كيف يحقق المؤمن عبودية الافتقار إلى الله تعالى؟ (9) (عز القناعة) - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         السيرة النبوية لابن هشام 2 كتاب الكتروني رائع (اخر مشاركة : Adel Mohamed - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          علاقة الشيطان بالإنسان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          مواقف يحبها المراهق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          هجر القرآن بعد رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          سمات القارئ الجيد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          من قادة الفتوحات الإسلامية (القعقاع بن عمرو التميمي) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          حر الدنيا.. وحر الآخرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          شروط الطواف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          كيف تنتصر على القلق؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          حديث : لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11-05-2024, 06:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,426
الدولة : Egypt
افتراضي كيف يحقق المؤمن عبودية الافتقار إلى الله تعالى؟ (9) (عز القناعة)



كيف يحقق المؤمن عبودية الافتقار إلى الله تعالى؟(9)

(عز القناعة)

إبراهيم الدميجي

الحمدُ لله له الحمدُ في الأُولى والآخرة، أحمَده وأشكره على نِعَمِهِ الباطنة والظاهرة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، هدى بإذن ربِّه القلوبَ الحائرة، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، نجومِ الدُّجى والبدور السافرة، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن من وسائل تحصيل عبودية الافتقار إلى الغنيِّ الغفار مجاهدةَ النفس بالقناعة.


فالقناعة كَنزٌ لا يَفْنى، وهي من فروع الزهد في الدنيا، والمؤمن يسأل الله غِنًى لا يُطغيه، وصحة لا تلهيه.

قال الله تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97]، والحياة الطيبة هي القناعة؛ كما قال علي، وابن عباس رضي الله عنهم.

وقال العثيمين رحمه الله تعالى في هذه الآية: "لم يقُلْ: فَلَنُنَعِّمَنَّ أبدانهم، بل قال: ﴿ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾ [النحل: 97]، وذلك بما يجعل الله في قلوبهم من الأُنْسِ وانشراح الصدر، وطمأنينة القلب، وغير ذلك، حتى إن بعض السلف قال: لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه، لَجَالدونا عليه بالسيوف؛ يعني: من انشراح الصدر، ونور القلب، والطمأنينة والسكون، أسأل الله أن يشرح قلبي وقلوبكم للإسلام، وينوِّرها بالعلم والإيمان؛ إنه جواد كريم"[1].

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحُثُّ على القناعة، ويدعو إليها بحاله ومقاله؛ فقد كان إمامَ الزاهدين، ونبراسَ ذوي العقل والقناعة، قد عُرِضت عليه جبال الذهب فقَنَعَ بالكَفاف، فكان يربط الحَجَرَ على بطنه من الجوع، وينام على الحصير، ويلبَس ما تيسَّر، ويسكُن كسكن غبراء الناس، وهو سيد ولد آدم، وخُيِّرَ بين الْمُلْكِ والنبوة، وبين العبودية والرسالة، فتواضع للعبودية دون الملك، وهذا في غاية القناعة التي ليس وراءها مَرْمى.

وكان ينصح لأُمَّتِهِ بالبُلغة دون التَّرَفِ؛ فعن عبيدالله بن محصن رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من أصبح منكم آمنًا في سَرَبِهِ[2]، معافًى في جسده، عنده قوتُ يومه، فكأنما حِيزت له الدنيا بحذافيرها))[3] ؛ أي: كأنما جُمعت له الدنيا بأسرها، وأعطيها لوحده دون الناس؛ لأن قيام الدنيا على هذه الثلاث، فمتى قامت للعبد فهو كملوك الدنيا في الحقيقة، بل عَيشه أطيب؛ إذ لم يزيدوا عليه إلا بالحُطام الْمُلهي، والغم الملازم، والحساب الباقي.

وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((قد أفلح من أسلم، ورُزِقَ كَفافًا، وقنَّعه الله بما آتاه))[4].

وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((طوبى لمن هُدِيَ للإسلام، وكان عيشه كَفافًا وقنع))[5].

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: ((أن ناسًا من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، حتى إذا نفذ ما عنده قال: ما يكون عندي من خير فلن أدَّخِرَه عنكم، ومن يستعْفِفْ يُعفَّه الله، ومن يستَغْنِ يُغْنِهِ الله، ومن يتصبَّر يُصبِّره الله، وما أُعطِيَ أحد عطاءً هو خير وأوسع من الصبر))؛ [متفق عليه][6].

وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((أغبط الناس عندي مؤمن خفيف الحاذِ[7]، ذو حظ من صلاة، وكان رزقه كفافًا فصبر عليه حتى يلقى الله عز وجل، وأحْسَنَ عبادة ربه، وكان غامضًا في الناس[8]، عَجِلَتْ مَنِيَّتُه، وقلَّ تراثه، وقلَّتْ بَوَاكِيه))[9].

وكان نبي الله صلى الله عليه وسلم يوجِّه أُمَّتَه إلى أن حقيقة الغِنى إنما تكون إذا استغنت النفس حتى وإن قلَّ عَرَضُ الدنيا؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس الغِنى عن كثرة العَرَضِ[10]، ولكن الغِنى غِنى النفس))[11].

بل كان ينهاهم عن مسألة الخلق ويوجِّههم للاستغناء عنهم؛ فعن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لأن يأخذ أحدكم أحْبُلَه[12]، ثم يأتي الجبل فيأتي بحُزمةٍ من حَطَبٍ على ظهره فيبيعها، خير له من أن يسأل الناس؛ أعْطَوه أم منعوه))[13].

وقد أرشد صلوات الله وسلامه وبركاته عليه إلى وجوب الاستغناء عن الناس، وكفِّ إراقة ماء الوجه إليهم بالعمل الشريف؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه ((أن رجلًا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله، فقال: أمَا في بيتك شيء؟ قال: بلى، حِلْسٌ[14] نلبس بعضه، ونبسُط بعضه، وقَعْبٌ[15] نشرب فيه من الماء، قال: ائتني بهما، فأتاه بهما، فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، وقال: من يشتري هذين؟ قال رجل: أنا آخذها بدرهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يزيد على درهم؟ مرتين أو ثلاثًا، قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياه، فأخذ الدرهمين فأعطاهما الأنصاري، وقال: اشترِ بأحدهما طعامًا، فانبِذْه إلى أهلك، واشترِ بالآخر قَدُومًا[16] فائتني به، فأتاه به، فشدَّ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عودًا بيده، ثم قال: اذهب فاحتطب وبِعْ، ولا أَرَينَّك خمسة عشر يومًا، ففعل، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوبًا، وببعضها طعامًا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا خير لك من أن تجيء المسألة نُكتة في وجهك يوم القيامة، إن المسألة لا تصلح إلا الثلاث: لذي فَقْرٍ مُدْقِعٍ[17]، أو لذي غُرْمٍ مُفْظِعٍ[18]، أو لذي دَمٍ مُوجِعٍ))[19].

وتأمل حكمته صلى الله عليه وسلم وعنايته الدقيقة بأسباب الاستغناء وبحفظ كرامة الرجل؛ إذ امتنع أولًا عن التصدق عليه رحمة به مما يلحقه من سؤال الناس، وقرعًا لقلبه، وتنبيهًا له، ثم ثنَّى بسؤاله عما لديه مما يمكن الاستغناء عنه - ولو مؤقتًا - ثم باعها حتى يكون رأس مال تجارته من أصل ماله لا مال غيره، ثم ساعده بأن يكون سمسارًا متبرعًا له، ثم انتظر المزايدة حتى طابت نفسه بالدرهمين الذين قسمهما بين الحاجة الآنية الْمُلِحَّة لأهل الرجل، وبين شرائه قَدُومًا يكون معينًا لاحتطابه وعمله، ثم ساعده بربط العود على حديدة القدوم ليكون الفأس صالحًا للاحتطاب، ثم أمره أن يغيب عنه خمسة عشر يومًا؛ ليقطع رجاءه بالعودة لطلب الصدقة التي لا ترهق البدن ولا تتعبه، وذلك أدعى لنشاطه، حتى إذا عاد بربح الدراهم التي أغنتِه ووسَّعت عليه وعلى أهله، وذاق حلاوة جنى الكد، ورِبْحِ عرق الجبين، ختم له بالوصية الرائعة المنبهة له ولغيره، فصلوات الله وسلامه وبركاته ما جرى الزمان على هذا الرسول المعلِّم، والرحيم الشفيق: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128].

