|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() توبة الأمة أبو سلمان راجح الحنق المقدمة: قال الله تعالى: ﴿ فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ ﴾ [يونس: 98]. أيها المسلمون، عودة صادقة إلى كلام الله تعالى؛ القرآن الكريم، وعودة إلى هدي سيد المرسلين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه أجمعين، ففيهما النجاة والنور والهدى، وفيهما الحلول لكل ما نعانيه من الحيرة والقلق والاضطراب. عودة صادقة إلى المنهج الرباني، عودة خالصة إلى كلام الله تعالى وما قصَّه الله جل جلاله علينا من القصص في كتابه الكريم؛ وذلك للعظة والعبرة، لماذا يا عباد الله؟ سؤال مهم جدًّا لنا نحن أهل الإسلام، لكي ننظر في واقعنا، ونُشخِّص أمراضنا، ونتَّعظ ونعتبر بمن حولنا، فالتشخيص الصحيح السليم المبني على علم واستيعاب، والنظر بعين فاحصة إلى أسباب انتشار المرض في أمة الإسلام. عند ذلك يسهل العلاج، ونقلل من مضاعفات الأمراض، وتقل الخسائر، ونقضي على المرض في أسرع وقت ممكن بإذن الله تعالى. أيها المسلمون، قد نتحدَّث أحيانًا عن توبة عاصٍ أو توبة عاقٍّ لوالديه، أو توبة مُقصِّر في صلاته، أو توبة مؤذٍ لجيرانه، أو توبة غاشٍّ في بيعه وتجارته، أو توبة سارق، أخافَ الناسَ، وأفزعَ أصحابَ البيوت، أو توبة مجرم يؤذي عباد الله تعالى ويتلصَّص على أعراض وحُرُمات الآخرين، فكلام الخطيب، أو نصح الناصح، أو تذكير الواعظ، أو زجر الأقارب لذلك العاصي، أو موعظة المدرس، أو نصح الجار، كل ذلك أمر مطلوب، وله تأثير ولو بعد حين، وثمار ذلك طيبة وواضحة بإذن الله تعالى من نشرٍ للخير والفضيلة في المجتمع، وتقليل للشر وآثاره المدمرة في أوساط المجتمعات، وفي ذلك أيضًا تخويف لمن كان ذلك حاله ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾ [آل عمران: 110]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ رأى منكم منكرًا فليُغيِّره بيده، فإن لم يستطِعْ فبلسانه، فإن لم يستطِعْ فبقلبه، وذلك أضعفُ الإيمان))، والحديث صحيح. أيها المسلمون، فتوبة الواقع في الذنب ورجوعه للحق وعزمه على ألَّا يعود لذلك الذنب، وكثرة استغفاره، وعمله للأعمال الصالحة، بذلك إن شاء الله يرجى صلاح ذلك المذنب، ويُرجى قبول توبته، ومحبة ربِّه له: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ [البقرة: 222]. أيها المسلمون، ولن يكون حديثي معكم في هذه الجُمُعة المباركة عن توبة فرد، أو توبة أسرة، أو توبة مجتمع مُحدَّد؛ بل سيكون حديثنا عن (توبة الأمة). أيها المسلمون، أجزم أن جميع المسلمين في بقاع الدنيا مجمعون على أننا جميعًا أهل الإسلام في كل شبر من هذه الكرة الأرضية بحاجة إلى توبة جماعية؛ وذلك لأننا أمة الإسلام، نمرُّ بأحوال غريبة، وأهوال عصيبة. فالمصائب تحيط بهذه الأمة، وأمم الكفر والضلال والشر من يهود ونصارى وسائر أعوانهم من أهل الضلال والانحلال، كل هؤلاء يتداعون على الفتك بهذه الأمة، وبدينها، والمخاطر تحدق بأمة الإسلام من كل مكان، وليس لها من دون الله كاشفة. أيها المسلمون، وإن مما يلفت النظر في هذا الشأن غفلتنا نحن أمة الإسلام عن التوبة والرجوع إلى الله تعالى، وصدق اللجوء إلى علَّام الغيوب، وصدق العمل بكتاب الله، وصدق الاتباع لسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم على فهم الصحابة الأخيار الأبرار الأطهار رضي الله عنهم جميعًا، قال جل جلاله: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [الأحزاب: 21]، وقال سبحانه: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ﴾ [الحشر: 7]، وقال تعالى: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63]. أيها الناس، ولعلَّ الكثير منا عندما يستمع إلى خطبة أو موعظة أو نصيحة حول التوبة والرجوع إلى الله تعالى وترك المعاصي والذنوب والآثام، قد يتبادر إلى ذهن السامع أن المقصود بذلك الفرد الواقع في الذنب فقط، وأن الخطاب يخصُّ من قارف ذلك الذنب أو تلك المعصية فحسب، أما توبة الأمة كاملة فقَلَّ أن يخطر على بال أحد إلَّا مَنْ رحم الله. أيها المؤمنون، توبة الفرد ومن وقع في معصية أو في ذنب ستعود نتائج تلك التوبة على الفرد نفسه فقط، وربما تتعدَّى النتائج إلى مَنْ حوله، ولكن توبة الأمة كاملة وعودتها إلى الطريق الصحيح الذي بيَّنه الله تعالى في كتابه، وسار على ذلك الطريق رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، وكذلك أصحابه من بعده ممن ترسموا خطى الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم جميعًا، قال ربنا في كتابه الكريم: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾ [الأنعام: 153]. فإذا صدقت الأمة في توبتها وإنابتها إلى رب العباد- يفتح الله- لها أبواب الخير، ويرفع من شأنها، ويعيد لها عزتها ومجدها وكرامتها، وينقذها جل جلاله من مهاوي الردى، وينجيها من المصائب والخطوب والأهوال التي تحيط بها، ويرفع تعالى عنها ما حَلَّ بها من ذُلٍّ وهوانٍ، وما أصابها من تفرُّق واختلاف، وتناحُر وظلم وجهل وفقر، ويكبت الله عدوَّها المتربِّص بها الدوائر من اليهود والنصارى وسائر أهل الباطل وأهل الشر والضلال ومن ساندهم. أيها المسلمون، فالأمة اليوم قد حلَّ بها ما حلَّ من تلك الأخطار والشرور والفتن والمصائب، وكل ذلك نتيجة الذنوب التي ارتكبتها، والمنكرات التي حلَّت بديارنا، وشاعت في أوساط الأمة من شركيات، ومخالفة دين الله، وتعطيل الحكم بشريعة الله، ومخالفة وبُعْد عن سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وموالاة لأعداء الله، ومحاربة لشرع الله، ومن ضياع للصلوات، وترك الجُمَع والجماعات من كثير من المسلمين إلا من رحم الله، وكذلك وقعنا نحن- أمة الإسلام- في التقصير في دعوة الناس إلى دين الله وما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانتشر فينا الربا، والفسوق، والغش، وضياع كثير من الحقوق، ونقص في المكيال والتطفيف في الميزان. أيها المسلمون، فنحن جميعًا أمة الإسلام بحاجة إلى توبة جماعية وعامة من كل المسلمين: ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 31]. قلت ما سمعتم. الخطبة الثانية الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه أجمعين.بشَّر وأنذر، وأرشد وحذَّر، وأوضح المحجَّة، فلا يزيغ عنها إلا هالك صلى الله عليه وسلم، أما بعد: أيها المؤمنون، فاتقوا الله تعالى، وعظِّموا أمره، واحذروا سخطه ونهيه. أيها المسلمون، وإن من أعظم العبر والعظات، وأعظم القصص التي بيَّنها الله تعالى في كتابه الكريم في قصة توبة أمة كاملة، ورجوعها إلى الله تعالى، وتعظيمها لأمر الله، وندمها على تقصيرها ومخالفتها لما جاء به رسولها، إنها أمة نبي الله يونس- عليه السلام- حيث إن الله تعالى أثبت شيئًا من قصة تلك الأمة، وما حصل لها في القرآن الكريم، قال تعالى عن تلك الأمة: ﴿ فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ ﴾ [يونس: 98]، وقد ذكر تعالى قوم يونس في عدة سور من سور القرآن الكريم في سورة الأنبياء وسورة يونس، وفي سورة الصافات، قال علماء التفسير: "إن قوم يونس عليه السلام هم قرية نينوى من أرض الموصل في العراق، وقد بعث الله إليهم نبيَّه يونس عليه السلام حيث دعاهم إلى عبادة الله وحده وترك عبادة ما سواه، فرفضوا ذلك واستمروا على كفرهم وشركهم وعصيانهم ورفضهم لرسالة يونس عليه السلام، فما كان من نبي الله يونس- عليه السلام- إلا أن حذرهم من وقوع العذاب بهم وحلوله في ديارهم، عندها شعروا بمغبَّة إعراضهم وكفرهم وعصيانهم، ورأوا أن العذاب واقع بهم لا محالة، وفقدوا نبي الله يونس عليه السلام، فقذف الله في قلوبهم التوبة، فقاموا على الفور، وفرَّقوا بين كل أنثى وولدها، وخرجوا بأولادهم ومواشيهم وهم رافعون أيديهم يجأرون إلى الله تعالى بالدعاء، وطلب كشف العذاب عنهم، وصدقوا مع الله تعالى في توبتهم، عندها تفضل الكريم الرحيم بقبول توبتهم، ورفع العذاب عنهم، وأخَّرهم إلى أجل محدود، ورفع الله عنهم ذلك العذاب المحقق لما صدقوا في توبتهم، وآمنوا بالله تعالى وحده لا شريك له، واستسلموا لدينه، واستمعوا إلى نصح نبي الله يونس عليه السلام، وحققوا ما دلهم عليه من الإيمان بالله والتوحيد والصلاح والهداية، قال جل جلاله: ﴿ إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ ﴾ [يونس: 98]. أيها المسلمون، بعد استعراض سريع لقصة يونس عليه السلام مع قومه. أيها المؤمنون، فما أحوج الأمة اليوم أن ترجع إلى الله تعالى، وتصدق في التوبة النصوح والرجوع إلى الله تعالى، والتحلل من المظالم، وأن نكون نحن أمة الإسلام جميعًا ممن يحافظ على أوامر الله تعالى، والمحافظة على الصلوات، والقيام بأمر الله وحفظ الجوارح عن المحرمات، وتعظيم ما عَظَّمه الله، والعمل بسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحب الدين وأهله القائمين به والداعين إليه والمستمسكين بكتاب الله تعالى وبسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعلى الأمة المسلمة أن تتبرَّأ من موالاة اليهود والنصارى وسائر أهل الباطل وأهل الشر والضلال، وأن نترك سائر الفواحش، ما ظهر منها وما بطن، والتوبة من الإسراف، والتوبة من التبعية لأعداء الله وأعداء الدين، والتوبة من التفرُّق والاختلاف والعصبية والبُعْد عن التقاطع والتقاتل وسفك الدماء المحرَّمة، والتوبة من شر الفساد الخلقي والفساد الإعلامي في المجتمعات، والتوبة من الأموال المحرمة؛ كالربا والرشوة، وأكل ما ليس للمسلم بحق. أيها المسلمون، إذًا نحن بحاجة إلى توبة عامة؛ توبة الأمة كاملة ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ﴾ [الأنفال: 25]، وجاء في صحيح مسلم عن زينب بنت جحش- رضي الله عنها- قالت: قلت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: ((نعم، إذا كثر الخبث)). وقال سبحانه: ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 31]. أيها المؤمنون، فهذه دعوة إلى التوبة إلى الله تعالى، توبة صادقة منا نحن جميعًا أيها المسلمون، وخاصة ونحن أمة الإسلام مُقْدِمُون على شهر رمضان المبارك شهر التوبة وشهر الرحمات، فيه تُفتَح أبواب السماء، وتُغلَق فيه أبواب النيران، وتُفتَح فيه أبواب الجنة، وهي فرصة عظيمة لنا نحن أمة الإسلام في الرجوع إلى الله والتوبة، وأن نعمل بدين الله تعالى، وأن نصدق بمتابعة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، على ما كان عليه الصحابة الأخيار الأبرار الأطهار ومن جاء بعدهم من القرون المفضلة، حتى ننجو جميعًا ﴿ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنبياء: 88]. ألا وصلوا وسلموا.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |