|
ملتقى الحج والعمرة ملتقى يختص بمناسك واحكام الحج والعمرة , من آداب وأدعية وزيارة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() أدبية الناسك، وشمائل الحاج والسالك الشيخ حمزة بن فايع الفتحي المقدمة الحمد لله حمدًا، مفضِّلِ مكة في البلاد، ومكرِّم الحجيج في العباد، اختصهم برحمته، وزادهم من نعمته، ووَسِعَهم بمشيئته، وصلى الله وسلم على سيد الناسكين، وخير الطائفين، مَن حج ولبَّى، وقام لله وصلى، وعلى آله وصحبه ما ضاء وتجلى، وغرَّد بلبل وتغنى. أما بعد: فقد قال - تعالى -: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة: 197]. فهذه الآية الكريمة أصل كبير في أدب الحاج، وقد حوتْ آدابًا جليلة، ووصايا عظيمة، جديرٌ بكل مسلم ناسكٍ تأملُها، والانتفاعُ بأثرها وتأثرها. ولما كان همُّ الحجيج السؤالَ عن فقه الحج وأحكامه، وسمتْ همةُ أهل العلم إلى ذلك تدريسًا، وتأليفًا، وتوجيهًا، رأيتُ أن أذكِّرَ إخواني النساك بأمر عظيم، وشيء متين، لا تقل أهميته شأنًا عن فقه الحج؛ بل إنه يسهم بقوة في إنجاح الحجة، وإصابتها السنة، ألا وهو "أدب الحاج"، الذي قلَّ التنبيهُ عنه، وتغافل الحجاجُ عن معانيه، وقد طمعت النفس في تسجيل منظومة لطيفة للحاج، يُدرِك من خلالها أهمَّ الآداب، وأحسن الأخلاق التي يتحلاها ويتمناها أثناء أدائه هذه العبادة العظيمة، ثم بدا أن أعلق عليها كلمات، وأُجليها بإشارات تُجليها وتوضحها، بلا إطناب ولا إكلال، بحيث يَسهل للحاج تأملُها وقراءتُها في أي وقت، وعلى أية حال. واللهَ نسأل أن يرزقنا حسن القصد، وصحة العمل، وأن يُوفق إخواننا الحجاج، وأن يسهل عليهم أداء المناسك على أحسن وجه وأتمه، وَفق السنن الصحيحة، والطرائق المليحة، آمين. نص المنظومة تَجَرَّدَنْ لِلَّهِ بِالإِخْلاَصِ وَاسْعَ إِلَى الغُفْرَانِ وَالخَلاَصِ مُزَوَّدًا بِالتَّقْوَى وَالرَّجَاءِ وَالزَّادِ وَالمَتَاعِ وَالحَيَاءِ مُتَّجِهًا بِأَطْيَبِ الأَمْوَالِ وَأَحْسَنِ الآدَابِ وَالخِصَالِ مُسَارِعًا لِلخَيْرِ وَالفَضَائِلِ مُلَبِّيًا مِنْ غَيْرِ مَا تَثَاقُلِ مُكَبِّرًا لِلَّهِ بِاسْتِيقَانِ وَهَاجِرًا مَسَاوِئَ اللِّسَانِ مُبْتَغِيَ الثَّوَابِ وَالنَّوَالِ وَتَارَكَ الفُسُوقِ وَالجِدَالِ وَحَامِلاً اَلخُلْقَ وَالخُشُوعَا وَالفَضْلَ وَالسُّكُونَ وَالخُضُوعَا وَآخِذًا مَنَاسِكَ الرَّسُولِِ وَجَامِعًا مَحَاسِنَ الفُضُولِ مُقْتَفِيًا مِنْ غَيْرِ مَا إِيغَالِ وَعَامِلاً مِنْ غَيْرِ مَا إِقْلاَلِ تَلِينُ لِلإِخْوَانِ وَالأَصْحَابِ وَنَاسِكًا مِنْ غَيْرِ مَا اصْطِخَابِ وَصَابِرًا فِي غَمْرَةِ الزِّحَامِ وَرَامِيًا مِنْ غَيْرِ مَا إِيلاَمِ فَإِنَّمَا الطَّوَافُ وَالجِمَارُ لِكَيْ يُقَامَ الذِّكْرُ وَالجُؤَارُ مُعَظِّمًا لِلَّهِ بِالتَّوْحِيدِ وَطَارِحَ الشَّرِيكِ وَالنَّدِيدِ مُنْكَسِرًا فِي جَمْعٍ اوْ عَرَفَاتِ وَتَائِبًا بِالصِّدْقِ وَالعَبَرَاتِ غَيْرَ مُضَيِّعٍ لِذَا الزَّمَانِ وَقَارِئًا لِلعِلْمِ وَالقُرَانِ تَأْمُرُ بِالمَعْرُوفِ وَالمَحَاسِنِ وَنَاكِرًا لِلسُّوءِ وَالمَحَازِنِ وَمُرْشِدًا لِلضَّالِ وَالجُهَّالِ وَنَاصِحًا مِنْ غَيْرِ مَا إِمْلاَلِ وَتُطْعِمُ الفَقِيرَ وَالمِسْكِينَا وَتَرْحَمُ المُسِنَّ وَالمَهِينَا تَسِيرُ فِي تَوَاضُعٍ كَبِيرِ وَلَيْسَ فِي تَبَخْتُرٍ مُثِيرِ مُذَلَّلاً لِلَّهِ فِي المَنَاسِكِ وَلَيْسَ كَالشَّرِيكِ وَالمُعَارِكِ تَقُولُ مَا يَقُولُهُ الأَمِينُ مَا جَلَّ أَوْ دَقَّ وَمَا يُبِينُ مُجْتَنِبًا أَذِيَّةَ الأَنَامِِ بِالدَّفْعِ وَالفُحْشِ وَبِالمَنَامِ وَجَعْلَ ذَا الطَّرِيقِ لافْتِرَاشِ أَوْ حَاجَةٍ أَوْ مَجْلِسَ انْتِعَاشِ وَغُضَّ ذِي العَيْنَيْنِ فِي الطَّرِيقِ وَلاَ تَكُنْ كَجَالِبِ الحَرِيقِ مَنْ جَاءَ لِلتَّمْحِيصِ وَالمَبْرُورِ فَعَادَ بِالأَوْزَارِ وَالشُّرُورِ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الضَّيَاعِ لِلحَالِ وَالجُهْدِ وَلِلمَتَاعِ وَإِنْ تَبِعْ فَحَاذِرِ الحَرَامَا وَالغِشَّ وَالتَّدْلِيسَ وَالإِيهَامَا تُطِيعُ لِلأَمِيرِ وَالجَلِيلِ وَسَائِلاً لِلعَالِمِ النَّبِيلِ مُعْتَنِيًا بِصِحَّةِ الأَجْسَامِ فِي عَالَمٍ يَمُوجُ بِالأَنَامِ وَمَشْهَدُ الإِحْرَامِ وَالعَرَفَاتِ مُذَكِّرٌ بِالمَوْتِ وَالعَرَصَاتِ فَهَذِهِ الآدَابُ لِلحَجِيجِ فَخُذْهَا بِالتَّأَمُّلِ البَهِيجِ وَحَيْثُ قَدْ عَرَفْتَ فَالإِسْرَاعُ وَالجِدُّ وَالبَلاَغُ وَالإِقْنَاعُ شرح المنظومة تَجَرَّدَنْ لِلَّهِ بِالإِخْلاَصِ وَاسْعَ إِلَى الغُفْرَانِ وَالخَلاَصِ قال - تعالى -: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر: 2، 3]، وقال: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: 5]. والإخلاص معناه: أن يبتغي العبد بعمله وجه الله، لا رياء، ولا سمعة. وقال بعضهم: هو إفراد الله بالقصد في الطاعة. وقيل: هو تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين، وإعجابِ الفاعل بنفسه. والوسائل المعينة عليه: استشعار ضعف العباد، وأنهم لن يُغنوا عنك من الله شيئًا، والمجاهدة والإلحاح على الله بالدعاء لبلوغه، والإكثار من عبادة السر كقيام الليل، واستحضار الإخلاص عند كل عبادة، وعدم تزكية النفس. ثم قال الناظم: وَاسْعَ إِلَى الغُفْرَانِ وَالخَلاَصِ فهو محل عفو الله عن عباده، وخلاصهم من الذنوب والمعاصي. وفي عشية عرفة يُندب الدعاء والتوبة والانكسار؛ لأنها ساعات العتق من النار، وفضل الله فيها واسع كبير. مُزَوَّدًا بِالتَّقْوَى وَالرَّجَاءِ وَالزَّادِ وَالمَتَاعِ وَالحَيَاءِ هذا هو الأدب الثاني، وهو التزود بالتقوى، والتحلي بها، قال - تعالى -: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة: 197]. يتبع
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]()
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() أدبية الناسك، وشمائل الحاج والسالك الشيخ حمزة بن فايع الفتحي والأدب الثاني: وَتَارَكَ الفُسُوقِ وَالجِدَالِ والرفث: هو الجماع، وكذلك دواعيه مِن المباشرة والتقبيل. وأيضًا يحرم التكلم به بحضرة النساء وفي غيابهن، خلاف المنقول عن ابن عباس، وإنما الرفث ما يقال عند النساء؛ بل الصواب اجتنابه كله. والفسوق قيل: هو المعاصي، وقيل: هو السباب، وقيل: التنابز بالألقاب، والأول أعم، وهو أحسن. والجدال: هو أن تماريَ أخاك حتى تُغضبَه، وكل جدال يفضي للتقاطع والخصومات، أما الجدال في العلم والمسائل، على وجه التناصح والفهم، فليس من ذلك. وهذه الآثام الثلاثة في الحج حَرِيَّةٌ أن تُذهب حلاوتَه، وأن تمحق ثوابَه، أو تنقصه على كل حال، وقد قال بعض العلماء: إن الحج المبرور هو الذي لا يخالطه إثم، والرافث آثم، والفاسق مرتكب معصية خرجت به عن الاستقامة، والمجادل يُخشى عليه أن يجره جدالُه إلى آفة محرمة؛ من سبٍّ، أو لعن، أو شتيمة، أو تقاطع. وَحَامِلاً اَلخُلْقَ وَالخُشُوعَا وَالفَضْلَ وَالسُّكُونَ وَالخُضُوعَا - منها التحلي بحسن الخلق، وهو كما قال ابن المبارك: "بسطُ الوجه، وبذل المعروف، وكف الأذى". - ثم التحلي بالخشوع، وهو السكون والطمأنينة، بحيث يؤدى الحاج المناسك بكل خشوع وطمأنينة، ويحمل أيضًا الفضل، وهو الإكرام بماله، وخلقه، وشمائله. - ويتحلى بالسكون في حركته ومشيه، وأدائه للمشاعر بلا عجلة، أو مزاحمة، أو ركض. - ويتحلى أيضًا بالخضوع في كل نسك يؤديه؛ ليخضع وينكسر لله، بلا تعالٍ ولا تجبرٍ. وهذا البيت احتمل خمسة آداب، ينبغي تحلي الحاج بها، تُضاف لما سبق، فتبلغ خمسة عشر أدبًا. وَآخِذًا مَنَاسِكَ الرَّسُولِِ وَجَامِعًا مَحَاسِنَ الفُضُولِ فخذ مناسك الحج من رسول الله، المعلم الأول، والرسول الملهم، ودعك من آراء الشيوخ، أو اجتهادات الفقهاء المنافية للسنة والأخبار. ثم عرَّج على أدب آخر: وَجَامِعًا مَحَاسِنَ الفُضُولِ ومن المحاسن: فتح بعض الفضلاء مخيماتهم للفقراء المساكين، إطعامًا، وإيواء، ومبيتًا، كما كان يصنع الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله تعالى - وبعض العلماء، وتسبيل بعض التجار المياهَ، والمشروباتِ، والأطعمةَ على صورة شاحنات تجوب المناسك، وقد كان ابن جُدْعان في الجاهلية يتولى إطعام الحجيج بشيء لا يوصف؛ وفيه قال الشاعر: لَهُ دَاعٍ بِمَكَّةَ مُشْمَعِلٌّ وَآخَرُ فَوْقَ دَارَتِهِ يُنَادِي إِلَى رُدُحٍ مِنَ الشِّيزَى عَلَيْهَا لُبَابُ البُرِّ يُلْبَكُ بِالشِّهَادِ ونُقل عن الثوري أنه كان في الحج أَمُورًا بالمعروف، ونَهُوًّا عن المنكر. وكان سفيان بن عيينة إذا حج دعا ألا يكون آخر العهد به، فلما كان آخر سنة لم يَدْع؛ قال: "استحييت من ربي - عز وجل -"، وقد شهد ثمانين موقفًا. واجتمع بكر بن عبدالله المزني ومطرف بن عبدالله بن الشِّخِّير في عرفات، فقال أحدهما: اللهم لا تَرُدَّ هذا الجمع، وقال الآخر: لولا أني فيهم لقلت: إن الله غفر لهم. ومن المحاسن في عصرنا: كثرة الدروس والكلمات في أغلب المخيمات وانتظامها، ولقاء أهل العلم بعضهم ببعض، وعقد المجالس والندوات؛ للإفادة والتشاور، والتلاقي العلمي والفكري. ومنها: توزيع وزارة الحج وإدارة الدعوة كتيباتٍ ومنشوراتٍ علميةً نافعة بأعداد كبيرة، وجري بعض العلماء والمحسنين على ذلك، وهي تسهم في نوع من توعية الحاج فقهيًّا وأدبيًّا وحضاريًّا، نسأل الله أن تتضاعف الجهود أضعافًا مضاعفة في إزالة تخلف الأمة وتبعثرها حضاريًّا، في أيام يجتمعون فيها في هذه الفريضة المباركة. مُقْتَفِيًا مِنْ غَيْرِ مَا إِيغَالِ وَعَامِلاً مِنْ غَيْرِ مَا إِقْلاَلِ الأول: الاقتفاء بلا غلو، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إياكم والغلوَّ في الدين؛ فإنما أهلك مَن كان قبلكم الغلوُّ في الدين))، وفي القرآن الكريم: {لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} [المائدة: 77]. ومن صور الغلو في الحج على سبيل المثال: رمي الجمارات بحصى كبيرة، أو بأمور أخرى غير الحصى، أو غسلها قبل الرمي. ومن الغلو العجيب: ما زعمه الغزالي في "الإحياء" من استحباب الوقوف بعرفة اليوم الثامن، وادَّعى أنه الحزم. والثاني: العمل بلا تقلل؛ أي: الإتيان بالعبادة بلا تقليل؛ كمَن يمر بمنًى ويجلس قليلاً بلا مبيت، ولو لنصف الليل، وكذلك مَن يمر بمزدلفة بسيارته ولا يبيت غالب الليل. ونظيره مَن يمر بعرفة مرورًا، ولا يجلس للصلاة، والذِّكر، والابتهال، والدعاء, وإن كان حجه صحيحًا، ولكن لماذا إنقاص العبادة، وحرمان النفس من الفضل؟ وبعض هؤلاء المتقللين، ربما أناب شخصًا مكانه، أو سأل: ما حكم هذا المنسك؟ فإذا قيل له: يُجبَر بدم، استهان بما يدفعه من ماله، ولم يبالِ بتمام الحج وبِرِّه، وتحصيل الثواب الباهر؛ وقد قال - تعالى -: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196]. فهذان الأدبان السابع عشر والثامن عشر: تَلِينُ لِلإِخْوَانِ وَالأَصْحَابِ وَنَاسِكًا مِنْ غَيْرِ مَا اصْطِخَابِ يتبع
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]() أدبية الناسك، وشمائل الحاج والسالك الشيخ حمزة بن فايع الفتحي والأدب العشرون: وَنَاسِكًا مِنْ غَيْرِ مَا اصْطِخَابِ أي: انسك المناسك بلا صخبٍ، أو رفعِ صوت؛ سوى تكبيرٍ وتلبية، وإن كان الذِّكر المشروع يرفع دون أذية للآخرين. ومما يُكرَه أيضًا: رفعُ الصوت بكلمات ليس لها أصل، أو قولهم: "حج يا حاج"، وما شابه ذلك. ومن الطريف أن بعضهم يزاحم الناس ويؤذيهم، ثم يقول: حج يا حاج، وآخر زحَمَه الناس وضغطوه، فقيل: حج يا حاج، فقال باللهجة المصرية: هو انتو خليتو فيها حج؟! والله المستعان. وَصَابِرًا فِي غَمْرَةِ الزِّحَامِ وَرَامِيًا مِنْ غَيْرِ مَا إِيلاَمِ هنا أدبان رفيعان مهمان؛ وهما الواحد والعشرون: وهو الصبر على زحام الناس؛ فمِن حكمة الله وفضله اجتماعُ الناس وتزاحمهم في هذه الأماكن، بطريقة لا شبيه لها، وفي قوله - تعالى - على لسان إبراهيم: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} [إبراهيم: 37]، قيل: لو قال: أفئدة الناس، لازدحم عليه المسلمون والترك والفرس، فخص ولم يعم، ومع ذلك ترى الزحام المخيف، والكثرة الكاثرة، التي تدل على صدق هذا الدين، وأنه ملاذ البشرية، ومحل هداية الإنسان لو فكر وتأمل، فالآن يجتمع قرابة ثلاثة ملايين يقضون مناسكهم بتوفيق الله وتيسيره، ثم بجهود المخلصين الذين يسهرون على خدمتهم، والإحسان إليهم. والمندوب للحاج أن يصبر على أذية الزحام، ولا يغضب، أو يتذمر، أو يكافئ السوء بالسوء؛ بل يحتمل كما احتمل الصالحون مثله. فقد تَلقَى مَن يَسبُّك أو يشتمك، فعامله بتعليم الله لك: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} [الفرقان: 63]؛ أي: كلامًا طيبًا لينًا. والأدب الثاني والعشرون: وَرَامِيًا مِنْ غَيْرِ مَا إِيلاَمِ ويقصد الناظم شعيرةَ رميِ الجمار، ولهذه الشعيرة آداب: - يرميها سبع حصيات نحو حبة الحِمَّص أو الباقلاء. - ترمى رميًا معتدلاً، دون شدة أو تراخٍِ. - لا إيلام للناس أو للشاخص؛ لأنه ليس في الشاخص شيطان، كما قد يعتقده كثير من الجهلة، وإنما هو إحياء لما صنعه إبراهيم - عليه السلام - وقد جاء في الحديث: ((إنما جعل الطواف بالبيت، وبالصفا والمروة، ورمي الجمار؛ لإقامة ذكر الله)). - موضع الرمي مجتمع الحصى، لا الشاخص، أو ما سال منه. فَإِنَّمَا الطَّوَافُ وَالجِمَارُ لِكَيْ يُقَامَ الذِّكْرُ وَالجُؤَارُ أي: ما جُعلت هذه الشعائر إلا لإقامة ذكر الله، يتحسس الحاج أنه يؤدي عبادة ذات معنى، وليست أفعالاً بلا روح، أو حركات دون إضاءات، والله الموفق. مُعَظِّمًا لِلَّهِ بِالتَّوْحِيدِ وَطَارِحَ الشَّرِيكِ وَالنَّدِيدِ وهذا هو الأدب الثالث والعشرون، وهو أن الحج عنوان الوحدانية لله - تعالى - لأنه يقصد ربًّا واحدًا، له يسعى، وله يصلي ويطوف، ومن أجله يحلق وينحر ويرمى، وهو يردد دائمًا: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر والله أكبر ولله الحمد، ويردِّد: لبيك اللهم لبيك. فالحاج يعلن توحيده لله، الذي به يبرأ من كل دين، أو صنم، أو طاغوت، أو نجم، أو صورة، ويعلق رجاءه وخوفه بالله - تعالى - قال - تعالى -: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [غافر: 14]. إذًا فلا يصح حجُّ مَن دعا غير الله، من نبيٍّ، أو ولي، أو صالح، أو ما شابهه؛ لأن الله لم يعد قصدًا الداعي، بل صار القصد لمخلوق لا يضر ولا ينفع، وقد أمر الله رسوله أن يقول: {قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا} [الجن: 21]. مُنْكَسِرًا فِي جَمْعٍ اوْ عَرَفَاتِ وَتَائِبًا بِالصِّدْقِ وَالعَبَرَاتِ والأدب الرابع والعشرون: أن تكون هيئته حالَ الدعاء منكسرًا لله، منطرحًا بين يديه باكيًا، يرجو فضله، ويسأله محو ذنوبه. وقال الناظم: فِي جَمْعٍ اوْ عَرَفَاتِ وهذان موضعان عظيمان من وقفات الدعاء الثابتة، وجَمْع هي مزدلفة؛ وسميت بذلك لاجتماع الناس فيها، وعرفات هو المكان المعروف الذي يجتمع فيه النساك اليوم التاسع، ووقفته أفضل وقفات الدعاء واللجوء إلى الله - تعالى. ثم قال: وَتَائِبًا بِالصِّدْقِ وَالعَبَرَاتِ وذا أدب آخر: أن يكون من صفات الحاج إعلان التوبة لله - تعالى - في تلك المشاعر؛ لاتساع الرحمات، وكثرة البركات، وانكسار النفوس، ولذا كثيرًا ما نسمع بتوبة إخوةٍ لنا في الحج؛ لعظمة ما يرون، ولخير ما يدركون: مغنٍّ يهجر الغناء، ومدخن يكف، ومرابٍ يقلع عن الربا؛ خوفًا من بناء جسده وإنباته من الحرام، وهلم جرًّا. والمخيمات الزاخرة بالدروس والمواعظ محل توبة كثير من الحجاج، نسأل الله من فضله ورحمته. غَيْرَ مُضَيِّعٍ لِذَا الزَّمَانِ وَقَارِئًا لِلعِلْمِ وَالقُرَانِ وهذا البيت احتوى على الأدبين السادس والعشرين والسابع والعشرين. أما الأول: فهو ما قرره بقوله: غَيْرَ مُضَيِّعٍ لِذَا الزَّمَانِ والمراد: حفظ الأوقات، ومراعاة شرف الزمان، قال - تعالى -: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر: 1، 2]، وفي "صحيح البخاري": ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ)). ومن آفات الحجاج في المناسك: إضاعة الأوقات، وقضاؤها في الضحك وأحاديث الناس، أو كثرة المنام والاستغفال. ثم قال: وَقَارِئًا لِلعِلْمِ وَالقُرَانِ وذا هو الأدب الآخر، أن يحرص على اغتنام الزمان بالقراءة في القرآن وكتب العلم، ومن ذلك مطالعة كتب المناسك، ومن أحسنها: "التحقيق والإيضاح" لابن باز، و"المنهج" لابن عثيمين، و"حجة النبي" و"المناسك" للألباني - رحم الله الجميع. وكذلك يتردد على دورس المشايخ الفقهاء، الذين تزدان المشاعر بعلومهم ومعارفهم. تَأْمُرُ بِالمَعْرُوفِ وَالمَحَاسِنِ وَنَاكِرًا لِلسُّوءِ وَالمَحَازِنِ ومن آداب الحاج المهمة: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وهذا هو الثامن والعشرون، قال - تعالى -: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 110]. فحج مئات الآلاف من الناس وإيمانهم متفاوت، استقامتهم متباينة، وفيهم من يقصر ويسيء، فالواجب نصحه وتذكيره بالكلمة الرقيقة، والأسلوب اللين، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن رأى منكم منكرًا فلْيغيِّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، ومن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)). ترى حاجًّا يشتم ويسب، وآخر يستمع الغناء، وآخر يدخن، وما أكثرهم! وآخر يؤذي الناس! فمَن لهؤلاء إلا النَّصَحة المشفقون، والدعاة اللينون؟ ومعنى: "للسوء والمحازن"؛ أي: المنكرات السيئة، التي تُحزن أهلَ الإيمان رؤيتُها. وَمُرْشِدًا لِلضَّالِ وَالجُهَّالِ وَنَاصِحًا مِنْ غَيْرِ مَا إِمْلاَلِ في الحج يكثر الضوالُّ والجهال، أحدهما يضل الطريق، والآخر يضل السُّنة والهدي، فالواجب نصحهما وإفادتهما، لاسيما من يعرف الأمكنة والمشاعر، ومن يفقه الأحكام والأدلة، وذا هو الأدب التاسع والعشرون. وأما الثلاثون: فالنصح بدون إملال، ذكِّر بقصد، وانْصَح باعتدال، أو تخوَّل الناس؛ لئلا تملهم أو تضجرهم. وهنا ننبه على أن بعض أصحاب المخيمات - مِن حرصهم على الخير - يُكثرون الكلمات والمواعظ، دون إجمام أو ترويح، لدرجة حرمان الحجاج من النوم والارتياح، وذا مسلك ليس بجيد، فليتنبه. وَتُطْعِمُ الفَقِيرَ وَالمِسْكِينَا وَتَرْحَمُ المُسِنَّ وَالمَهِينَا هذا البيت اشتمل على أدبين آخرين مهمين: الأول: يستطيعه الموسر المقتدر، وهو إطعام الفقراء والمساكين. والثاني: يفعله كلُّ ناسك قذف الله في قلبه الرحمة، وهو رحمة المسنين والمهينين؛ أي: الشيوخ الكبار، والأشخاص الممتهنين ممن يمتهنهم الناس؛ لحرفهم، أو لفقرهم، أو لأحوالهم، وما أكثر هذين الصنفين في الحج! إذ المناسك تكتظ بفقراء بلا مأوى وبلا مطعم، وتغص بكبار عجزة، وبأقوام يحتقرهم الناس، فمَن لهؤلاء إلا أصحابُ الأيادي الندية، والقلوب الرقيقة، الذين يحتسبون فيهم الأجر والثواب؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((من لا يرَحم لا يُرحم))، ورُوِّينا في الحديث المسلسل بالأولية: ((ارحموا مَن في الأرض، يرحمكم من في السماء)). وهذان هما الأدبان الواحد والثلاثون والثاني والثلاثون. ثم قال الناظم بعد ذلك: تَسِيرُ فِي تَوَاضُعٍ كَبِيرِ وَلَيْسَ فِي تَبَخْتُرٍ مُثِيرِ وهنا نبه على أدب مهم، يحمله المسلم على كل حال، وفي الحج تشتد الحاجة إليه؛ لأن الموضع موضع سكينة وأدب، وليس عجلة وترفع، وهو خلق التواضع، فإذا مشى تواضع وعليه السكينة، ولا يمشى مِشْية المتكبرين المتبخترين. قال: تَسِيرُ فِي تَوَاضُعٍ كَبِيرِ أي: التواضع - مع هدوئه ولطافته - يعليك ويجعلك كبيرًا إذا صدقت الله، وفي الحديث: ((وما تواضع عبدٌ لله إلا رفعه الله)). ثم قال: وَلَيْسَ فِي تَبَخْتُرٍ مُثِيرِ لما كان اجتماع الناس باختلاف أجناسهم ومراتبهم، مدعاةً ليتعالى بعضهم، أو يتجبر آخرون، نبَّه على قبح السير بتبختر وتكبر؛ لأنه ليس من أخلاق الأنبياء ولا أتباعهم، قال الرحمن في وصفه لعباده: {الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان: 63]. ثم وَصَف ذلك التبختر بأنه مثير، يُلفت انتباهَ الناس، لا سيما الفقراء والضعفة، وسبب إثارته تعود إلى غرابته، واستنكار الناس له، ولأنه ليس على طبيعة الناس المعروفة، وغالبًا مَن يُبتلى به ذوو الولايات وأصحاب الثراء، والله المستعان، وهنا اكتمل الأدب الثالث والثلاثون. مُذَلَّلاً لِلَّهِ فِي المَنَاسِكِ وَلَيْسَ كَالشَّرِيكِ وَالمُعَارِكِ وهنا يبين الناظم ما ينبغي على الحاج أثناء تنقله بين المناسك وأدائه للطاعة؛ بأنه يكون متذللاً لله، خاضعًا له أثناء سيره وعمله. يتبع
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
![]() أدبية الناسك، وشمائل الحاج والسالك الشيخ حمزة بن فايع الفتحي قال: وَلَيْسَ كَالشَّرِيكِ وَالمُعَارِكِ تَقُولُ مَا يَقُولُهُ الأَمِينُ مَا جَلَّ أَوْ دَقَّ وَمَا يُبِينُ أي: تحرص أخي الحاج على تتبع آثار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القولية، والأذكار التي كان يرددها في أماكنها، وهذا جزء من أدب سبق، وهو أخذ المناسك من رسولنا الكريم - عليه الصلاة والسلام. ثم قال: مَا جَلَّ أَوْ دَقَّ وَمَا يُبِينُ مُجْتَنِبًا أَذِيَّةَ الأَنَامِِ بِالدَّفْعِ وَالفُحْشِ وَبِالمَنَامِ - أذية الناس بالدفع أثناء الاختلاط والزحام. - وأذيتهم بالفحش، وهو المنطق البذيء، وفي الحديث: ((ليس المؤمن بالطعَّان، ولا اللعَّان، ولا الفاحش البذيء)). - وأذيتهم بالمنام في طريقهم، وهذه بلوى ظاهرة، يتجاسر عليها مَن لا يعرف للطريق حقَّه، ولا للمشاة حقوقهم. - وأذيتهم بالافتراش في الطريق، سواء كان للراحة أو المنام، وذا لا يجوز. - وأذيتهم بقضاء الحاجة في ممر طريقهم، وهذا فعل محرم، قال - صلى الله عليه وسلم - كما في "صحيح مسلم": ((اتقوا اللاعنَيْنِ؛ الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلِّهم))، وسماهما ((لاعنين))؛ لأنهما جالبان للعن من الناس عليه، فالحذرَ الحذرَ. - وأذيتهم بجعل الطريق مجلسَ تفكُّهٍ وانتعاش، وخوض فيما لا ينفع، وفي أمور ضررها أكبر من نفعها، وذلك أيضًا لا يجوز، والله المستعان. وَغُضَّ ذِي العَيْنَيْنِ فِي الطَّرِيقِ وَلاَ تَكُنْ كَجَالِبِ الحَرِيقِ وهنا ذكر أدبًا مهمًّا، يدل على صدق التدين، وتمام استقامة الناسك، وهو غض البصر؛ فالحج فيه نساء ومُرْد، ويحصل التداني والاجتماع، وقد قال - تعالى -: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور: 30]، وقال: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور: 31]. وذا هو الأدب السابع والثلاثون، وهو شامل للجنسين، فإنه يحرم النظر لمواطن الشبهات. وقال الناظم معللاً ذلك: ..................... وَلاَ تَكُنْ كَجَالِبِ الحَرِيقِ مَنْ جَاءَ لِلتَّمْحِيصِ وَالمَبْرُورِ فَعَادَ بِالأَوْزَارِ وَالشُّرُورِ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الضَّيَاعِ لِلحَالِ وَالجُهْدِ وَلِلمَتَاعِ - أضاع ماله الذي بذله في الحج. - وأضاع جهده بفعل المناسك وهو ملطخ بالمعصية. - وأضاع متاعه الذي تكلف به، ولكن لم تطب الحجة، ولم تحسن الرحلة - والعياذ بالله. ثم شرع الناظم في إيضاح الأدب الثامن والثلاثين، وهو ما عناه بقوله: وَإِنْ تَبِعْ فَحَاذِرِ الحَرَامَا وَالغِشَّ وَالتَّدْلِيسَ وَالإِيهَامَا الصواب أنه يجوز بلا خلاف، وكان الصحابة قد تحرَّجوا من ذلك، فسألوا رسول الله، فأنزل الله - تعالى -: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198]؛ أي: في مواسم الحج، كذا فسَّرها مجاهد، وابن جُبير، وعكرمة، ومنصور بن المعتمر، وقتادة، وإبراهيم، والربيع بن أنس وغيرهم. وفي "صحيح البخاري" عن ابن عباس قال: كانت عُكَاظ ومَجَنَّة وذو المجاز أسواقًا في الجاهلية، فتأثموا أن يتَّجروا في الموسم؛ فنزلت: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} في مواسم الحج[1]. فإذا ما جاز للحاج البيعُ وابتغاء فضل الله، فليحذر بيعَ المحرمات، أو التلبيس بصورة محرمة؛ كالغش، أو التدليس، أو إيهام سلامة السلعة وهي تالفة، وما شابه ذلك، وهنا الأدب التاسع والثلاثون. تُطِيعُ لِلأَمِيرِ وَالجَلِيلِ وَسَائِلاً لِلعَالِمِ النَّبِيلِ قال - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]، وفي الحديث قال - عليه الصلاة والسلام -: ((مَن أطاع الأمير فقد أطاعني، ومن عصى الأمير فقد عصاني))؛ أخرجاه عن أبي هريرة. أما أمير الحج والرفقة، فيتعيَّن طاعته والسماع له، وأما الجليل، فيطاع؛ لشرفه، أو علمه وكبر سنة. ثم قال الناظم: وَسَائِلاً لِلعَالِمِ النَّبِيلِ تَصَدَّرَ لِلتَّدْرِيسِ كُلُّ مُهَوَّسِ جَهُولٍ تَسَمَّى بِالفَقِيهِ المُدَرِّسِ فَحُقَّ لأَهْلِ العِلْمِ أَنْ يَتَمَثَّلُوا بِبَيْتٍ قَدِيمٍ شَاعَ فِي كُلِّ مَجْلِسِ لَقَدْ هُزِلَتْ حَتَّى بَدَا مِنْ هُزَالِهَا كُلاَهَا وَحَتَّى سَامَهَا كُلُّ مُفْلِسِ وما أكثرَ المفاليسَ علمًا وفهمًا في هذا الزمان! وقد تقلدوا ما لا يسوغ لهم، والله المستعان. ثم قال الناظم: مُعْتَنِيًا بِصِحَّةِ الأَجْسَامِ فِي عَالَمٍ يَمُوجُ بِالأَنَامِ وَمَشْهَدُ الإِحْرَامِ وَالعَرَفَاتِ مُذَكِّرٌ بِالمَوْتِ وَالعَرَصَاتِ وهنا ختم الناظم الآداب بأدب جليل؛ وهو تذكُّر الموت والآخرة؛ لأن في إكمال المناسك ما يُذكر بذلك: فأولاً تجرُّده من المخيط عند الإحرام، وفيه تشبه بالميت، وعشية عرفات وما فيها من مهابةٍ، وجلالةٍ، وتزاحم، تُذكِّر بساعة القيامة. فمثل هذه المشاهد كافية في التذكير باليوم الآخر، الذي نعته الله بالأوصاف الشديدة في القرآن، قال - تعالى -: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} [البقرة: 281]، وقال: {رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ} [آل عمران: 9], وقال: {خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ} [القمر: 7]. وبهذا الأدب تكتمل الآداب إلى ثلاثة وأربعين أدبًا. ثم قال الناظم: فَهَذِهِ الآدَابُ لِلحَجِيجِ فَخُذْهَا بِالتَّأَمُّلِ البَهِيجِ وَحَيْثُ قَدْ عَرَفْتَ فَالإِسْرَاعُ وَالجِدُّ وَالبَلاَغُ وَالإِقْنَاعُ فهذه ثلاثة وأربعون أدبًا، نظمتُها وعلقتُ عليها بما يُوضحها ويكشف أسرارها في أيام معدودات، تشبه التشريق عدًّا لا معنًى، وتزيد عليها فضلاً وقدرًا وشرفًا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. كان الفراغ منه ليلة الجمعة الثاني من ذي الحجة 1425هـ. ــــــــــــــــــــــــــــ ([1] ) تفسير ابن كثر ص 323.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |