عرض مشاركة واحدة
  #232  
قديم 05-08-2022, 12:27 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,045
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله



تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ النِّسَاءِ
المجلد الخامس
صـ 1363 الى صـ 1370
الحلقة (232)

قال الزبير: فما أحسب هذا الآيات إلا نزلت في ذلك: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم

قال ابن كثير : هكذا رواه البخاري في (كتاب التفسير) في "صحيحه" من حديث [ ص: 1363 ] معمر ، وفي كتاب (المساقاة) من حديث ابن جريج ومعمر أيضا، وفي كتاب (الصلح) من حديث شعيب بن أبي حمزة، ثلاثتهم عن الزهري، عن عروة فذكره، وصورته الإرسال وهو متصل في المعنى، وقد رواه الإمام أحمد من هذا الوجه فصرح بالإرسال فقال: حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، أخبرني عروة بن الزبير أن الزبير كان يحدث أنه كان يخاصم رجلا من الأنصار - قد شهد بدرا - إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في شراج الحرة، كان يستقيان بها كلاهما، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - للزبير : اسق، ثم أرسل الماء إلى جارك فغضب الأنصاري وقال: يا رسول الله! أن كان ابن عمتك؟ فتلون وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال للزبير: اسق يا زبير، ثم احبس الماء، حتى يرجع إلى الجدر .

فاستوعى النبي - صلى الله عليه وسلم - للزبير حقه، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل ذلك أشار على الزبير برأي أراد فيه سعة له وللأنصاري، فلما أحفظ الأنصاري رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استوعى النبي - صلى الله عليه وسلم - للزبير حقه في صريح الحكم.

قال عروة: فقال الزبير : والله! ما أحسب هذه الآية أنزلت إلا في ذلك: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما

[ ص: 1364 ] (هكذا رواه الإمام أحمد ، وهو منقطع بين عروة وبين أبيه الزبير فإنه لم يسمع منه، والذي يقطع به أنه سمعه من أخيه عبد الله ، فإن أبا محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم رواه كذلك في "تفسيره".

فقال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، حدثنا ابن وهب، أخبرني الليث ويونس، عن ابن شهاب، أن عروة بن الزبير حدثه أن عبد الله بن الزبير حدثه عن الزبير بن العوام، أنه خاصم رجلا.... الحديث).

قال ابن كثير : وهكذا رواه النسائي ، من حديث ابن وهب به، ورواه أحمد والجماعة كلهم من حديث الليث به، وجعله أصحاب الأطراف في مسند عبد الله بن الزبير، وهكذا ساقه الإمام أحمد في مسند عبد الله بن الزبير، والله أعلم.

وروى ابن أبي حاتم، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب في هذه الآية قال: نزلت في الزبير بن العوام وحاطب بن أبي بلتعة، اختصما في ماء، فقضى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يسقى الأعلى ثم الأسفل.

قال ابن كثير : هذا مرسل، ولكن فيه فائدة تسمية الأنصاري. انتهى.

قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": وحكى الواحدي وشيخه الثعلبي والمهدوي أنه حاطب بن أبي بلتعة، وتعقب بأن حاطبا - وإن كان بدريا - لكنه من المهاجرين.

لكن مستند ذلك ما أخرجه ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن عبد العزيز، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب في قوله تعالى: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم الآية، قال: نزلت في الزبير بن العوام وحاطب بن أبي بلتعة، اختصما في ماء.... الحديث.

وإسناده قوي مع إرساله، فإن كان سعيد بن المسيب سمعه من الزبير فيكون موصولا، وعلى هذا فيؤول قوله (من الأنصار) على إرادة المعنى الأعم، كما وقع ذلك في حق غير واحد كعبد الله بن حذافة.

وأما قول الكرماني بأن حاطبا كان حليفا للأنصار - ففيه نظر.

[ ص: 1365 ] وأما قوله (من بني أمية بن زيد) فلعله كان مسكنه هناك، كعمر، ثم قال: ويترشح بأن حاطبا كان حليفا لآل الزبير بن العوام من بني أسد ، وكأنه كان مجاورا للزبير ، والله أعلم. (ج5 ص25 و27)

أقول: وقع في التفسير المنسوب لابن عباس ههنا ذكر حاطب بن أبي بلتعة وتلقيبه بالمنافق وإدراجه تحت قوله تعالى: رأيت المنافقين وفي صحة هذا عن ابن عباس نظر، وكيف؟ وقد كان - رضي الله عنه - من البدريين، وقد انتفى النفاق عمن شهدها.

قال التوربشتي: يحتمل أنه أصدر ذلك منه بادرة النفس، كما وقع لغيره ممن صحت توبته، إذ لم تجر عادة السلف بوصف المنافقين بصفة النصرة التي هي المدح ولو شاركهم في النسب، قال: بل هي زلة من الشيطان تمكن به منها عند الغضب، وليس ذلك بمستنكر من غير المعصوم في تلك الحالة. انتهى.

ولما هم عمر - رضي الله عنه - بضرب عنقه في قصة الظعينة، قال حاطب: لا تعجل علي [ ص: 1366 ] يا رسول الله! والله إني لمؤمن بالله ورسوله، وما ارتددت ولا بدلت، فأقره صلى الله عليه وسلم، وكف عمر عنه، وقال - صلى الله عليه وسلم - لعمر: إنه قد شهد بدرا، وما يدريك يا عمر؟ لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم فذرفت عينا عمر .... الحديث.

ولله در أصحاب الصحاح حيث أبهموا في قصة الزبير اسم خصمه سترا عليه كيلا يغض من مقامه، وهكذا ليكن الأدب، وكفانا أصلا عظيما في هذا الباب إبهام التنزيل الجليل في كثير من قصصه الكريمة، فهو ينبوع المعارف والآداب على مرور السنين والأحقاب، هذا كله على الجزم بأنها نزلت في قصة الزبير وخصمه.

وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح": والراجح رواية الأكثر، وأن الزبير كان لا يجزم بذلك، ثم قال الحافظ ابن حجر: وجزم مجاهد والشعبي بأن الآية إنما نزلت فيمن نزلت فيه الآية التي قبلها وهي قوله تعالى: ألم تر إلخ.

فروى إسحاق بن راهويه في "تفسيره" بإسناد صحيح عن الشعبي ، قال: كان بين رجل من اليهود ورجل من المنافقين خصومة، فدعا اليهودي المنافق إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه علم أنه لا يقبل الرشوة، ودعا المنافق اليهودي إلى حكامهم؛ لأنه علم أنهم يأخذونها، فأنزل الله هذه الآيات إلى.... ويسلموا تسليما

وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح، عن مجاهد ، نحوه.

[ ص: 1367 ] وروى الطبري بإسناد صحيح عن ابن عباس أن حاكم اليهود يومئذ كان أبا برزة الأسلمي قبل أن يسلم ويصحب.

وروي بإسناد آخر صحيح إلى مجاهد أنه كعب بن الأشرف . انتهى.

وقال ابن كثير : ذكر سبب آخر غريب جدا، قال ابن أبي حاتم : حدثنا يونس بن عبد الأعلى قراءة، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني عبد الله بن لهيعة، عن أبي الأسود قال: اختصم رجلان إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقضى بينهما، فقال المقضي عليه: ردنا إلى عمر بن الخطاب، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: نعم انطلقا إليه، فلما أتيا إليه، فقال الرجل: يا ابن الخطاب ! قضى لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على هذا، فقال: ردنا إلى عمر بن الخطاب فردنا إليك، فقال: أكذاك؟ قال: نعم، فقال عمر: مكانكما حتى أخرج إليكما فأقضي بينكما، فخرج إليه مشتملا على سيفه فضرب الذي قال: ردنا إلى عمر فقتله، وأدبر الآخر، فأتى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول! قتل عمر والله صاحبي، ولولا أني أعجزته لقتلني، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما كنت أظن أن يجترئ عمر على قتل مؤمن فأنزل الله: فلا وربك لا يؤمنون الآية ، فهدر دم ذلك الرجل وبرئ عمر من قتله، فكره الله أن يسن ذلك بعد، فأنزل: ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم الآية، وكذا رواه ابن مردويه من طريق ابن لهيعة ، عن أبي الأسود به، وهو أثر غريب مرسل، وابن لهيعة ضعيف، والله أعلم.

طريق أخرى: قال الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن دحيم في "تفسيره": حدثنا شعيب بن شعيب، حدثنا أبو المغيرة، حدثنا عتبة بن حمزة، حدثني أبي أن رجلين اختصما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقضى للمحق على المبطل، فقال المقضي [ ص: 1368 ] عليه: لا أرضى، فقال صاحبه: فما تريد؟ قال: أن نذهب إلى أبي بكر الصديق، فذهبا إليه، فقال الذي قضى له: قد اختصمنا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقضى لي، فقال أبو بكر : أنتما على ما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبى صاحبه أن يرضى، فقال: نأتي عمر بن الخطاب، فقال المقضي له: قد اختصمنا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقضى لي عليه، فأبى أن يرضى، فسأله عمر بن الخطاب ، فقال كذلك فدخل عمر منزله وخرج والسيف في يده قد سله، فضرب به رأس الذي أبى أن يرضى، فقتله، فأنزل الله: فلا وربك لا يؤمنون الآية. انتهى.

وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح": روى الكلبي في تفسيره عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في رجل من المنافقين كان بينه وبين يهودي خصومة، فقال اليهودي: انطلق بنا إلى محمد، وقال المنافق: بل نأتي كعب بن الأشرف ، فذكر القصة، وفيه أن عمر قتل المنافق وأن ذلك سبب نزول هذه الآيات وتسمية عمر الفاروق.

وهذا الإسناد - وإن كان ضعيفا - لكن تقوى بطريق مجاهد ، ولا يضره الاختلاف؛ لإمكان التعدد.

وأفاد الواحدي بإسناد صحيح عن سعيد ، عن قتادة أن اسم الأنصاري المذكور قيس، ورجح الطبري في "تفسيره" وعزاه إلى أهل التأويل في "تهذيبه" أن سبب نزولها هذه القصة؛ ليتسق نظام الآيات كلها في سبب واحد، قال: ولم يعرض بينها ما يقتضي خلاف ذلك.

ثم قال: ولا مانع أن تكون قصة الزبير وخصمه وقعت في أثناء ذلك فيتناولها عموم الآية، والله أعلم. انتهى.

قال الرازي : اعلم أن قوله تعالى: فلا وربك لا يؤمنون قسم من الله تعالى على أنهم لا يصيرون موصوفين بصفة الإيمان إلا عند حصول شرائط:

أولها: قوله تعالى: حتى يحكموك فيما شجر بينهم وهذا يدل على أن من لم يرض بحكم الرسول لا يكون مؤمنا.

الشرط الثاني: [ ص: 1369 ] قوله: ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت واعلم أن الراضي بحكم الرسول - عليه الصلاة والسلام - قد يكون راضيا في الظاهر دون القلب، فبين في هذه الآية أنه لا بد من حصول الرضا به في القلب، واعلم أن ميل القلب ونفرته شيء خارج عن وسع البشر، فليس المراد من الآية ذلك بل المراد منه أن يحصل الجزم واليقين في القلب بأن الذي يحكم به الرسول هو الحق والصدق.

الشرط الثالث: قوله: ويسلموا تسليما واعلم أن من عرف بقلبه كون ذلك الحكم حقا وصدقا قد يتمرد عن قبوله على سبيل العناد أو يتوقف في ذلك القبول، فبين تعالى أنه كما لا بد في الإيمان من حصول ذلك اليقين في القلب فلا بد أيضا من التسليم معه في الظاهر، فقوله: ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت المراد به الانقياد في الباطن، وقوله: ويسلموا تسليما المراد منه الانقياد في الظاهر، والله أعلم.

الثالث: قال الرازي : ظاهر الآية يدل على أنه لا يجوز تخصيص النص بالقياس؛ لأنه لا يدل على أنه يجب متابعة قوله وحكمه على الإطلاق، وأنه لا يجوز العدول منه إلى غيره، ومثل هذه المبالغة المذكورة في هذه الآية قلما يوجد في شيء من التكاليف، وذلك يوجب تقديم عموم القرآن والخبر على حكم القياس، وقوله: ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت مشعر بذلك؛ لأنه متى خطر بباله قياس يفضي إلى نقيض مدلول النص فهناك يحصل الحرج في النفس، فبين تعالى أنه لا يكمل إيمانه إلا بعد أن لا يلتفت إلى ذلك الحرج، ويسلم النص تسليما كليا، وهذا الكلام قوي حسن لمن أنصف.

الرابع: (لا) في قوله تعالى: فلا وربك قيل إنها رد لمقدر، أي: تفيد نفي أمر سبق، والتقدير: ليس الأمر كما يزعمون أنهم آمنوا وهم يخالفون حكمك، ثم استأنف القسم بقوله: وربك لا يؤمنون حتى يحكموك وقيل: مزيدة لتأكيد النفي الذي جاء فيما بعد أعني الجواب؛ لأنه إذا ذكر في أول الكلام وفي آخره كان أوكد وأحسن، وقيل: إنها مزيدة لتأكيد معنى القسم، وارتضاه الزمخشري ، قال كما زيدت [ ص: 1370 ] في: لئلا يعلم [الحديد: من الآية 29] لتأكيد وجوب العلم.

قال في "الانتصاف": يشير إلى أن (لا) لما زيدت مع القسم - وإن لم يكن المقسم به - دل ذلك على أنها إنما تدخل فيه لتأكيد القسم، فإذا دخلت حيث يكون المقسم عليه نفيا تعين جعلها لتأكيد القسم؛ طردا للباب، أو الظاهر عنده - والله أعلم - أنها هنا لتوطئة النفي المقسم عليه، والزمخشري لم يذكر مانعا من ذلك، وحاصل ما ذكره: مجيئها لغير هذا المعنى في الإثبات، وذلك لا يأبى مجيئها في النفي على الوجه الآخر من التوطئة، على أن في دخولها على القسم المثبت نظرا، وذلك أنها لم ترد في الكتاب العزيز إلا مع القسم حيث يكون بالفعل، مثل: لا أقسم بهذا البلد [البلد: 1]: لا أقسم بيوم القيامة [القيامة: 1]: فلا أقسم بالخنس [التكوير: 15] فلا أقسم بمواقع النجوم [الواقعة: 75] فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون [الحاقة: 38 - 39] ولم تدخل أيضا إلا على القسم بغير الله تعالى، ولذلك سر يأبى كونها في هذه الآية لتأكيد القسم ويعين كونها للتوطئة، وذلك أن المراد بها في جميع الآيات التي عددناها تأكيد تعظيم المقسم به، إذ لا يقسم بالشيء إلا إعظاما له، فكأنه بدخولها يقول: إن إعظامي لهذه الأشياء بالقسم بها كلا إعظام، يعني أنها تستوجب من التعظيم فوق ذلك، وهذا التأكيد إنما يؤتى به رفعا لتوهم كون هذه الأشياء غير مستحقة للتعظيم، وللإقسام بها، فيزاح هذا الوهم بالتأكيد في إبراز فعل القسم مؤكدا بالنفي [ ص: 1371 ] المذكور.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 40.97 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 40.34 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.53%)]