التوازن في حياة المسلم - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         طريقة عمل كريمة الشوكولاتة المنزلية.. طعم غني بلمسة طبيعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          5 أسباب لظهور فقاعات في طلاء الحائط ونصائح لتجنبها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          وصفات طبيعية لتوريد الشفاه وترطيبها في المنزل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          5 خطوات لحماية شعرك في المصيف من المياه المالحة.. استمتعي بأمان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          طريقة عمل مسقعة بالبشاميل والدجاج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          5 أكلات غنية بالكولاجين الطبيعى لنضارة البشرة وترطيبها من الداخل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          وصفات طبيعية لتهدئة الحبوب الملتهبة في الحر.. بدون مواد كيميائية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          5 تقنيات وحيل للحصول على مكياج احترافى على الطريقة الكورية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          مشكلة إجازة الصيف.. 5 خطوات تساعد أولادك يناموا بدري ويقللوا السهر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          طريقة عمل مشروب الخيار والنعناع للترطيب عشان يهون موجة الحر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم يوم أمس, 06:06 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,855
الدولة : Egypt
افتراضي التوازن في حياة المسلم

التوازن في حياة المسلم

د. محمود بن أحمد الدوسري
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِهِ الْكَرِيمِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ: فَحَيَاةُ الْمُسْلِمِ ثَرْوَةٌ طَائِلَةٌ – إِنْ أَحْسَنَ الِاسْتِفَادَةَ مِنْهَا، وَأَعْطَى لِكُلِّ شَيْءٍ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنَ الِاهْتِمَامِ: الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، وَالْأَهَمَّ فَالْمُهِمَّ، حَسَبَ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ الْحَكِيمِ، وَهَدْيِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَسُنَّةِ خَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَلِكَيْ يَنْجَحَ الْمُسْلِمُ فِي تَحْقِيقِ ذَاتِهِ، وَالْقِيَامِ بِوَاجِبَاتِهِ وَمُتَطَلَّبَاتِ حَيَاتِهِ، وَتَأْدِيَتِهِ لِرِسَالَةِ رَبِّهِ؛ فَلَا بُدَّ مِنْ إِحْدَاثِ الْمُوَازَنَةِ الدَّقِيقَةِ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ:
1- التَّوَازُنُ فِي أَدَاءِ الْعِبَادَاتِ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: بَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي أَسْرُدُ[1] الصَّوْمَ، وَأُصَلِّي اللَّيْلَ؛ فَقَالَ: «أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ وَلَا تُفْطِرُ؟! وَتُصَلِّي وَلَا تَنَامُ؟! فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ؛ فَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَظًّا، وَإِنَّ لِنَفْسِكَ وَأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَظًّا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.وَفِي رِوَايَةٍ: «فَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِزَوْرِكَ[2] عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي رِوَايَةٍ: «فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ؛ هَجَمَتْ[3] عَيْنَاكَ، وَنَفِهَتْ[4] نَفْسُكَ، لِعَيْنِكَ حَقٌّ، وَلِنَفْسِكَ حَقٌّ، وَلِأَهْلِكَ حَقٌّ، قُمْ وَنَمْ، وَصُمْ وَأَفْطِرْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَهَمِّيَّةِ التَّوَازُنِ فِي أَدَاءِ الْعِبَادَاتِ: مَا جَاءَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا؛ كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا[5]، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا! وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ! وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ، فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا! فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ، وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي؛ فَلَيْسَ مِنِّى» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ، وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

وَعَلَى النَّقِيضِ مِنْ ذَلِكَ: فَإِنَّ بَعْضَ النَّاسِ لَا يُبَالِي بِتَرْكِ الْعِبَادَاتِ، وَلَا يَهْتَمُّ بِهَا أَسَاسًا، وَلَا يُرَاعِي حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَدَاءِ الْعِبَادَاتِ، وَهَذَا عَلَى خَطَرٍ عَظِيمٍ.

2- التَّوَازُنُ فِي الْعِشْرَةِ وَالْمُخَالَطَةِ: عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً[6]، فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنُكِ؟ قَالَتْ: أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ؛ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا. فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا، فَقَالَ: كُلْ، قَالَ: فَإِنِّي صَائِمٌ، قَالَ: مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ، قَالَ: فَأَكَلَ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ؛ قَالَ: نَمْ، فَنَامَ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ؛ فَقَالَ: نَمْ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ؛ قَالَ سَلْمَانُ: قُمِ الْآنَ، فَصَلَّيَا، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا؛ فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ. فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَدَقَ سَلْمَانُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

وَمِنَ التَّوَازُنِ فِي الْعِشْرَةِ وَالْمُخَالَطَةِ: قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ؛ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الَّذِي لَا يُخَالِطُهُمْ، وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ» صَحِيحٌ – رَوَاهُ أَحْمَدُ. فَمِنَ النَّاسِ: مَنْ يَكُونُ انْعِزَالِيًّا، انْطِوَائِيًّا، لَا يَأْلَفُ، وَلَا يُؤْلَفُ، وَمِنْهُمْ: مَنْ يَكُونُ سَخَّابًا بِالْأَسْوَاقِ، يُهْدِرُ وَقْتَهُ، جَيْئَةً وَذَهَابًا، وَيَغْشَى الْمَجَالِسَ وَالْمَجَامِعَ، وَلَا يَجْعَلُ لِنَفْسِهِ خَلْوَةً، وَلَا لِأَهْلِهِ نَصِيبًا. وَالصَّحِيحُ: أَنْ يَكُونَ مُتَوَازِنًا فَيُخَالِطُ بِقَدْرٍ، وَيَخْلُو بِقَدْرٍ؛ فَلَا يَسْتَوْحِشُ مِنَ النَّاسِ، وَلَا يَسْتَغْرِقُ مَعَهُمْ.

3- التَّوَازُنُ فِي الشَّخْصِيَّةِ وَالسُّلُوكِ: قَالَ تَعَالَى: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 159]. فَمِنَ النَّاسِ: مَنْ يَكُونُ فَظًّا، غَلِيظًا، فِيهِ عُسْرٌ وَجَفَاءٌ؛ فَيَمْقُتُهُ النَّاسُ. وَمِنْهُمْ: مَنْ يَكُونُ مُبْتَذَلًا، لَا كَرَامَةَ لَهُ وَلَا حِشْمَةَ؛ فَيَنَالُ مِنْهُ الْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ. وَالَّذِي يَنْبَغِي: أَنْ يَكُونَ هَيِّنًا لَيِّنًا دُونَ ابْتِذَالٍ، مَهِيبًا كَرِيمًا دُونَ فَظَاظَةٍ.

4- التَّوَازُنُ فِي طَرِيقَةِ الْكَلَامِ: قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴾ [لُقْمَانَ: 19]؛ أَيْ: ‌لَا ‌تُبَالِغْ ‌فِي ‌الْكَلَامِ، وَلَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ فِيمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ فَإِنَّ أَقْبَحَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ؛ فَغَايَةُ مَنْ رَفَعَ صَوْتَهُ أَنَّهُ يُشَبَّهُ بِالْحَمِيرِ فِي عُلُوِّهِ وَرَفْعِهِ[7]. وَمِنْ ذَلِكَ: اجْتِنَابُ التَّقَعُّرِ، وَالتَّشَدُّقِ، وَالتَّفَاصُحِ، فِي الْكَلَامِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ، وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الثَّرْثَارُونَ[8]، وَالْمُتَشَدِّقُونَ[9]، وَالْمُتَفَيْهِقُونَ[10]» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ، وَالْمُتَشَدِّقُونَ، فَمَا الْمُتَفَيْهِقُونَ؟ قَالَ: «الْمُتَكَبِّرُونَ» صَحِيحٌ - رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

5- التَّوَازُنُ فِي الْمِشْيَةِ: قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ ﴾ [لُقْمَانَ: 19]؛ (أَيِ: ‌امْشِ ‌مُقْتَصِدًا مَشْيًا لَيْسَ بِالْبَطِيءِ الْمُتَثَبِّطِ، وَلَا بِالسَّرِيعِ الْمُفْرِطِ، بَلْ عَدْلًا وَسَطًا بَيْنَ بَيْنَ)[11].

الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ... عِبَادَ اللَّهِ.. وَمِنْ أَنْوَاعِ التَّوَازُنِ فِي حَيَاةِ الْمُسْلِمِ:
6- التَّوَازُنُ فِي الْمَعِيشَةِ وَالْإِنْفَاقِ: قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾ [الْفُرْقَانِ: 67]. قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهِأَيْ: ‌لَيْسُوا ‌بِمُبَذِّرِينَ ‌فِي ‌إِنْفَاقِهِمْ، فَيَصْرِفُونَ فَوْقَ الْحَاجَةِ، وَلَا بُخَلَاءَ عَلَى أَهْلِيهِمْ فَيُقَصِّرُونَ فِي حَقِّهِمْ فَلَا يَكْفُونَهُمْ؛ بَلْ عَدْلًا خِيَارًا، وَخَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَطُهَا، لَا هَذَا وَلَا هَذَا، وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ ﴾ [الْإِسْرَاءِ: 29])[12]. وَمِنَ النَّاسِ: مَنْ لَا يَعْمَلُ بِهَذَا التَّوَازُنِ؛ فَيَتَشَبَّعُ بِمَا لَيْسَ عِنْدَهُ، وَيَتَصَنَّعُ الْغِنَى، وَيُجَارِي النَّاسَ؛ بِتَحْمِيلِ نَفْسِهِ الدُّيُونَ الثِّقَالَ، وَإِشْغَالِ ذِمَّتِهِ بِالْأَقْسَاطِ الْمُرْهِقَةِ، وَمِنْهُمْ: مَنْ يَحْرِمُ نَفْسَهُ وَأَهْلَهُ؛ فَيُكَدِّسُ الْأَمْوَالَ، وَيَعِيشُ عِيشَةَ الْبُؤَسَاءِ، وَيَمُوتُ مِيتَةَ التُّعَسَاءِ. وَالْعَاقِلُ: هُوَ الَّذِي يُنْفِقُ مَا يُلَائِمُ حَالَهُ، وَيَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَيَلْبَسُ وَيَرْكَبُ مَا يَلِيقُ بِهِ، دُونَ إِسْرَافٍ أَوْ تَقْتِيرٍ.

7- التَّوَازُنُ فِي الْحُكْمِ عَلَى الْآخَرِينَ: قَالَ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الْمَائِدَةِ: 8]؛ وَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا ﴾ [النِّسَاءِ: 135]؛ ﴿ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا ﴾ [الْأَنْعَامِ: 152]. فَهَذِهِ نُصُوصٌ تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ تَحَرِّي الْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ فِي الْحُكْمِ عَلَى النَّاسِ، وَعَدَمِ غَمْطِ أَهْلِ الْفَضْلِ فَضْلَهُمْ، وَالْبُعْدِ عَنِ التَّجَنِّي وَالْعُدْوَانِ، وَالِانْدِفَاعِ مَعَ الْعَاطِفَةِ الْهَوْجَاءِ، حَتَّى مَعَ الْمُخَالِفِ.

8- التَّوَازُنُ فِي الْعَوَاطِفِ وَالْمَشَاعِرِ: بِأَنْ يَكُونَ الْمَرْءُ مُعْتَدِلًا فِي مَشَاعِرِهِ، وَعَوَاطِفِهِ، وَانْفِعَالَاتِهِ؛ فَلَا يُسْرِفُ إِذَا أَحَبَّ، وَلَا يُسْرِفُ إِذَا أَبْغَضَ، وَلَا يَفْجُرُ إِذَا خَاصَمَ؛ بَلْ يَحْكُمُ مَشَاعِرَهُ بِحُكْمِ الشَّرِيعَةِ، وَيَضْبِطُهَا بِضَابِطِ الْعَقْلِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَا؛ عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْمًا مَا، وَأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْنًا مَا؛ عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يَوْمًا مَا» صَحِيحٌ – رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

وَعَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: قَالَ لِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «‌لَا ‌يَكُنْ ‌حُبُّكَ ‌كَلَفًا، وَلَا بُغْضُكَ تَلَفًا»، فَقُلْتُ: كَيْفَ ذَاكَ؟ قَالَ: «إِذَا أَحْبَبْتَ كَلِفْتَ كَلَفَ الصَّبِيِّ[13]، وَإِذَا أَبْغَضْتَ أَحْبَبْتَ لِصَاحِبِكَ التَّلَفَ» صَحِيحٌ – رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي "الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ". فَمِنَ النَّاسِ: مَنْ يَفْنَى فِي مَحْبُوبِهِ؛ فَرُبَّمَا قَادَهُ إِلَى الْعِشْقِ وَالِانْجِذَابِ، وَمِنْهُمْ: مَنْ يَحْتَرِقُ بِجَحِيمِ بُغْضِهِ؛ فَيَحْمِلُهُ عَلَى الْحَسَدِ وَالْمُضَارَّةِ وَالْعُدْوَانِ، أَوْ يَمْنَعُهُ فَضِيلَةَ الْعَفْوِ. فَلَا بُدَّ لِلْمُسْلِمِ: أَنْ يَضْبِطَ مَشَاعِرَهُ، وَيُقَيِّدَ انْفِعَالَاتِهِ؛ فَلَا تُوبِقُهُ بِسُوءِ عَمَلِهِ.

[1] (أَسْرُدُ): أي: أُوالي وأُتابع. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، (2/ 358).

[2] (وَلِزَوْرِكَ): الزَّوْرُ: ‌الزَّائِرُ. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، (2/ 318).

[3] (هَجَمَتْ): أَيْ: ‌غَارَتْ ‌ودَخَلَتْ فِي مَوضِعها. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، (5/ 247).

[4] (وَنَفِهَتْ): أَيْ: ‌أعْيَتْ ‌وكَلَّتْ. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، (5/ 100).

[5] (تَقَالُّوهَا): تَقَلَّلَ الشيءَ، ‌واسْتَقَلَّه، ‌وتَقالَّه: إِذا رآه قليلاً. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، (4/ 103).

[6] (مُتَبَذِّلَةً) أي: تَارِكَةٌ ‌لِلُبْسِ ‌ثِيَابِ الزِّينَةِ. انظر: فتح الباري، (4/ 210).

[7] انظر: تفسير ابن كثير، (6/ 339).

[8] (الثَّرْثَارُ): ‌هُوَ ‌كَثِيرُ ‌الكَلَامِ ‌تَكَلُّفًا.

[9] (المُتَشَدِّقُ): المُتَطَاوِلُ عَلَى النَّاسِ بِكَلَامِهِ، وَيَتَكَلَّمُ بِمَلءِ فِيهِ تَفَاصُحًا وَتَعْظِيمًا لِكَلامِهِ.

[10] (المُتَفَيْهِقُ): أصلُهُ مِنَ الفَهْقِ، وَهُوَ الامْتِلَاءُ، وَهُوَ الَّذِي يَمْلأُ فَمَهُ بِالكَلَامِ وَيَتَوَسَّعُ فِيهِ، ويُغْرِبُ بِهِ تَكَبُّرًا وَارْتِفَاعًا، وَإِظْهَارًا للفَضيلَةِ عَلَى غَيْرِهِ. انظر: رياض الصالحين، للنووي (ص206).

[11] تفسير ابن كثير، (6/ 303).

[12] المصدر نفسه، (6/ 112).

[13] من (الكلف) وهو الولوع بالشيء مع شُغل قلب.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 59.69 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 58.01 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.80%)]