معالم العبودية في الحج - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1174 - عددالزوار : 131414 )           »          3 مراحل لانفصام الشخصية وأهم أعراضها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          متلازمة الشاشات الإلكترونية: كل ما تود معرفته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          ما هي أسباب التعرق الزائد؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          أضرار الوجبات السريعة على الأطفال: عواقب يُمكنك تجنبها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          الوقاية من القمل بالقرنفل: أهم الخطوات والنصائح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          علاج جفاف المهبل: حلول طبيّة وطبيعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          الوقاية من القمل في المدارس: دليل شامل للأهل والمعلم! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          الوقاية من التهاب الكبد: 9 خطوات بسيطة لصحة أفضل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          الوقاية من الجلطات: دليلك الشامل لصحة أفضل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > ملتقى الحج والعمرة
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى الحج والعمرة ملتقى يختص بمناسك واحكام الحج والعمرة , من آداب وأدعية وزيارة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 11-11-2019, 03:33 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,857
الدولة : Egypt
افتراضي معالم العبودية في الحج

معالم العبودية في الحج

د. أحمد ولد محمد ذو النورين





العبودية هي استقرار الشعور في نفس العبد على أن هناك معبوداً يؤلِّه وربّاً يُعبَد، وأن ليس هناك إلا ذلك الرب الواحد والكل له عبيد.
إن ذلك الرب الواحد هو الله، جلَّت عَظَمَته، المألوه الذي تتوجه إليه القلوب بكل لاعجة في الضمير، وبكل حركة في الجوارح، وبكل شعور في الحياة، تتوجه إليه بكل إخلاص وإنابة وتجرد من أي تعلُّق آخر، ومن كل معنى غير التعبد له وحدَه.

وقد غرز الله - تعالى - في فطرة الإنسان حاجة تجبره أن يكون عبداً؛ فإما أن يكون عبداً للرحمن وإما أن يكون عبداً للهوى والشـيطان، وجعل - جلت عَظَمَته - شرف هـذا الإنسان وزكـاته بعبـوديته للخالق الديان.
ذلك مـا غرسه القـرآن في غوائر الأنفـس المطمئنة بالإيمان، كما جاء في قوله - تعالـى - على لسان أبي العابدين - عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم -:{قُلْ إنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 162] .
«إنه التجرد الكامل لله - جلَّت عَظَمَته - بكل خالجة في القلب، وبكل حركة في الحياة، وبالصلاة والاعتكاف، وبالمحيا والممات، بالشعائر التعبدية، وبالحياة الواقعية، وبالممات وما وراءه... إنها تسبيحة التوحيد المطلق، والعبودية الكاملة، تجمع الصلاة والاعتكاف والمحيا والممات، وتخلصها لله وحده، لله {رب العالمين}... القِوام المهيمن المتصرف المربي الموجه الحاكم للعالمين... في (إسلام) كامل لا يسـتبقي في النفس ولا في الحياة بقية لا يعبِّـدها لله، ولا يحتجـز دونه شـيئاً في الضمير ولا في الواقع...»[1]، إنها العبـودية التـي من أجلهـا أُرسـلَت الرسل وأُنزلَت الكتـب، ولم يكـن لإبليس سلطان على أهلها، كما قال - تعالى -: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان}[الحجر:42]، إنها عبودية يؤطرها المنهج الذي لا يكون المرء فيه عبداً إلا لله وحدَه، خاضعاً لوحيه ذليلاً لسلطانه باذلاً حياته لتحصيل مراضيه بأوفر طاعة وأكمل محبة وأتم إنابة، وأشد خشية، وأعمق خوف، وأعلق رجاء، وأكثر حمد، وأجزل شكر، وأجمل صبر، وأرجى دعاء، وأصدح استغاثة، وأندى استعانة، إنها لذة الصلة بالله، جلت عَظَمَته.
وهذه هي المعاني التي تترجم المقصد الحقيقي للعبادة كما عرَّفها العلماء.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (العبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة)[2]، وهي التجسيد الفعلي للصلة بينهم وبين مألوههم الحق.
يقول ابن القيم - رحمه الله تعالى -: «الإله هو الذي يألهه العباد حباً وذلاً وخوفاً ورجاءً وتعظيماً وطاعة له، بمعنى مألوه؛ وهو الذي تألهه القلوب؛ أي: تحبـه وتذل له.
وأصل التألُّه التعبد، والتعبد آخـر مراتب الحـب، يقال عبَّده الحب وتيمه إذا ملكه وذلله لمحبوبه؛ فالمحبة حقيقة العبودية»[3].
وذلك هو طابعها في المنهج الإسلامي الذي تتجلل فيه العبادات كلها بدثار العبودية.
وليس الحج إلا إحدى تلك العبادات؛ بل من أزخرها بمعاني العبودية وحقائقها، فينبغي لمن أراده أن يقف مع ذاته لحظة تأمُّل تكون ثمرتها أن يجعل مرضاة خالقه أمله، وتوبته عليه مطلبه، فيسعى إلى تطهير نفسه من دنس الشرك وأدران الذنوب.
وفي هذا المقال سنحاول إماطة اللثام عن بعض معالم الحج بشكل مختصر:
عبودية التوحيد في الحج:
إن شعيرة الحج من أعظم الشعائر التي تقوي خشوع العبد لخالقه، وتحيي في قلبه توحيد المعبود - سبحانه - وذلك لأن أعمال الحج كلها مبنية على التوحيد، فيزاولها الحاج وهو يمارس التوحيد شعاراً وعملاً وتطبيقاً ومنهجاً، فيُقبِل على مشاعره بقلب موحد وعقل متفكر وجَنَان تائب... فإذا استقبل مكة المكرمة وواجه المشاعر المقدسة أدى شعائر الحج عبودية لله - تعالى - وحدَه إخلاصاً وتعظيماً، معتقداً أن سائر أعمال نُسُكه إنما هي وسائل لتجسيد عبوديته للخالق الديان.

فشعيرة الحج جعلها الله - سبحانه وتعالى - ترجمة حية لكلمة «لا إِلَهَ إِلَّا الله»، فحين يدخل الحاج في نسكه يجلجل صوته بالتلبية لله - عز وجل - نافياً عنه الشريك، معلناً استحقاقه وحدَه للحمد على آلائه والشكر على نعمه: «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك»، فيظل يصدح بها والكون كله في تناغم معه.
ثم لا يكاد يتوقف عن التلبية حتى يجد نفسه لاظّاً بأعظم الذكر، كما جاء عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «خير الدعاء دعـاء يوم عـرفة، وخيـر مـا قلـت أنا والنبيـون مـن قبلـي: لا إلـه إلا اللـه وحـدَه لا شـريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير»[4].
هكذا يحث النبي - صلى الله عليه وسلم - الحاج على تكرار كلمة التوحيد هذه لأجل أن يستشعر مدلولها ويعمل بمقتضاها؛ فيؤدي أعمال حجه خالصة لربه - عز وجل - خالية من جميع شوائب الشرك.
يؤديها وهو متدثر في خبيئته ومظهره بالتسليم والانقياد لمولاه، جل في علاه.
فتزكو نفسه ويستقيم سلوكه وتتحقق عبوديته، فلا يعود من رحلة حجه إلا وقد صفى قلبه، وطهُر مسلكه، وقويت عزيمته على الخير وصلُب عوده أمام محاشد الشر، ذلك هو الحج المبرور الخالص لله، عز وجل.
وهو الذي تتراءى آثاره جلية في حياة المسلم، فيتزود من معينه الزلال بشحنة روحية عاطفية تهز كيانه المعنوي هزاً ينشأ من خلاله نشأة أخرى، فيولد من جديد، ويستقبل الحياة بروح مختلفة.
وبهذا يستطعم لذة الحج بعدما يكتشف بنفسه أنه من أنجع العبادات في تزكية النفوس، وأبلغها في تحقيق مقتضيات الاسترقاق، وأمضاها في تجسيد معاني العبودية، وأشملها في تمحيض تعظيم شعائر الله - جلت عَظَمَته - بما يحمله من دلالات التوحيد الخالص، الذي هو لُبَاب الرسالات السماوية كلها، وهو عمود الإسلام وروحه وشعاره الذي لا ينفك عنه.
العبودية عنوان الحاج:
إن المشاعر المقدسـة تصدح كلهـا بإعـلان توحيـد الله - عز وجل - والاعتراف بفضله - سبحانه - في مجانبة منقطعة النظير لسبل الكفار ومناهج المشركين وغوايات الشياطين؛ بل إن الحاج وهو يلهج بالتلبية يستشعر قيمة العقيدة التي توحد قلوب العباد، ويرى بأم عينه جمال تجاوب الكون وتناسقه حين يعلن عبوديته لخالقه، فيتناغم جميعاً بأحيائه وجماداته.

