|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() بين خطَرات المَلك وخطَرات الشيطان د. محمود بن أحمد الدوسري الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِهِ الْكَرِيمِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ الشَّيْطَانَ وَالْمَلَكَ يَتَعَاقَبَانِ عَلَى الْقَلْبِ تَعَاقُبَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَمَنْ يَتَأَمَّلْ حَالَ الْقَلْبِ مَعَ الْمَلَكِ وَالشَّيْطَانِ يَرَ عَجَبًا؛ فَهَذَا يُلِمُّ بِهِ مَرَّةً، وَهَذَا يُلِمُّ بِهِ مَرَّةً، فَإِذَا أَلَمَّ بِهِ الْمَلَكُ حَدَثَ لَهُ مِنْ لَمَّتِهِ الِانْشِرَاحُ وَالرَّحْمَةُ، وَالنُّورُ وَالْإِخْلَاصُ وَالْإِنَابَةُ، وَمَحَبَّةُ اللَّهِ وَإِيثَارُهُ عَلَى مَا سِوَاهُ، وَإِذَا أَلَمَّ بِهِ الشَّيْطَانُ حَدَثَ لَهُ مِنْ لَمَّتِهِ الضِّيقُ وَالظُّلْمَةُ، وَالْهَمُّ وَالْغَمُّ، وَالْخَوْفُ عَلَى الْمَقْدُورِ، وَالشَّكُّ فِي الْحَقِّ، وَالْحِرْصُ عَلَى الدُّنْيَا، وَالْغَفْلَةُ عَنِ الدَّارِ الْآخِرَةِ، وَمِصْدَاقُهُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً[1] بِابْنِ آدَمَ، وَلِلْمَلَكِ لَمَّةً؛ فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ: فَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ، وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ، وَأَمَّا لَمَّةُ الْمَلَكِ: فَإِيعَادٌ بِالْخَيْرِ، وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ، فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ؛ فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنَ اللَّهِ، فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ الْأُخْرَى؛ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 268]» صَحِيحٌ - رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ فِي "الْكُبْرَى". فَاللَّهُ تَعَالَى خَلَقَ الْمَلَائِكَةَ وَطَبِيعَتَهَا وَجُنْدَهَا وَعَمَلَهَا؛ مُقَابِلًا لِلشَّيْطَانِ فِي خَلْقِهِمْ وَطَبِيعَتِهِمْ وَعَمَلِهِمْ. فَلَمَّةُ الشَّيْطَانِ: إِيعَازٌ بِالشَّرِّ، وَتَسْهِيلٌ لَهُ، وَلَمَّةُ الْمَلَائِكَةِ: إِيعَازٌ بِالْخَيْرِ، وَتَسْهِيلٌ لَهُ. وَفِيهِ: دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مَا مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَمَعَهُ قَرِينٌ، حَتَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ[2]؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ، وَقَرِينُهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ» قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَإِيَّايَ، إِلَّا أَنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ، فَلَا يَأْمُرُنِي إِلَّا بِخَيْرٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا لَيْلًا، قَالَتْ: فَغِرْتُ عَلَيْهِ، فَجَاءَ فَرَأَى مَا أَصْنَعُ؛ فَقَالَ: «مَا لَكِ يَا عَائِشَةُ، أَغِرْتِ». فَقُلْتُ: وَمَا لِي لَا يَغَارُ مِثْلِي عَلَى مِثْلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَقَدْ جَاءَكِ شَيْطَانُكِ». قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوَمَعِيَ شَيْطَانٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ». قُلْتُ: وَمَعَ كُلِّ إِنْسَانٍ؟ قَالَ: «نَعَمْ». قُلْتُ: وَمَعَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَلَكِنْ رَبِّي أَعَانَنِي عَلَيْهِ حَتَّى أَسْلَمَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: («فَأَسْلَمَ» بِرَفْعِ الْمِيمِ[3] وَفَتْحِهَا، وَهُمَا رِوَايَتَانِ مَشْهُورَتَانِ؛ فَمَنْ رَفَعَ قَالَ: مَعْنَاهُ "أَسْلَمُ أَنَا مِنْ شَرِّهِ، وَفِتْنَتِهِ". وَمَنْ فَتَحَ قَالَ: "إِنَّ الْقَرِينَ أَسْلَمَ مِنَ الْإِسْلَامِ، وَصَارَ مُؤْمِنًا، لَا يَأْمُرُنِي إِلَّا بِخَيْرٍ". وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَرْجَحِ مِنْهُمَا: فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ الرَّفْعُ، وَرَجَّحَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْفَتْحَ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلَا يَأْمُرُنِي إِلَّا بِخَيْرٍ». وَاخْتَلَفُوا عَلَى رِوَايَةِ الْفَتْحِ: قِيلَ: أَسْلَمَ بِمَعْنَى: "اسْتَسْلَمَ وَانْقَادَ"، وَقِيلَ: "صَارَ مُسْلِمًا مُؤْمِنًا"، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. قَالَ الْقَاضِي: وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ مُجْتَمِعَةٌ عَلَى عِصْمَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الشَّيْطَانِ؛ فِي جِسْمِهِ، وَخَاطِرِهِ، وَلِسَانِهِ. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ: إِشَارَةٌ إِلَى التَّحْذِيرِ مِنْ فِتْنَةِ الْقَرِينِ، وَوَسْوَسَتِهِ، وَإِغْوَائِهِ، فَأَعْلَمَنَا بِأَنَّهُ مَعَنَا؛ لِنَحْتَرِزَ مِنْهُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ)[4]. عِبَادَ اللَّهِ.. يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَمَّلَ الْمُسْلِمُ فِي كُلِّ خَاطِرٍ يَخْطُرُ فِي قَلْبِهِ؛ لِيَعْلَمَ أَهُوَ مِنْ لَمَّةِ الْمَلَكِ أَوْ مِنْ لَمَّةِ الشَّيْطَانِ؟ فَإِنْ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ مِنَ الْمَلَكِ حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى وَأَمْضَاهُ، وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ تَعَوَّذَ بِاللَّهِ مِنْهُ وَتَوَقَّاهُ، قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ﴾ [الْأَعْرَافِ: 201]. وَالنَّاسُ فِي هَذِهِ الْمِحْنَةِ مَرَاتِبُ لَا يُحْصِيهَا إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى؛ فَمِنْهُمْ: مَنْ تَكُونْ لَمَّةُ الْمَلَكِ لَهُ أَغْلَبَ مِنْ لَمَّةِ الشَّيْطَانِ وَأَقْوَى؛ لِأَنَّهُ يَقْصِفُ فِي الْقَلْبِ الصِّدْقَ وَالْحَقَّ، وَاتِّبَاعَ الْهُدَى، وَمِنْهُمْ: مَنْ تَكُونُ لَمَّةُ الشَّيْطَانِ أَغْلَبَ عَلَيْهِ، وَهُوَ يُوَسْوِسُ فِي الْقَلْبِ الْعَقَائِدَ الْفَاسِدَةَ، وَالظُّلْمَ، وَاتِّبَاعَ الْهَوَى، قَالَ تَعَالَى: ﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا ﴾ [الْبَقَرَةِ: 268]؛ وَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 175]؛ أَيْ: يُخَوِّفُكُمْ أَوْلِيَاءَهُ؛ وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ ﴾ [الْأَنْفَالِ: 48]. وَوَسَاوِسُ الشَّيْطَانِ وَخَطَرَاتُهُ فِي قَلْبِ الْإِنْسَانِ كَثِيرَةٌ وخَطِيرَةٌ، وَيُمْكِنُ حَصْرُ شَرِّهِ فِي سِتَّةِ أُمُورٍ، لَا يَزَالُ بِابْنِ آدَمَ حَتَّى يَنَالَ مِنْهُ وَاحِدًا مِنْهَا أَوْ أَكْثَرَ، وَهِيَ [5]: 1- الْكُفْرُ وَالشِّرْكُ: وَهُوَ أَوَّلُ مَا يُرِيدُ مِنَ الْعَبْدِ. 2- الْبِدْعَةُ: وَهِيَ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الْفُسُوقِ وَالْمَعَاصِي؛ لِأَنَّ ضَرَرَهَا فِي الدِّينِ نَفْسِهِ، وَهُوَ ضَرَرٌ مُتَعَدٍّ، وَهُوَ ذَنْبٌ لَا يُتَابُ مِنْهُ فِي الْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ، إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ. 3- الْكَبَائِرُ: عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا. 4- الصَّغَائِرُ إِذَا اجْتَمَعَتْ: وَلَمْ يُتَبْ مِنْهَا، فَرُبَّمَا أَهْلَكَتْ صَاحِبَهَا. 5- إِشْغَالُهُ بِالْمُبَاحَاتِ: الَّتِي لَا ثَوَابَ فِيهَا، وَلَا عِقَابَ. 6- إِشْغَالُهُ بِالْعَمَلِ الْمَفْضُولِ: عَمَّا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ. الخطبة الثانية الْحَمْدُ لِلَّهِ... أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ.. تُعَالَجُ وَسْوَسَةُ الشَّيْطَانِ: بِالْإِعْرَاضِ عَنْهَا، وَرَدِّهَا ابْتِدَاءً، وَالْكَفِّ عَنِ التَّفْكِيرِ فِيهَا، وَمُجَاهَدَتِهَا، وَعَدَمِ الِاسْتِرْسَالِ مَعَهَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: "مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ مَنْ خَلَقَ كَذَا؟" حَتَّى يَقُولَ: "مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟!" فَإِذَا بَلَغَهُ؛ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ، وَلْيَنْتَهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.وَتُعَالَجُ الْوَسْوَسَةُ: بِالِاسْتِعَاذَةِ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ: قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [فُصِّلَتْ: 36]، وَالنَّزْغُ: هُوَ الْإِغْوَاءُ بِالْوَسْوَسَةِ، وَأَصْلُهُ: الْإِزْعَاجُ بِالْحَرَكَةِ إِلَى الشَّرِّ[6]. قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: (أَمَرَ اللَّهُ الْمُسْتَعِيذَ أَنْ يَتَعَوَّذَ بِالْمُتَّصِفِ بِالرُّبُوبِيَّةِ، وَالْمُلْكِ، وَالْأُلُوهِيَّةِ، مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ؛ وَهُوَ الشَّيْطَانُ الْمُوَكَّلُ بِالْإِنْسَانِ. فَإِنَّهُ مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَنِي آدَمَ إِلَّا وَلَهُ قَرِينٌ يُزَيِّنُ لَهُ الْفَوَاحِشَ، وَلَا يَأْلُوهُ جُهْدًا فِي الْخَبَالِ. وَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ)[7]. وَتُعَالَجُ أَيْضًا: بالِاسْتِعَانَةِ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَتَجْدِيدِ الْإِيمَانِ، وَالْإِكْثَارِ مِنْ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَتَدَبُّرِهِ، وَالْإِكْثَارِ مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَالْإِكْثَارِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ وَقْتٍ، قَالَ ابْنُ تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (الشَّيْطَانُ وَسْوَاسٌ خَنَّاسٌ؛ إِذَا ذَكَرَ الْعَبْدُ رَبَّهُ خَنَسَ، فَإِذَا غَفَلَ عَنْ ذِكْرِهِ وَسْوَسَ؛ فَلِهَذَا كَانَ تَرْكُ ذِكْرِ اللَّهِ سَبَبًا وَمَبْدَأً لِنُزُولِ الِاعْتِقَادِ الْبَاطِلِ، وَالْإِرَادَةِ الْفَاسِدَةِ فِي الْقَلْبِ)[8]. وَتُعَالَجُ الْوَسْوَسَةُ: بِالْبُعْدِ عَنِ الْمَعَاصِي وَالْآثَامِ؛ فَالذُّنُوبُ سَبَبٌ رَئِيسٌ فِي تَسَلُّطِ الشَّيْطَانِ عَلَى الْإِنْسَانِ؛ ﴿ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [النَّحْلِ: 99]. وَتُعَالَجُ أَيْضًا: بِتَرْكِ الْوَحْدَةِ، وَلُزُومِ الصُّحْبَةِ الصَّالِحَةِ، وَالِالْتِجَاءِ إِلَى اللَّهِ بِالدُّعَاءِ، وَحُسْنِ الظَّنِّ بِاللَّهِ، وَيُوقِنُ بِضَعْفِ الشَّيْطَانِ وَكَيْدِهِ؛ فَإِنَّ حُسْنَ ظَنِّهِ بِاللَّهِ لَهُ أَثَرٌ عَظِيمٌ فِي التَّخَلُّصِ مِنَ الْوَسْوَاسِ، ﴿ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ﴾ [النِّسَاءِ: 76]؛ وَفِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي؛ إِنْ ظَنَّ بِي خَيْرًا فَلَهُ، وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ» صَحِيحٌ - رَوَاهُ أَحْمَدُ. فَاللَّهُ تَعَالَى يُعَامِلُ عَبْدَهُ عَلَى حَسَبِ ظَنِّهِ بِهِ. وَمِنَ الْأَهَمِّيَّةِ بِمَكَانٍ: أَنْ يَعْرِفَ الْإِنْسَانُ أَسْبَابَ دُنُوِّ الْمَلَائِكَةِ مِنْهُ، وَأَسْبَابَ تَبَاعُدِهَا عَنْهُ، وَأَسْبَابَ دُنُوِّ الشَّيَاطِينِ مِنْهُ، وَأَسْبَابَ تَبَاعُدِهَا عَنْهُ؛ لِيَأْخُذَ بِأَسْبَابِ الْخَيْرِ وَالسَّلَامَةِ، وَيَبْتَعِدَ عَنْ أَسْبَابِ الشَّرِّ وَالْهَلَاكِ، فَإِنَّ دُنُوَّ الْمَلَائِكَةِ مِنَ الْعَبْدِ خَيْرٌ وَرَحْمَةٌ، وَدُنُوَّ الشَّيَاطِينِ مِنْهُ شَرٌّ وَهَلَكَةٌ، وَالذُّنُوبُ وَالْمَعَاصِي تُبَاعِدُ الْمَلَائِكَةَ، وَتُقَرِّبُ الشَّيَاطِينَ. فَمِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَفَضْلِهِ عَلَيْنَا أَنْ جَعَلَ الْمَلَائِكَةَ طَرَفًا فِي الْمُوَاجَهَةِ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَالشَّيْطَانِ؛ لِتَكُونَ لِلْإِنْسَانِ أَقْوَى ظَهِيرٍ بَعْدَهُ سُبْحَانَهُ. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ: (فَالْإِلْهَامُ الْمَلَكِيُّ يَكْثُرُ فِي الْقُلُوبِ الطَّاهِرَةِ النَّقِيَّةِ الَّتِي قَدِ اسْتَنَارَتْ بِنُورِ اللَّهِ، فَلِلْمَلَكِ بِهَا اتِّصَالٌ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مُنَاسَبَةٌ، فَإِنَّهُ طَيِّبٌ طَاهِرٌ لَا يُجَاوِرُ إِلَّا قَلْبًا يُنَاسِبُهُ، فَتَكُونُ لَمَّةُ الْمَلَكِ بِهَذَا الْقَلْبِ أَكْثَرَ مِنْ لَمَّةِ الشَّيْطَانِ. وَأَمَّا الْقَلْبُ الْمُظْلِمُ الَّذِي قَدِ اسْوَدَّ بِدُخَانِ الشَّهَوَاتِ وَالشُّبُهَاتِ، فَإِلْقَاءُ الشَّيْطَانِ وَلَمَّتُهُ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ لَمَّةِ الْمَلَكِ)[9]. [1] اللَّمَّة: الْهَمَّة والخَطْرَة تَقَع فِي الْقَلْبِ، مِن فِعلِ الخير والشر، والعزمِ عليه. قَالَ في القاموس: «والهِمَّة، ويُفْتَح: ما هُمَّ به من أمرٍ ليُفْعَل». انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، (4/ 273)؛ القاموس المحيط، (ص1171). [2] انظر: توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم، (8/ 154) [3] أي: «فَأَسْلَمُ». [4] شرح النووي على مسلم، (17/ 157، 158). [5] انظر: بدائع الفوائد، لابن القيم (2/ 260). [6] انظر: التفسير الكبير، للرازي، (15/ 435). [7] تفسير ابن كثير، (8/ 539). [8] مجموع الفتاوى، (4/ 34). [9] الروح، (2/ 715).
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |