|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() بيان الأسباب التي تستجلب بها البركة أمين بن عبدالله الشقاوي دلت النصوص على أسباب شرعية جعلها الله أسباباً جالبة للبركة تمكنت من حصر عشرة منها، وهي كالآتي: السبب الأول: تقوى الله جلا وعلا: فما اتقى الله امرؤ في أي أمر من أموره إلا بارك الله له فيه. قال - تعالى -: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)[الأعراف: 96]. قال الفخر الرازي: بيَّن - سبحانه وتعالى - في هذه الآية أنهم لو أطاعوا لفتح الله عليهم أبواب الخيرات من بركات السماء بالمطر، وبركات الأرض بالنبات والثمار، وكثرة المواشي والأنعام وحصول الأمن والسلامة[1]. وقال - تعالى -: (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا) [الجن: 16]. وقال - تعالى -: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ)[المائدة: 65]، ولذلك لما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من أعظم الناس قياماً بالتقوى ولوازمها كانت البركة لهم وبهم أعظم وأعم. قال طلق بن حبيب: " التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله، تخاف عقاب الله، ويدخل في التقوى الكاملة فعل الواجبات، وترك المحرمات والشبهات ". وربما يدخل فيها بعد ذلك فعل المندوبات، وترك المكروهات، وهو أعلى درجات التقوى[2]. السبب الثاني: الدعاء: فإنه ينبغي للمسلم أن يُكثر من الدعاء بالبركة في ماله ووقته وزوجته وأولاده وسائر شؤونه. وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - كثيراً ما يسأل الله - تعالى -البركة لأصحابه، وقد جاء ذلك في أحاديث كثيرة. روى البخاري في صحيحه من حديث أنس -رضي الله عنه- قال: "جعل المهاجرون والأنصار يحفرون الخندق حول المدينة، وينقلون التراب على متونهم ويقولون: نحن الذين بايعوا محمداً *** على الجهاد ما بقينا أبداً والنبي - صلى الله عليه وسلم - يجيبهم ويقول: اللهم إنه لا خير إلا خير الآخرة *** فبارك في الأنصار والمهاجرة [3] • وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث جرير بن عبدالله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أَلا تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الْخَلَصَة)) وَكَانَ بَيْتًا فِي خَثْعَمَ، يُسَمَّى كَعْبَةَ الْيَمَانِيَةِ، قَالَ: فَانْطَلَقْتُ فِي خَمْسِينَ وَمِائَةِ فَارِسٍ مِنْ أَحْمَسَ، وَكَانُوا أَصْحَابَ خَيْلٍ قَالَ: وَكُنْتُ لاَ أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ، فَضَرَبَ فِي صَدْرِي حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ أَصَابِعِهِ فِي صَدْرِي وَقَالَ: اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا، فَانْطَلَقَ إِلَيْهَا فَكَسَرَهَا وَحَرَّقَهَا، ثُمَّ بَعَثَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُخْبِرُهُ فَقَالَ رَسُولُ جَرِيرٍ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا جِئْتُكَ حَتَّى تَرَكْتُهَا كَأَنَّهَا جَمَلٌ أَجْوَفُ، أَوْ أَجْرَبُ قَالَ: فَبَارَكَ فِي خَيْلِ أَحْمَسَ وَرِجَالِهَا خَمْسَ مَرَّاتٍ [4]. • وروى البخاري في صحيحه عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَعْطَاهُ دِينَارًا يَشْتَرِي لَهُ بِهِ شَاةً، فَاشْتَرَى لَهُ بِهِ شَاتَيْنِ، فَبَاعَ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ، وَجَاءَهُ بِدِينَارٍ وَشَاةٍ، فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي بَيْعِهِ، وَكَانَ لَوْ اشْتَرَى التُّرَابَ لَرَبِحَ فِيهِ [5]. كل ذلك ببركة دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -. • وفي رواية الترمذي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: (بَارَكَ اللَّهُ لَكَ في صَفْقَةِ يَمِينِكَ)) فَكَانَ يَخْرُجُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى كُنَاسَةِ الْكُوفَةِ فَيَرْبَحُ الرِّبْحَ الْعَظِيمَ، فَكَانَ مِنْ أَكْثَرِ أَهْلِ الْكُوفَةِ مَالاً[6]. • وروى الإمام أحمد في مسنده في قصة قتل جعفر بن أبي طالب، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - زار زوجته أسماء بنت عميس، ثم قال: ادْعُ إلىَّ ابْنَيْ أَخِي، قَالَ فَجِيءَ بِنَا كَأَنَّا أَفْرُخٌ، ثم قال عبدالله: ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَأَشَالَهَا [7] فقال: ((اللَّهُمَّ اخْلُفْ جَعْفَرًا فِي أَهْلِهِ، وَبَارِكْ لِعَبْدِ اللَّهِ فِي صَفْقَةِ يَمِينِهِ))[8]. • وروى البخاري ومسلم من حديث أنس -رضي الله عنه- قال: قالت أمي: يا رسول الله أنس خادمك ادع الله له، قال ((اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ وَبَارِكْ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتَهُ))[9]. • وفي صحيح مسلم قال أنس: فَوَاللَّهِ إِنَّ مَالِي لَكَثِيرٌ وَإِنَّ وَلَدِي وَوَلَدَ وَلَدِي لَيَتَعَادُّونَ عَلَى نَحْوِ الْمِئَةِ الْيَوْمَ [10]. قال القرطبي - رحمه الله - كان - صلى الله عليه وسلم - كلما دعا الله في شيء أجابه فيه، وظهرت بركة دعوته على المدعو له، وعلى أهله وبنيه، حتى كان حذيفة يقول: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دعا لأحد أدركته الدعوة وولد ولده[11]. ومن ذلك دعاؤه - صلى الله عليه وسلم - لبعير جابر بن عبدالله، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث جابر بن عبدالله أنه قال: غَزوتُ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قَاَلَ: فَتلاحق بي النَبيُ - صلى الله عليه وسلم - وأَنَاَ عَلَى نَاضِح لَنَاَ قَدْ أَعْيَا فَلاَ يَكَادُ يُسِير، فَقَاَلَ لِي: مَاَ لبَعِيرِك، قُلْتُ: عَيي، قَاَلَ: فَتَخَلَّف رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَزَجَرَهُ وَدَعَا له، فَمَا زَاَلَ بَيْنَ يَدي الإبِل قُدَّامهَا يسير، فَقَاَلَ لِي: كَيْفَ تَرَى بَعِيرك، قلت: بخَيْرٍ، قَدْ أَصَاَبَتْهُ بَرَكَتُك[12]. • وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث محمد بن عبدالملك بن أبي محذورة عن أبيه، أَنَهُ لمَا َأذن عِنْدَ النَبي - صلى الله عليه وسلم - أَعْطَاهُ صُرَّة فِيهاَ شَيءٌ مِنْ فِضْةٍ، ثُمَ وَضَعَ يَدَهُ عَلَىَ نَاصِيةِ أَبِي مَحْذورة، ثُمَ أَمَارها عَلَى وَجْهِهِ مَرَّتَين، ثُمَ مَرَ بَيَّنَ يَدَيهِ، ثُمَ عَلَى كَبِدِه، ثُمَ بَلَغَتَ يَدِ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - سرة أبي مَحْذورة، ثُمَ قَاَلَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: بَاَرَكَ اللهُ فِيك[13]. وقد علمنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ندعو للمتزوج فنقول له: بَاَرَكَ اللهُ لَكَ، وبَاَرَكَ عَلَيْكَ، وَجَمَعَ بَيْنَكُمَاَ في الخَيِّرِ[14]. • وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عبدالرحمن بن عوف -رضي الله عنه-، أَنَهُ جَاَءَ النَبي - صلى الله عليه وسلم - وَأَخْبَرَهُ أَنْهَ تَزَوَجَ امرَأَةٌ مِنْ الأَنْصَارِ، فَقَاَلَ لَهُ النَبي- صلى الله عليه وسلم -: بَاَرَكَ اللهُ لَكَ، أَوْلِم وَلَو بِشَاه[15]. • وروى البخاري ومسلم من حديث جابر -رضي الله عنه- أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ أَبي هَلَكَ وَتَرَكَ سَبْعَ أَو تِسْعَ بَنَاتٍ فَكَرِهْتُ أَنْ أَجِيئَهُنَّ بِمِثْلِهِنَّ فَتَزَوجتُ امْرَأَة تَقُومُ عَلَيْهِنَّ، قَالَ: فَبَارَكَ اللَّهُ عَلَيكَ [16]. • وروى الطبراني في الكبير من حديث بريدة أن علياً -رضي الله عنه- لما خطب فاطمة -رضي الله عنها- قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة العرس: ((لا تُحْدث شيئاً حتى تلقاني، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بماء فتوضأ فيه، ثم أفرغه على علي، فقال: اللهم بارك فيهما، وبارك لهما في بنائهما))[17]. • وفي الصحيحين في قصة زواج النبي - صلى الله عليه وسلم - من زينب بنت جحش أن النبي- صلى الله عليه وسلم - انْطَلَقَ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ فَقَالَ: ((السَّلامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَقَالَتْ: وَعَلَيْكَ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، كَيْفَ وَجَدْتَ أَهْلَكَ، بَارَكَ اللَّهُ لَكَ. فَتَقَرَّى حُجَرَ نِسَائِهِ كُلِّهِنَّ، يَقُولُ لَهُنَّ كَمَا يَقُولُ لِعَائِشَةَ، وَيَقُلْنَ لَهُ كَمَا قَالَتْ عَائِشَة))[18]. • وفي الصحيحين من حديث عروة بن الزبير أن النساء قلن لعائشة عندما قُمن بتجهيزها للدخول على النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((عَلَى الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ وَعَلَى خَيْرِ طَائِرٍ))[19]. وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يؤتى بالأطفال فيبرك عليهم ويحنكهم[20]، وفي حديث أم سليم المشهور، كَانَ ابْنٌ لأَبِي طَلْحَةَ يَشْتَكِي، فَخَرَجَ أَبُو طَلْحَةَ، فَقُبِضَ الصَّبِيُّ، فَلَمَّا رَجَعَ أَبُو طَلْحَةَ قَالَ: مَا فَعَلَ ابْنِي، قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: هُوَ أَسْكَنُ ما كَانَ فَقَرَّبَتْ إِلَيْهِ الْعَشَاءَ فَتَعَشَّى، ثُمَّ أَصَابَ مِنْهَا، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَتْ: وَارُوا الصَّبِيَّ. فَلَمَّا أَصْبَحَ أَبُو طَلْحَةَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: أَعْرَسْتُمْ اللَّيْلَةَ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: ((اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمَا)) فَوَلَدَتْ غُلاَمًا قَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ: احْفظهُ حَتَّى تَأْتِيَ بِهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَتَى بِهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَرْسَلْتُ مَعَهُ بِتَمَرَاتٍ فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: أَمَعَهُ شَيْءٌ، قَالُوا: نَعَمْ تَمَرَاتٌ، فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَمَضَغَهَا، ثُمَّ أَخَذَهَا مِنْ فِيهِ فَجَعَلَهَا فِي فِي الصَّبِيِّ وحَنَّكَهُ بِهِ وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللَّهِ [21]. وقال أبو موسى الأشعري: ولد لي غلام، فأتيت به النبي - صلى الله عليه وسلم - فسماه إبراهيم، فحنكه بتمرة، ودعا له بالبركة، ودفعه إلي، وكان أكبر ولد أبي موسى[22]. • وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّهَا حَمَلَتْ بِعَبْدِ اللَّهِ ابْنِ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ، قَالَتْ: فَخَرَجْتُ وَأَنَا مُتِمٌّ، فَأَتَيْتُ الْمَدِينَةَ فَنَزَلْتُ بِقُبَاءٍ فَوَلَدْتُ بِقُبَاءٍ ثُمَّ أَتَيْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَوَضَعَهُ فِي حَجْرِهِ، ثُمَّ دَعَا بِتَمْرَةٍ فَمَضَغَهَا، ثُمَّ تَفَلَ فِي فِيهِ، فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ دَخَلَ جَوْفَهُ رِيقُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ حَنَّكَهُ بِالتَّمْرَةِ، ثُمَّ دَعَا لَهُ فَبَرَّكَ عَلَيْهِ وَكَانَ أَوَّلَ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الإِسْلاَمِ [23]. وعلمنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ندعو بالبركة إذا رأينا ما يعجبنا. قال - صلى الله عليه وسلم –: ((إذَاَ رَأَى أَحَدكم مِنْ أَخِيهِ أَوْ مِنْ نَفْسِهِ أَو مِنْ مَاَله مَاَ يُعْجِبه فَليَبركه فَإنَ العَيْن حَقٌ))[24]. ولما رد النبي - صلى الله عليه وسلم - على الرجل دينه قال له ((بَاَرَكَ اللهُ لَكَ في أَهْلِكَ وَمَالِكَ إَنْمَا جَزَاءُ السْلَف الوَفَاء والحَمْد))[25]. • وشرع لنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ندعو بالبركة في طعامنا فنقول: ((اللهُمَ بَاَرَكَ لَنَاَ فِيهِ وأَطْعمنَاَ خَيْراً مِنْهُ))[26]. • وعلمنا أن ندعو لمن أطعمنا، فنقول: اللهُمَ بَاَركْ لَهُمْ فِيمَا رَزَقْتَهُم، واغْفِر لَهُمْ وارْحَمْهُم[27]. والأفضل إذا قال المُهدى لهم الطعام: بارك الله فيكم، أن يُقال لهم: وفيكم بارك الله. • روى ابن السني أن عائشة -رضي الله عنها- قالت: أهديت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - شاة، قال: اقسميها، قال عبيد بن أبي الجعد: فكانت عائشة إذا رجعت الخادم تقول: ما قالوا: يقول الخادم، قالوا: بارك الله فيكم، فتقول عائشة: وفيهم بارك الله نرد عليهم مثل ما قالوا، ويبقى أجرنا لنا[28]. • وعلمنا أن ندعو بالبركة إذا اشترى أحدنا جارية أو دابة. • روى الحاكم في المستدرك من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ((إِذَا أَفَادَ أَحَدُكُمْ الجَاريةَ أو المرَأَة أَوْ الدابَّة، فَلْيَأْخُذْ بِنَاصِيَتِهَا([29] وليدع بالبَرَكة وَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرِهَا وَخَيْرِ مَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا جُبِلَتْ عَلَيهِ، وإِنْ كَانَ بَعِيراً فَليأْخُذَ بِذروَةِ سَنَامِهْ))[30]. وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يؤتى بأول الثمر فيقول: ((اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا وَفِي ثِمَارِنَا وَفِي مُدِّنَا وَفِي صَاعِنَا بَرَكَةً مَعَ بَرَكَةٍ)) ثُمَّ يُعْطِيهِ أَصْغَرَ مَنْ يَحْضُرُهُ مِنْ الْوِلْدَانِ [31]. السبب الثالث: أخذ المال من طرق حلال: روى البخاري ومسلم في صحيحهما من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر للصحابة ما يفتح لهم من زهرة الدنيا، ثم قال في آخر الحديث: ((فَمَنْ يَأْخُذْ مَاَلاً بِحَقْهِ يُبَارَكْ لَهُ فِيهَ، ومَنْ يَأْخُذُ مالاً بِغَيْرِ حَقِّهِ فمثلُهُ كَمثلِ الَّذِي يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ))[32]. السبب الرابع: أخذ المال بسخاوة نفس: أي من غير شره ولا إلحاح في المسألة. • روى البخاري ومسلم في صحيحهما من حديث حكيم بن حزام، قال: ((سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ قَالَ: يَا حَكِيمُ إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ)) [33]. قوله بسخاوة نفس: أي من أخذه بغير سؤال ولا إشراف ولا تطلع وطمع. ومن فوائد هذا الحديث: أن قناعة المؤمن ورضاه بما قسم الله له من رزق، وعدم سؤاله وتطلعه إلى ما عند الآخرين، سبب عظيم من أسباب البركة، ولو كان رزقه قليلاً، كما أن السؤال وحرص النفس وطمعها إلى ما عند الآخرين، سبب عظيم من أسباب محق البركة، ولو كان هذا المال الذي سيحصل عليه كثيراً. ويلحق بهذا إنفاق المال في وجوه البر، وإخراج زكاته، وبذل حقوقه بإخلاص وطيب نفس، قال - تعالى -: (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)[سبأ: 39]. • روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ))[34]. وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلاَّ مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفاً))[35]، وقد ذكر بعض الإخوان أنهم إذا قبضوا الراتب الشهري وتصدقوا ولو بجزء يسير منه فإنهم يجدون البركة فيه إلى آخر الشهر، وهذا شيء مجرب يعرفه كثير من الناس، ويلحق به أيضاً إنفاق الطيب من الكسب. قال - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ)[البقرة: 267]، وقال - تعالى -: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ)[آل عمران: 92]. • روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((بَيْنَا رَجُلٌ بِفَلاةٍ مِنْ الأَرْضِ، فَسَمِعَ صَوْتًا فِي سَحَابَةٍ اسْقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ، فَأَفْرَغَ مَاءَهُ فِي حَرَّةٍ، فَإِذَا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ قَدْ اسْتَوْعَبَتْ ذَلِكَ الْمَاءَ كُلَّهُ، فَتَتَبَّعَ الْمَاءَ، فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الْمَاءَ بِمِسْحَاتِهِ فَقَالَ لَهُ يَا عَبْدَ اللَّهِ: مَا اسْمُكَ قَالَ فُلانٌ لِلاسْمِ الَّذِي سَمِعَ فِي السَّحَابَةِ فَقَالَ لَهُ يَا عَبْدَ اللَّه: لِمَ تَسْأَلُنِي عَنْ اسْمِي؟ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ صَوْتًا فِي السَّحَابِ الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ يَقُولُ اسْقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ لاسْمِكَ فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا؟ قَالَ: أَمَّا إِذْ قُلْتَ هَذَا فَإِنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ، وَآكُلُ أَنَا وَعِيَالِي ثُلُثًا، وَأَرُدُّ فِيهَا ثُلُثَهُ))[36]. • وروى البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك قال: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ الأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ مَالاً مِنْ نَخْلٍ، وَكَانَ أَحَبُّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ، وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ، قَالَ أَنَسٌ فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ ? لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ? قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ- تبارك وتعالى -يَقُولُ: ? لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ? وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ، أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ، فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَخٍ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبِينَ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ[37]. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |