالقدر؛ لأن المأذون له في عمله هو الخير وما ينفعه في عاجلته أو آجلته؛ ولذلك صدَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الحديث بقوله: ((احرِصْ على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز))، وآدم عليه السلام لم يُهبطِ العبادَ إلى الأرض، ولم يكن إخراجُهم من الجنة بيده، وأكله من الشجرة وإن كان سببًا لهبوطه إلى الأرض، لكنه فعلَ بغير قصدٍ كما أسلفت، فلا دَخْل لآدم في إخراج الناس من الجنَّة وإهباط العباد إلى الأرض، وإن ذلك كله لله وحده؛ فاحتجاج موسى عليه السلام على آدم لعله كان نوعًا من المداعبةِ منه لأبيه آدم عليه السلام، وموسى لا يخفى عليه مثل ذلك، وهو عندما وكز القبطيَّ فقضى عليه قال: ﴿ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ﴾ [القصص: 15]، وموسى عليه السلام لا يؤاخذُ بذلك؛ لأنه لم يقصد قتلَ الرجل، كما أن آدم عليه السلام قد وَصف الله أكلَه من الشجرة بأنه عن نسيان؛ حيث يقول: ﴿ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ﴾ [طه: 115]، ولا شكَّ في أن القلم مرفوع عن الناسي كما أنه مرفوع عن النائم، فما فعله الإنسانُ عن نسيان أو في نومه فإن الله تعالى لا يؤاخذه عليه، وكأنَّ آدم عليه السلام قال لموسى عليه السلام: "أنا لم أخرجكم مِن الجنة، وإنما أخرجكم اللهُ الذي رتَّبَ الإخراج على أكلي مِن الشجرة، وقد أكلتُ منها عن نسيان، وقد قدَّر الله عليَّ ذلك قبل أن أُخلق، فأنت تلومني على أمرٍ ليس له نسبة إليَّ أكثر من أني نُهيتُ عن الأكل من الشجرة فأكلتُ منها، وكون الإخراج مترتبًا على ذلك ليس من فعلي، فأنا لم أُخرج نفسي ولم أخرجكم من الجنة، وإنما كان هذا مِن قدَر الله وقضائه، وله الحكمة في ذلك"؛ فلذلك غلب آدمُ موسى في الاحتجاج.

أمَّا ما جاء في حديث الشفاعة لاستفتاح الجنَّة يومَ القيامة وتأخُّر آدم عن ذلك بقوله: ((وهل أخرجكم من الجنة إلَّا خطيئة أبيكم آدم))؛ فلأنَّ صورة ما حدَث هو صورة الخطيئة، كما أن ما حدث من موسى عليه السلام في قتل القبطي هو صورة الخطيئة، لكن الله لا يؤاخذ أحدًا منهما بما فعل؛ لأنَّه لم يكن عن قصد، وحديث الشفاعة هذا قد أخرجه مسلم في صحيحه من طريق أبي مالك الأشجعي عن أبي حازم عن أبي هريرة، ومن طريق أبي مالك الأشجعي عن ربعي عن حذيفة قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يجمع الله تبارك وتعالى الناسَ، فيقوم المؤمنون حتى تُزلف لهم الجنة، فيأتون آدمَ فيقولون: يا أبانا، استفتح لنا الجنة، فيقول: وهل أخرجكم من الجنة إلَّا خطيئة أبيكم آدم، لستُ بصاحب ذلك، اذهبوا إلى ابني إبراهيم خليل الله، قال: فيقول إبراهيم: لستُ بصاحب ذلك إنما كنت خليلًا من وراء وراء، اعمدوا إلى موسى صلى الله عليه وسلم الذي كلَّمه الله تكليمًا، فيأتون موسى صلى الله عليه وسلم فيقول: لستُ بصاحب ذلك، اذهبوا إلى عيسى كلمة الله وروحه، فيقول عيسى صلى الله عليه وسلم: لستُ بصاحب ذلك، فيأتون محمدًا صلى الله عليه وسلم فيقوم فيؤذَن له، وتُرْسلُ الأمانة والرَّحِم فتقومان جنبتي الصراط يمينًا وشمالًا، فيمرُّ أولُكم كالبرق، قال: قلت: بأبي أنت وأمي، أي شيء كمرِّ البرق؟ قال: ألم تروا إلى البرق كيف يمر ويرجع في طرفة عين، ثم كمرِّ الريح، ثم كمرِّ الطير وشدِّ الرجال، تجري بهم أعمالهم، ونبيكم قائم على الصِّراط يقول: رب سلِّم سلِّم، حتى تعجز أعمالُ العباد، حتى يجيء الرجل فلا يستطيع السير إلا زحفًا، قال: وفي حافتي الصراط كلاليب معلَّقة مأمورة بأخذ من أُمرت به، فمخدوشٌ ناجٍ ومكدوسٌ في النار))، والذي نفس أبي هريرة بيده، إنَّ قعر جهنم لَسبعون خريفًا، وقوله في الحديث: ((وشد الرجال))؛ أي عَدْوِ الرجال وسعيهم وسرعتهم في المشي.

وإلى فصل قادم إن شاء الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 29-12-2022, 07:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,857
الدولة : Egypt
افتراضي رد: آدم عليه السلام

آدم عليه السلام (4)


الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد

لا شك في أنَّ آدم عليه السلام كان نبيًّا مِن أنبياء الله، وأكثر أهل العلم على أنه كان نبيًّا رسولًا بدليل قوله تبارك وتعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 33]، وتعريف الرسول ينطبق على آدم عليه السلام، سواء في ذلك التعريف المشهور عن العلماء وهو: "أنه مَن أُوحي إليه بشرع وأُمر بتبليغه"، أم التعريف الذي اخترتُه ورجَّحتُه وهو أن الرسول: "مَن بعثه الله بشريعة جديدة"؛ فآدم عليه السلام قد جاء - ولا شك - بشريعة جديدة يحتكم هو وبنوه إليها، ويسيرون على منهاجها، وقال جماعة من أهل العلم: إن آدم كان نبيًّا ولم يكن رسولًا؛ بدليل حديث الشفاعة الذي رواه البخاري ومسلم، واللفظ للبخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في دعوة، فرُفعت إليه الذراع وكانت تعجبه فنهس منها نهسة، وقال: ((أنا سيد الناس يوم القيامة، هل تدرون بِمَ؟ يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، فيبصرهم الناظر ويسمعهم الداعي، وتدنو منهم الشمس، فيقول بعض الناس: ألا ترون إلى ما أنتم فيه؟ إلى ما بلغكم؟ ألا تنظرون إلى من يشفع لكم إلى ربكم؟ فيقول بعض الناس: أبوكم آدم، فيأتونه، فيقولون: يا آدم، أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكةَ فسجدوا لك، وأسكنك الجنةَ، ألا تشفع لنا إلى ربك؟ ألا ترى ما نحن فيه وما بلغنا؟ فيقول: ربي غضب غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله، ونهاني عن الشجرة فعصيتُه، نفسي، نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح، فيأتون نوحًا فيقولون: يا نوح، أنت أوَّل الرسل إلى أهل الأرض، وسمَّاك الله عبدًا شكورًا، أما ترى إلى ما نحن فيه، ألا ترى ما بلغنا؟ ألا تشفع لنا إلى ربك؟ فيقول: ربي غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله، نفسي، نفسي...))؛ إلخ الحديث، فقولهم: ((أنت أول الرسل إلى أهل الأرض))، يفيد بأنَّ آدم لم يكن رسولًا، لكن المثبِتين لرسالة آدم يقولون: إن نوحًا أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض للتحذير مِن الشِّرك؛ إذْ لم يكن قبل قوم نوح عليه السلام شِرك في الأرض، وإنما كانت المعاصي كلها دون الشرك؛ كالقتل والظلم ونحوه، أو أن المراد من هذه الأولية هو بالنسبة إلى شمول رسالته لكلِّ أهلِ الأرض، ولم يكن أهل الأرض إلَّا قوم نوح عليه السلام، ولم يكن على الأرض ناس سواهم، أما الرسول الذي شملت رسالته كلَّ أهل الأرض عربهم وعجمهم وحتى الجن فهو محمد صلى الله عليه وسلم، وأمَّا ما عدا نوحًا ومحمدًا من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فلم تكن رسالتهم تشمل كلَّ أهل الأرض وإنما هي خاصة لأقوامهم، ونوح وإن كان كذلك قد بُعث إلى قومه خاصة، لكنهم كانوا يومئذ كلَّ أهل الأرض كما أشرتُ، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري في كتاب أحاديث الأنبياء في باب قول الله عز وجل: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ ﴾ [هود: 25] في عبارة: ((أنت أول الرسل إلى أهل الأرض))، فأمَّا كونه أوَّلَ الرسل فقد استشكل بأن آدم كان نبيًّا، وبالضرورة تعلم أنه كان على شريعة مِن العبادة، وأن أولاده أخذوا ذلك عنه؛ فعلى هذا فهو رسول إليهم، فيكون هو أول رسول، فيحتمل أن تكون الأولية في قول أهل الموقف لنوح مقيَّدة بقولهم: إلى أهل الأرض؛ لأنه في زمَن آدم لم يكن للأرض أهل، أو لأن رسالة آدم إلى بنيه كانت كالتربية للأولاد، ويحتمل أن يكون المراد أنه رسول أُرسِلَ إلى بنيه وغيرهم من الأمم الذين أرسل إليهم مع تفرُّقهم في عدَّة بلاد، وآدم أُرسل إلى بنيه فقط وكانوا مجتمعين في بلدة واحدة؛ اهـ.

هذا، وبعض أهل العلم يفسِّر قولَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث الإسراء والمعراج عن يوسف عليه السلام: ((فإذا أنا بيوسف عليه السلام، وإذا هو قد أُعطي شطر الحسن))؛ بأنَّ المراد أنَّ يوسف عليه السلام أُعطي نِصف حُسن آدم عليه السلام، وإن كان بعضُ أهل العلم يفسِّر ذلك بأن يوسف قد أُعْطِي شطر حسن الناس جميعًا، وبعضهم يفسِّره بأن يوسف عليه السلام قد أُعطي شَطر حسن محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى كلِّ حال فإن الله تبارك وتعالى قد خلَق آدم وركبه على أحسن صورة على حدِّ قوله تعالى: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ [التين: 4]، وقد استقرَّ عند أهل جميع الأديان السماويَّة أن آدم أبو البشر، غير أنه قد نبغت نابغات مِن الإلحاد والزَّندقة في العصور المتأخرة، فزعموا أنَّ الشمس في أثناء دورانها السريع حولَ نفسها انفصلت منها قطعة أخذت تبتعد عنها قليلًا قليلًا وتتَّخذ لنفسها مجرًى كمجرى أمها الشمس؛ وهذه القطعة هي الأرض، ويَدَّعون أنه بطول الزمن برد سطح الأرض، وإن كان باطنها لا يزال على حرارته، وقد أحاطت بها المياه، وأنه بطول الزمن آسن بعض هذا الماء فتوالدت فيه حيوانات مائيَّة كهذه الحيوانات التي تتوالد في أي ماء آسن، ويرون أن من جملة هذه الحيوانات البحرية كان الإنسان، ويطلقون عليه في هذه الفترة: (الإنسان المائي)، ثم بمرور الزمن الطويل البالغ (ملايين) السنين أخذ هذا الحيوان المائي يخرج إلى شواطئ البحار ويرعى الحشائش النابتة عليها، ثم يرجع إلى البحر ليعيش فيه شبيهًا بالتماسيح، ويطلقون عليه في هذه الفترة (الإنسان البرمائي)، ثم استطاع هذا الحيوان أن يتطبَّع بطِباع البَرِّ وأن يعيش فيه طول حياته، وأن يهجر حياة البحر، ويطلقون عليه طول هذه الفترة (الإنسان البرِّي).

ثمَّ يزعمون أن هذا الحيوانَ بعد فترات طويلة من التاريخ تبلغ "ملايين" كثيرة من السنين استطاع أن يتميز من كثير من الحيوانات البرية الغابية، وأنه صار يستعمل أنواعًا من الآلات كالحجارة ونحوها؛ فارتفع وارتقى عن باقي الحيوانات التي لم تتميز بذلك، وقد رفع لواءَ هذه النظريَّةِ نصرانيٌّ يقال له: داروين، ونشطت اليهودية العالمية في ترويج نظرية داروين هذه؛ لأنها تتماشى مع ما عرف باسم بروتوكولات حكماء صهيون وكذلك "الماسون" في العمل على تخريب العالم؛ ليتمكَّنوا مِن تأسيسه من جديد بحسب أهوائهم وشهواتهم، وقد أطلقوا عليها نظرية التطور والارتقاء[1].

وبالنظر المجرَّد إلى هذه النظرية نرى أنَّ أصحابها لا يؤمنون بفاطر السماوات والأرض، ولا يصدِّقون بأيِّ كتاب سماوي؛ إذ الكتب السماوية المؤيدة بالمعجزات الحسِّية والعقلية تقرِّر أنَّ الله خلَق الأرض، وجعل فيها رواسي مِن فوقها، وبارك فيها، وقدَّر فيها أقواتَها، ثم خلق السماوات وزيَّن السماء الدنيا بمصابيح، وأنه خلق الملائكة المكرمين من نور، ثم الجان من نار السموم، ثم خلق آدمَ أبا البشر من طين، فسوَّاه بيده الكريمة على هذه الصورة الجميلة، وكرَّمه على جميع المخلوقات في الأرض.

والعجيب أنَّ بعض الجاهلين يزعمون أن نظرية داروين في التطور والارتقاء قد قرَّرها القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿ وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا ﴾ [نوح: 14]، مع أنَّ القرآن شرح هذه الأطوار في مواضع كثيرة؛ كقوله تعالى: ﴿ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ﴾ [الحج: 5]، وكقوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ﴾ [غافر: 67]، وكقوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ [المؤمنون: 12 - 14]، كما فسَّر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أطوارَ خلق الإنسان كذلك؛ فقد روى البخاري ومسلم، واللفظ للبخاري من حديث عبدالله - يعني ابن مسعود - رضي الله عنه قال: حدَّثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: ((إن خَلْقَ أحدكم يُجمع في بطن أمه أربعين يومًا وأربعين ليلة، ثم يكون علقة مثله، ثم يكون مُضغة مثله، ثم يُبعث إليه الملَك فيؤذَن بأربع كلمات، فيكتب رِزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد، ثم ينفخ في الروح...))؛ الحديث.

فيجب علينا معشرَ المسلمين أن نتفطَّن ونحذر من هؤلاء الدعاة إلى نظرية داروين في التطور والارتقاء؛ لأن الإيمان بها كُفر بإله السماوات والأرض.

هذا، وقد أخبر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنَّ آدم خُلق في يوم الجمعة؛ فقد روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((خير يوم طلعت فيه الشمسُ يوم الجمعة؛ فيه خُلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها))، وهذا يدلُّ على أنَّ آدم عليه السلام خلق خلقًا واحدًا لم تمر عليه الأطوار التي زعمها داروين وعصبته من الملاحدة والدهريين.

وأكتفي بهذه الشذرات مِن قصة آدم عليه السلام، وقد بيَّنتُ فيها ما جاء به الخبر عن الله، أو صحَّ عن رسول الله، والواجب على كل مسلم ولا سيما أهل العلم أن يَحترسوا من الإسرائيليَّات، وما دَسَّه اليهود على الأنبياء والمرسلين.

وإلى فصل قادم إن شاء الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

[1] بعد إعداد هذا الكتاب للطَّبع نشرت جريدة الشرق الأوسط السعودية في عددها رقم (3328) بتاريخ يوم الجمعة 19/ 5/ 1408هـ الموافق لليوم الثامن من شهر يناير سنة 1988م تحت عنوان: "العلم يُثبت أصل الإنسان"، ما يلي: واشنطن - مكتب الشرق الأوسط: ضجت الأوساط العلميَّة في الغرب، ولا سيما في الولايات المتحدة بنبأ الاكتشاف الذي توصَّل إليه فريق من العلماء الأمريكيِّين بعد نحو عشر سنوات من البحث والدراسة في علم الوراثة والجينات، وقاد البحث إلى اكتشاف أنَّ الجينات الثابتة في كل النوع البشري يمكن تقفيها إلى امرأة واحدة (سماها فريق البحث بايف - أو حواء) انحدر منها كلُّ البشر، وكانت خصبة الولادة، وإليها تعود الجينات الثابتة عند كل البشر، والبالغة نحو خمسة آلاف جين، وهذا ما جاء في التقرير العلمي الذي نشرته مجلة "نيوز ويك" الأمريكية هذا الأسبوع، ويحدِّد العلماء ظهورها على الأرض بأنه وقع في آسيا أو إفريقيا قبل نحو 200.000 سنة، وعلى هذا الأساس يمكننا اعتبارها جدتنا العشرة آلاف، وقد ناقضت هذه الاكتشافات كلَّ ما ذهب إليه العلماء من قبل فيما يتعلَّق بظهور الإنسان على الأرض، وخاصة ما يتعلق بنظرية العالم الإنجليزي داروين حول أصل الإنسان)؛ انتهى ما أوردته جريدة الشرق الأوسط بحروفه.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 98.16 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 95.15 كيلو بايت... تم توفير 3.02 كيلو بايت...بمعدل (3.07%)]