ووعد من استغنى بسؤال الله عن سؤال بالجنة؛ فعن ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من يكفُل لي ألَّا يسأل الناس شيئًا وأتكفَّل له بالجنة؟ فقال ثوبان: أنا، فكان لا يسأل أحدًا شيئًا))[20].

وقال حكيم بن حزام رضي الله عنه: ((سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني ثم قال لي: يا حكيم، إن هذا المال خَضِرٌ حُلْوٌ[21]، فمن أخذه بسخاوة نفسه بُورِك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفسه لم يُبارَك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى، قال حكيم: فقلت: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق لا أَرْزَأُ[22] أحدًا بعدك شيئًا حتى أفارق الدنيا، فكان أبو بكر يدعو حكيمًا ليعطيه عطاءه، فيأبى أن يقبل منه شيئًا، ثم إن عمر دعاه ليعطيه عطاءه، فأبى أن يقبل منه شيئًا، فقال عمر: يا معشر المسلمين، إني أعرض على حكيم حقَّه الذي له من هذا الفيء، فيأبى أن يأخذه، فلم يرزأ حكيم شيئًا أحدًا من الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تُوفِّيَ))؛ [متفق عليه][23].

فالأصل في سؤال الناس بلا حاجة التحريم؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من سأل الناس تكثُّرًا[24]، فإنما يسأل جمرًا، فَلْيَسْتَقِلَّ أو ليسْتَكْثِر))[25]، وعن قبيصة بن مخارق الهلالي رضي الله عنه قال: ((تحمَّلت حَمَالة[26]، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله فيها، فقال: أقِمْ حتى تأتيَنا الصدقة، فنأمر لك بها، ثم قال: يا قَبِيصةُ، إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمَّل حَمَالة، فحلَّت له المسألة حتى يصيبها، ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة[27] اجتاحت، فحلت له المسألة حتى يصيب قِوامًا من عيش - أو قال: سِدادًا من عيش[28] - ورجل أصابته فاقة، حتى يقول ثلاثة من ذوي الحِجا[29] من قومه: لقد أصابت فلانًا فاقة، فحلت له المسألة، حتى يصيب قِواما من عيش - أو قال: سِدادًا من عيش - فما سواهن من المسألة يا قبيصةُ سُحْتٌ يأكلها صاحبها سحتًا))[30].

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن عمر قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاء، فأقول: أعطِهِ من هو أفقرُ إليه مني، قال: فقال: خُذْهُ، وإذا جاءك من هذا المال شيء وأنت غير مُشْرِف[31] ولا سائل، فخذه فتموَّلْه، فإن شئت كُلْه، وإن شئت تصدَّق به، وما لا، فلا تُتْبِعْهُ نفسك، قال سالم بن عبدالله: فلأجل ذلك كان عبدالله لا يسأل أحدًا شيئًا، ولا يرد شيئًا أُعطيه))؛ [متفق عليه][32]، فالمال متى أخذ من حلِّه بسخاوة نفس، بُورِك لصاحبه فيه، لا مع الهَلَعِ والجَزَعِ.

وكان يُرشِد أمته إلى توحيد رب العالمين في السؤال، فكمال التوحيد ألَّا يسأل إلا الله، وقد بايع جمعًا من صحابته على ألَّا يسألوا الناس شيئًا؛ وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من نزلت به فاقة فأنزلها بالناس، لم تُسَدَّ فاقته، ومن نزلت به فاقة فأنزلها بالله، فيُوشِك الله له برزقٍ عاجل أو آجل))[33].
بارك الله لي ولكم...

الخطبة الثانية
الحمد لله...
عباد الرحمن: إن الرضا عن الله هو باب القناعة، فمتى ولجه المؤمن فقد هبط وادي القناعة الخصيب؛ فعن ابن عباس قال: ((قال موسى عليه السلام حين كلَّم ربه: أي رب، أي عبادك أحب إليك؟ قال: أكثرهم لي ذكرًا، قال: أي عبادك أحكم؟ قال: الذي يقضي على نفسه كما يقضي على الناس، قال: رب، أي عبادك أغنى؟ قال: الراضي بما أعطيته))[34].

وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس لابن آدمَ حقٌّ في سوى هذه الخِصال: بيت يسكُنُه، وثوب يواري عورته، وجِلْف الخبز والماء))[35]، وقال النضر بن شميل: جلف الخبز: يعني ليس معه إدام، وفي رواية رزين: ((وجلف خبز يَرُدُّ بها جوعته، والماء القَرَاح))، أما الماء القراح، فهو الذي لا يشوبه شيء، ولا يخالطه مما يُجعل فيه كالعسل والتمر والزبيب، وغير ذلك مما يُتَّخَذ شرابًا، وفي هذا الحديث غنية ومستمسك للزهاد المقتصدين.

قال المناوي رحمه الله: "قال حكيم: أكثر مصارع العقول تحت بُرُوق المطامع".

وقال بشر: "لو لم يكن في القُنُوع إلا التمتُّع بالعزِّ، لكفى".

وقال الشافعي: "من غلبت عليه شهوةُ الدنيا لزمته العبودية لأهلها، ومن رضِيَ بالقُنُوع زال عنه الخضوع".

وقيل: الطمع طمعان: طمع يُوجِب الذل لله، وهو إظهار الافتقار، وغايته العجز والانكسار، وغايته الشرف والعز والسعادة الأبدية، وطمع يوجب الذل في الدارين، وهو رأس حب الدنيا، وحب الدنيا رأس كل خطيئة، والخطيئة ذلُّ وخِزْيٌ.

وحقيقة الطمع: أن تعلِّق هِمَّتَك وقلبك وأملك بما ليس عندك، فإذا أمطرت مياه الآمال على أرض الوجود، وأُلقِيَ فيها بذر الطمع، بسقت أغصانها بالذل، ومتى طمِعتَ في الآخرة، وأنت غارق في بحر الهوى، ضَلَلْتَ وأضْلَلْتَ[36].

هي القناعة لا ترضى بها بدلًا
فيها النعيم وفيها راحة البدنِ
انظر لمن ملك الدنيا بأجمعها
هل راح منها بغير القطن والكفنِ


وقال آخر وما أجوده!
إذا أظمأتك أكفُّ اللئام
كَفَتْكَ القناعة شبعًا ورِيَّا
فكن رجلًا رِجْلُه في الثرى
وهامةُ همته في الثُّريَّا
أبيًّا لنائل ذي ثروةٍ
تراه بما في يديه أبيَّا
فإن إراقةَ ماء الحياة
دون إراقة ماء الْمُحَيَّا


وصلى الله على محمد...

[1] شرح رياض الصالحين، العثيمين (1/ 298).

[2] آمنًا في سربه: أي في نفسه، يُقال: فلان واسع السرب، أي: رَخِيُّ البال، ورُوي بفتح السين، وهو الْمَسْلك والمذهب.

[3] البخاري في الأدب المفرد (300)، والترمذي (2346)، وقال: حديث حسن غريب، وحسنه السيوطي في الجامع الصغير (8436)، وصححه الشوكاني في فتح القدير (2/ 44)، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (5346).

[4] أخرجه مسلم (3/ 102)، والترمذي (2348).

[5] أخرجه أحمد (6/ 19)، والترمذي (2349) بسند حسن.

[6] البخاري (2/ 151)، ومسلم (3/ 102).

[7] الحاذ: أصله طريقة المتن، وهو ما يقع عليه اللبد من ظهر الفرس، أي: خفيف الظهر من العيال والمال.

[8] أي: مغمورًا غير مشهور، وفي رواية مسند أحمد بزيادة: ((لا يُشار إليه بالأصابع)).

[9] شعب الإيمان للبيهقي (7/ 292)، وبنحوه في مسند أحمد (5/ 252)، والزهد له (11)، وفي الزهد لوكيع (133)، والترمذي (2347) وحسنه، وفي السند مقال.

[10] العَرَض: ما يتموَّله الإنسان ويقتنيه من المال وغيره.

[11] رواه البخاري (8/ 118).

[12] الأحبل: جمع حَبْل.

[13] أخرجه أحمد بسند صحيح (1/ 164) (1407).

[14] الحِلْس: الجلد، وقيل: هو الكساء يكون على ظهر البعير.

[15] القعب: الإناء.

[16] القدوم: الفأس.

[17] الفقر المدقِع: هو الذي يلصق صاحبه بالدقعاء، وهي التراب، وذلك من شدته وخلوِّ يد صاحبه.

[18] الغُرم: هو احتمال الغرامة الماليَّة، والمفظِع: الشديد الثقيل.

[19] أخرجه أحمد (3/ 100)، وحسنه الأرنؤوط لغيره، وأبو داود (1641)، وسكت عنه فهو صالح عنده، والدم الموجع: هو الدية الثقيلة على من احتملها.

[20] أخرجه أحمد بإسناد صحيح (5/ 275)، وأبو داود (1643).

[21] الخَضِرُ: هو العشب الناعم الطريُّ، والمراد: أن المال محبوب إلى الناس مستحلًى في قلوبهم ملتذُّون به.

[22] الإزراء: التنقُّص والأخذ، وأصله من النقص، فإن من أخذ شيئًا فقد انتقصه.

[23] البخاري (8/ 116)، ومسلم (3/ 94).

[24] أي: بلا حاجة، إنما ليكثر ماله بعطائهم.

[25] أخرجه مسلم (3/ 96).

[26] الحَمَالة: احتمال الكلفة المالية في الديات، وذلك في حال ثورة فتنة بين فريقين، فيقتل بينهم قتلى، فيلتزم رجلٌ مصلح أن يؤدي دِيَات القتلى من عنده، طالبًا الصلح وإطفاء الفتنة.

[27] الجائحة: الآفة التي تعرِض للإنسان فتستأصل ماله.

[28] القِوام: ما يقوم به أمر الإنسان من مال ونحوه، وبنحو معناه السِّداد بكسر السين، وهو ما يكفي الْمُعْوِز والْمُقِلَّ، يقال: في هذا سِداد من عِوَز.

[29] الحِجا: العقل.

[30] أخرجه مسلم (3/ 97)، والسحت هو: المال الحرام، سُمِّيَ به لأنه يُسْحِت البركة ويذهبها، أو لأنه يُهلِك آكلَه.

[31] الإشراف: التطلُّع والانتظار والطمع.

[32] البخاري (9/ 84)، ومسلم (3/ 98).

[33] أخرجه أحمد (1/ 389)، والترمذي (2326)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب، وحسَّنه أيمن صالح شعبان.

[34] جامع الأصول (9865)، والشعب للبيهقي (10348).

[35] أخرجه أحمد (1/ 62) (440)، والترمذي (2341)، وقال: هذا حديث حسن صحيح.

[36] فيض القدير (3/ 170).




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 59.65 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 58.13 كيلو بايت... تم توفير 1.52 كيلو بايت...بمعدل (2.55%)]