السلف الصالح

[ابوالوليد المسلم]

السلف الصالح
الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي

السلف الصالح[1]


ولبيان نسبتهم إلى السلف لابد من بيان مفهوم كلمة: "السلف".

أولًا: مفهوم السلف في اللغة:
السلف: جمع سالف، وهو لفظ يدل على السَّبق والتَّقدم[2]، والسلف: كلُّ عملٍ صالحٍ تقدَّم للعبد[3]؛ قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ * فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ ﴾ [الزخرف: 55، 56]،وسَلَفًا؛ أي: قدوة لمن بعدهم من الكفار في استحقاق مثل عقوبتهم[4].

قال ابن الأثير - (ت: 606هـ) - رحمه الله -:"وسلف الإنسان: مَنْ تقدَّمه بالموت من آبائه وذوي قرابته، ولهذا سُمِّيَ الصدر الأوَّل من التابعين السلف الصالح"[5].


ثانيًا: مفهوم السلف في الشرع:
والسلف شرعًا: هم الصحابة، والتابعون، وتابعو التابعين، وهو قول جمهور العلماء[6].

ومما يُستدلُّ به على ذلك: قول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم-: "خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ أَقْوَامٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ، وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ"[7].

قال النووي (ت: 676هـ) - رحمه الله -: "الصحيح: أنَّ قرنه - صلى الله عليه وسلم- الصحابة، والثاني التابعون، والثالث تابعوهم"[8]، وهكذا نجد أنَّ كلَّ لقبٍ من ألقاب أهل السُّنة له أصلٌ في سنة النبي - صلى الله عليه وسلم-: يدل عليه، فَهُمْ حتى في ألقابِهم مُتابِعون سُنَّةَ نبيِّهم.

المراد بالسلف الصالح في القرون المُفضَّلة:
المراد بالسلف الصالح في القرون المُفضَّلة مَنْ يُقتدى به في الدِّين مِمَّن التزم بمنهج الكتاب والسُّنة، وأمَّا مَنْ خالف منهج الكتاب والسنة، فلا يدخل في جملة هؤلاء، وإنْ عاش بين ظهرانيهم[9].

ويؤكد هذا المعنى السفاريني (ت: 1188هـ) - رحمه الله - بقوله: المراد بمذهب السلف: ما كان عليه الصحابةُ الكرام - رضوان الله عليهم - وأعيانُ التابعين لهم بإحسان، وأتباعُهم، وأئمة الدِّين مِمَّنْ شُهِدَ له بالإمامة، وعُرِفَ عِظَمُ شأنه في الدِّين، وتلقَّى الناسُ كلامَهم خلفًا عن سلف، دون مَنْ رُمِيَ ببدعة، أو شُهِرَ بلقب غير مرضي[10].

[1] مباحث في عقيدة أهل السنة والجماعة: (ص: 15)، ومنهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد، لعثمان بن علي بن حسن: (1/ 33، 34).

[2] الزاهر: (ص: 148)؛ لسان العرب: (9/ 158).

[3] مشارق الأنوار على صحاح الآثار، للقاضي عياض: (2/ 219). مشارق الأنوار على صحاح الآثار المؤلف: عياض بن موسى بن عياض بن عمرون اليحصبي السبتي، أبو الفضل (المتوفى: 544هـ) دار النشر: المكتبة العتيقة ودار التراث عدد الأجزاء: 2.

[4] التفسير الوسيط، تفسير سورة الزخرف: (آية: 56).

[5] النهاية في غريب الحديث والأثر: (2/ 390). النهاية في غريب الحديث والأثر المؤلف: مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد بن محمد ابن عبد الكريم الشيباني الجزري ابن الأثير (المتوفى: 606هـ) الناشر: المكتبة العلمية - بيروت، 1399هـ - 1979م، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي - محمود محمد الطناحي عدد الأجزاء: 5.

[6] شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، للالكائي (1/ 9).

[7] رواه البخاري، واللفظ له، (2/ 938)، (ح2509)؛ ومسلم، (4/ 1963)، (ح2533).

[8] شرح النووي على صحيح مسلم: (16/ 85). المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج المؤلف: أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676هـ) الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت الطبعة: الثانية، 1392 عدد الأجزاء: 18 (في 9 مجلدات).

[9] الإمام ابن تيمية وموقفه من قضية التأويل، للجليند: (ص52).

[10] لوامع الأنوار البهية، (1/ 20). لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية المؤلف: شمس الدين، أبو العون محمد بن أحمد بن سالم السفاريني الحنبلي (المتوفى: 1188هـ) الناشر: مؤسسة الخافقين ومكتبتها - دمشق الطبعة: الثانية - 1402 هـ - 1982م- عدد الأجزاء: 2.