|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() أسباب البركة في الطعام رمضان صالح العجرمي الحمد لله الذي يرزق من يشاء بما يشاء، كيف يشاء متى يشاء، لا يُعجزه عطاء عن عطاء، فيدُه بالخير سحَّاء، والصلاة والسلام على خيرِ خلق الله محمد بن عبدالله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ أما بعد: فإن البركة في الطعام وغيره نعمة عظيمة من الله تعالى، يجود بها على من يشاء من عباده، وهي من أسمى المطالب. والبركة في الطعام: معناها: كثرة الخير فيه والزيادة والنماء، فبها يكثر القليل، فقليلٌ مبارك خيرٌ من كثير ممحوق البركة. وحتى تستحضر معنى البركة في الطعام؛ وُجدت في خزائن بعض الملوك في القرون الأولى من عمر هذه الأمة حبةُ قمح بمقدار نواة التمر، كُتب عليها: "هذا يومُ أن كانت بركة الله في الأرض، هذا كان ينبت في الأرض زمن العدل"؛ ولذا ينبغي للمسلم أن يتحرى ويبحث عن أسباب البركة في طعامه، حتى ينتفع به، ويكثر فيه الخير، وهذه بعض من أسباب البركة في الطعام؛ وهي جملة من السنن والآداب تجلب لك البركة في الطعام، لو حافظت عليها فستجد البركة، وهي سنن وآداب تؤجَر عليها بإذن الله تعالى، يعني مجرد تطبيق هذه السنن هو أجر في حد ذاته. 1- الانتظار حتى تذهب فورة حرارته (البخار أو الدخان)؛ فعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: أنها كانت إذا ثردت، غطَّته حتى يذهب فَوْرُهُ، ثم تقول: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنه أعظم للبركة))؛ [رواه أحمد، وابن حبان، والحاكم، وهو في السلسلة الصحيحة]. ثَرَدَتْ: وضعت المَرق على الخبز. بوَّب عليه ابن حبان في صحيحه باب: [ذكر الاستحباب للمرء تغطية ثريده قبل الأكل، رجاء وجود البركة فيه]. وهذا أمر زائد على مجرد تركه حتى يبرد، فقد يُترك مكشوفًا ليبرد، ولكن المقصود: ترك الطعام الحار مغطًّى حتى يذهب بخاره. 2- التسمية أول الطعام؛ عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم يومًا فقُرِّب إليه طعام، فلم أرَ طعامًا كان أعظم بركةً منه، أول ما أكلنا، ولا أقل بركةً في آخره، فقلنا: يا رسول الله، كيف هذا؟ قال: ((إنا ذكرنا اسم الله حين أكلنا، ثم قعد من أكل، ولم يسمِّ الله تعالى، فأكل معه الشيطان))؛ [وهو ضعيف]. فبالتسمية تحصل البركة في الطعام؛ عن عائشة رضي الله عنها، قالت: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم يأكل الطعام في ستة من أصحابه، فجاء أعرابيٌّ، فأكله بلقمتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو سمَّى لكفاكم))؛ [رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه]. والحكمة من التسمية قبل الطعام هي منع الشيطان من أن يأكل مع الإنسان؛ فتُنزع البركة منه، فيكون الطعام الذي يظن أنه يكفيه لا يكفيه، ويدل على هذا حديث حذيفة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الشيطان يستحل الطعام ألَّا يُذكر اسم الله عليه))، فإذا لم يذكر اسم الله عليه، استطاع الشيطان أن ينال منه. ومن نسيَ التسمية في أول الطعام، فليسمِّ في أثنائه؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا أكل أحدكم طعامًا فليقل: بسم الله، فإن نسيَ في أوله، فليقل: بسم الله في أوله وآخره))؛ [رواه الترمذي وصححه]. 3- الاجتماع على الطعام: فإن الاجتماع على الطعام، وكثرة الأيدي سبب من أسباب حلول البركة فيه؛ عن وحشي بن حرب رضي الله عنه: ((أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: يا رسول الله، إنا نأكل ولا نشبع؟ قال: فلعلكم تفترقون؟ قالوا: نعم، قال: فاجتمعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله، يبارك لكم فيه))؛ [رواه أبو داود، وابن ماجه، وأحمد]. بوَّب النووي رحمه الله: [باب تكثير الأيدي على الطعام]. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((طعام الاثنين كافي الثلاثة، وطعام الثلاثة كافي الأربعة))؛ [متفق عليه]، وعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الثمانية))؛ [رواه مسلم]، قالوا: المقصود شبع الواحد قوت الاثنين، وشبع الاثنين قوت أربع؛ قال ابن باز رحمه الله: "ففي الحديثين السابقين دلالة على أن كثرة الأيدي في الطعام من أسباب البركة، وأنه ينبغي للمؤمن ألَّا يخاف من كثرة الأيدي، وأنه كلما زادت الأيدي في الطعام، فهو من أسباب البركة". وتكثير الأيدي على الطعام من أسباب محبة الله تعالى؛ فعن جابر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أحب الطعام إلى الله ما كثرت عليه الأيدي))؛ [رواه البيهقي، والطبراني، وحسنه الألباني]. وتكثير الأيدي على الطعام صورة من صور التكافل الاجتماعي وترابط المجتمع المسلم؛ في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو، أو قلَّ طعام عيالهم بالمدينة، جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسَّوِيَّة، فهم مني وأنا منهم))، معنى أرملوا: أي: فَنِيَ طعامهم. 4- الأكل من جانب القصعة، وعدم الأكل من وسطها؛ عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((البركة تنزل وسط الطعام، فكلوا من حافتيه، ولا تأكلوا من وسطه))؛ [رواه أبو داود، والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح]، وفي رواية: ((إذا أكل أحدكم طعامًا، فلا يأكل من أعلى الصَّحفة، ولكن ليأكل من أسفلها؛ فإن البركة تنزل من أعلاها))، قال أهل العلم: إلا إذا كان الطعام أنواعًا، وكان نوع منه في الوسط، وأراد أن يأخذ منه شيئًا فلا بأس، مثل أن يُوضع اللحم في وسط الصحفة، فإنه لا بأس أن تأكل من اللحم ولو كان في وسطها؛ لأنه ليس له نظير في جوانبها فلا حرج. 5- أن يأكل المسلم ما يسقط منه، وهذا أدب ربما نغفُل عنه، وسنة يهجرها كثير من الناس؛ ففي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه، حتى يحضره عند طعامه، فإذا سقطت من أحدكم اللقمة فليُمط ما كان بها من أذًى، ثم ليأكلها ولا يدَعها للشيطان، فإذا فرغ فليلعق أصابعه، فإنه لا يدري في أي طعامه تكون البركة)). ذكر العلماء لهذا الأدب حِكمًا عديدةً، وفوائد كثيرةً؛ منها: • امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم وسنته. • التواضع وعدم التكبر. • احترام نِعم الله تعالى وتعظيمها وشكرها، وعدم الاستخفاف بها. • تحصيل البركة التي قد تكون في اللقمة الساقطة. • حرمان الشيطان من ذلك الطعام؛ حتى قال النووي رحمه الله: "فإن وقعت على موضع نجس، فلا بد من غسلها إن أمكن، فإن تعذر، أطعمَها حيوانًا، ولا يتركها للشيطان". • الاقتصاد وعدم الإسراف. 6- سلت القصعة؛ فعن أنس رضي الله عنه قال: ((وأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن نسلُت القصعة، قال: فإنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة)). وغالب الناس اليوم يفرطون في مظانِّ البركة؛ إذ يضعون في أطباقهم أكثر مما يحتاجون، ولا يمكن الوصول لسلت - أي مسح – الطبق؛ لكثرة ما فيه. والمقصود بسلت القصعة: أن يأكل الإنسان الطعام المتبقي في القصعة، والغرض من ذلك: هو الحصول على البركة، فربما تكون البركة في الطعام الذي سقط، أو الذي تبقى في القصعة، فيتحول الطعام إلى مجموعة من المستحبات يؤجَر عليها العبد، وليس المقصود: أن يُملأ الإناء بالطعام ويتبقى منه الكثير، فيقول: نطبِّق هذه السُّنة، وإنما المقصود أن يضع في قصعته الطعامَ القليل، فإذا أكل وتبقى شيء يسير، أكله. وعن أنس رضي الله عنه: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعجبه الثُّفل))؛ [رواه أحمد، والحاكم]. يعجبه الثفل: ما بقيَ من الطعام، وهذا من تواضع النبي صلى الله عليه وسلم، وشُكر النعم، وعدم التكبر على رزق الله. 7- لعق الأصابع بعد الأكل؛ ففي صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه، قال: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم، إذا أكل طعامًا لعِق أصابعه الثلاث))، وفي صحيح مسلم عن كعب بن مالك رضي الله عنه، قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يأكل بأصابعه الثلاث، ويلعقهن))، فقد دلَّ الحديثان على استحباب لعق أصابع اليد بعد الفراغ من الطعام، وقبل غسلها، تأسِّيًا بالنبي صلى الله عليه وسلم، ومن باب المحافظة على بركة الطعام، وفيه من التواضع. مسائل في اللعق: المسألة الأولى: لماذا كان يلعق أصابعه؟ والإجابة في حديث رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أكل أحدكم طعامًا، فليلعق أصابعه؛ فإنه لا يدري في أيتهن البركة))، وفي رواية: ((فإذا فرغ فليلعق أصابعه، فإنه لا يدري في أي طعامه تكون البركة)). قال بعض الأطباء: أن الأنامل - بإذن الله - تفرز إفرازات عند الطعام تُعين على هضم الطعام في المعدة. فالخلاصة: أنت تأكل وترجو من الله أن يبارك لك في الطعام، فالقضية ليست في الكثرة، وإنما في البركة. المسألة الثانية: بأي الأصابع كان يأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ الثابت في الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأكل بأصابعه الثلاث: (الوسطى، والسبابة، والإبهام)؛ لأن غالب الطعام كان الثريد - وهو طعام من خبز مفتوت ولحم ومرق - فيأكله بأصابعه الثلاث. فإن زاد الرابعة، أو الخامسة، فلا إشكال، وذلك بحسب المأكول؛ فإن كان المأكول قويًّا أكل بأصابعه الثلاث، وإن قلت قوته واحتاج إلى أن يزيد إصبعًا رابعة أو خامسة، فلا حرج في ذلك. المسألة الثالثة: لماذا كان يأكل بالأصابع؟ قال العلماء: "لأن هذه عادة العرب في زمانه"، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يوافق عادة قومه فيما لم يأتِ فيه أمر أو نهي، ولا يتعمد مخالفة قومه، فيفعل كما يفعلون، يأكل، يشرب، يجلس، يلبس ما يلبسون، فإذا جاء أمرٌ، فعله على وجه الوجوب أو الاستحباب، وكذلك إذا جاء نهي، فكانت عادة القوم في ذلك الزمان أنه لا توجد هذه الأدوات الحديثة، كالمعالق، والشوكة ونحوها. المسألة الرابعة: صفة اللعق: والمقصود به اللحس؛ أي: يلحس أصبعه، وذلك بإمرار اللسان على الإصبع، وليس المقصود أن يدخل كل الأصبع داخل الفم، وهذا خطأ، لأنه ربما وهو يفعل ذلك أحدث صوتًا، فآذى من بجواره. المسألة الخامسة: محل اللعق: اللعق يكون بعد الانتهاء من الطعام، وقبل أن يغسل يديه، أو يمسحهما، وليس المقصود كلما أكل لقمة لعِق، فهذا ليس من الأدب، ويتأذى من بجواره. وهناك سنة أخرى متعلقة باللعق؛ وردت في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أكل أحدكم طعامًا، فلا يمسح يده حتى يلعقها، أو يلعقها غيره))، وهذه من السنن التي يفعلها المسلم مع من يؤانسهم ويلاطفهم، كالرجل مع زوجته، أو أبنائه الصغار؛ قال النووي رحمه الله: "المراد إلعاق غيره ممن لا يتعذر ذلك من زوجة وجارية، وخادم وولد، وكذا من كان في معناهم كتلميذ يعتقد البركة بلعقها، وكذا لو ألعقها شاةً ونحوها". 8- شكر النعمة، والحذر من عيب الطعام أو ازدرائه؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأى كسرةً ملقاةً، فمشى إليها، فأخذها، ثم مسحها فأكلها، ثم قال لي: يا عائشة، أحسني جوار نِعم الله تعالى، فإنها قلما نفرت من أهل بيت، فكادت أن ترجع إليهم))؛ [حديث ضعيف]. يقول ابن القيم رحمه الله: "وكذلك كان هديه صلى الله عليه وسلم وسيرته في الطعام، لا يرُد موجودًا، ولا يتكلف مفقودًا، فما قُرِّب إليه شيء من الطيبات إلا أكله، إلا أن تعافَه نفسه، فيتركه من غير تحريم، وما عاب طعامًا قط، إن اشتهاه أكله، وإلا تركه". 9- عدم الإسراف والتبذير؛ قال تعالى: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31]، وفي الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((كلوا واشربوا وتصدقوا من غير سَرَفٍ ولا مَخيلة)). 10- تغطية الآنية؛ في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((غطوا الإناء، وأوكُوا السِّقاء، فإن في السنة ليلةً ينزل فيها وباء، لا يمر بإناء ليس عليه غطاء، أو سِقاء ليس عليه وكاء، إلا نزل فيه من ذلك الوباء))، وفي رواية: ((فإن في السنة يومًا ينزل فيه وباء)). نسأل الله العظيم أن يبارك لنا أجمعين في أقواتنا وأرزاقنا وأموالنا، وأن يجعلنا مباركين أينما كنا.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 4 ( الأعضاء 0 والزوار 4) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |