عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 26-09-2022, 10:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,598
الدولة : Egypt
افتراضي التبيان في قواعد إعراب القرآن

التبيان في قواعد إعراب القرآن
أحمد بن إسحاق



لا شك أن معرفة إعراب القرآن تُفيد في معرفة المعنى؛ لأن الإعرابَ يميِّز المعاني ويُوقِفُ على أغراض المتكلِّمين.
قال ابن جني في الخصائص: "الإعراب هو الإبانةُ عن المعاني بالألفاظ[1]، وفي القرآن الكريم معانٍ كثيرة يتوقف فَهمها على إعراب ألفاظها لمعرفة الفاعل من المفعول، والصفة من الموصوف، والمبتدأ من الخبر، وغير ذلك مما يحتاج إليه المفسِّر في الوقوف على المعنى المراد، ويستطيع من خلال معرفة وجوه الإعراب أيضًا أن يُصحِّح مِن أقوال المفسِّرين ما يراه صحيحًا، أو يُرجِّح ما يراه راجحًا؛ مستدلًّا على سلامة قوله بقاعدة أو بأكثر من قواعد الإعراب"[2].

وثَمَّ قواعِدُ عَشرٌ يجب على المتصدِّي لإعرابِ القرآن الكريم مراعاتُها:
القاعدة الأولى: أن يفهم معنى ما يُريد أن يُعرِبَه مفردًا أو مركبًا قبل الإعراب؛ فإنه فرع المعنى.
ولهذا لا يجوز إعراب فواتح السور إذا قلنا بأنها من المتشابه الذي استأثر الله بعلمه[3]. وقالوا في توجيه نصبَ ﴿ تُقَاةً ﴾ [آل عمران: 28] فِي قوله تعالى: ﴿ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ﴾ [آل عمران: 28]: إنه يتوقف على تفسير ﴿ تُقَاةً ﴾ [آل عمران: 28] ما هي؟[4]؛ فإن كان بمعنى الاتقاء فهي مصدر، أو بمعنى متَّقًى؛ أي: أمرًا يجب اتقاؤُه، فمفعول به، أو جمعًا كرُماة، فحالٌ[5]،وقال ابن هشامفي ذكر الجهات التي يدخل الاعتراض على المعرب من جهتها:
الجهة الأولى: أن يراعي ما يقتضيه ظاهر الصناعة، ولا يراعي المعنى، وكثيرًا ما تزلُّ الأقدام بسبب ذلك، وقال: وسألني أبو حيَّان وَقد عرض اجتماعنا: علام عُطِفَ (بحقَلَّد) من قَول زُهَيْر:
تَقِيٌّ نَقِيٌّ لم يُكَثِّرْ غَنيمةً ♦♦♦ بِنهْكَةِ ذِي قُربى وَلَا بحَقَلَّدِ

فَقلت: حَتَّى أعرفَ مَا الحقلَّدُ؟ فنظرناه فإذا هُوَ سيِّئ الخُلُقِ، فقلتُ: هو معطوف على شيء مُتوهَّم؛ إذ المعنى: ليس بمكثرٍ غنيمةً، فاستعظم ذلك[6]!

القاعدة الثانية: أن يراعي ما تقتضيه الصناعة، فربما راعى المُعرِب وجهًا صحيحًا، ولا ينظر في صحته في الصناعة، فيُخطئ.
من ذلك قول بعضهم: ﴿ وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى ﴾ [النجم: 51]: إن ثمودَ مفعولٌ مُقدَّم، وهذا ممتنع؛ لأن لـ"ما" النافية الصدر، فلا يعمل ما بعدها فيما قبلها، بل هو معطوف على ﴿ عَادًا ﴾ [النجم: 50] أو على تقدير: "وأهلك ثمودَ".
وقول بعضهم في: ﴿ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ ﴾ [هود: 43]، ﴿ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ﴾ [يوسف: 92]: إن الظرف متعلِّق باسم (لا)، وهو باطل عند البصريين؛ لأن اسم "لا" حينئذٍ شبيه بالمضاف، فيجب نصبه وتنوينه، وإنما هو متعلق بمحذوف[7].

القاعدة الثالثة: أن يكون مُلِمًّا بالعربية؛ لئلَّا يُخرِّجَ على ما لم يثبُتْ في العربيَّة؛ كقول أبي عبيدة في: ﴿ كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ ﴾ [الأنفال: 5]: إن الكاف حرفُ قسمٍ، وإن المعنى: الأنفال للهِ والرسول، والذي أخرجك؛ حكاه مكي، وسكت عليه، فشنَّع ابن الشجري عليه في سكوته، وقال: ولو أن قائلًا قال: كاللهِ لأفعلَنَّ لاستحقَّ أن يُبصَقَ في وجهِه! ويُبطِلُه أن الكاف لم تَجِئ بمعنى واو القسم، وإطلاق ما الموصولة على الله سبحانه وتعالى، وربط الموصول بالظاهر وهو فاعل "أخرجك"، وباب ذلك الشعر؛ كقوله: (وَأَنت الَّذِي فِي رَحْمَةِ الله أطمَعُ)[8].

القاعدة الرابعة:أن يتجنَّب الأمورَ البعيدة والأوجه الضعيفة واللغات الشاذَّة، ويُخَرِّج على القريب والقوي والفصيح، فإن لم يظهَر فيه إلا الوجه البعيد، فله عذر، وإن ذكَرَ الجميعَ لقصد الإغراب والتكثير، فصعبٌ شديد، أو لبيان المحتمل وتدريب الطالب، فحسن في غير ألفاظ القرآن، أما التنزيل فلا يجوز أن يُخَرَّج إلا على ما يغلب على الظن إرادته، فإن لم يغلب شيء، فليذكُرِ الأوجه المحتملة من غير تعسُّف.

ومن أمثلة ما خرجوه على الأمور المستبعدة: قول الكوفيين والزجاج في قوله تعالى: ﴿ ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ ﴾ [ص: 1]: إنَّ جوابَه: ﴿ إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ ﴾ [ص: 64]!
وقول الزمخشري في قوله تعالى: ﴿ فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ ﴾ [الصافات: 149] إِنَّه عطف على ﴿ فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا ﴾ [الصافات: 11]، قال: هو معطوف على مثله في أول السورة وإن تباعدت بينهما المسافة[9].

القاعدة الخامسة: أن يستوفِيَ جميعَ ما يحتمله اللفظ من الأوجه الظاهرة.
فيقول في نحو: ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ﴾ [الأعلى: 1]: يجوز كون الأعلى صفةً للرب، وصفة للاسم.
وفي نحو: ﴿ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ ﴾ [البقرة: 2، 3]: يجوز كون "الذين" نعتًا، ومقطوعًا إلى النصب بإضمار "أعني" أو "أمدح"، وإلى الرفع بإضمار "هم"[10].

القاعدة السادسة:أن يراعيَ الشروطَ المختلفة بحسب الأبواب، ومتى لم يتأمَّلْها اختلطت عليه الأبواب والشرائط.
ومِن ثم وُهِّمَ الزمخشري في قوله تعالى: ﴿ مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ ﴾ [الناس: 2، 3]: إنهما عطف بيان، والصواب أنهما نعتانِ؛ لاشتراط الاشتقاق في النعت، والجمود في عطف البيان.
وقول بعضهم فِي: ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [الصافات: 35]: إن اسم الله سبحانه وتعالى خبرُ لا التبرئة، ويردُّه أنَّها لا تعمل إلا في نكرة منفيةٍ، واسم الله تعالى معرفةٌ مُوجَبةٌ[11].

القاعدة السابعة:أن يراعي في كل تركيب ما يشاكله؛ فربما خرَّج كلامًا على شيء ويشهد استعمالٌ آخر في نظير ذلك الموضع بخلافِه.
ومِن ذلك قول الزمخشري في: ﴿ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ﴾ [الأنعام: 95]: إنَّه عطف على ﴿ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى ﴾ [الأنعام: 95] من قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ﴾ [الأنعام: 95]، ولم يجعله معطوفًا على: ﴿ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ﴾ [الأنعام: 95]؛ لأن عطف الاسم على الاسم أولى، ولكن مجيء قَولِه: ﴿ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ﴾ [يونس: 31] بالفعل فيهما يدلُّ على خلاف ذلك.
ومنه قول بعضهم في: ﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ ﴾ [البقرة: 2]: إن الوقف على "ريب"، و"فيه" خبر "هدى"، ويدل على خلاف ذلك قولُه في سورة السجدة: ﴿ تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [السجدة: 2][12].

القاعدة الثامنة: أن يراعي الرسمَ.
ومن ثَم خُطِّئَ من قال في: ﴿ سَلْسَبِيلًا ﴾ [الإنسان: 18] إنها جملة أمرية؛ أي: سلْ طريقًا موصلةً إليها؛ لأنها لو كانت كذلك لكُتبت مفصولةً.
ومَن قال في: ﴿ إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ ﴾ [طه: 63]: (إنها) إن واسمها؛ أي: إن القصة، و(ذان): مبتدأ، خبره (لساحران)، والجملة خبر إن، وهو باطل برسم "إن" منفصلة، وهذان متصلة.
ومَن قال في: ﴿ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ﴾ [النساء: 18] إن اللام للابتداء، و(الذين) مبتدأ، والجملة بعده خبره، وهو باطل، فإن الرسم "ولا".
ومَن قال في: ﴿ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ﴾ [المطففين: 3] إن "هم" ضمير رفع مؤكد للواو، وهو باطل برسم الواو فيهما بلا ألف بعدها، والصواب أنه مفعول به.
ومَن قال في: ﴿ وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأعراف: 132]: إن "مه" اسم فعل أمر بمعنى: اكْفُف، و"ما" اسمٌ للشرط جازم للفعل، وهذا ليس بشيء؛ لأن كتابتَها متصلة ينفي كونَ كلٍّ منهما كلمةً مستقلة[13].

القاعدة التاسعة: أن يتأمَّل عند ورود المشتبهات.
ومِن ثَم خُطِّئ مَن قال في: ﴿ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا ﴾ [الكهف: 12]: إن ﴿ أَحْصَى ﴾ أفعل تفضيل، والمنصوبُ ﴿ أَمَدًا ﴾ تمييزٌ، وهو وهم؛ فإن "الأمد" ليس مُحصِيًا، بل مُحصًى، وشرط التمييز المنصوب بعد أفعل "كونه فاعلًا في المعنى"، والصواب أنَّ ﴿ أَحْصَى ﴾ فعل ماضٍ، و﴿ أَمَدًا ﴾ مفعول به، مثل نصب (كلَّ) في: ﴿ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا ﴾ [الجن: 28].
وكذا في قوله تعالى: ﴿ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ﴾ [البقرة: 249] إِن فتحت الغَين، فمفعول مُطلق، أَو ضممتها فمفعول به، ومثلهما: حَسَوتُ حَسوةً وحُسوةً[14].

القاعدة العاشرة:ألا يخرج على خلاف الأصل أو خلاف الظاهر لغير مقتضٍ؛ كقول مكي في قوله تعالى: ﴿ لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ ﴾ [البقرة: 264]: إن الكاف في (كالذي) نعتٌ لمصدر محذوف؛ أي: إبطالًا كإبطال الذي، والوجه كونه حالًا من الواو؛ أي: لا تبطلوا صدقاتكم مشبهين الذي، فهذا الوجه لا حذف فيه[15].


[1] ينظر: الخصائص (1/ 36).

[2] ينظر: الموسوعة القرآنية المتخصصة (1/ 573).

[3] ينظر: مغني اللبيب لابن هشام (ص: 684).

[4] ينظر: الدر المصون في علوم الكتاب المكنون (3/ 109)

[5] ينظر: البرهان في علوم القرآن للزركشي (1/ 303).

[6] ينظر: مغني اللبيب لابن هشام (ص: 680).

[7] ينظر: مغني اللبيب لابن هشام (ص: 698 - 701)، والإتقان في علوم القرآن للسيوطي (2/ 311).

[8] ينظر: مغني اللبيب لابن هشام (ص: 706)، والإتقان في علوم القرآن للسيوطي (2/ 311).

[9] ينظر: الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل للزمخشري (4/ 63)، ومغني اللبيب لابن هشام (ص: 710 - 712).

[10] ينظر: مغني اللبيب لابن هشام (ص: 739،722)، والإتقان في علوم القرآن للسيوطي (2/ 314).

[11] ينظر: مغني اللبيب لابن هشام (ص: 745 - 741)، والإتقان في علوم القرآن للسيوطي (2/ 314).

[12] ينظر: مغني اللبيب لابن هشام (ص: 774773)، والإتقان في علوم القرآن للسيوطي (2/ 315).

[13] ينظر: التبيان في إعراب القرآن للعكبري (1/ 590)، والدر المصون للسمين الحلبي (5/ 431)، ومغني اللبيب لابن هشام (ص: 777)، والإتقان في علوم القرآن للسيوطي (2/ 317).

[14] ينظر: مغني اللبيب لابن هشام (ص: 781)، والإتقان في علوم القرآن للسيوطي (2/ 317).

[15] ينظر: مغني اللبيب لابن هشام (ص: 782)، والإتقان في علوم القرآن للسيوطي (2/ 318).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 26.39 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.77 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.38%)]