عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 10-06-2021, 10:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,940
الدولة : Egypt
افتراضي حكم الصلاة خلف مقام إبراهيم

حُكْم الصلاة خلفَ مقامِ إبراهيم














د. محمود بن أحمد الدوسري




الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد: في هذا البحث مسألتان:



المسألة الأولى: موضع مقام إبراهيم.



المسألة الثانية: حُكم الصلاة خلف المقام.







المسألة الأولى



موضع مقام إبراهيم



اختلف العلماء: في موضع مقام إبراهيم عليه السلام سابقاً، على قولين، والراجح: أنَّ موضعه في الجاهلية، هو في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وفي عهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، إلاَّ أن السيل ذهب به في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه فردَّه عمر إلى مكانه بمحضرٍ من المسلمين، بعد أن تأكَّد من مكانه السابق. وهو قول أكثر أهل العلم، وذكر ذلك الأزرقي رحمه الله وغيرُه عن جَمْع من السلف[1]، ورجحه ابنُ حجر[2]، ومُحِبُّ الدِّين الطبري[3].







الأدلة:



1- ما جاء عن ابن أَبي مُلَيكَةَ رحمه الله قَالَ: (مَوْضِعُ المَقَامِ هَذَا الَّذِي هُوَ بِهِ الْيَوْمَ، وَهُوَ مَوْضِعُهُ في الْجَاهِلِيَّةِ، وَفِي عَهْدِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَأَبي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما، إِلاَّ أَنَّ السَّيْلَ ذَهَبَ بِهِ في خِلاَفَةِ عُمَرَ، فَجُعِلَ في وَجْهِ الْكَعْبَةِ، حَتَّى قَدِرَ عُمَرُ فَرَدَّهُ بمحْضَرِ النَّاسِ)[4].







2- ما جاء في حديث جابر رضي الله عنه، في صفة حجَّة النبي صلى الله عليه وسلم، والشاهد منه: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فَرَغَ من الطواف (تَقَدَّمَ إلى مَقَامِ إبراهيم فَقَرَأَ: ﴿ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ﴾ [البقرة:125]، فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ)[5]. قال محب الدِّين الطبري رحمه الله: (والمتبادر إلى الفهم عند سماع هذا اللفظ، أنه لم يكن حينئذ ملصقاً بالبيت؛ لأنه لا يُقال في العرف: تقدَّم إلى كذا فجعله بينه وبين كذا، إلاَّ فيما يمكن أن يقدِّمه أمامه، وأن يخلِّفه خلْفه، وإذا كان ملصقاً تعيَّن التقديم لا غير)[6].







3- ما جاء عن المُطَّلِبِ بنِ أبي وَدَاَعةَ السَّهمي، عن أبيه، عن جده، قالكانت السيول تدخل المسجد الحرام من باب بني شيبة الكبير، قبل أن يردم عمر بن الخطاب الردم الأعلى، وكان يقال لهذا الباب: باب السيل. قال: فكانت السيول ربما دفعت المقام عن موضعه، وربما نحَّتْه إلى وجه الكعبة، حتى جاء سيلٌ في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقال له: سيل أم نهشل، وإنما سُمِّيَ بأمِّ نهشل؛ لأنه ذهب بأمِّ نهشل؛ ابنة عبيدة بن أبي أحيحة سعيد بن العاص، فماتت فيه، فاحتمل المقام من موضعه هذا، فذهب به حتى وُجِدَ بأسفل مكة، فأُتي به فرُبِط إلى أستار الكعبة في وجهها.







وكُتِب في ذلك إلى عمر رضي الله عنه، فأقبل عمر فزعاً، فدخل بعمرة في شهر رمضان، وقد غُبِّيَ موضعه، وعفاه السيل، فدعا عمر بالناس، فقال: أُنْشِدُ اللهَ عبداً عنده علم في هذا المقام! فقال المُطَّلِبُ بنُ أبي وَدَاَعةَ السَّهمي: أنا يا أمير المؤمنين عندي ذلك، فقد كنتُ أخشى عليه هذا، فأخذتُ قدره من موضعه إلى الركن، ومن موضعه إلى باب الحجر، ومن موضعه إلى زمزم بمقاط[7]، وهو عندي في البيت.







فقال له عمر: فاجلس عندي وأرسل إليها، فأتى بها فمدها فوجدها مستوية إلى موضعه هذا، فسأل الناس وشاورهم، فقالوا: نعم هذا موضعه، فلما استثبت ذلك عمر رضي الله عنه وحق عنده، أمر به، فأحكم بناء ربضه[8] تحت المقام ثم حوله، فهو في مكانه هذا إلى اليوم، قال: ورَدَمَ عمر الردم الأعلى بالصخر وحصَّنه، قال ابن جريج: ولم يَعْلُه سيل بعد عمر رضي الله عنه حتى الآن)[9].







وقد ذَكَر ابنُ حجرٍ رحمه الله هذا الأثرَ في (فتح الباري)، وأشار إلى صحة أسانيده، قائلاً: (روى الأزرقي في (أخبار مكة) بأسانيد صحيحة: أن المقام كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما في الموضع الذي هو فيه الآن، حتى جاء سيل في خلافة عمر فاحتمله حتى وُجِدَ بأسفل مكة، فأُتي به فربط إلى أستار الكعبة، حتى قَدِمَ عمر فاستثبت في أمره حتى تحقق موضعه الأوَّل، فأعاده إليه، وبنى حوله، فاستقر ثَمَّ إلى الآن)[10].







وفي توفيقِ اللهِ تعالى المُطَّلِبَ بنَ أبي وَدَاعَةَ وإلهامَه إيَّاه أنْ يُحدِّدَ مَوضِعَه لخوفه عليه ممَّا قد يحدث له من حوادثَ مثل السَّيل، دليلٌ قاطع على أنَّ هذا البيتَ وما يحويه محفوظٌ بحفظ الله تعالى.







المسألة الثانية



حُكم الصلاة خلف المقام



أولاً: استحباب صلاة ركعتي الطواف خلف المقام: تُستحب صلاة ركعتين بعد الطواف خلف المقام، لِمَنْ تيسَّر له ذلك ولو بَعُد عنه، وهو قول الجمهور[11].







الأدلَّة:



1- ما جاء عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ قال: (قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا، وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ)[12].







2- ما جاء في حديث جابر رضي الله عنه، في صِفة حجَّة النبي صلى الله عليه وسلم، والشاهد منه: أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا فَرَغَ مِنَ الطَّوافِ (تَقَدَّمَ إلى مَقَامِ إبراهيم فَقَرَأَ: ﴿ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ﴾ [البقرة:125]، فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، وكَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ: بِــــ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾)[13] الحديث. وجه الدَّلالة: استحباب صلاة ركعتي الطواف خلف المقام.







ثانياً: جواز صلاة ركعتي الطواف في أيِّ موضع: الأفضل والسُّنَّة أنْ تُصلَّى ركعتا الطَّواف خلف المقام، ومَنْ لم يتيسَّر له الصلاة خلف المقام للزِّحام جاز له أن يصليهما في أيِّ موضع من المسجد الحرام، بل يجوز أن تُصلَّى ركعتا الطَّواف في أيِّ موضع كان، سواء في المسجد الحرام أو غيره[14].







الدَّليل:



1- ما جاء عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ، وَهُوَ بِمَكَّةَ، وَأَرَادَ الْخُرُوجَ، وَلَمْ تَكُنْ أُمُّ سَلَمَةَ طَافَتْ بِالْبَيْتِ، وَأَرَادَتِ الْخُرُوجَ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أُقِيمَتْ صَلاَةُ الصُّبْحِ فَطُوفِي عَلَى بَعِيرِكِ وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ)، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ، فَلَمْ تُصَلِّ حَتَّى خَرَجَتْ[15]. وجه الدَّلالة: إقرار النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لأمِّ سلمة رضي الله عنها صلاتها ركعتي الطواف خارج المسجد الحرام.







ما جاء عن أهل العلم في ذلك:



1- قال ابن حجر رحمه الله: (قوله: "فَلَمْ تُصَلِّ حَتَّى خَرَجَتْ" أي: من المسجد أو من مكة، فدلَّ على جواز صلاة الطَّواف خارجاً من المسجد، إذْ لو كان ذلك شرطاً لازماً لَمَا أقَرَّها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم على ذلك)[16].







2- وأورد العيني رحمه الله قولَ البخاري: (باب: مَنْ صلَّى رَكْعَتَيِّ الطَّوافِ خارجاً مِنَ المسجد) ثم علَّق على ذلك بقوله: (أي: هذا بابٌ في بيان جواز صلاة مَنْ صلَّى ركعتي الطَّواف حال كونه خارجاً من المسجد الحرام، وحاصله: أنه ليس لركعتي الطَّواف مَوضِعٌ مُعَيَّن، بل يجوز إقامَتُهما في أيِّ موضعٍ أراد الطَّائف، وإنْ كان ذلك خلف المقام أفضل)[17].







3- قال النووي رحمه الله: (يُستحب أنْ يُصلِّيَهما خلف المقام، فإنْ لم يفعل ففي الحِجْر تحت الميزاب، وإلاَّ ففي المسجد، وإلاَّ ففي الحرم، فإن صلاَّهما خارج الحرم في وطنه أو غيره من أقطار الأرض صحَّت وأجزأته)[18]. وقال رحمه الله - في موضعٍ آخر: (والسُّنَّة أن يصليهما خلف المقام، فإن لم يفعل ففي الحِجَر، وإلاَّ ففي المسجد، وإلاَّ ففي مكة وسائر الحرم، ولو صلاَّهما في وطنه وغيرِه من أقاصي الأرض جاز، وفاتته الفضيلةُ، ولا تفوت هذه الصَّلاة ما دام حيًّا)[19].







4- وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: (لا يجب على الطَّائف أنْ يصلِّيَ الركعتين خلف مقام إبراهيم، ولكن يُشرع له ذلك إذا تيسَّر من دون مشقَّة، وإنْ صلاَّهما في أيِّ مكان من المسجد الحرام أو في أيِّ مكان من الحرم كلِّه أجزأه ذلك، ولا يُشرع أنْ يُزاحم الطَّائفين لأدائها حول المقام. بل ينبغي له أن يتباعد عن الزِّحام وأن يصليهما في بقيَّة المسجد الحرام؛ لأنَّ عمر رضي الله عنه صلَّى ركعتي الطَّواف في بعض طوافه بذي طُوىً[20]، وهي من الحرم لكنَّها خارج المسجد الحرام. وكذلك أمُّ سلمة رضي الله عنها صلَّت لطواف الوداع خارج المسجد الحرام. والظَّاهر أنَّ سبب ذلك: الزِّحام، أو أرادتْ بذلك أن تُبيِّن للناس التوسعةَ الشرعية في هذا الأمر)[21].







دليل الإجماع: ذَكَرَ غيرُ واحدٍ من أهل العلم الإجماعَ على أنَّ الطائف يُجزئه أنْ يُصلِّي الركعتين حيث شاء، ومِمَّن ذكر ذلك: ابن المنذر، والنووي، وابن حجر.







1- قال ابن المنذر رحمه اللهأجمع العلماء: على أنَّ ركعتي الطَّواف تَصِحَّان حيث صلاَّهما، إلاَّ مالكاً فإنَّه كَرِهَ فِعْلَهما في الحِجْر)[22].







2- وقال النووي رحمه الله: (قال الجمهور: يجوز فِعْلُها في الحِجْرِ كغيرِه)[23].







3- وقال ابن حجر رحمه الله: (أجمع أهل العلم: على أنَّ الطائف تجزئه ركعتا الطواف حيث شاء، إلاَّ شيئاً ذُكِرَ عن مالكٍ في أنَّ مَنْ صلَّى ركعتي الطواف الواجب في الحِجْرِ يُعيد)[24].







[1] انظر: حاشية ابن حجر الهيثمي على شرح الإيضاح في مناسك الحج، (ص281).




[2] انظر: فتح الباري، (1/ 499).




[3] انظر: القِرى لقاصد أم القرى، للمحب الطبري (ص346).




[4] رواه الأزرقي في (أخبار مكة)، (2/ 35)؛ وأورده محب الدين الطبري في (القِرى لقاصد أم القرى)، (ص345)؛ والفاسي في (شفاء الغرام)، (1/ 332).




[5] رواه الدارمي في (سننه)، (2/ 68)، (ح1850)؛ وأبو داود، (2/ 183)، (ح1905). وصححه الألباني في (صحيح سنن أبي داود)، (1/ 536)، (ح1905).




[6] القِرى لقاصد أم القرى، (ص346).




[7] (المقاط): الحبل الصغير الشديد الفتل، يكاد يقوم من شدة فتله.




[8] (الربض): أساس البناء.




[9] أخبار مكة، للأزرقي (2/ 33ـ34).




[10] فتح الباري، (1/ 499).




[11] انظر: صحيح مسلم بشرح النووي، (8/ 175)؛ عمدة القاري شرح صحيح البخاري، (15/ 38)؛ فتح الباري، (3/ 488)؛ الخرشي على خليل، (2/ 328)؛ المغني، (3/ 400).




[12] رواه البخاري، (2/ 588)، (ح1547).




[13] رواه الدارمي في (سننه)، (2/ 68)، (ح1850)؛ وأبو داود، (2/ 183)، (ح1905). وصححه الألباني في (صحيح سنن أبي داود)، (1/ 536)، (ح1905).




[14] انظر: انظر: صحيح مسلم بشرح النووي، (8/ 175)؛ عمدة القاري شرح صحيح البخاري، (15/ 38)؛ فتح الباري، (3/ 488).




[15]رواه البخاري، (1/ 308)، (ح1626)، باب: مَنْ صلَّى رَكْعَتَيِّ الطَّوافِ خارجاً مِنَ المسجد.




[16] فتح الباري، (3/ 487).




[17] عمدة القاري شرح صحيح البخاري، (15/ 38).




[18] المجموع، (8/ 53).




[19] صحيح مسلم بشرح النووي، (8/ 175).




[20] أورده البخاري معلَّقاً، في (كتاب الحج)، (بَاب: الطَّوَاف بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ)، (1/ 301)؛ ومالك في (الموطأ)، (1/ 368).




[21]مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، (18/ 228).





[22] الإجماع، (ص55).




[23] المجموع، (8/ 62).




[24]فتح الباري، (3/ 488).









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.81 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.19 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.97%)]