كيف يحقق المؤمن عبودية الافتقار إلى الله تعالى؟ (10): (المجاهدة) - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         السيرة النبوية لابن هشام 2 كتاب الكتروني رائع (اخر مشاركة : Adel Mohamed - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          علاقة الشيطان بالإنسان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          مواقف يحبها المراهق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          هجر القرآن بعد رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          سمات القارئ الجيد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          من قادة الفتوحات الإسلامية (القعقاع بن عمرو التميمي) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          حر الدنيا.. وحر الآخرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          شروط الطواف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          كيف تنتصر على القلق؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          حديث : لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12-05-2024, 10:53 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,426
الدولة : Egypt
افتراضي كيف يحقق المؤمن عبودية الافتقار إلى الله تعالى؟ (10): (المجاهدة)

كيف يحقق المؤمن عبودية الافتقار إلى الله تعالى؟(10)

(المجاهدة)

إبراهيم الدميجي

الحمد لله على جزيل النَّعماء، والشكر له على ترادف الآلاء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، إمام المتقين، وسيد الأولياء، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله الأصفياء، وأصحابه الأتقياء، والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فاتقوا الله عبادَ الله، واعلموا أن الافتقار إلى الله بحرٌ لا ساحلَ له، وعلى قدر تحقيقه يكون تحقيق الغِنى، وإقامة بناء التوحيد في القلب؛ قال شيخ الإسلام: "إذا تبيَّن ذلك، فمعلوم أن الناس يتفاضلون في هذا الباب تفاضلًا عظيمًا، وهو تفاضلهم في حقيقة الإيمان، وهم ينقسمون فيه إلى عام وخاص؛ ولهذا كانت إلهية الرب لهم فيها عموم وخصوص.

ولهذا كان الشرك في هذه الأمة ((أخفى من دبيب النمل))[1]، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((تعِس عبدُالدرهم، تعس عبدالدينار، تعس عبدالقَطِيفة، تعس عبدالخَمِيصة، تعِس وانْتَكَسَ، وإذا شِيكَ فلا انتَقَشَ، إن أُعطِيَ رَضِيَ، وإن مُنع سخِط))[2].

فسمَّاه النبي صلى الله عليه وسلم عبدَالدرهم، وعبدالدينار، وعبدالقطيفة، وعبدالخميصة، وذكر ما فيه دعاءً وخبرًا وهو قوله: ((تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتُقش))، والنقش إخراج الشوكة من الرجل، والمنقاش ما تخرج به الشوكة.

وهذه حال من إذا أصابه شرٌّ لم يخرج منه ولم يُفلح، لكونه تعس وانتكس، فلا نال المطلوب، ولا خلص من المكروه، وهذه حال من عَبَدَ المالَ.

وقد وصف ذلك بأنه إذا أُعطِيَ رَضِيَ، وإن مُنِعَ سخِط؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ ﴾ [التوبة: 58]، فرِضاهم لغير الله، وسخطُهم لغير الله.

وهكذا حال من كان متعلقًا برئاسة أو بصورة ونحو ذلك من أهواء نفسه، إن حصل له رَضِيَ، وإن لم يحصل له سخِط، فهذا عبدُ ما يهواه من ذلك، وهو رقيق له؛ إذ الرِّقُّ والعبودية في الحقيقة هو رق القلب وعبوديته، فما استرق القلب واستعبده فهو عبده؛ ولهذا يُقال:
العبد حر ما قنع
والحر عبدٌ ما طمِع




وقال الشاعر:
أطعت مطامعي فاستعبدتني
ولو أني قنعت لكنت حرَّا





ويُقال: الطمع غلٌّ في العُنُق، قَيدٌ في الرِّجل، فإذا زال الغل من العنق، زال القيد من الرجل.

ويروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: ((الطمع فقر، واليأس غِنًى، وإنَّ أحدكم إذا يئس من شيء استغنى عنه)).

وهذا أمر يجده الإنسان من نفسه، فإن الأمر الذي ييأس منه لا يطلبه ولا يطمع فيه، ولا يبقى قلبه فقيرًا إليه، ولا إلى من يفعله، وأما إذا طمِع في أمر من الأمور ورجاه، فإن قلبه يتعلق به، فيصير فقيرًا إلى حصوله، وإلى من يظن أنه سبب في حصوله، وهذا في المال والجاه والصور وغير ذلك؛ قال الخليل صلى الله عليه وسلم: ﴿ فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 17].

فالعبد لا بد له من رزق، وهو محتاج إلى ذلك، فإذا طلب رزقه من الله، صار عبدًا لله، فقيرًا إليه، وإذا طلبه من مخلوق، صار عبدًا لذلك المخلوق، فقيرًا إليه.

ولهذا كانت مسألة المخلوق محرَّمة في الأصل، وإنما أُبيحت للضرورة، وفي النهي عنها أحاديث كثيرة في الصحاح والسنن والمسانيد؛ كقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تزال المسألة بأحدكم حتى يأتي يوم القيامة، وليس في وجهه مُزْعَةُ لحم))[3] وقال: ((من سأل الناس وله ما يُغنيه، جاءت مسألته يوم القيامة خُدُوشًا أو خُمُوشًا أو كُدُوشًا في وجهه))[4]، وقوله: ((لا تحل المسألة إلا لذي غُرْمٍ مُفظِع، أو دم مُوجِع، أو فقر مُدقِع))[5]، وبهذا المعنى في الصحيح[6].

وأوصى خواص أصحابه ألَّا يسألوا الناس شيئًا؛ وفي المسند: أن أبا بكر كان يسقط السَّوطَ من يده فلا يقول لأحد: ناولني إياه، ويقول: ((إن خليلي أمرني ألَّا أسأل الناس شيئًا))[7]، وفي صحيح مسلم[8] وغيره عن عوف بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم بايعه في طائفة، وأسرَّ إليهم كلمة خفِيَّة: ((ألَّا تسألوا الناس شيئًا))، فكان بعض أولئك النفر يسقط السوط من يد أحدهم، ولا يقول لأحد: ناولني إياه.

وقد دلَّتِ النصوص على الأمر بمسألة الخالق، والنهي عن مسألة المخلوق في غير موضع؛ كقوله تعالى: ﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ﴾ [الشرح: 7، 8]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس: ((إذا سألتَ فاسألِ الله، وإذا استعنتَ فاسْتَعِنْ بالله))، ومنه قول الخليل: ﴿ فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ ﴾ [العنكبوت: 17]، ولم يقل: فابتغوا الرزق عند الله؛ لأن تقديم الظرف يُشعِر بالاختصاص والحصر، كأنه قال: لا تبتغوا الرزق إلا عند الله؛ وقد قال تعالى: ﴿ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ [النساء: 32].

والإنسان لا بد له من حصول ما يحتاج إليه من الرزق ونحوه، ودفع ما يضره، وكلا الأمرين شُرِعَ له أن يكون دعاؤه لله، فلا يسأل رزقه إلا من الله، ولا يشتكي إلا إليه؛ كما قال يعقوب عليه السلام: ﴿ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ ﴾ [يوسف: 86].

والله تعالى ذَكَرَ في القرآن الهَجَرَ الجميل، والصفح الجميل، والصبر الجميل، وقد قيل: إن الهجر الجميل هو هجر بلا أذًى، والصفح الجميل صفح بلا معاتبة، والصبر الجميل صبر بغير شكوى إلى المخلوق؛ ولهذا قرئ على أحمد بن حنبل في مرضه: إن طاووسًا كان يكره أنين المريض، ويقول: إنه شكوى، فما أنَّ أحمدُ حتى مات[9] رحمه الله ورضي عنه.

وأما الشكوى إلى الخالق، فلا تنافي الصبر الجميل؛ فإن يعقوب قال: ﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ﴾ [يوسف: 83]، وقال: ﴿ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ ﴾ [يوسف: 86].

وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقرأ في الفجر بسورة يونس ويوسف والنحل، فمرَّ بهذه الآية في قراءته فبكى، حتى سُمِعَ نشيجه من آخر الصفوف.

ومن دعاء موسى: "اللهم لك الحمد، وإليك المشتكى، وأنت المستعان، وبك المستغاث، وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بك"[10].

وفي الدعاء الذي دعا به النبي صلى الله عليه وسلم لما فعل به أهل الطائف ما فعلوا: ((اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، اللهم إلى من تَكِلُني؟ إلى بعيد يتجهَّمني، أم إلى عدوٍّ ملَّكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب عليَّ فلا أبالي، غير أن عافيتك أوسعُ لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت به الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن ينزل بي سخطك، أو يحل عليَّ غضبك، لك العُتبى حتى ترضى، فلا حول ولا قوة إلا بالله))، وفي بعض الروايات: ((ولا حول ولا قوة إلا بك))[11].

بارك الله لي ولكم...

الخطبة الثانية
الحمد لله...

عباد الرحمن: اعلموا أنه كلما قَوِيَ طمع العبد في فضل الله ورحمته ورجائه لقضاء حاجته، ودفع مضرته، قَوِيَت عبوديته له وحريته مما سواه، فكما أن طمعه في المخلوق يُوجِب عبوديته له، فيأسه منه يوجب غِنى قلبه عنه، كما قيل: استغنِ عمن شئت تكُنْ نظيره، وأفْضِل على من شئت تكن أميره، واحْتَجْ إلى من شئت تكن أسيره.

فكذلك طمع العبد في ربه ورجاؤه له يُوجِب عبوديته له، وإعراض قلبه عن الطلب من الله والرجاء له يوجب انصراف قلبه عن العبودية لله، لا سيما من كان يرجو المخلوق، ولا يرجو الخالق، بحيث يكون قلبه معتمدًا إما على رئاسته وجنوده، وأتباعه ومماليكه، وإما على أهله وأصدقائه، وإما على أمواله وذخائره، وإما على ساداته وكبرائه، كمالكه وملكه، وشيخه ومخدومه، وغيرهم ممن هو قد مات أو يموت؛ قال تعالى: ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا ﴾ [الفرقان: 58].

وكل من علَّق قلبه بالمخلوقين أن ينصروه أو يرزقوه أو أن يهدوه، خضع قلبه لهم، وصار فيه من العبودية لهم بقدر ذلك، وإن كان في الظاهر أميرًا لهم، مدبِّرًا لأمورهم، متصرفًا بهم، فالعاقل ينظر إلى الحقائق لا إلى الظواهر، فالرجل إذا تعلَّق قلبه بامرأة - ولو كانت مباحة له - يبقى قلبه أسيرًا لها، تحكُمُ فيه وتتصرف بما تريد، وهو في الظاهر سيدها؛ لأنه زوجها أو مالكها، ولكنه في الحقيقة هو أسيرها ومملوكها، ولا سيما إذا علِمت بفقره إليها وعشقه لها، وأنه لا يعتاض عنها بغيرها، فإنها حينئذٍ تتحكم فيه تحكُّم السيد القاهر الظالم[12] في عبده المقهور، الذي لا يستطيع الخلاص منه، بل أعظم، فإنَّ أَسْرَ القلب أعظم من أسْرِ البدن، واستعباد القلب أعظم من استعباد البدن، فإن من استُعبد بدنه، واستُرِقَّ وأُسِرَ، لا يبالي إذا كان قلبه مستريحًا من ذلك مطمئنًّا، بل يمكنه الاحتيال في الخلاص، وأما إذا كان القلب الذي هو ملك الجسم رقيقًا مستعبدًا مُتيَّمًا لغير الله، فهذا هو الذل والأسر المحض، والعبودية الذليلة لِما استعبد القلب.

وعبودية القلب وأسْرُهُ هي التي يترتب عليها الثواب والعقاب، فإن المسلم لو أسره كافر، أو استرقه فاجر بغير حقٍّ، لم يضره[13] ذلك إذا كان قائمًا بما يقدر عليه من الواجبات، ومن استُعبِد بحقٍّ إذا أدى حق الله وحق مواليه، فله أجران[14]، ولو أُكرِه على التكلم بالكفر فتكلَّم به وقلبه مطمئنٌّ بالإيمان، لم يضره ذلك، وأما من استُعبد قلبه فصار عبدًا لغير الله، فهذا يضره ذلك، ولو كان في الظاهر ملك الناس.

فالحرية حرية القلب، والعبودية عبودية القلب، كما أن الغِنى غِنى النفس؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ليس الغِنى عن كثرة العَرَضِ، وإنما الغِنى غِنى النفس))[15].

وهذا لَعمرُ الله إذا كان قد استعبد قلبَه صورةٌ مباحة، فأما من استعبد قلبه صورة محرمة - امرأة أو صبي - فهذا هو العذاب الذي لا يدانيه عذاب.

وهؤلاء عشَّاق الصور من أعظم الناس عذابًا، وأقلهم ثوابًا، فإن العاشق لصورة إذا بقِيَ قلبه متعلقًا بها، مُستعبَدًا لها، اجتمع له من أنواع الشر والفساد ما لا يحصيه إلا رب العباد.

ومن أعظم أسباب هذا البلاء: إعراض القلب عن الله، فإن القلب إذا ذاق طعم عبادة الله والإخلاص له، لم يكن عنده شيء قط أحلى من ذلك، ولا ألذ ولا أمتع ولا أطيب، والإنسان لا يترك محبوبًا إلا بمحبوب آخر يكون أحب إليه منه، أو خوفًا من مكروه، فالحب الفاسد إنما ينصرف القلب عنه بالحب الصالح، أو بالخوف من الضرر.

قال تعالى في حق يوسف: ﴿ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾ [يوسف: 24]، فالله يصرف عن عبده ما يسوؤه من الْمَيل إلى الصور والتعلق بها، ويصرف عنه الفحشاء بإخلاصه لله.

ولهذا يكون قبل أن يذوق حلاوة العبودية لله والإخلاص له، تغلِبه نفسه على اتباع هواها، فإذا ذاق طعم الإخلاص، وقَوِيَ في قلبه، انقهر له هواه بلا علاج؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾ [العنكبوت: 45]، فإن الصلاة فيها دفعُ مكروهٍ وهو الفحشاء والمنكر، وفيها تحصيل محبوب وهو ذِكْرُ الله، وحصول هذا المحبوب أكبر من دفع ذلك المكروه، فإن ذكر الله عبادة لله، وعبادة القلب لله مقصودة لذاتها، وأما اندفاع الشر عنه، فهو مقصود لغيره على سبيل التَّبَعِ.

والقلب خُلِقَ يحب الحق ويريده ويطلبه، فلما عرضت له إرادة الشر، طَلَبَ دَفْعَ ذلك، فإنها تفسد القلب، كما يفسُد الزرع بما ينبُت فيه من الدَّغَلِ.

ولهذا قال تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [الشمس: 9، 10]، وقال تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ﴾ [الأعلى: 14، 15]، وقال تعالى: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ ﴾ [النور: 30]، وقال تعالى: ﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا ﴾ [النور: 21].

فجعل سبحانه غَضَّ البصر، وحِفْظَ الفَرْجِ هو أقوى تزكية للنفس، وبيَّن أن تَرْكَ الفواحش من زكاة النفوس، وزكاة النفوس تتضمن زوال جميع الشرور من الفواحش والظلم، والشرك والكذب، وغير ذلك"[16].

اللهم صلِّ على محمد...

[1] المسند (3/ 403)، وحسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب (36).

[2] البخاري (6435).

[3] البخاري (1474)، ومسلم (1040).

[4] أحمد (1/ 388)، وحسنه الأرنؤوط.

[5] أحمد (3/ 100)، وحسنه الأرنؤوط لغيره.

[6] مسلم (1044).

[7] أحمد (65)، وحسنه الأرنؤوط لغيره.

[8] (1043).

[9] سير الأعلام (11/ 215).

[10] الطبراني في الأوسط (3/ 356)، والبيهقي في الدعوات الكبير (1/ 354) وقال: "تفرَّد به عبدالله بن نافع، وليس بالقوي"، وحسَّنه المنذري في الترغيب (3/ 59).

[11] تاريخ الطبري (2/ 344)، وتهذيب سيرة ابن إسحاق (2/ 70)، وفي سنده ابن إسحاق وقد عنعن.

[12] لم يعنِ ابن تيمية تعميم ظلم كل معشوقة لعاشقها، ولكنه يضرب المثال على شدة أسر أمثالها لأمثاله، حتى لو وصل الحال بهن إلى الظلم الشديد، والله المستعان.

[13] لأن ذلك أسرٌ للبدن، وهو من المصائب المكفِّرة، فلا مؤاخذة عليه من جهة الأسر، أما أسر القلب، فهو الذي يترتب عليه الجزاء سعادةً أو شقاءً.

[14] كما عند البخاري (97)، ومسلم (154).

[15] البخاري (6446)، ومسلم (1051).

[16] العبودية لابن تيمية (101 – 120) مختصرًا.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 60.14 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 58.62 كيلو بايت... تم توفير 1.52 كيلو بايت...بمعدل (2.53%)]