سدّ الذريعة وهَدْمُ سدّها: تأصيلٌ وتفصيل - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1086 - عددالزوار : 127448 )           »          أدركتني دعوة أمي! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          الوقف الإسلامي وصنائعه الحضارية .. روائع الأوقاف في الصحة العامة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          حقيقة الإسلام ومحاسنه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          المرأة .. والتنمية الاقتصادية في الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          أسباب الثبات على الدين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          مكارم الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 7 - عددالزوار : 4776 )           »          مفاسد الغفلة وصفات أصحابها! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          من جهود علماء الكويت في ترسيخ عقيدة السلف الصالح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          سفراء الدين والوطن .. الابتعاث فرص تعليمية وتحديات ثقافية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17-02-2015, 09:26 PM
الصورة الرمزية بــيآرق النصـــر
بــيآرق النصـــر بــيآرق النصـــر غير متصل
قلم فضي
 
تاريخ التسجيل: Jul 2013
مكان الإقامة: أرض الخـــلافــة
الجنس :
المشاركات: 2,518
الدولة : Iraq
افتراضي سدّ الذريعة وهَدْمُ سدّها: تأصيلٌ وتفصيل

سدّ الذريعة وهَدْمُ سدّها: تأصيلٌ وتفصيل.




(سد الذرائع)
المقصود به في هذا المقال , ونريد أن نحصر الكلام فيه , دون غيره مما يقع في تعريفه اختلاف :
هو تحريمٌ مُؤقّت لما الأصل فيه عدمُ التحريم ؛ لأنه يُفضي إلى محرَّمٍ إفضاءً مؤكَّدًا (مُـتَيقَّـنًا) أو راجحًا (بغلبة ظن) .
هذا هو (سد الذرائع) الذي يكثر بسببه الاختلاف , ولذلك خصصت هذا المعنى من معانيه بالتفصيل .
ولشرح هذا التعريف أقول :
عبارة (تحريم) أُخرجُ بها القولَ بالكراهة ؛ لأن القول بالكراهة لا يُلزم باجتناب المكروه . وأنا في هذا المقال إنما أتحدث خاصة عن الإلزام بالاجتناب ,
ولا أتحدث عن اختيار الاجتناب وتفضيله , بلا إلزامٍ به .
وعبارة (مؤقّت) تُـخرج التحريم المؤبّد ؛ لأن ذرائع المفاسد لها حالتان في التذرُّع بها إلى المفسدة :

الأولى : إما أن تكون ذريعةً للمفسدة دائما أو غالبا (وليست في ظرف زماني محدد أو مكاني معيّن) : فتُمنع تلك الذريعةُ حينئذٍ منعا مطلقا .
وهذا النوع من الذرائع لا بد أن يكون منصوصا على تحريمه في نصوص الوحي (من الكتاب أو السنة) , كتحريم الخلوة بالأجنبية ؛ لأن ما كان مؤديا للمفسدة غالبا لا يمكن أن يكون مباحا
بمقتضى الأصل , إيمانا منا بكمال الشريعة , وأنها جاءت لتحقيق المصالح وتكثيرها , ودفع المفاسد وتقليلها . ولا يمكن أن تكون هذه الذرائع محرمةً فقط في ظروف خاصة ,
وأن الأصل فيها الإباحة , رغم أنها دائما أو غالبا تؤدي إلى المفاسد ! لا يمكن ذلك ؛ إلا بنسبة النقص إلى الشريعة , وحاشا مسلما من اعتقاد هذا الاعتقاد .

الثانية : وإما أن تؤدي الذريعةُ إلى المفسدة في ظروف خاصة استثنائية , فهي تؤدي إلى المفسدة غالبا في هذا الظرف والوقت الخاص ,
وربما في مكان معين دون غيره من الأمكنة , ولم تكن كذلك في بقية الأوقات ولا في بقية الأمكنة :
فتُمنع هذه الذريعةُ منعا مؤقتا في ذلك الزمن وفي ذلك المكان ؛ لأن الأصل فيها الإباحة ؛
ولأن تذرُّعَ المفسدة بها تذرُّعٌ مؤقّت محدود الظرف .
ومع هذا المنع المؤقت : يجب الحرص على الخروج من حالة الضرورة هذه ،
والتي اضطرتنا إلى الخروج في تلك المسألة عن أصل حكمها (والذي هو عدم التحريم) إلى القول بالتحريم ؛ لأن الخروج من حالة الاضطرار التي أجبرتنا على الخروج عن الحكم الأصلي لله تعالى واجب شرعي ,
لا تكتمل قاعدة (الضرورات تبيح المحظورات) إلا به , كما لا تتم أيضًا إلا بقاعدة (والضرورات تقدّر بقدرها) .

و(ما الأصل) : أي لولا تذرعها إلى الحرام لما كانت محرّمة , حيث إن حكمها الأصلي عدم التحريم : إما لورود النص الدال على عدم حرمتها , أو للبراءة الأصلية الدالة على الإباحة .
و(ما الأصل فيه عدم التحريم) , ولم أقل : (ما الأصل فيه الإباحة) :
ليشمل ما الأصل فيه الإباحة أو الكراهة أو الاستحباب أو الوجوب , ثم أخرجته الذريعةُ من شيء من ذلك إلى التحريم .
و(لأنه يُفضي إلى محرَّمٍ) : فما دمنا لا نتحدث إلا عن ذريعة حُكْمُها التحريم , فلا بد أن تُفضي إلى محرَّم , لا إلى مكروه .

و(إفضاءً مؤكَّدًا (مُـتَيقَّـنًا) أو راجحًا (بغلبة ظن)) : فالإفضاء لا يصح أن يكون بظن مرجوح ولا بشكوك ووساوس ؛ لأن سادَّ تلك الذريعة يريد أن يبدّل حكمها الأصلي من عدم الـحُرمة إلى التحريم
, وهذا التبديل بلا مسوّغ لا يجوز قطعا , وهو في أقل أحواله أن يكون كبيرة من الكبائر ؛ لأنه افتراء على الله تعالى :
((ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون)) [النحل:116].
ولذلك لا بد لهذا التبديل الذي يبدِّل حكمَ الله من أن يستند إلى دليل يجيز حكمُ الله به التبديلَ , والظن المرجوح والأوهام والشكوك ليست أدلة , ولا يكون دليلا مجيزا لذلك إلا ما كان يقينا أو ظنا غالبا .
هذه خلاصةٌ جامعةٌ عن (سد الذرائع) ، وهي بتعبير أصحاب الكتب الصفراء العتيقة : (متنٌ) ، يحتاج إلى حاشيةِ شرحٍ وتوضيحٍ !
وقبل أن أدخل في بعض التفاصيل أود أن أبين بأن هذا المقال موجّهٌ لإخواننا حُرّاس الفضيلة : ممن يرغبون في حماية الدين , ومن الغيورين على الأخلاق .
وليس موجّهًا لدُعاة الرذيلة , ممن يحاربون الدين , ويسعون في نشر الفساد في الأرض . ولذلك فسوف أتجاوز فيه بعض المسلّمات بين حُرّاس الفضيلة , وإن حاول دُعاة الرذيلة التشكيكَ فيها .
لكن لا بُدّ أن أؤكد في هذا السياق على أنّ العمل بسدّ الذريعة قاعدةٌ فقهيّة قطعيّة : قد دل عليها الكتاب والسنة والإجماع , ويقتضيها العقل السليم والفطرة البشرية السوية , ومعمولٌ به في كل قوانين العالم وأنظمة المصالح العامة والخاصة .
فلا يُشكِّكُ أحدٌ من العقلاء في هذه القاعدة ؛ إلا أن يكون خلافُه في بعض جُزئياتها , وربما انضاف إلى ذلك أنه مُبطلٌ مفسِدٌ يعرف الحق ويصرُّ على نصر الباطل .




يتبع.......




منقول بتصرف يسير











__________________
,, ,,
سبحان الله والحمد لله ولا إلــه إلا الله والله أكبر ,, أستغفر الله العظيم وأتوب إليه.. سبحان الله وبحمده .. سبحان الله العظيم
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 18-02-2015, 12:16 AM
الصورة الرمزية بــيآرق النصـــر
بــيآرق النصـــر بــيآرق النصـــر غير متصل
قلم فضي
 
تاريخ التسجيل: Jul 2013
مكان الإقامة: أرض الخـــلافــة
الجنس :
المشاركات: 2,518
الدولة : Iraq
افتراضي رد: سدّ الذريعة وهَدْمُ سدّها: تأصيلٌ وتفصيل

أما أدلة القرآن على قاعد (سدّ الذرائع) : فيكفي منها قوله تعالى ((ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم)) [الأنعام: 108 ] ,
فسبّ الأصنام من آلهة المشركين وانتقاصها وتحقيرها مع كونه ليس باطلا , فقد نهانا الله تعالى عنه ؛ لأنه سيؤدي إلى مفسدة أعظم , وهي أن يسبّ المشركون الله تعالى .

وأمّا أدلة السنة : فيكفي منها ما جاء في الصحيحين عن عَائشَةَ زوْجِ النبي صلى الله عليه وسلم :
«أنَّ رسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قال : ألَمْ ترَيْ أنَّ قوْمَكِ حين بنَوْا الْكعْبَةَ اقْتصَرُوا عن قَوَاعدِ إبراهيم ! قالت : فقلت : يا رسُولَ الله , أفَلَا ترُدُّهَا على قَوَاعدِ إبراهيم ؟ فقال رسول اللّهِ صلى الله عليه وسلم : لوْلَا حِدْثَانُ قَوْمكِ بالْكُفْرِ , لفَعَلْتُ» , وفي رواية قال صلى الله عليه وسلم : «لَولَا أنَّ قَومَكِ حدِيثُو عَهدٍ بِجاهِلِيَّةٍ , لَأَنفَقْتُ كَنزَ الكَعْبَةِ في سبِيلِ الله , وَلَجَعَلتُ بابَهَا بِالأَرْضِ , ولأدخلت فيها من الحِجْرِ» .
فهنا يصرح النبي "صلى الله عليه وسلم" أنه ترك الأمر الفاضل خشيةً من أن يكون ذريعةً لمفسدةٍ محرمة أكبر من مصلحة إعادة البناء على قواعد إبراهيم .

وأمّا الإجماع : فقد نقله عدد من الأئمة , من مثل الإمام القرافي (ت684ه) في كتابه الذخيرة (1/152-153) , والفروق (3/405-412) , والشاطبي (ت790ه) في كتابه الموافقات (5/185) .
وما نِزاعُ مَن نازع مِن العلماء في صحّة هذا الإجماع ؛ إلا من نوع النزاع اللفظي المتعلّق بالمصطلح فقط , وليس نزاعًا حقيقيا مؤثّرا في صحّة الإجماعِ على العمل بأصل قاعدة (سدّ الذرائع) ,
ذلك الإجماعِ الذي عليه الفقهاءُ جميعهم : من أئمة المذاهب الأربعة وغيرِهم من أئمة السلف .
إذ إن قاعدة دفع مفسدة متيقّنة أو غالبة بمفسدة أخرى أخف منها , كمفسدة منع المباح في الأصل لكونه سيؤدي إلى مفسدة أكبر , وهي قاعدة (سدّ الذرائع) = فقاعدةٌ لا يخالف فيها عاقل , فضلا عن فقيه .
وإلى جميع ذلك يدل أيضا تقرير ابن قيم الجوزية في باب سدّ الذرائع , في كتابه إعلام الموقعين (3/135-159) .

وأما اقتضاء العقل السليم لها , وأن العمل عليها في الدساتير والقوانين والأنظمة , فيكفي للدلالة عليه المثال التالي :
فلو وقع شجارٌ شديدٌ بين عدد من الرجال , حتى تناولوا بعضَهم بالأيدي , فقام أحد هؤلاء المتشاجرين إلى بائع بجوارهم كان يشاهد هذا الشجار , فطلب منه الاستعجال في بيعه سكّينا معروضة أمامه ,
وظاهرٌ من شجاره ومن قرائن أحواله أنه يريد السكين ليستخدمها ضدّ خصمه الذي كان يشاجره حينها = فهل هناك عاقل يقول بجواز بيع السكين على هذا ؟!
مع أن بيع السكين حلال في الأصل! وهكذا .. فأنت ترى أن العقلاء كلهم يمنعون من بيع السكين في هذه الحالة ؛ لأنه كان ذريعة للاعتداء بالقتل , مع كون بيعها في الأصل تعاملا معتادا مقبولا في جاري الأحوال .

ومن نظر في عموم الأنظمة والقوانين , يجد أنها لا بد أن تراعي هذه القاعدة . وإلا فأنظمة المرور : لماذا تمنعني من السير في طريق إلا في اتجاه معيّن ؟ ولماذا أقف عند إشارة الضوء الأحمر ؟ ولماذا وُضعت غيرها من أنظمة المرور التي تقيّد حريتي ؟ والتي نجدها أنظمةً تمنع عباد الله من أن يسيروا في أرض الله !!
الجواب هو : وُضعت هذه الأنظمة سدًّا لذرائع إلى مفاسد عظيمة , تفوق مفسدة تقييدِ الحريّة ؛ تهذيبًا للحرية , لا إلغاءً لها .

إذن لا يمكن أن يساومنا عاقلٌ على صحّة قاعدة (سدّ الذرائع) ؛ لأنها قاعدة شرعية قطعية , تتفق عليها العقول , وتقررها جميع القوانين والأنظمة , على اختلافها واختلاف أديانها وأوطانها .وإنما يقع الاختلاف بين العقلاء في تطبيق قاعدة سدّ الذرائع , لا في أصل القاعدة :
فمن رأى من حُراس الفضيلة أن الزنا مفسدةٌ كبرى , سعى لسدّ الذرائع المفضية إليه (بظنٍّ غالبٍ أو يقينٍ) , سواء جاءت نصوص الشرع بسدها أصلا (كالحجاب , والخلوة) ,
أو لم يأت النصّ عليها , ما دامت ستفضي غالبًا أو يقينا إلى المحرّم المنصوص عليه . ومن رأى من دُعاة الرذيلة أن الزنا ليس مفسدة , خالف الفريق الأول في سدّهم لذرائعها , وربما سلّموا بالذرائع المنصوص عليها خوفًا من المحاربة الصريحة لأحكام الله تعالى ,
ونازعوا في الذرائع غير المنصوص عليها , وربما صرّحوا بعدم قبول سدّ الذرائع كلها (المنصوص منها وغير المنصوص) . فخلاف هؤلاء حينها ليس في قاعدة سدّ الذرائع ؛ لأنهم يعملون بها في مجريات حياتهم ,
بل يعملون بـ(سدّ الذرائع) حتى في تخطيطهم لمحاربة الفضيلة , وإنما اختلفوا مع حراس الفضيلة في التطبيق ؛ لأن دعاة الرذيلة يخالفون في كون الزنا رذيلة ,
ولا يسلّمون بكونه مفسدة أصلا !!
وأرجو بهذا التوضيح أن ننتهي من الجدل العقيم حول صحة هذه القاعدة الشرعية العقلية الفطرية , وهي قاعدة (سدّ الذرائع) , وأن ننصفها ,
بأن نخرجها من دائرة الأمر الذي يجوز الاختلاف فيه بين العقلاء (ولن أقول : بين المسلمين) , إلى دائرةٍ أخرى , هي دائرةُ ما لا يجوز الاختلاف فيه بينهم ؛
فقد ظلمناها كثيرًا عندما سمحنا لبعضنا في أن يناقش أصل صحتها . كما أرجو أن ننصف دُعاة الرذيلة أيضًا , فلا يمكن أن يكونوا مُعارِضِين في صحّة هذه القاعدة ؛ لأنهم يسلّمون بها في الأنظمة والقوانين , وفي مجريات حياتهم , , بل يعملون بـ(سدّ الذرائع) حتى في تخطيطهم لمحاربة الفضيلة (كما سبق) .
فلا يصحّ أن نظلم هؤلاء أيضًا : بأن ننسب إليهم عدم التسليم المطلق لقاعدة (سدّ الذرائع) , وإنما يعارضون في تطبيقاتها الشرعية فقط , أو في بعض التطبيقات الشرعية ؛ لأنهم لا يعترفون بالمفاسد الشرعية , أو ببعضها !!
لننتهي من هذا التقرير : إلى أن (سد الذرائع) أصل يتفق عليه عقلاء بني آدم .






__________________
,, ,,
سبحان الله والحمد لله ولا إلــه إلا الله والله أكبر ,, أستغفر الله العظيم وأتوب إليه.. سبحان الله وبحمده .. سبحان الله العظيم
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 18-02-2015, 10:17 PM
الصورة الرمزية بــيآرق النصـــر
بــيآرق النصـــر بــيآرق النصـــر غير متصل
قلم فضي
 
تاريخ التسجيل: Jul 2013
مكان الإقامة: أرض الخـــلافــة
الجنس :
المشاركات: 2,518
الدولة : Iraq
افتراضي رد: سدّ الذريعة وهَدْمُ سدّها: تأصيلٌ وتفصيل

أما خطابي الموجّه إلى حراس الفضيلة فيبدأ من تنبيههم إلى قاعدتين اثنتين من قواعد إحسان تطبيق (سدّ الذرائع) ,
لا بدّ من الحرص البالغ على التنبّه لهما , وعلى مراعاتهما المراعاة التامة عند إرادة تطبيق (سدّ الذرائع) في مسألة من المسائل .
وهاتان القاعدتان هما :
الأولى : أن الذرائع غير المنصوص على تحريمها , فهي لذلك مباحة في أصلها , لا يجوز لي أن أحرّمها لمطلق أنها ربما كانت ذريعةً ووسيلةً للمحرّم ,
بل لا بد أن يكون التوسُّلُ بها إلى المحرّم أمرًا يقينيًّا أو ظنًّا راجحًا . فالذريعة إلى المحرّم بمجرّد الظن المرجوح وبالشك لا وزن لها ,
ولا يجوز أن أحرّم بها ما أباح الله تعالى ؛ لأنها عارضت يقينًا , وهو إباحة الله تعالى لها .
وتحريم ما أباح الله تعالى قرينُ إباحةِ ما حرّم الله تعالى في الخطأ والإثم
, فلا يجوز التهاون به , ولا التهافتُ عليه , بحجة حراسة الفضيلة , ولا بأي حجة !!
((ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون)) النحل: 116 .
كما أن تحريم المباح بحجّة أنه يمكن أن يفضي إلى المحرّم , ولو باحتمال ضعيف , يؤدّي إلى تحريم المباحات كلها ؛ فما من مباحٍ قط , إلا وقد يُفضي إلى محرّم . ومعنى ذلك : أن تحريم المباح بحجة أنه ذريعةٌ إلى مفسدة لا يجوز ؛ إلا إذا غلب على ظن الفقيه أو تيقّن أنه سيؤدي إليها . أما بغير غلبة الظن (على أقل تقدير) في تأديته للمفسدة , فلا يجوز تحريم المباح بمجرّد الشك أو الظن المرجوح .
ومن هنا نعلم أن الاختلافَ قد يقع بين العلماء في ذريعةٍ بين مبيحٍ ومحرِّمٍ ؛ لاختلافهم في درجة إفضائها للحرام . لا بسبب الاختلاف في قاعدة سدّ الذرائع , ولا للاختلاف في المفسدة أنها مفسدة ,
بل في الوسيلة إليها , هل يغلب على الظن أنها ستؤدي إلى المفسدة ؟ أم لا تصل إلى ذلك ؟
ومن هنا نعلم أيضًا : أن هذا الباب بابٌ لا يتقنه إلا العلماء الذين جمعوا مع العلم بالشريعة علمًا بالوقائع والأحوال . أما العلماء بالشريعة مع جهلهم بالواقع محلّ الإفتاء فليسوا أهلا للكلام فيه ,
ولا يجوز منهم ذلك أصلا ؛ لنقص أهليّتهم فيه .
كما لا ينفع في هذا السياق أن يقول عالمٌ : هذا مما يغلب على الظن أنه ذريعة للحرام , بمجرّد الدعاوى على تغليب الظن ورجحانه ؛
فالدعاوى وحدها ليست كافية للتحليل والتحريم , خاصة عند خروج الحكم بالحلّ أو التحريم عن الأصل الشرعيّ فيه ,
كما هو الحال في سد الذريعة بتحريم المباح الذي يُتَـذَرَّعُ به إلى المعصية . لأننا إن سمحنا للدعاوى بغير بيّناتٍ ظاهرةٍ أن تحلِّلَ أو تحرّم , خشينا مِن تَسَلُّطِ الطبائع والأذواق على الأحكام , ليتشدّدَ المتزمّت أو من كان مبالغًا في سوء الظن , ويتساهل المفرّط أو من كان مبالغًا في تحسين الظن
:
فيحرِّم الأول ما أباح الله , بحجة سدّ الذريعة في غير موطنها ؛ لأنها لم تستكمل شرطها , ويبيح الثاني ما حرّم الله من الذرائع التي استكملت شرطها , مما دلّ على تحريمها النصُّ الصريحُ أو الاجتهادُ الصحيح . ولا نستثني من وجوب أن يكون القول مبنيًّا على برهانه الصحيح عالمًا ولا غيره , فكلهم مطالبٌ بأن لا يقول قولا بغير دليل ؛ وإلا دخلنا في قوله تعالى ((اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله)) [التوبة: 31] ,
من جعل العلماء مصدرا للتشريع والتحليل والتحريم .
وهنا تظهر أهميّة العلم بالواقع وبالحال الذي يحيط بالمباح ؛ لأن العلم بذلك هو الذي سيخرج بالحكم اللائق به ,
بناءً على درجة احتمال إفضاء المباح إلى المفسدة :
هل يصل إلى حدّ غلبة الظن , فيُحرَّم , أما لا يصل إلى ذلك , فلا يُحرَّم .




__________________
,, ,,
سبحان الله والحمد لله ولا إلــه إلا الله والله أكبر ,, أستغفر الله العظيم وأتوب إليه.. سبحان الله وبحمده .. سبحان الله العظيم
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 20-02-2015, 01:10 AM
الصورة الرمزية على خطى السلف
على خطى السلف على خطى السلف غير متصل
قلم برونزي
 
تاريخ التسجيل: Jun 2011
مكان الإقامة: اطمع بالسكن في الفردوس الاعلي
الجنس :
المشاركات: 2,147
افتراضي رد: سدّ الذريعة وهَدْمُ سدّها: تأصيلٌ وتفصيل

طرح قيم جعله ربي في موازين حسناتك
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 25-02-2015, 07:26 PM
الصورة الرمزية بــيآرق النصـــر
بــيآرق النصـــر بــيآرق النصـــر غير متصل
قلم فضي
 
تاريخ التسجيل: Jul 2013
مكان الإقامة: أرض الخـــلافــة
الجنس :
المشاركات: 2,518
الدولة : Iraq
افتراضي رد: سدّ الذريعة وهَدْمُ سدّها: تأصيلٌ وتفصيل

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة على خطى السلف مشاهدة المشاركة
طرح قيم جعله ربي في موازين حسناتك

جزاك الله خيرا على مرورك الكريم
__________________
,, ,,
سبحان الله والحمد لله ولا إلــه إلا الله والله أكبر ,, أستغفر الله العظيم وأتوب إليه.. سبحان الله وبحمده .. سبحان الله العظيم
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 73.87 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 70.37 كيلو بايت... تم توفير 3.50 كيلو بايت...بمعدل (4.73%)]