|
|||||||
| ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
|
كيف واجه العلماء فتنة السيف والقلم؟ عمار يوسف حرزالله يا أيها السائل عن سرِّ بقاءِ الأمةِ في عصفِ الفتن، وعن المِصباحِ الذي لم ينطفئ في ليالي الظلمات، وعن الحِصنِ المنيعِ الذي صدَّ رياحَ الشكِّ والانحراف. إنك تسألُ عن جهادِ العلماءِ الأعلامِ في مواجهةِ الفتن، وعن بأسِهم الذي لم يكن بأسَ السيفِ والرمحِ، بل بأسَ الكلمةِ الحكيمةِ، والموقفِ الثابتِ، والعقيدةِ الراسخةِ. لقد كانت الفتنُ قديمًا وحديثًا كالبحرِ الهائجِ، لا ينجو منها إلا من كانَ معه سفينةُ النجاةِ، وكانت سفينةُ هذهِ الأمةِ همُ العلماءُ الربانيون الذينَ ورثوا علمَ النبوةِ، فأصبحوا حماةَ الدينِ من كلِّ ما يُكدِّرُ صفاءَهُ. أولًا: فقهُ الفتنةِ.. من التنظيرِ إلى التطبيق: لم تكن مواجهةُ العلماءِ للفتنِ ردودَ أفعالٍ عشوائيةٍ، بل كانت قائمةً على فقهٍ عميقٍ استُخرِج من ينابيعِ القرآنِ والسُّنَّةِ، ورُبطَ بأصولِ الشريعةِ ومقاصدِها. لقد كانت الفتنةُ في نظرِهم شيئًا أخطرَ من القتالِ المباشرِ؛ لأنها قد تُدمِّرُ الدينَ والناسَ من الداخلِ؛ لذلك وضعوا منهجًا مُحكمًا في التعاملِ معها: 1. لزومُ الجماعةِ: الحصنُ الأخير: لقد أدركوا أن الوحدةَ هي أساسُ القوةِ، وأن التفرُّقَ في زمنِ الفتنةِ هو هلاكٌ محتَّم؛ فكانوا يُشدِّدونَ على لزومِ جماعةِ المسلمينَ وإمامهم، حتى لو كانَ الحاكمُ ظالمًا أو فاسقًا، ما دامَ يُصلِّي ويُقيمُ شرائعَ الإسلامِ الظاهرة. كانت حجتهم أن الخروجَ على الحاكمِ يؤدي إلى فتنٍ أكبرَ، تُراقُ فيها الدماءُ، وتُهتكُ الأعراضُ، وتُضيَّعُ الحقوق. لقد كان موقفُهم هذا ليسَ ركونًا للظلمِ، بل هو فقهٌ للواقعِ، يُوازِنُ بينَ مفسدةِ طاعةِ الحاكمِ الظالمِ ومفسدةِ الخروجِ الذي يؤدي إلى فوضى عارمةٍ. 2. الاعتزالُ وتثبيتُ القلوب: في الفتنِ التي لا تُعرفُ فيها الرايةُ الصحيحة، ولا تُفرّقُ فيها بينَ الحقِّ والباطلِ، كانَ منهجُهم هو الاعتزالُ وتجنُّبُ الخوضِ في الصراع. كانوا ينصحونَ الناسَ بالبقاءِ في بيوتهم، وإمساكِ ألسنتهم، وعدمِ الانخراطِ في النزاعاتِ التي تضعُفُ فيها البصيرةُ وتغلبُ فيها العاطفة. هذهِ النَّصيحةُ لم تكنْ ضعفًا، بل كانت حكمةً بالغةً؛ لأنَّها تحمي الأفرادَ من الوقوعِ في مستنقعٍ يصعبُ الخروجُ منه، وتُبقي على جزءٍ من الأمةِ لم يتلوثْ بآثارِ الفتنة. 3. سلاحُ اليقينِ في زمنِ الشُّبهات: كانت الفتنةُ الفكريةُ أخطرَ أنواعِ الفتنِ في نظرِهم. في وجهِ المذاهبِ الضالّة، والفلسفاتِ الوافدةِ، والبدعِ المحدثة، كانَ سلاحُهم هو اليقين الراسخ بالعقيدةِ الصحيحة. لم يواجهوا الشبهاتِ بسبِّ أصحابِها أو التَّنكيلِ بهم، بل واجهوها بالعلمِ والبراهينِ، مُبيِّنينَ فسادَها من الداخلِ، ومُثبتينَ صحةَ عقيدةِ السلفِ بالأدلةِ النقليةِ والعقلية. ثانيًا: النماذجُ الخالدةُ.. حكاياتٌ من الصبرِ والبصيرة: لم يكن هذا الفقهُ مجرَّدَ تنظيرٍ، بل طبَّقهُ أعلامُ الأمةِ في أشدِّ الأوقاتِ حلكةً، فكانت مواقفُهم دروسًا للأجيال. 1. الإمامُ أحمدُ بنُ حنبلٍ: أسطورةُ الثباتِ: لعلَّ أبرزَ مثالٍ على مواجهةِ الفتنةِ هو موقفُ الإمام أحمد في محنةِ خلقِ القرآن. لقد واجهَ إمامَ العصرِ (المأمون) الذي تبنَّى عقيدةَ المعتزلةِ بالقوةِ، لكن الإمامَ أحمد لم يُسلِّمْ لهم، ولم يستجبْ لضغوطهم. لم يرفعْ سيفًا، ولم يدعُ إلى ثورة، بل كانَ سلاحُه هو كلمة الحقِّ الصريحةِ، وصبرهُ الذي لا يلين. صمدَ في السجنِ، وضُربَ بالسياط، وعانى ما عانى، لكنَّه لم يُغيِّرْ من عقيدتهِ شيئًا، فكانَ هذا الثباتُ أعظمَ دروسِ مواجهةِ الفتنِ؛ لأنهُ أثبتَ أنَّ الحقَّ لا يُهزمُ وإن بدا ضعيفًا، وأن الصبرَ هو مِفْتاحُ النصر. 2. الإمامُ مالكٌ: حصنُ المدينةِ: في زمنِ الفتنِ والحروبِ بينَ الأمويينَ والعباسيينَ، كانَ منهجُ الإمامِ مالكٍ هو التمسك بـ "عملِ أهلِ المدينة"، وعدم الخوضِ في النزاعاتِ السياسيةِ. كانَ يرى أنَّ أهلَ المدينةِ هم ورثةُ النبوةِ، وأنَّ ما استقرَّت عليهِ عقيدتُهم وعملُهم هو الحجةُ الكبرى. لقد كانَ هذا الموقفُ حمايةً للناسِ من الانجرارِ وراءَ الصراعاتِ، ودعوةً للعودةِ إلى النَّبْعِ الصافيِ من الفتنةِ التي عمَّتْ الأمةَ. 3. الإمامُ الشافعيُّ: فقهُ الموازنات: عاشَ الإمامُ الشافعيُّ في زمنٍ مضطربٍ، لكنَّهُ كانَ يوازنُ بينَ المبادئِ والواقعِ. لم يكنْ يوافقُ على الخروجِ المسلَّحِ على الحاكمِ، لكنَّهُ في الوقتِ نفسهِ لم يكنْ يسكتُ على الظلمِ، بل كانَ يُقدِّمُ النصحَ بحكمةٍ وبصيرةٍ. كانَ منهجهُ هو عدم الخلطِ بينَ فقهِ الدعوةِ وفقهِ السياسةِ، فكانت دعوتهُ قائمةً على العلمِ والتربيةِ، بعيدةً عن الصراعاتِ السياسيةِ التي تُفرِّقُ الأمة. ثالثًا: الخاتمةُ إرثٌ خالدٌ للأجيال: إن ما قامَ بهِ هؤلاءِ الأعلامُ لم يكنْ مجرَّدَ مواقفَ شخصيةٍ، بل كانَ إرثًا ومنهجًا باقيًا إلى يومِنا هذا. لقد علَّمونا أنَّ مواجهةَ الفتنِ ليستْ بالصراخِ، ولا بالانفعالِ، ولا بإراقةِ الدماءِ، بل هي بالعلمِ واليقينِ، والصبرِ والحكمةِ، والتساميِ عن الدنيا وزخارفها. لقد كانوا بحقٍّ ورثةَ الأنبياءِ، فكما أن الأنبياءَ بُعثوا ليُخرجوا الناسَ من الظلماتِ إلى النور، فإن العلماءَ بُعثوا ليُخرجوا الناسَ من ظلماتِ الفتنِ إلى نورِ اليقين.
__________________
|
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |