عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 26-09-2022, 10:15 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أزمة قراءة ... أزمة نقد

أزمة قراءة ... أزمة نقد


د. مصطفى عطية جمعة



أيضًا فإن نهج الإحياء يحتاج منا إعطاء الفرصة للنقاد والباحثين الجيدين؛ كي يقرؤوا ويكتبوا، مع تقديم الدعم لهم، وإتاحة مساحات النشر في الصحف أو المجلات؛ مما سيؤدي إلى حفزهم وحضورهم بدلاً من كسلهم وابتعادهم، وترقية مهاراتهم، ومن ثم الاستفادة من قدراتهم البحثية والنقدية والعلمية، على مستوى الأفراد والجماعات، والتوجيه الثقافي والفكري العام.



ومن المهم في هذا الأمر استقطاب مختلف الأقلام البحثية والعقول الناقدة والأساتذة المحكمين، وأيضًا المثقفين والقراء، وكل من يستطيع الإسهام بالكتابة والتقييم والبحث، وستكون فرصة لطرح المزيد من القضايا البحثية المختلفة، فالنقاش يولِّد الأفكار، ويفسح المجال لوجود تحاور علمي جاد، يتخذ من الكتب والمؤلفات والأعمال الإبداعية موضوعًا له، ويكون بين المؤلفين والنقاد والقراء على السواء.

مستويات النقاش:
ونعني بها: مستوى التلقي والتفاعل مع الكتاب؛ سواء كان شفاهيًّا، أو مكتوبًا، فنحن في حاجة إلى تفعيل هذا، خصوصًا أن دوائر التلقي تكاد تنحصر في مستويات ثلاثة، متداخلة أحيانًا، ومتباعدة في أحايين كثيرة:
المستوى الأول: الخاص بعموم القراء، وهؤلاء هم المستهدف العام للكاتب، فبهم وإليهم يتوجه المؤلف، حتى لو كان كتابه أكثر تخصصًا، فهو مفيد أيضًا لهذا القارئ، فلا شك أن القارئ العام له حضوره، وتأثيره، وإفادته، فمن المهم أن يجد القارئ العام المساحة الكافية لعرض آرائه، والتواصل مع المؤلف والناقد المتابع على السواء.

وبالطبع يتفرع عن هذا المستوى ما يسمى "القارئ غير المتخصص" الذي يحتاج إلى التعرف على الجديد في العلوم والفنون والآداب، لإثراء ذائقته وفكره من جهته، وأيضًا إثراء تخصص الدقيق من جهة أخرى، وَفْق مفهوم دائرية العلوم، وتكامل الفنون، وتلاقح العقول، وتلاقي الفهوم.

المستوى الثاني: القارئ المتخصص في نفس المجال، وهذا يحتاجه المؤلف كي يتعرف - وبشكل مباشر - ثمرة إنتاجه وما أضافه، وأفضل من يقدم له ذلك هو المختص في مجاله، وكلا الطرفين مستفيد، الأول / المؤلف، والثاني القارئ؛ حيث التلاقح الفكري أوكد، والتعاطي العلمي والإبداعي أشد.

المستوى الثالث: الناقد، ولا نعني به الناقد الأدبي أو الفني فحسب، فالأمر أكبر من ذلك؛ لأن النقد بشكل عام يناقش ويحلل ويقوم، وينظر للكتاب بمنهجية نقدية، ووفق أطر معرفية عديدة، ناهيك عن التراكم المعرفي الذي نجده عند الناقد، نتيجة متابعاته الدائمة والحثيثة للجديد في هذا المجال.

وبعبارة أخرى: فإن كل مجال علمي هناك عالم يمتلك القدرة على النقد، بشكل منهجي وعلمي يضع يده على التميز، وينبه إلى المكرر، ويقارن ويوازن بين الكتاب وغيره، ومن ثم يضع الكتاب في موضعه الصحيح في خضم الإصدارات الجديدة، وأيضًا القديمة.

ومن هنا، فإن هناك ثلاثة خطابات تقرأ وتعلق وتناقش:
أولها: خطاب القارئ العام، وفيه يكون عبارات عامة، ولكنها دالة على مستوى فَهْم الكتاب من قبل هذا القارئ، ونفس الأمر مع القارئ المثقف غير المتخصص.

وثانيها: خطاب القارئ المتخصص، وهو إذا كان معنيًّا وواعيًا لِما في الكتاب، ويستطيع أن يتعرف الجديد، وينبه على الأخطاء إن وجدت، ولكنه لا يمتلك التقييم الشامل، والنقد المنهجي؛ لأن الأمر ببساطة أن ليس كل متخصص ناقدًا.

وثالثها: خطاب الناقد الممنهج، والموضوعي الذي يقوم بمهام النقد المتمثلة بـ: التفسير، التقييم، التوجيه، وهي مهام تشمل مختلف العلوم والإبداعات.

وفي ضوء ذلك، فإن أسلوب الخطاب العلمي والنقدي سيكون صادرًا من القارئ المتخصص والمؤلفين والمتابعين والباحثين، مثلما يشارك في صياغته القارئ العام؛ مما يوجب على كل من يسهم في الكتابة والمراجعة والنقاش والنقد أن يضع في اعتباره الكتابة بأسلوب علمي سهل دون تسطيح، واضح دون غموض، مستوفي الأفكار، بقراءة واعية للكتاب، والإحاطة بالموضوع ذاته، كما أنه من المهم فتح المجال لكتابات عديدة حول الكتاب موضع البحث، بمعنى أن يكتب عنها ويقيمها الأستاذ الأكاديمي المتخصص في المجال، والمثقف العام، والناقد المتخصص والمتابع، فتكون الكتابة وفق محاور عديدة؛ أهمها: عرض الفكرة الأساسية للكتاب ومحاورها، طرح الجديد في الكتاب والإضافة العلمية، مناقشة أهم المعلومات والأفكار الجديدة أو المكررة، نقد الكتاب - فكرة، وأسلوبًا، وعرضًا، وبناءً، وتسلسلاً - وضع الكتاب في مكانته العلمية.


علاج الأزمة:
إننا في حاجة إلى توفير مواقع متخصصة إلكترونية، ولها إصداراتها الورقية، تقودها كوادر أكاديمية وبحثية على مستوى عال، وتجذب المزيد من الكوادر البحثية والعقول، والتي ستكون - دون شك - مُلتقًى علميًّا جادًّا، يستكمل جهود الجامعات ومراكز البحث العلمي والحلقات النقاشية، وبتواصلٍ أساسه الكتب والبحوث من جهة، والمقالات والدراسات من جهة أخرى، على أن تتيسر لجميع الأعمار والباحثين والتخصصات، كما تسعى هذه المواقع إلى تقديم مقالات تستهدف النقاش الحقيقي والمثمر والبنَّاء للإصدارات الثقافية والعلمية والإبداعية والإنسانية العربية، وترتفع بمستوى النقاش من الشخصانية أو العرض الصحفي أو الاحتفالي، إلى النقاش العلمي الموضوعي المتوازن.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 18.39 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 17.76 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.41%)]