الخيانة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         من أبرزمشكلات المراهقة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          مجالس شرح كتاب تعظيم العلم للشيخ صالح بن عبدالله العصيمي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          الأبناء في مجتمعاتنا: تنشئة مدللة على فراش الكسل..!! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          عمر الفاروق -رضي الله عنه- (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          قاعدة الحدود تدرأ بالشبهات عند أهل الظاهر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          الخطاب الإعلامي اليهودي في القرآن الكريم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          عشرون درسا من قصة آدم وحواء في القرآن الكريم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          {إن هذا لهو القصص الحق} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          فوائد القصص القرآني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3 - عددالزوار : 380 )           »          {يا عيسى إني متوفيك} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 07-06-2024, 05:35 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,918
الدولة : Egypt
افتراضي الخيانة

الخيانة (1)

د. أمير بن محمد المدري

الحمد لله، أحاط بكل شيء علماً، ووسع كل شيء رحمةً وعلماً، أحمده سبحانه على كل حال، وأعوذ بالله من حال أهل الفسق والضلال.

وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، أزكى البرية وأتقاها، صلى الله عليه وآله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً، أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله، واتقوا يوماً تُرجعون فيه إلى الله، فيجازى كُلاً بعمله، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثال ذرة شراً يره.

عباد الله: حديثنا في هذه الدقائق المباركة عن آفةٍ خطيرة، ومعصيةٍ عظيمة، وجريمةٍ كبيرة.
هذه الآفة والمعصية هي أصل كل مصيبة وقعت وتقع في أُمتنا الإسلامية.
استطاع أعداء الإسلام عبر هذه الآفة زعزعة المسلمين وإبعادهم عن دينهم.
هذه الجريمة بسببها بيعت البلاد لغير أهلها، واحتل المحتل بلاد المسلمين.
خصلة إن وجدت بين الناس فقل على الدنيا السلام.
إنها آفة الخيانة.

فلا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لم لا عهد له، هكذا كان يردد النبي المصطفى في كثيرٍ من خطبه.

بسببها تكبّدت الأمة الخسائر، دخلت في حروب، بل واُسقطت دول، وفقدت الأمة خير رجالاتها وفرسانها، بل وعلمائها ودعاتها، واعلموا أنه لا يسقط عظيم من العظماء إلا بالخيانة.

والخيانة هي التفريط فيما يؤتمن الإنسان عليه، وهي كبيرة من الكبائر سواءً كان مال، أو عرض أو دين، أو علم، أو ولد، وهي كبيرة من الكبائر. اللهم إنا نعوذ بك من الخيانة.

أيها المسلمون: نتكلم معكم عن الخيانة و أمتنا الإسلامية تمرُّ في هذا الزمان بمحَنٍ عظيمة ونوازلَ شديدة ونكَبات متلاحقة، ساهم فيها بشدة تعرّض الأمة لخيانات متعددة، تارة من أعدائها، وتارات ـ وهو أنكى ـ من أبنائها.

يُخادعني العدو فلا أبالي... وأبكي حين يخدعني الصديق.

أقسى شيءٍ أنْ تُطعَن الأمَّةُ من رجالها وأبناءِ جِلدتها، فما أشدَّها من طعنةٍ، وما أبشَعَها من نكسةٍ، وما أقساها من محنةٍ! إنها الخيانة القبيحة التي لعنَتْها كلُّ الشرائع السماويَّة والقوانين الأرضيَّة، وكفى بالخائن إثمًا أنَّه ابتاعَ دُنياه بسُوء السِّيرة، وآخِرته بغَضَبِ الرحمن.

نعم، كل الخيانة قاسية ومريرة، لكن الأقسى أن يخونك من تتوقع منه العون.

إن الخيانة رأس كل خطيئة وعنوان كل جريمة مهما دقت أو جلت، قال تعالى: ﴿ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ﴾ [النساء: 105].

الخيانة قَبيحة في كلِّ شيء، وبعضها شرٌّ من بعض، وليس مَن خانك في فَلْسٍ كمَن خانك في أهلك ومالك وارتكب العظائمَ.

ولهذا كانت الأمانة ثقيلة ثقيلة قال تعالى: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الأحزاب: 72].

أهل الخيانة بعيدون عن حب الله، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ ﴾ [الأنفال: 58]، أهل الخيانة بعيدون عن هداية الله قال سبحانه: ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ﴾ [يوسف: 52]، وجمع الله جل وعلا بين الخيانة والكفر في قوله جلّ وتعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ﴾ [الحج: 38].

والرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- كان يحذّر منها بقوله: « لا تخن من خانك » [رواه أبو داود]، ويستعيذ بالله منها في دعائه ويقول: « اللهم اني أعوذ بك من الجوع فانه بئس الضجيع،... وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة... ”[رواه النسائي].

والخيانة أيها الأحباب: ركنٌ من أركان النفاق ربعه أو ثلثه، فهي سمةٌ من سمات النفاق، فالخائن منافق، وإلا فكيف سيُخفي خيانته إلا بالنفاق؟! قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان»[متفق عليه].

وفي رواية أخرى: "أربعٌ من كن كان منافقا خالصا، وذكر منها: وإذا ائتمن خان"[متفق عليه].

وأشد الناس فضيحة يوم القيامة هم الخائنون لقوله - -صلى الله عليه وسلم-: «لكل غادر لواء يوم القيامة يقال: هذه غَدْرَة فلان»[متفق عليه].

والغدرة هي الاختلاس من أموال الأمة من المال العام الذي اؤتمنت عليه، والغدر حرام في كل عهد بين المسلم وغيره، ولو كان المعاهد كافرا.

الخائنَ عباد الله وإن اندسّ بين الناسَ وإن عرف كيف يرتّب أموره بحيث لا يُفتضح أمام عباد الله فأين يذهب يوم القيامة؟!

بالخيانة أُسقطت دولة الخلافة الإسلامية، وكانت رمزًا تجمع شتات المسلمين، فتمزقت أوطان المسلمين إلى بلدان وأقاليم، وأقام أعداؤنا في كلّ موطن وإقليم سلطانًا مواليًا لنفوذهم إلا من رحم الله، ينفذ سياستهم بالترغيب والترهيب والحماية، بالخيانة عمدوا إلى مناهج التعليم والتربية فصبغوها بصبغتهم في الضياع والانحلال.

وبالخيانة تم غزونا فكريًا، فلم يستطع الغرب أبدًا أن يغزونا عسكريا إلا بعد أن هُزمنا فكريا، لكن تكفّل بالمهمة الخونة من أبناء جلدتنا.

بسلاح الغدر والخيانة ذلك السلاح الذي تجرّعت الأمة وتتجرع بسببه المرارات، وعن طريقه فقدت الأمة أعظم قادتها وخلفائها ممن أعجَزَ الأعداء على مر التاريخ، فالرسول سَمَّته يهود، وعمر قتله أبو لؤلؤة المجوسي, وعثمان قتلته يد الغدر, وعلي والحسين وغيرهم رضوان الله عليهم من العظماء عبر التاريخ.

أيها المسلمون:
قال الله تعالى في محكم تنزيله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 27].

تأملوا جيدا ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [الأنفال: 27] لم يقل: يا أيها الناس، يا أيها الذين كفروا، إنما يا أيها الذين امنوا،إنها رسالة أن من المؤمنين خونة.

لا تخونوا الله، هذه واحدة، والرسول هذه ثانية وتخونوا أماناتكم هذه ثالثة.

فخيانة الله: هي الإخلال بحقوقه، فعدم تحقيق لا إله إلا الله في النفس خيانة لله، عبادة غير الله خيانة لله، تعطيل فرائض الله، أو تعدي حدوده أو انتهاك محارمه، كلها خيانة لله، عدم تحكيم شرع الله ً يعتبر خيانة لله.

واذا خنت الله خانك كل شيء. من خان الله وضيع فرائض الله فلا تأمنه فانه خان أول منعم عليه، وهو الله.

أما خيانة الرسول: فتقديم قول فلان أو الولي فلان على قوله، تُعتبر خيانة للرسول. وترك سنته مع علمنا بها خيانة للرسول.

الطعن في السنة إما رواية أو دراية. خيانة لرسول الله.

الطعن في حمَلة السنة سواءً كانوا الصحابة أو من أتى بعدهم من حمَلة الشريعة للناس خيانة للرسول.

الطعن في زوجاته و آل بيته الطاهرين ومحاربتهم خيانة للرسول.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ﴾ [الأنفال: 27] هذه الآية نزلت في أبو لبابة بن عبد المنذر حين أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- الحكم في يهود بني قريضة بعد أن تعاونوا مع كفار قريش، فقال بنو قريضة: ابعث الينا أبا لبابة نستشيره وكان حليفهم، فأرسله رسول الله اليهم، فلما رأوه قام إليه الرجال، وأجهش النساء، والصبيان يبكون، فرقّ لهم، وقالوا:يا أبا لبابة هل ننزل على حكم محمد؟ قال: نعم وأشار بيده إلى حلقه، يعني أنه الذبح، وهذا كان سرا كشفه لهم. قال أبو لبابة:" فو الله ما زالت قدماي من مكانهما حتى عرفت اني خنت الله ورسوله"، وعاد إلى المدينة وربط نفسه في سارية من سواري المسجد النبوي وكانت من جذوع النخل وقال:" لا أبرح مكاني حتى يتوب الله علي فيما صنعت"، فلما علم رسول الله قال:"لو جاءني لاستغفرت له واذ قد فعل هذا فلن اطلقه حتى يقضي الله فيه ما يشاء"، وأقام على هذه الحال ست ليال تأتيه امرأته في وقت كل صلاة فتحله حتى يتوضأ ويصلي، ثم يُربط في الجذع قال أبو لبابة: "فكنت في أمر ٍعظيم، في حر ّشديد عدة ليال لا آكل فيهن شيئا ولا أشرب وقلت لا أزال هكذا حتى أُفارق الدنيا أو يتوب الله علي".

كان أبو لبابة يستطيع أن يخفي ما فعله عن النبي ـ -صلى الله عليه وسلم- ـ حيث لم يطلع عليه أحد من المسلمين، وأن يستكتم اليهود أمره، ولكنه تذكر رقابة الله عليه، وعلمه بما يسر ويعلن، وتذكر حق رسول الله - -صلى الله عليه وسلم- – عليه، وهو الذي ائتمنه على ذلك السر، ففزع لهذه الزلة فزعا عظيما، وأقر بذنبه واعترف به، وبادر إلى الصدق والتوبة فكانت نجاته، فنزلت توبته على رسول الله في السحر وهو في بيت أم سلمة قوله تعالى: ﴿ وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 102].

فثار الناس ليطلقوه فقال:" لا والله حتى يكون رسول الله هو الذي يطلقني بيده"، فلما خرج رسول الله- -صلى الله عليه وسلم- لصلاة الصبح أطلقه.

أما الثالثة: وتخونوا أماناتكم. إنها أمانات، وليست أمانة واحدة فالصَّلاة أمانة، والوضوء أمانة، والوزنُ أمانة، والكَيل أمانة،، وأشد ذلك الودائع.

فليحذر الموظف من خيانة الأمانة، بتعاطي الرشوة، أو إتعاب أصحاب المعاملات وتأخيرهم بقصد التسلط فإنها خيانة للأمانة. وليحذر أصحاب المناصب والمراكز من التخوض في المال العام دون وجه شرعي، فإنها خيانة للأمانة. وليحذر كلٌ من الزوج والزوجة، من علاقة محرمة، فإنها خيانة للأمانة. وليحذر كل راعٍ مسؤول عن رعيته من خيانة ما استؤمن عليه.

قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 27]،
اللهم إنا نعوذ بك من الخيانة اللهم اجعلنا من أهل الأمانة.

عباد الله: نستطيع أن نقسّم الخيانة إلى ثلاثة أقسام:
الأول: خيانة على المستوى العالمي.
الثاني: خيانة على مستوى الأمة.
الثالث: خيانة على مستوى الأفراد.

أما الخيانة على المستوى العالمي فإنها الخيانة التي فاح عفنها ونتنها في كل البقاع والأصقاع، إنها خيانة عالمية، خيانة يخطط لها في البيت الأبيض، وفي البيت الأحمر في الكرملن، مروراً بمنظمة هيئة الأمم المتحدة، ومروراً بحلف الأطلسي، ومروراً بالنظام والاتحاد الأوروبي، كل هذه الهيئات وكل هذه المنظمات وكل هذه الأحلاف الدولية تؤصل الآن للخيانة تأصيلاً، إنها خيانة الشعوب المسلمة المستضعفة، في فلسطين وكشمير، وتركستان، وغيرها.

هذه الخيانة العفنة النتنة التي تمارس على خشبة المسرح العالمي؟ لقد جلس النظام الغربي على مقاعد هذا المسرح العالمي ليصفق بقوة وحرارة وجدارة للجندي اليهودي، والصليبي الجبان الغشوم الظالم، وقف النظام الغربي الخائن كله ليصفق لهؤلاء المجرمين، بل ليمنحهم السلاح لا من وراء ستار، بل على مرأى ومسمع من العالم كله.

ماذا تنتظر الأمة؟! وأي شيء تنتظر هذه الأمة؟! إنه عالم لا يعرف إلا الخيانة، وعالم لا يقر إلا لغة الحرب ولغة الرصاص؛ فأين المسلمين ونخوتهم وحميتهم في الدفاع عن إخوانهم.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا وأستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله مولي النعم، ودافع النقم، وخالق الخلق من عدم، أحمده سبحانه، وهو للحمد أهل، وأشكره وقد تأذن بالزيادة لمن شكر.

وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، وبعد:
ثالثاً: خيانة على مستوى الأمة: أقول بملء الفم وبأعلى الصوت: ما خان الغربي إلا يوم أن تخلت أمة الأمانة عن الأمانة، وما تولى الرجل الغربي قيادة العالم وقيادة الأمة إلا يوم أن وقعت الأمة في الخيانة؛ فلقد خانت الأمة ربها ورسولها، وأنا أعي كل لفظة أرددها، لقد خانت الأمة ربها ورسولها، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 27] قال ابن عباس رضي الله عنهما: «لا تخونوا الله بترك فرائضه، ولا تخونوا الرسول بترك سنته، ولا تخونوا أماناتكم بتضييعها».

خانت الأمة ربها ونبيها، وضيعت الأمانة يوم أن وسدت الأمر إلى غير أهله، وهذا هو تفسير نبينا لتضييع الأمانة كما في صحيح البخاري أنه كان -صلى الله عليه وسلم- يحدث الناس يوماً، فجاء أعرابي فقال: « يا رسول الله! متى الساعة؟ فمضى النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديثه ولم يجب الأعرابي، فلما قضى النبي حديثه سأل عن الأعرابي وقال: أين السائل عن الساعة آنفاً؟ فقال الأعرابي: ها أنا يا رسول الله! فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إذا ضُيعت الأمانة فانتظر الساعة»، فقال الأعرابي الفقيه: فكيف إضاعتها يا رسول الله؟! قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله » [رواه البخارى]..

ووالله! لقد وسد الأمر إلى غير أهله، إلا من رحم الله، لقد صرنا كما قال الشاعر:
وراعي الشاة يحمي الذئب عنها
فكيف إذا الرعاة لها الذئاب




وفي مستدرك الحاكم ومسند أحمد بسند صحيح من حديث أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (سيأتي على الناس سنوات خداعة؛ يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة، قيل: ومن الرويبضة يا رسول الله؟! قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة).

لقد صار المثل الأعلى لأولادنا لاعب كرة، أو فناناً من الفنانين، صار المثل الأعلى لكثير من أولادنا هم هؤلاء، وقدم هؤلاء على أنهم المثل، وعلى أنهم القدوات، حتى لا يخرج الولد ليفكر في الجهاد أو ليفكر في العلم، ووسّد الأمر إلى غير أهله، فمن الذي تصفق لهم الجماهير المخدوعة؟! ومن الذي تذلل لهم الصعاب، وتيسر لهم الأسباب، وتفتح لهم جميع الأبواب؟! هذا، وكثير منهم يجب أن يقام عليه حد الله (™)، ولكن الأمة الآن قلبت الموازين، ووسدت الأمر إلى غير أهله، ووقعت في الخيانة.

وأخيراً: خيانة على مستوى الأفراد فالكلمة أمانة، والعلم أمانة، فإن اتقى العالم ربه وأدى ما يدين به لله بحكمة بالغة فهو أمين، وإن زور بهذا العلم الفتاوى لذوي السلطان فهو خائن، قال -صلى الله عليه وسلم-: » من سُئل عن علمٍ يعلمه فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجامٍ من نار، ومن تعلم العلم ليجاري به العلماء أو ليماري به السفهاء أو ليصرف به وجوه الناس إليه فهو في النار «[أخرجه أحمد وصححه الألباني في تعليقه على المشكاة (223)].

والمجالس أمانة، فقد يجلس المسلم مع أخيه ويخرج بعد ذلك لينقل كل ما دار بينهما في المجلس، من فعل هذا فهو خائن؛ إنما المجالس بالأمانة، فكم من الناس من قد خان هذه الأمانة! وكم من زوج قد خان زوجته! وكم من زوجة قد خانت زوجها! وأقصد: الخيانة العفنة المعروفة بالزنا، وكذلك خيانة الكلمة، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول كما في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد رضي الله عنه: « إن من أشر الناس يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها »، لاسيما إذا كان السر متعلقاً بأسرار الفراش، فيجلس على المقهى أو بين زملائه في الوظيفة ليحدث بكل ما دار بينه وبين امرأته في الفراش، أو تجلس المرأة لتحدث زميلاتها وجيرانها بما دار بينها وبين زوجها في الفراش، وهذه خيانة عفنة.

والأولاد أمانة، فكم من الآباء من قد خان هذه الأمانة! وكم أم قد ضيّعت هذه الأمانة! فترك الوالد أولاده، وظن أن وظيفته أنه ممثل لوزارة المالية فحسب! فإن وجد عنده رمق من الوقت قتله قتلاً بالجلوس أمام التلفاز، مع أنه لو جلس بين أولاده ولو كان صامتاً لا يتكلم ففي جلوسه من عمق التربية ما فيه، فكيف إن تكلم فذكّر بالله ورسوله؟! وكيف إن تكلم فأخذ أولاده إلى بيت من بيوت الله، أو إلى مشهد من هذه المشاهد التي تملأ القلب بالاستعلاء وبالإيمان وبالعزة التي افتقدتها الأمة منذ أمد بعيد؟! وكم من أم خانت الأمانة فضيعت أولادها؛ وذهبت إلى الوظيفة، وهي ليست في حاجة إلى الوظيفة، وخرجت إلى الأسواق لتضيع الوقت، وهي ليست في حاجة إلى هذا، كل همها أن تبحث عن الموضات والموديلات! وضيعت الأولاد، والوظيفة أمانة، فكم من الموظفين من قد خان الأمانة بدعوى أن الراتب لا يتلاءم ولا يتواءم مع الجهد الذي يبذله! فيخون الأمانة بأخذ الرشاوى، أو بتضييع العمل مع حاجة العمل إليه، أو بالتعسير على المسلمين وتعطيل مصالحهم.

والدَين أمانة، فكم من الناس من قد أخذ أموالاً ثم تفنن بعد ذلك في أكل هذه الأموال، وفي خيانة هذه الأمانة، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: « من أخذ أموال الناس ينوي أداءها أدى الله عنه، ومن أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله »[رواه البخاري].

وكم عدد هؤلاء الذين نهبوا البنوك بل ونهبوا الدولة، بل ونهبوا الأمة، وخانوا الأمانة، وأكلوا أموال الناس بالباطل! ولو وقفنا مع جزئيات الخيانة على مستوى الأفراد لطال الوقت جداً.

اللهم اجعلنا من أهل الأمانة، اللهم اجعلنا أهلاً للأمانة، اللهم رد الأمة إلى الأمانة رداً جميلاً، اللهم رد الأمة إلى الأمانة رداً جميلاً.

هذا وصلوا - عباد الله: - على رسول الهدى فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 07-06-2024, 05:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,918
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الخيانة

الخيانة (2)

د. أمير بن محمد المدري



الحمد لله منّ علينا بكثير النعم، ودفع عنا النقم، وجعل أمة محمد خير الأمم.

وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك، أطعمنا من جوع وسقانا من ظمأ وخلقنا من عدم، وأشهد أن محمدًا عبدالله ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله المصطفى على سائر الأمم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أولوا المكارم والشيم، والتابعين لهم بإحسان، اللهم لك اسلمنا وبك أمنا وعليك توكلنا فاغفر لنا ما قدمنا، وما أخرنا وما أسررنا وما اعلنا، اللهم انصرنا على من ظلمنا، وعافنا واعف عنا.

أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله، فمن يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب.

عباد الله:
هذا هو اللقاء الثاني مع الآفة الخطيرة، والمعصية العظيمة مع الخيانة، عشنا معها في الجمعة الماضية وعلمنا وأيقنا أنه لا صلاح لأمة استشرت فيها الخيانة، ولا بقاء لمجتمع انعدمت فيه الأمانة، ولا كرامة لأناس صارت الخيانة من أعمالهم وسلوكهم، بالله عليكم هل يمكن لخونة أن يصلحوا وضعًا، أو أن يقيموا أساسًا، أو أن يشيدوا حضارةً وعمرانًا لا يمكن أبدًا، والخائن أحقر من القاتل لأن القاتل يقتل نفسا، والخائن يقتل أمة. الخائن يكيد في الليل والنهار والله لا يهدي كيد الخائنين.

إن الأمانة - إخوة الإيمان - فضيلة ضخمة، لا يستطيع حملها المهازيل.

قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «القتلُ في سبيلِ اللهِ يُكفِّرُ الذُّنوبَ كلَّها إلَّا الأمانةَ قال: يُؤتَى العبدُ يومَ القيامةِ، وإن قُتِل في سبيلِ اللهِ، فيُقالُ: أدِّ أمانتَك، فيقولُ: أيْ ربِّ كيف، وقد ذهبت الدُّنيا، فيُقالُ: انطلِقوا به إلى الهاويةِ، فيُنطلَقُ به إلى الهاويةِ، وتمثُلُ له أمانتُه كهيئتِها يومَ دُفِعت إليه، فيراها فيعرِفُها، فيهوي في أثرِها حتَّى يُدرِكَها، فيحمِلُها على منكِبَيْه حتَّى إذا ظنَّ أنَّه خارجٌ زلت عن منكِبَيْه، فهو يهوي في أثرِها أبدَ الآبدين...»[رواه البيهقي مرة موقوفًا على ابن مسعود وأخرى مرفوعًا وحسنه الألباني].

وجاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند مسلم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم «أن الأمانة والرحم تقومان على جنبتي الصراط، يمينا وشمالا».

تقف الأمانة على الصراط، فتُكَبْكِب في نار جهنم كلَّ من خانها، وأما الرحم فإنها تُزِلّ قدم من قطعها وظلمها.

فيا من في أعناقكم أمانات، وكلنا كذلك، وكل بحسبه، أدِّ الأمانة، وإياك من الخيانة قبل أن تزل قدمٌ بعد ثبوتها في موطن تكون الزلة تحتها قعر جهنم.

عباد الله:
أيها المؤمنون: نقول بملء الفم وبأعلى الصوت: ما خان الغربي إلا يوم أن تخلت أمة الأمانة عن الأمانة، وما تولى الرجل الغربي قيادة العالم وقيادة الأمة إلا يوم أن وقعت الأمة في الخيانة؛ خانت الأمة ربها ونبيها، وضيعت الأمانة يوم أن وسدت الأمر إلى غير أهله، وهذا هو تفسير نبينا لتضييع الأمانة كما في صحيح البخاري أنه كان صلى الله عليه وسلم يحدث الناس يومًا، فجاء أعرابي فقال: «يا رسول الله! متى الساعة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا ضُيعت الأمانة فانتظر الساعة»، فقال الأعرابي الفقيه: فكيف إضاعتها يا رسول الله؟! قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله» [رواه البخاري]..

أيها المؤمنون:
شر ما في المجتمع أن تسود الخيانة، وتضيع الأمانة، وشر من ذلك أن يوسّد الأمر إلى غير أهله ويؤمّن الخائن وهذه من علامات الساعة.

ففي مستدرك الحاكم ومسند أحمد بسند صحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سيأتي على الناس سنوات خداعة؛ يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين».

اللهم ولي علينا الأمناء الأخيار، ولا تولّ علينا الخونة الأشرار.

أيها الكرام:
ومن أنواع الخيانة: خيانة العلم، خيانة العاِلم لعلمه، فالعلم أمانة في عنق العلماء، إن يبيَّنوه للناس ولا يكتمونه ويصونوه من التحريف والتلاعب فإن اتقى العالم ربه وأدى ما يدين به لله بحكمة بالغة فهو أمين، وإن زور بهذا العلم الفتاوى لذوي السلطان، وأباح له القتل والظلم والفساد فهو خائن، قال صلى الله عليه وسلم: "من سُئل عن علمٍ فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجامٍ من نار" [أخرجه أحمد وصححه الألباني في تعليقه على المشكاة (223)].

ومن أنواع الخيانة خيانة المجالس وإفشاء أسرارها:، فكم من حبالٍ تقطعت ومصالح تعطلت لاستهانة بعض الناس بأمانة المجالس، قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه أبو داود عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: «إذا حدث الرجل بالحديث ثم التفت فهو أمانة».

حتى العلاقات الزوجية في نظر الإسلام مجالسها تُصان، فما يحوي البيت من شؤون العشرة بين الرجل وزوجه الخاص والعام يجب أن يطوى في أستار مسبلة، لا يطلع عليها أحد مهما قرب، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد رضي الله عنه: «إن من أشر الناس يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها أو تنشر سره».

ومن الخيانة خيانة تضييع الأهل؛ بإهمالهم، وعدم تعهدهم بالتربية والنصح، فكم من الآباء من قد خان هذه الأمانة! وكم من أم قد ضيّعت هذه الأمانة! فمن الآباء من ظن أن واجبه نحو أهله طعام وشراب ولباس، ولا يهتم بدينهم ولا بأخلاقهم.! وكم من أم اشتغلت بالحفلات والمناسبات والموضات فخانت الأمانة وضيعت أولادها. روى البخاري ومسلم من حديث مَعْقِل بن يَسار رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت هو غاشٌّ لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة» [متفق عليه]، وأي غش - أيها المسلمون - أكبر من ترك الحبل للأهل والأولاد على الغارب. وكلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته.

ومن الخيانة خيانة الدَين، فكم من الناس من أخذ أموال الناس ثم ماطلهم وتهرب من رد ما عليه، وهذه خيانة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من أخذ أموال الناس ينوي أداءها أدى الله عنه، ومن أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله» [رواه البخاري].

اللهم اجعلنا من أهل الأمانة، اللهم اجعلنا أهلًا للأمانة.

ومن أنواع الخيانة موالاة أعداء الله من اليهود والنصارى والمنافقين، تروي كتب السيرة انه عندما تجهز النبي صلى الله عليه وسلم لفتح مكة جعل الأمر سرا فلا يعرف اهل مكة قام حاطب بن أبي بلتعة صاحب النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل رسالة لقريش، إن النبي صلى الله عليه وسلم قد جاءكم بجيش لا قبل لكم به فخذوا حذركم، فنزل جبريل ليخبر النبي بهذه الخيانة.

فعُقدت محكمة ميدانية، جيء بحاطب، «يا حاطب ما هذا؟ بكى حاطب وأشهَد الله أنه لم يفعل ذلك خيانة، إنما له أهل ضعاف، أراد أن لا تقتلهم قريش إذا سمعوا أن الجيش قد جاء، فأرسل الرسالة ليحافظ على أهله، فقال عمر: يا رسول الله، هذا رجل كذاب، دعني أضرب عنقه، قال صلى الله عليه وسلم: «إنه قد شهد بدرًا، وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطّلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم؟![متفق عليه].

وينادي حاطب وهو ينظر إلى المسلمين: والله ما خنت الله ورسوله، والله ما نويت ذلك ولا خطر لي ذلك. وأنزل الله تعالى العتاب لحاطب وللمؤمنين جميعا فقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ ﴾ [الممتحنة: 1].

ومن الخيانة: خيانة الشريعة: فلا تُطَبّق، بل تُعزل عن حياة المسلمين، أين الشريعة في الدساتير العلمانية؟! أين الشريعة في الاقتصاد؟! أين الشريعة في الإعلام؟! أين الشريعة في السلم والحرب والتعليم والقضاء؟.

ويبقى القرآن في المساجد وفي مسابقات حفظ القرآن، أما أن يطبق و يحكم في الأرض ويسود فلا وهذه عين الخيانة، والظلم ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون، اللهم ردنا إلى دينك ردا جميلا.

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه, واشهد أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الداعي إلى رضوانه وعلى آله وصحبه وجميع اخوانه.

وبعد عباد الله:
ومن الخيانة خيانة الأعراض: وهي انتهاك الأعراض بالزنا والقذف وقد حرم الله الزنا ونهى عن مقاربته ومخالطة أسبابه فقال: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾ [الإسراء: 32].
والزنا دين ان أقرضته كان الوفا
من أهل بيتك فافهم
من يزني في بيت بألفي درهم
في بيته يُزن بغير الدرهم


الزنا والخيانة ولو كان بكلمة يُرمى بها بريء بالفاحشة؛ لأن في ذل ك هتكًا للأعراض، واعتداءً عليها، يستوجب فاعل ذلك اللعن من الله تعالى والعذاب العظيم قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 23] وقد ذكر القرآن الكريم حادثة مفصلة عن خيانة العرض؛ وهي قصة خيانة امرأة العزيز زوجَها عندما راودت يوسف عليه السلام عن نفسه.، لكن نفس يوسف العفيفة تأبى عليه أن يقع في الفاحشة، أو يخون الأمانة، أو أن يقع في وحل الرذيلة والخيانة، أو أن يسيء إلى من أحسن إليه، وأدخله بيته. ولكن ليس الأمر مقتصرا على امرأة العزيز؛ فإن الذي حدث من امرأة العزيز قد يحدث من أي أنثى، ولو بالنظرة المحرمة، أو بكلمة، وإن من خيانة المرأة زوجها: أن يرى زينتها غير زوجها ومحارمها، قال تعالى ولا يبدين زينتهن. ومن خيانتها له الخضوع بالقول للأجانب قال تعالى ولا تخضعن ومن الخيانة في الأعراض النظرة الحرام، قال تعالى: ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾ [غافر: 19]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: «هذا الرجل يدخل على أهل بيت وفيهم امرأة حسناء، فإذا غفلوا نظر إليها، وإذا فطنوا غضَّ بصره»، فكيف بالزنا؟!

ومن معاني الخيانة خيانة الودائع التي وصى الله بها من فوق سبع سماوات: انظروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف استخلف ابن عمه علي بن أبي طالب ليُسَلم إلى المشركين الودائع التي حفظوها عنده، مع أنهم آذوه واضطروه إلى ترك أرضه.

والخيانة متى ظهرت في قوم فقد أذنت عليهم بالخراب، فلا يأمن أحد أحدًا، ولا يأمن صديق صديقه، ولا زوج زوجه، ولا أب ولده، وقد جاء في الآثار: «لا تقوم الساعة حتى لا يأمن المرء جليسه».

وهذه قصة ذكرها التنوخي صاحب كتاب الفرج بعد الشدة: أن رجلًا أمسى في بعض محال الجانب الغربي من مدينة السلام(بغداد)، ومعه دراهم لها قدر.

فخاف على نفسه من الطائف، أو من بلية تقع عليه، فصار إلى رجل من أهل الموضع، وسأله أن يبيته عنده، فأدخله. فلما تيقن أن معه مالًا، حدث نفسه وزوجته بقتله، وأخذ المال.

وكان له ابن شاب، فنومه بحذاء الرجل، في بيت واحد، ولم يعلم ابنه ما في نفسه، وخرج من عندهما، وقد عرف مكانهما، وطفئ السراج.

وجاء الرجل يطلب الضيف لقتله، فخنقه، فاضطرب، ومات.

فدعا زوجته لحمل الجثة ويحدث ما لم يتوقع يجدون أن المقتول هو ابنهما - يا الله-.

قدر الله أن الابن انتقل من موضعه إلى موضع الضيف، وانتقل الضيف إلى موضع الابن، وانتبه الضيف باضطرابه، وعرف ما أريد به، فخرج هاربًا، وصاح في الطريق، ووقف الجيران على خبره، وأغاثوه، وخرجوا إليه.

وأخذ الرجل، فقُرر، فأقر بقتل ولده، فحبس، وأخذ المال من داره، فرُد على الضيف، وسلِم.

هذا وصلوا - عباد الله: - على رسول الهدى فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 22-06-2024, 06:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,918
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الخيانة

الخيانة (3)

د. أمير بن محمد المدري

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله ولي الصالحين والعاقبة للمتقين ولا عدوان الا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة أثقل بها الميزان، وأحقق بها الإيمان، وأفك بها الرهان، وأخسئ الشيطان، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق وأن النار حق.

اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع، ومن نفسٍ لا تشبع، ومنعينٍ لا تدمع، ومن قلبٍ لا يخشع، اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء، ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء، اللهم ارفع عنا الغلاء، والوباء وولِّ علينا خيارنا ولا تولِّ علينا شرارنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك.

عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله القائل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

وإذا أردتم النصر والرزق فطبقوا على أنفسكم قوله تعالى ﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 2-3]. وإذا خفتم على أولادكم فتذكروا قوله تعالى:﴿ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴾ [النساء: 9].

هذا هو اللقاء الخاتم عن تلكم الجريمة النكراء، الجريمة التي نخرت في جسم الأمة الإسلامية عبر التاريخ، وقتلت خيرة رجالها، وقفتنا الأخيرة عن الخيانة وأنواعها.

أخي الحبيب: لو أن إنسانا أمسك بيدك وأخذك إلى مكان هادئ وبمنتهى الهدوء قال لك نصيحة فلان يكرهك.

عندما تسمع هذه الكلمة فلان يكرهك تجد نبض قلبك يزداد يكرهني لماذا؟

السؤال هل تحب أن يكرهك أحد؟ فما بالك إذا كان الذي يكرهك هو الله نعوذ بالله من ذلك.

هناك صفات وأعمال تجعلنا ممن يبغضهم الله. ومن هذه الصفات الخيانة ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ ﴾ [الأنفال: 58] ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ﴾ [الحج: 38].

عباد الله: أعظم خيانة للأمانة أن يخون الإنسان أمانة نفسه، أن يخون أمانة التكليف، أن يبتعد عن ربه، أن يعصيه، هذه الخيانة التي تسبب له شقاء الدنيا والآخرة. ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا ﴾ [طه: 123-124].

أخي الحبيب: من مدحك بما ليس فيك فقد خانك، ومن ستر عنك الرشد والهدى والحق إتباعاً لما تهوى فقد خانك.

ومن الخيانة أيها المؤمنون خيانة الأهل والعشيرة، خيانة أمانة الأخوة، وهذا وجدناه في أخوة يوسف حين خانوه و تناسوا رابطة الأخوة، ضاربين بالمواثيق والعهود التي قطعوها لأبيهم عرض الحائط، في قصة تقشعر من ألمها وأحداثها الجلود، مبينة أثر الحقد والحسد والغيظ المؤدي إلى الكيد والخيانة.

ومن الخيانة: خيانة الكسب: والمسلم الحق يحرص على الحلال في مطعمه ومشربه، فلا غش ولا خداع ولا كذب، جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر في السوق على صُبْرَة طعام أي: كُومة، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللاً، فقال: «ما هذا يا صاحب الطعام؟! ”قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: «أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟! من غشنا فليس منا»[رواه مسلم]. الغش في البيع والشراء، الغش في الطب و الأدوية والفحوصات، الغش في التعليم والقضاء وغيرها نعوذ بالله من الخيانة، ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم: « من غشنا فليس منا والمكر والخداع في النار »[رواه الطبراني في الكبير والصغير وابن حبان في صحيحه].

وترك النصيحة للمؤمن خيانة، لأن في ذلك غمطاً للمؤمن و وخيانة له قال صلى الله عليه وسلم: « من أشار على أخيه بأمر يعلم الرشد في غيره فقد خانه »[أبو داود- كتاب العلم].

ومن معاني الخيانة أيضًا أن يستغلّ الرجل منصبه الذي عُيِّن فيه لجرّ منفعة إلى شخصه أو قرابته، فإن التشبّع من المال العام جريمة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من استعملناه على عمل فرزقناه رزقًا فما أخذ بعد ذلك فهو غلول»[رواه أبو داود]. و ذكر أبو نعيم صاحب حلية الأولياء أن عمر بن الخطاب بعث إليه أميره في الشام زيتًا في قرب ليبيعه ويجعل المال في بيت مال المسلمين، فجعل عمر يفرغه للناس في آنيتهم، وكان كلما فرغت قِرْبة من قِرَب الزيت قلَبها ثم عصرها وألقاها بجانبه، وكان بجواره ابن صغير له فكان الصغير كلما ألقى أبوه قربة من القِرب أخذها ثم قلبها فوق رأسه حتى يقطر منها قطرة أو قطرتان، ففعل ذلك بأربع قرب أو خمس فالتفت إليه عمر فجأة، فإذا شعر الصغير حسنٌ ووجهه حسن فقال: ادّهنت؟ قال: نعم، قال: من أين؟ قال: مما يبقى في هذه القرب، فقال عمر: «إني أرى رأسك قد شبع من زيت المسلمين من غير عوَض، لا والله لا يحاسبني الله على ذلك». ثم جره بيده إلى الحلاق وحلق رأسه، خوفًا من قطرة وقطرتين.

قال أبو ذر لمعاوية بن أبي سفيان حين رآه يبني قصرا باذخا: إذا كان هذا من مالك فهو الإسراف وإن كان من مال الأمة فهي الخيانة.

ومن الخيانة أن يُسنَد عمل إلى غير أهلِه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من استعمل رجلاً على عصابة وفيهم من هو أرضى لله منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين»[رواه الحاكم (4/92-93) وصححه، وفي إسناده حسين بن قيس ضعّفه المنذري في الترغيب (3268) وضعَّفه الألباني].

فلا يُسند منصب إلا لمن هو أهلٌ له، ولا تُملأ وظيفة إلا للقوي الأمين، فلا اعتبار للمجاملات والمحسوبيات. حتى الصحبة لا يُنظر إليها، انظروا كيف راعى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فحين قال أبو ذر: يا رسول الله، ألا تستعملني؟! قال: فضرب يده على مَنْكِبي ثم قال: «يا أبا ذر، إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها وأدَّى الذي عليه فيها» [رواه مسلم (1825)].

إنها أمانة الولاية، هذه الأمانة توضحها فاطمة بنت عبد الملك زوجة الخليفة الزاهد عمر بن عبد العزيز، تروي فاطمة بنت عبد الملك أنها دخلت على عمر زوجها يوماً في مصلاه، فوجدته واضعاً يده على خده ودموعه تسيل، فقالت له؟ ما بالك وفيما بكاؤك؟ قال: ويحك يا فاطمة إني قد وُليتُ هذا الأمر، ففكرت في الفقيرِ الجائع، والمريضِ الضائع، والعاريْ المجهول، واليتيمِ المكسور، والمظلومِ المقçور، والغريب، والأسير، والشيخِ الكبير، والأرملةِ الوحيدة، وذي العيالِ الكثير والــرزقِ القليل، وأشباهِهم في أطرافِ البلاد، فعلمتُ أن الله سيسألني عنهم جميعاً يومَ القيامة، وأن خصميْ دونهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فخشيت ألا تَثْبُت حجتي، فلهذا أبكي. إنها أمانة الولاية.

الفساد والخيانة تجعل الخزينة العامة مثل القربة المخرومة، ويجعل المشروعات هشة ومتعثرة، ويؤثر على الاستقرار الاجتماعي، ويغذي العنف، ويؤدي إلى انحسار ثقة الشعب في المؤسسات الحكومية، و... و... ولا حول ولا قوة إلا بالله!

ومن الخيانة أيضًا خيانة النعمة وعدم شكرها:
إن كل نعمة اُستخدمت في غير طاعة الله في غير ما خُلقت له خيانة لهذه النعمة، الله وهبك النعم لتتقرب بها إليه وتتودد إليه، لا أن تستخدمها في معصيته وأذية خلقه فهو سبحانه قادر أن يسلبك كل نعمة أعطاك إياها.

لسانك أمانة، وعيناك أمانة وأذناك أمانة، ورجلاك أمانة، ويداك أمانة، قد تخون اليد فتمتد إلى ما ليس لها، ولهذا قد يقرر الشرع قطعها اذا استوفيت الشروط، وانتفت الشبهات قطعت هذه اليد لأنها خانت، ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [المائدة: 38].

والبطن أمانة والفرج أمانة ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ﴾ [المؤمنون: 5-7] أي: المعتدون.

ومن الخيانة خيانة الوطن:
والخائن لوطنه الخائن لامته يلفظه وطنه، ويلعنه أهله، والعرب قبل الإسلام كانت ترى في خيانة الوطن جُرما يستحق صاحبه فيه الرجم.

من هو خائن الوطن؟
خائن الوطن، أيها الكرام لسنا نعني به من يبيع بلاده بثمن بخس بل خائن الوطن من يكون سبباً في خطوة يخطوها العدو في أرض الوطن، بل من يدع قدمي العدو تستقر على تراب الوطن وهو قادر على زلزلتها، فهو خائن، "سألوا (هتلر) قبل وفاته: "من أحقر الناس الذين قابلتهم في حياتك..؟ قال:"أحقر الناس الذين قابلتهم في حياتي؛ هؤلاء الذين ساعدوني على احتلال أوطانهم"!!!

ابن العلقمي لعنه الله اسمٌ نذكره ونذكر خطر الخيانة التي كان ثمنها قتل مليون مسلم. وقد كان دليلا لهولاكو قائد التتار على عورات بغداد وتدمير دولة الإسلام فلعنة الله على الخائنين في كل زمان ومكان. ومن خيانة الوطن أكل ثرواته بالباطل وبيعها بثمنٍ بخس.

ذات يوم أراد أحدهم أن ينافق نابليون، القائد الفرنسي فنقل إليه أسراراً عسكرية عن جيش بلاده، استقبلها نابليون بسرور بالغ، وقد ساهمت هذه الأسرار فيما بعد في تحقيق الانتصار له في الحرب، وبعد الانتصار، استقبل نابليون ذلك الرجل بجفاء، وأخذ كيساً من المال وألقاه إليه دون أن يترجل عن ظهر حصانه، فقال له المنافق: "لا حاجة بي إلى المال، وأمنيتي هي أن أصافح الإمبراطور"، فقال له نابليون: "من يخون وطنه وينافق أعداءه على حساب شعبه له المال فقط، أما يد الإمبراطور فإنها لا تصافح إلا الأشراف المخلصين".

ومن الخونة المشهورين عبر التاريخ أبو رغال: يعدُّ أبو رغال الخائنَ الأكبر، الذي جعَل من نفسه دليلًا وعميلًا لأبرهةَ الأشرم عندما عزم على هدم الكعبة، ولقد مرَّ الرسول عليه الصلاة والسلام بقبره فرجَمه، فأصبح رَجمُه سنَّة.

ومن الصور المشرفة للأمانة السلطان عبد الحميد آخر خلفاء الدولة العثمانية المسلمة. قام اليهود بمحاولة خسيسة مع السلطان، فأوفدوا إليه احد أثرياءهم ومعه خمسة ملايين ليرة ذهبية وقال له هذه هدية لخزينتكم الخاصة ومائة مليون كقرض لخزينة الدولة بلا فائدة لمدة مائة سنة على أن تسمحوا لنا ببعض الامتيازات في فلسطين".

فما أن أتم "اليهودي " كلامه حتى نظر السلطان عبد الحميد إلى مرافقه بغضب، وقال له: هل كنت تعلم ماذا يريد هذا الخنزير؟ فارتمى المرافق على قدمي السلطان مقسمًا بعدم علمه، فالتفت السلطان إلى "هذا اليهودي" وقال له: "اخرج من وجهي يا سافل"، فأرسل إليه "اليهودي" برقية تضمنت أن رفضك سيكلفك ممتلكاتك أنت شخصيًا. لم يهتز السلطان عبد الحميد، ولقد حاول اليهود مرة ثانية وثالثة فرفض السلطان في إباء وشموخ وعزة وكبرياء وقال لا استطيع أن أتخلى عن شبر واحد من أرض فلسطين؛ إذ هي ليست ملكًا لي؛ بل هي للامة الإسلامية التي قاتلت من أجلها وروت التربة بدماء أبنائها.

نعم أيها المؤمنون من سلم شبرا واحد من بلاده ووطنه من اجل لعاعة دنيا فهو خائن وقد قيل مثل الذي خان وطنه و باع بلاده مثل الذي يسرق من مال أبيه ليطعم اللصوص، فلا أبوه يسامحه و لا اللص يكافئه.

عباد الله:
ونختم حديثنا عن الخيانة بقصة من قصص القران، قصة فيها عبرة وعظة.

إنها قصة خيانة جرت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل فيها قرآن يُتلى إلى قيام الساعة، سرق رجل يُدعى: طُعمة بن أُبيرق، في ظلام الليل درع قتادة بن النعمان، وكانت في جراب تملؤه نخالة دقيق، فجعلت النخالة تتناثر من ثقب في الجراب على طول الطريق، حتى انتهى طعمة إلى داره فبدا له أن ينصرف (بفضيحته) فرمى بالدرع إلى دار جاره اليهودي (زيد بن السمين). وحين أصبح قتادة افتقد درعه، ووجد النخالة - اثر جرابها - تخط خطاً فاتبعه، فإذا هو يهديه إلى دار طعمة، وإذا طعمة يحلف بالله ما أخذها، وما له بها من علم.

لقد افتضح طُعمة! وجاء قومه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ليجادلوا بين يديه عن طعمة، ويرموا بإثمه اليهودي، وتناسوا أن فضيحة الدنيا أهون من فضيحة الآخرة. فانطلقوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم وقالوا: إن صاحبنا بريء وإن الذي سرق الدرع فلان اليهودي.. فنزلت الآية تبرئ اليهودي-الله أكبر تبرئ من؟ تبرئ اليهودي نعم.

هذا هو عدل الإسلام.

فأنزل الله تعالى: في هذه القصة ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ۚ وَلَا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا * وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا [النساء: 107-105].

واستغفر الله أن تناصر خائن. واستغفر الله أن تُعين خائن.

﴿ وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا ﴾ [النساء: 107].

ثم يقول تعالى: ﴿ وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا ﴾ [النساء: 112].

وما أكثر ما يرتكب ناس مثل هذه الخطيئة! ويبرؤون أنفسهم مما ارتكبوه ويلطخون به البريئين.

وبنظرة في وسائل الإعلام في هذا العصر يرى المرء العجب العجاب من الاتهامات الكاذبة من فرد لآخر، ومن جماعة أو حزب لجماعة أو حزب آخر، ومن دولة لدولة أخرى، وكثيرا ما يكون المتَّهِم غارقا في العيوب والنقائص التي اتهم بها غيره.

وهذه القصة رسالة لأي واحد منا ربما وقع احد أقاربه في جريمة أو في ذنب، ثم تأخذه الغيرة على النسب ليقوم مدافعاً عن هذا المجرم وهذه خيانة وظلم، وفي مثل هذه الحالة يتمثل واجب نصرة الأخ في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”قال: «انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا»، فقال رجل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلومًا، أفرأيت إذا كان ظالمًا كيف أنصره؟! قال: «تحجزه أو تمنعه من الظلم؛ فإن ذلك نصره» [أخرجه البخاري].

عباد الله: ختاما ما العلاج للخيانة ما العلاج لهذه الآفة الخطيرة العلاج يكمن أولاً: في العودة إلى الله عودةً صادقة وصدق الله القائل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11].

ثانيا: تولية الأمناء الأكفاء الصادقين، كفانا عبثا كفانا بيعًا للذمم فلنؤد الأمانات إلى أهلها.

ثالثاً: إقامة شرع الله وإقامة الحدود كي يأمن الناس على أموالهم وأعراضهم وبيوتهم.

جاء في الأثر: «حدٌ يقام في الأرض خير لأهلها من أن يمطروا أربعين صباحاً».
رابعاً: أن تُربى القلوب على مخافة الله وخشيته، ومراقبته لا مراقبة الخلق.

خامسا: إبراز نَماذج الأمناء المخلصين من أبناء الأمَّة، وكيف مجَّدهم التاريخ ورفَع من شأنهم.

سادسا: إبراز نماذج الخائنين من أبناء الأمَّة، وكيف لعَنهم التاريخ وحطَّ من قدرهم.

هذا وصلوا - عباد الله: - على رسول الهدى فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 99.43 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 96.83 كيلو بايت... تم توفير 2.60 كيلو بايت...بمعدل (2.61%)]