يقول المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: «ما من ملبٍّ يلبي إلا لبى ما عن يمينه وشماله من حجر أو مدر حتى تنقطع الأرض من ها هنا وها هنا»[5].
إنه التآلف الذي ينال الكون أجمعَه فتمتلئ له قلوب المسلمين محبة ومودة، تجسيداً لحميمية الوشيجة التي يؤصلها الإسلام في نفوس أبنائه؛ فحين يستبدل الحجاج بزيهم المحلِّي زي الحج الموحَّد، ويصبحون جميعاً بلباس واحد لا يتميز منهم أحد، بل قد لبسوا كلهم لباساً واحداً، في موقف واحد، يتوجهون إلى رب واحد، ويتجاهرون بتلبيـة واحدة، ويتلاهجـون بدعاء واحد، يطوفون حول بيت واحد، ويؤدون منسكاً واحداً، وقد ذابت في واقعهم كل الشعارات العُبِّيَّة والهتافات القومية، وتبرؤوا من كل آصرة عصبية، وأداروا ظهورهم لكل انتماء غير الانتماء للإسلام، ونكسوا كل الرايات إلا التي تحمل شعار «لا إله إلا الله محمد رسول الله».
فعند ذلك تحيا ذكرى الأمة الواحدة المتعاونة المتناصرة، المتآلفة المتكاتفة ذات الجسد الواحد، كما جاء في حديث النعمان بن بشير - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَثَلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»[6].
إن الحج تدريب حقيقي برمَّته، إنه مدرسة غير مزيَّفة، يدخل فيها المسلم فيتعلم احترام الآخرين، فلا يتعدى على أحد، ولا يظلم أحداً، ولا يبغي على أحد.
إن أسـراب الحجيج تفد على اللـه - تعالـى - بخطـى طـائعـةٍ واسـتجابةٍ متسـارعةٍ وانقيـادٍ لا رجعة فيه، فلا تكاد تُكمِل نُسُكها حتى ترفل في حـدائق العبـودية، فتشهَد منافعَ وتتحقق وِفادَتها.
وتستلهم ما شاء الله لها من إدراك معاني الحجِّ وحِكَمه وأسراره في أجواءِ النُسُك وربانية التنقُّل في عرصاتِ المشاعر المقدَّسة.
وتستوعب حقيقة التكامُل والتهذيب وأصولِ التخليَة المفضِية إلى التحلية، المبلغة إلى درجة التوحيد الخالص المبنية على العبودية المطلقة التي تقود الخلق إلى بِرِّ الأمان لتقيهم من زوابع الشرك والطغيان، بتوحيد الخالق الديان في ألوهيته وربوبيته، وتعصمهم من الإلحاد في أسماء الله - تعالى - وصفاته؛ ذلك هو التوحيدٌ الذي يحصر تعلُّق العبيد ورجاءهم بالله - جل شأنه - فلا يكون خوفهم إلا منه، ولا تكون استعانتهم ولا استغاثتهم إلا به - جلت عَظَمَته - فتغمر قلوبَهم سعادة اليقين والإخلاص، فتشع في نفوسهم شحنة الإيمان وتزدان بريحان الإحسان، وتمتلئ جوانحهم تقىً وخشية، فيشدون مآزرهم عزماً على طاعة ربهم.
عبودية الاستعداد للرحيل إلى الدار الآخرة:
إن أعمال الحج في ذاتها تربط الحاج بالآخرة في كل مراحلها؛ فسفر الحاج عن وطنه ووداعه لأهله وأبنائه يذكِّره بالموت فيستحضر الرحيل عن هذه الدنيا الفانية وانتقاله إلى ذلك اليوم الموعود، وإنَّ تجرُّده من ملابسه ولُبْسَه ملابس إحرامه يذكِّره بخلع ملابسه عند موته وتكفينه في قطعة قماش هي كل ما يخرج به من دنياه، وليس مَنْعُه من ارتداء المخيط والتطيب وقص الشعر، وحظر كافة أنواع الترفه عليه بعد لبسه لإحرامه إلا تذكيراً له بواقع أمره وقت صيرورته إلى قبره، حين لا يكون له سـبيلٌ إلى التلـذذ بلـذة، ولا تكون له قوة على التمتع بمتعة، ولا اشتهاء شهوة، ولا نزعة له إلى التلهي بمُلْهٍ.

أما إذا وصل موكب الحاج إلى صعيد عرفات وتراءت له الآلاف المؤلفة من البشر، فإنه يتذكر وقوف الناس بين يدي الله - عز وجل - حفاة عراة غرلاً، كما في حديث عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «تُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً».
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ؟ فَقَالَ: «الْأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يُهِمَّهُمْ ذَاكِ»[7].
وليس بعيداً عن هذا ما ينبعث في نفس الحاج عند تزاحمه مع آلاف الطائفين والساعين والرامين؛ فكل هذه المشاعر تذكِّره بالمحشر يوم يجمع الله الأوَّلين والآخرين، بما تصوره من أهوال ذلك اليوم العصيب وآلامه ومتاعبه ومظاهر الضنك فيه، حين يتصبب العرق من الأجساد في الموقف الأعظم، كما جاء في حديث الْمِقْدَاد بْن الأَسْوَدِ - رضي الله عنه - قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْخَلْقِ حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ».
قَالَ سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ فَوَ اللَّهِ مَا أَدْرِي مَا يَعْنِي بِالْمِيلِ: أَمَسَافَةَ الأَرْضِ، أَمِ الْمِيلَ الَّذِى تُكْتَحَلُ بِهِ الْعَيْنُ؟ قَالَ: «فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِى الْعَرَقِ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى حِقْوَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَاماً».
قَالَ: وَأَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ»[8].
بهذه المعاني العظيمة تتحقق عبودية الحجاج ويزدادون تقرباً إلى الله - تعالى - ويتنافسون في الخيرات ويتسابقون إلى الطاعات ويستغلون لذلك سائر الأوقات، ويبتعدون عن كل قول أو فعل نادٍّ عن آداب الإِسلام والإيمان والإحسان، أومؤدٍّ إلى التنازع بين الرفقاء والأقران؛ ذلك أنهم أدركوا جميعاً خصوصية اجتماعهم على مائدة الرحمن، وعلموا أن أعلى القربات منزلة أن يتعاونوا على البر والتقوى لا على الإِثم والعدوان؛ لتتفيأ أرواحهم نسائم أخوة الإيمان، فتمحى عنهم كل الخطايا والأدران، وينالون الدرجات العليا في الجنان، ويستجلُون بكل يقين علَّة خلق العباد، وويتذوقون بكل حواسهم قيمة العبادة، ولماذا جعلها الله - جلت عَظَمَته - مشروطة بالإخلاص والتوحيد.
عبودية التقوى في الحج:
إن شأن التقوى لعظيم؛ ذلك أنها زاد القلوب والأرواح، منها تقتات وبها تتقوى وفي نعيمها ترفل، وعليها تستند في وصولها إلى مبتغاها، وبها تتحصن وتنجو مما تخاف وترهب. فالتقوى لغةً مأخوذة من الوقاية وما يحمي به الإنسان نفسه. وتتمثل التقوى عملياً في أن يجعل العبد ما بينه وبين ما حرم الله حاجباً وحاجزاً؛ لذلك قرنها الله - سبحانه - بكل عمل يقوم به المسلم في حياته.

وعليه فإنه لا بد للحاج أن يكون منذ لحظته الأولى في الاستعداد للحج مقبلاً على الله - تعالى - قاصداً له، متجرداً من عاداته ونعيمـه، منسلخاً من مفاخره ومميزاته على غيره، مهيئاً نفسـه لعرصات يتسـاوى فيهـا الغني والفقير، ويتماثل فيها الصعلوك والأمير، قد لبس أهلها زيَّ الأموات واستسهلوا سكب العبرات واستطابوا طعم المناجاة، طلباً لتصفية نفوسهم، وتهذيب أخلاقهم، تلذذاً بحقيقة العبودية، واستدراراً للمنح الربانية، فحصَّلوا من السعادة ما لا يقـدَّر قدرُه، وإن كان لا يخفى أمره؛ فهـم أولو النهى الذين خاطبهم ربهم بقوله - سبحانه -: {وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ} [البقرة: 197]. إنهم أَوْلَى من يدرك التوجيه إلى التقوى، وخير من ينتفع بالذكرى؛ فهم ذوو العقول المدركة الواعية للإشارة إلى أن من لا يتقي الله ليس عنده لب يدرك به، ولا قلب يعي به، ولا إرادة تعمل على مقتضى العقل والحكمة؛ فأهل الألباب هم القابلون لأوامر الله الناهضون بها.
يقول ألأعشى :
إذا أنت لم ترحل بزادٍ من التقى
ولاقيت بعد الموت من قد تزودا
ندمت على أن لا تكون كمثله
وأنك لم ترصد كما كان أرصدا
[9]

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 94.72 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 93.04 كيلو بايت... تم توفير 1.68 كيلو بايت...بمعدل (1.78%)]