|
|||||||
| ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#2
|
||||
|
||||
|
وقال – صلى الله عليه وسلم – "أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بُطحان أو العقيق، فيأتي كل يوم بناقتين كوماوين [28] زهراوين[29] يأخذهما بغير إثم بالله، ولا قطع رحم؟ قالوا “كلنا يا رسول الله، قال: فلأن يغدو أحدكم كل يوم إلى المسجد فيتعلم آيتين من كتاب الله، خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع ومن أعدادهن من الإبل"[30]. والمدارسة من الدرس والتعلم والتفقه والتدبر التي تحقق غاية القراءة للقرآن (لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ)، والتدبير لا يتحقق بالقراءة العبارة للنص القرآني، وإنما يتحقق عبر الوقوف على الدلالات والغايات والمقاصد التي تتضمنها السور والآيات، ولا تتحقق كذلك عبر منهجية جزئية تجزئ القرآن، وإنما عبر رؤية كلية – تأتي عبر الدرس والمدارسة. ويطرح الأنصاري في "مجالس القرآن" ثلاث خطوات منهجية لتدارس القرآن وهي[31]: 1- تلاوة القرآن بمنهج التلقي: أي استقبال القلب للوحي، إما على سبيل النبوءة – كما كان للنبي – صلى الله عليه وسلم – أو على سبيل الذكر، أي يقع القرآن على موطن حالة القلب. 2- التعلم والتعلم بمنهج التدارس. 3- التزكية بمنهج التدبر الذي يحيل الإنسان على (التفكر) الذي هو المنهج الرباني لقراءة الكون. حق العمل: والعمل بالقرآن من أهم غايات إنزاله، والحقوق الأخرى تبع لهذا الحق، إذ لا يمكن أن يعمل بالقرآن إلا من تلاه وتدبره وعظّمه، وقد كان السلف يقرؤون القرآن قراءة من وطن نفسه على العمل به، والقيام بأوامره، والانتهاء عن نواهيه، قال ابن مسعود رضي الله عنه: "إذا سمعت قول الله تعالى: (يا أيها الذين امنوا) فأرعها سمعك، فإنها خير يأمر به، أو شر ينهى عنه[32]. عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: "إنا أخذنا القرآن عن قوم، فأخبرونا أنهم كانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يجاوزوهن إلى العشر الأخر حتى يعملوا ما فيهن من العلم، قال: فتعلمنا العلم والعمل جميعا، وإنه سيرث هذا القرآن قوم بعدنا يشربونه كشربهم الماء، لا يجاوز تراقيهم، قال: بل لا يجاوز ههنا، ووضع يده تحت حنكه"[33]. تنبيه: • حق العمل يعني العمل بالأوامر واجتناب النواهي كذلك، فما عمل بالقرآن من لم يجتنب نواهيه. • العمل بالقرآن معنى شامل، فالقرآن جاءنا بالعقيدة التي لا يصح اعتقاد غيرها، والشريعة التي لا يصح الاحتكام لسواها، فالعمل بالقرآن ينبغي أن يكون عقيدة وسلوكًا. حق العمل بالقرآن إنما يؤدى شيئًا فشيئًا، ويسدد المسلم فيه ويقارب، فالقرآن شامل للحياة كلها عقيدة وعبادة وأخلاقًا ومعاملات وآدابًا، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم-يعمل به في ذلك كله، قالت عنه عائشة رضي الله عنها: "كان خلقه القرآن[34] أي يأتمر بأوامره، وينتهي عن نواهيه، ويتخلق بأخلاقه، ويتأدب بآدابه. ودوائر التطبيق ثلاث: الدائرة الأولى: دائرة الفرد ذاته. والدائرة الثانية: دائرة المسؤولية الجماعية للفرد (الأسرة). والدائرة الثالثة: دائرة المجتمع والدولة. ولكل دائرة من هذه الدوائر شكل ومضمون لتطبيق القرآن والعمل به. حق التحاكم إلى القرآن: وهو ضرب من ضروب العمل بالقرآن، وإنما خُص هنا بالذكر لأهميته ولما تواتر فيه من نصوص دالة على عظمه ومكانته؛ قال الله تعالى: ﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [المائدة: 50]. فالعجب كل العجب ممن قرأ هذا القرآن وعرَف ما فيه من صدق الأخبار وعدل الأحكام ثم يسعى لغير هذا المنهج المعصوم المحفوظ من التبديل والتحريف المنزل من اللطيف الخبير إلى غيره من المناهج التي وضعها القاصرون عن معرفة أسرار التشريع التي اختص بها الرب جل وعلا؟! فما أكثرَ ما يتناقض هؤلاء فيُحلون اليوم ما حرّموه بالأمس. والله هو خالق الإنسان، العالم بما يصلحه وما يضره؛ قال الله تعالى: ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [المُلك:14]. ولما كان الله تعالى هو الخالق وحده فهو كذلك الحاكم وحده، ولذا يعرف علماء الأصول الحكم بأنه خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين طلبًا أو وضعًا، فحكم غير الله تعالى لا يعد في الحقيقة حكمًا؛ قال الله تعالى: ﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ﴾ [الأعراف:54]. ولقد جاءت الشريعة جامعة لما فيه الخير، قائمة بما يحتاجه الناس في دنياهم وأخراهم، فما أحرى بالمسلم أن يجعل الشريعة إمامه وقائده، ليسعد في الدنيا وينجو في الآخرة؛ قال الله تعالى لنبيه -صلى الله عليه وسلم-:﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الجاثية:18]. واعلموا أن ما فيه الأمة من تخبط ومن قلاقل إنما سببه الوحيد هو تنحية كتاب الله تعالى والتحاكم إلى غيره وقد حكم احكم الحاكمين على من فعل ذلك بالضلال المبين فقال.: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب:36]. وما أنزل الرحمن القران إلا ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه قال تعالى: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ﴾ [المائدة:48]. تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ﴾ [النساء:105]. يبين لنا سبحانه: إنه أنزل إلي الرسول - صلى الله عليه وسلم - القرآن مشتملا على الحق الواضح، ليحكم بين الناس جميعًا بما أوحى الله تعالى إليه، وبَصَّره به، فلا تكن يا رسول الله للذين يخونون أنفسهم - بكتمان الحق - مدافعًا عنهم بما أيدوه لك من القول المخالف للحقيقة. حق التعظيم والإجلال: لا أحد ينازع في أن الكلام يشرُف بشرف قائله، فكلما كان القائلُ عظيم القدر كانت كلماته كذلك، ولذا قيل في منثور الأدب: كلامُ الملوك ملوكُ الكلام، فإن كان هذا في حق البشر (ولله المثل الأعلى) فكيف بكلام خالق البشر؟ وإن تعظيم القرآن من تعظيم الله تعالى؛ فمن كان يرجو لله وقارًا عظم كتابه وأجلّه ومجّده، ولقد كان عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه يأخذ المصحف فيضعه في وجهه ويقبله ويبكي ويقول: "كلام ربي كلام ربي[35]. من صور تعظيم القرآن: الإنصات عند تلاوته، لقوله تعالى: ﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأعراف:204]. الإخبات عند تلاوة القرآن، فقد مدح الله تعالى المخبتين إذا قرئ القرآن الكريم فقال: ﴿ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ ﴾ [المائدة:83]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ۩ ﴾ [السجدة:15]. وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا *وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا *وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ۩ ﴾ [الإسراء: 107 - 109]، وقال تعالى: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ۩ ﴾ [مريم:58]، وقال تعالى: ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ [الزُّمَر:23]. وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعبد الله بن مسعود: "اقرأ علي"، قال: "أقرأ عليك وعليك أنزل"؟ قال: "إني أحب أن أسمعه من غيري" قال: "فقرأت عليه من أول سورة النساء إلى قوله: ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا ﴾ [النساء:41]، فبكى[36] ولما دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيت عائشة في مرضه قال: "مروا أبا بكر فليصل بالناس"، قالت فقلت: "يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق إذا قرأ القرآن لا يملك دمعه[37]. والله تعالى يقول: ﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الحشر:21]. لا يمسه إلا طاهر فلا يصح لغير المتطهر أن يمس القرآن الكريم؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يمس القرآن إلا طاهر"[38]. عدم تعريضه للامتهان؛ فالمسلم يجب عليه أن يصون المصحف الشريف عن مظنة امتهانه، وأن يحرص كل الحرص ألا يكون سببًا في ذلك، ولقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو خوفًا من أن ينالوه بأذى. حق الدعوة إليه وتبليغه إلى الناس القرآن دعوة عالمية، موجهة إلى الناس كافة، وليس للمسلمين فقط ﴿ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ﴾ [الفرقان:1]، ومن ثم حمل قسطًا كبيرًا من الخطاب الإنساني، بل إن خطابه الأساسي “للناس كافة ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ ﴾ وهو الخطاب العام في القرآن، يليه الخطاب الخاص ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾. والمؤمنون مكلفون بحسب رسالتهم ووظيفتهم الشهودية ﴿ لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ﴾ [البقرة:143]. أن يبلغوا “كلمات الله” التي آمنوا بها إلى “الناس” كل الناس. وهذا البلاغ شرطه أن يكون مبينًا (البلاغ المبين) وهو شرط: علم ومعرفة بالمبلَغ عنه وتطبيقٍ وعملٍ بتوجيهاته وأوامره، ولا يتحقق البلاغ المبين – أيضًا – إلا إذا أخذت الأمة موقعها الحضاري بين الأمم، فلا بلاغ لضعيف لأنه لن يسمعه أحد. ومن ثم فعلى المسلم أن يرتفع إلى مستوى الحضارة المعاصرة – على الأقل – ليستطيع الوفاء بواجبه نحو “القرآن” بالدعوة إليه وإبلاغه إلى الناس كافة. وهو ما يتطلب – أيضًا – معرفة الإنسان المعاصر معرفة معمقة، وجوانب التأثير في بنائه وتكوينه التربوي، والارتقاء بمستوى الخطاب القرآني المقدم له، وذلك عن طريق درس العلوم الاجتماعية والتربوية التي مكنت من سبر أغوار كثير من جوانب الإنسان وعوامل التأثير فيه، وكذلك البحث في واقعية القرآن وعقلانيته إزاء المشكلات المعاصرة التي أنتجتها الحضارة الحديثة، وأفقدت الإنسان فيها إنسانيته ومعنوياته. ومن حقوق القرآن التي دل عليها الشرع حق تبليغه للآخرين وتعليمه لهم، وإن في ذلك الأجر العظيم والخير العميم والثواب الجزيل، ويحصل ذلك لمن علم ولو شيئًا قليلًا من القرآن، والقرآن لا يقال فيه قليل، وقد حض عليه النبي صلى الله عليه وسلم على تبليغه بقوله: "بلغوا عني ولو آية" [39]. ودعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-لمن قام بهذا الحق فقال: "نضر الله امرأ سمع منا شيئا فبلغه كما سمع فرب مبلَّغ أوعى"[40]. وقد سمع من النبي -صلى الله عليه وسلم - ما أنزل إليه رب العز والجلال من القرآن والسنة. وبيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- فضل معلِّم القرآن فقال: "خيرُكم من تعلم القرآن وعلمه"[41]. فلا أحد أولى من أهل القرآن الذين تعلموه وعلموه بالخيرية، فإنَّ شرَفهم مِن شرف القرآن، ورفعتَهم بسبب ما في صدورهم من الذكر الحكيم، وهي نعمة حق لغيرهم أن يغبطهم عليها، فعن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار[42]. مسؤوليَّة العرب أكبر: إنَّ عَرَبَ المسلمين اليوم عليهم مسؤوليَّة خاصة تجاه القرآن المجيد؛ لأنه نزل بلغتهم - وكفى بذلك شرفًا وفخرًا لهم - فهم أعرف الناس بأسراره وفحواه، فوجب عليهم عرضه على العالمين، وشرح مزاياه، ومراد الله فيه. والعامل يسمو بسموِّ العمل المناط به، وإن شرف العرب، وعلو شأنهم، وأهمية مركزهم، وما خصَّهم الله به من المزايا، جعلهم مؤهلين لنشر القرآن العظيم وتبليغه للناس، ولقد كرَّمهم الله تعالى باختيار أفضل الرسل منهم، كما قال تعالى: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة:128]. فمتى ينتبه العرب من غفوتهم؟ فإن الأمر جِدُّ خطير، والمسؤولية عظيمة، والأمانة ثقيلة، وإنَّ واجب الدَّعوة إلى القرآن في هذا العصر، يُوجِبُ على العرب خصوصًا والمسلمين عمومًا، مضاعفة الجهد؛ لمواجهة طغيان المادة، والصِّراعات المذهبية، والغزو الفكري. وإنَّ التَّصدي لهذا الزحف المخيف يتطلَّب أن يشعر كُلُّ فرد، أنه على ثَغْرٍ من ثغور الإسلام، ومن هذا الشُّعور فإنه يندفع لاستعمال كل الطرق والوسائل المتاحة لرفع راية القرآن العظيم، وتبليغه للناس أجمعين. حق الاستشفاء: قال الله تعالى: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ﴾ [الإسراء:82]، وقال الله تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ ﴾ [فُصِّلَت:44]، فهذا بيان من الله ليس بعده بيان، فمن لم يستشف بالقرآن فلا شفاه الله، ومن لم يستغن بالقرآن فلا أغناه الله، وقد أنزل الله تعالى المعوذتين يستشفي بهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من السحر الذي أصابه، وقد كان الصحابة الكرام يستشفون بالقرآن هم وغيرهم، فعن أبي سعيد الخدري قال: نزلنا منزلا فأتتنا امرأة فقالت: إن سيد الحي سليم لدغ فهل فيكم من راق؟ فقام معها رجل منا ما كنا نظنه يحسن رقية فرقاه بفاتحة الكتاب فبرأ، فأعطوه غنمًا وسقونا لبنًا، فقلنا: "أكنت تحسن رقية"؟ فقال: "ما رقيته إلا بفاتحة الكتاب"، قال: فقلت: "لا تحركوها حتى نأتي النبي -صلى الله عليه وسلم-"، فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرنا له ذلك فقال: "ما كان يدريه أنها رقية؟ اقسموا واضربوا لي بسهم معكم" [43]، وعن خارجة بن الصلت عن عمه أنه مر بقوم وعندهم رجل مجنون موثق في الحديد فقالوا: إنك جئت من عند هذا الرجل بخير، فارْقِ لنا هذا الرجل، فأتوه برجل معتوه في القيود فرقاه بأم القرآن ثلاثة أيام غدوة وعشية وكلما ختمها جمع بزاقه ثم تفل فكأنما أُنشِط من عقال (أي حُل من وثاق) فأعطوه شيئًا، فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم -فذكره له فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كُلْ فلعمري ما أكل برقية باطل لقد أكلت برقية حق"[44]. قال ابن قيم الجوزية: "ولو أحسن العبد التداوي بالفاتحة لرأى لها تأثيرًا عجيبًا في الشفاء، ومكثت بمكة مدة تعتريني أدواء ولا أجد طبيبًا ولا دواء فكنت أعالج نفسي بالفاتحة فأرى لها تأثيرًا عجيبًا، فكنت أصف ذلك لمن يشتكي ألمًا، وكان كثير منهم يبرأ سريعًا، ولكن ههنا أمر ينبغي التفطن له، وهو أن الأذكار والآيات والأدعية التي يستشفى بها ويرقى بها هي في نفسها نافعة شافية ولكن تستدعى قبول المحل وقوة همة الفاعل وتأثيره، فمتى تخلف الشفاء كان لضعف تأثير الفاعل أو لعدم قبول المنفعل أو لمانع قوي فيه يمنع أن ينجع فيه الدواء، كما يكون ذلك في الأدوية والأدواء الحسية فإن عدم تأثيرها قد يكون لعدم قبول الطبيعة لذلك الدواء وقد يكون لمانع قوي يمنع من اقتضائه أثره، فإن الطبيعة إذا أخذت الدواء بقبول تام كان انتفاع البدن به بحسب ذلك القبول، وكذلك القلب إذا أخذ الرقى والتعاويذ بقبول تام وكان للراقي نفس فعالة وهمة مؤثرة في إزالة الداء[45]. وها هو رجل كان مصابا بمرض السرطان وقد حاول العلاج هنا في المملكة، ولكن قيل له: لا علاج لك إلا في الدول الغربية! اضطر للذهاب إلى أمريكا وكان معه أخوه، وبعد فحصه قال الطبيب لمرافقيه: إنه لا يمكن علاج هذا المرض فقد استفحل وسيبقى على هذه الحال حتى يموت!! وفي الليل تذكر أخوه المرافق قول الله تعالى: ﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾ [الشعراء:80]، فأخذ يقرأ عليه طوال الليل ما استطاع من سورة الفاتحة حتى سورة الناس، وبعدها نام، فلما جاء الغد وجد أن أخاه يتحسن! فأعاد عليه القراءة مرة أخرى كما فعل في الأولى وبدأ التحسن واضحا عليه فكرر القراءة عليه عدة مرات وبعد أن تم إعادة الفحص مرة أخرى قال الطبيب لأخيه مستغربا هل هذا هو المريض الذي فحصناه في المرة السابقة؟ فأجابه: نعم. فقد شفي هذا الرجل بتوفيق من الله ثم بقراءة القران الكريم عليه[46]. فهذه بعض حقوق القرآن، ولا أزعم أن هذا غايتها فإن حقوق القرآن أعظم وأجل، وهذه بعضها، والقرآن لا يوفيه العبد حقًا لأنه أعظم النعم، والعبد يعجز أن يقوم بواجبه تجاه نعم هي أقل شأنًا من هذه النعمة العظيمة، ولكن ينبغي التسديد والمقاربة والاستغفار عن التقصير وطلب العفو من الله على التفريط، فهو المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله. [1] رواه البخاري، 1/ 25، (45). [2] جامع البيان، 3/ 378، تفسير القرآن العظيم، 1/ 514، الجامع لأحكام القرآن، 4/ 155. [3] رواه الترمذي، 5/ 172، (2906)، والدارمي، 2/ 526، (3331). [4] الجامع لأحكام القرآن، 5/ 394، معالم التنزيل، 1/ 299، فتح القدير، 1/ 791، الوجيز، 1/ 295. [5] شرح الطحاوية (1/ 172). [6] الترمذي، 5/ 175، (2910)، وصححه الألباني. [7] مسند أحمد، 2/ 174، (6626)، والمستدرك، 1/ 740، (2036)، قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. [8] رواه أحمد بسند صحيح.. [9] رواه مسلم، 1/ 553، (804). [10] رواه أبو داود، 1/ 442، (1390)، وصححه الألباني. [11] رواه أبو داود، 1/ 463، (1464). [12] رواه أبو داود، 1/ 179، (461)، والترمذي، 5/ 178، (2916( [13]صحيح، أخرجه مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها - باب فضل سورة الكهف... حديث (809). [14]صحيح البخاري، برقم (4643)،وصحيح مسلم،برقم.(1313) [15] رواه البخاري ومسلم، واللفظ له. [16] رواه البخاري ومسلم، واللفظ له. [17] تفسير القرآن العظيم، 4/ 337. [18] جامع البيان، 10/ 576. . [19] فتح القدير، 1/ 741. [20] المصدر السابق، الصفحة نفسها. [21] جامع البيان، 1/ 65، تفسير القرآن العظيم، 2/ 404. [22] تفسير القرآن العظيم، 1/ 5. [23] تفسير القرآن العظيم، 4/ 648. [24] رواه أحمد، 5/ 384، وابن خزيمة، 1/ 272، (542). [25] تفسير القرآن العظيم، 1/ 5. [26] حسن صحيح - رواه أبو داود. [27] القرطبي، تفسير آية رقم 79 من سورة آل عمران. [28] أي نَاقَتَيْنِ عَظِيمَتَيِ السَّنَامِ. [29] أَيْ سَمِينَتَيْنِ. [30] رواه مسلم وأبو داود. [31] فريد الأنصاري: مجالس القرآن, دار السلام, ص 64. [32] تفسير القرآن العظيم، 1/ 91. [33]أخرجه الفريابي في «فضائل القرآن» (169أو153)، وابن أبي شيبة في “المصنف” (9978)، وابن جرير في «تفسيره» (82)، وابن سعد في «الطبقات» (6/ 172)، وقال أحمد شاكر: هذا إسناد صحيح متصل.اهـ [34] رواه أحمد، 6/ 91، (24645). [35] المعجم الكبير، 17/ 371، (1018). [36] البخاري، 4/ 1925، (4763)، ومسلم، 1/ 551، (800). [37] البخاري، 1/ 240، (646)، ومسلم، 1/ 311، (418). [38] الموطأ، 1/ 199، (469). [39] رواه البخاري، 3/ 1275، (3274). [40] صحيح، أخرجه أحمد (1/ 436)، والترمذي: حديث (2657) وقال: حديث صحيح، وأخرجه أيضًا أبو داود: حديث (3660)، وابن ماجه: المقدمة - حديث (230) وصححه ابن حبان (66)، وصححه الألباني، صحيح الترغيب (4/ 89). [41] رواه البخاري، 4/ 1919، (4739). [42] رواه البخاري، 6/ 2643، (6805). [43] رواه مسلم، 4/ 1727، (2201). [44] رواه أبو داود، 2/ 286، (3420)، وصححه الألباني. [45] الداء والدواء، 1/ 3. [46] موقع صيد الفوائد.
__________________
|
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 6 ( الأعضاء 0 والزوار 6) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |