عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 26-05-2021, 04:13 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,839
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

مكان الاستعاذة من القراءة
















فضيلة الشيخ الدكتور سليمان بن إبراهيم اللاحم




قال الله تعالى: ï´؟ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ï´¾ [النحل: 98].







ظاهر الآية أن الاستعاذة محلها بعد القراءة.







وقد تمسك بهذا الظاهر بعض القراء، فنقل ذلك عن حمزة[1]، وأبي حاتم السجستاني[2]، ورُويَ ذلك- أيضًا- عن أبي هريرة[3]- رضي الله عنه، ومحمد بن سيرين[4]، وإبراهيم النخعي[5]، وداود الظاهري[6]، وحكاه القرطبي[7] وغيره عن مالك واستغرب ذلك ابن العربي[8].







واحتج بعضهم لهذا القول بأن الاستعاذة بعد القراءة تدفع الإعجاب بعد فراغ القراءة[9]، وتكون سببًا للاستفادة من التلاوة، وحفظها وثباتها[10].







وجمهور أهل العلم والتحقيق على أن الاستعاذة مشروعة قبل القراءة، وأن معنى قوله تعالى: ï´؟ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ï´¾ [النحل: 98]، أي: فإذا أردت قراءة القرآن فاستعذ بالله، كقوله تعالى: ï´؟ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ ï´¾ [المائدة: 6]. أي: إذا أردتم القيام إلى الصلاة، وكقوله تعالى: ï´؟ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا ï´¾ [الأنعام: 152] أي: إذا أردتم القول، وكقوله تعالى: ï´؟ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ï´¾ [الأحزاب: 53] أي: إذا أردتم سؤالهن، فاسألوهن من وراء حجاب، وكقوله تعالى: ï´؟ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ï´¾ [المجادلة: 12]أي إذا أردتم مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم[11].







قال القرطبي[12]: «فأوقع الماضي، مكان المستقبل، كقول الشاعر:



وإنـــي لآتيكــم لذكــر الــذي مضــى *** من الود واسـتئناف ما كـان في غد[13]





أي ما يكون في غد».







وعلى هذا المعنى دلت السنة، كما جاء في حديث أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة بالليل كبَّر، ثم يقول: «سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك، ثم يقول: الله أكبر كبيرًا، ثم يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، من همزه ونفخه ونفثه»[14].







وهذا القول هو الصحيح.







قال الجصاص[15]: «وقول من قال: إن الاستعاذة بعد الفراغ من القراءة شاذ، وإنما الاستعاذة قبل القراءة، لنفي وساوس الشيطان عند القراءة، قال الله تعالى: ï´؟ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ï´¾ [الحج: 52]، فإنما أمر الله بتقديم الاستعاذة قبل القراءة لهذه العلة».







بل حُكي الإجماع عليه.







قال مكي في كتابه «الكشف عن وجوه القراءات السبع»[16]: «فإن قيل: فإن ظاهر النص أن يتعوذ القارئ بعد القراءة؛ لأنه قال: ï´؟ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ ï´¾ [النحل: 98] والفاء بعدما قبلها تتبعه هو أصلها، فالجواب: أن المعنى على خلاف الظاهر، معناه: فإذا أردت قراءة القرآن فاستعذ بالله، ودل على ذلك الإجماع أن الاستعاذة قبل القراءة، ودليل هذا المعنى قوله تعالى: ï´؟ وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا ï´¾ [الأعراف: 4]، فوقع في ظاهر التلاوة أن مجيء البأس بعد الهلاك، وليس المعنى على ذلك، إنما معناه: وكم من قرية أردنا إهلاكها، فجاءها بأسنا، فمجيء البأس بعد إرادة الهلاك وقبل الهلاك، وكذلك التعوذ المأمور به يكون بعد إرادة القراءة وقبل القراءة، على أصل الفاء».







وقد ضعف ابن الجزري[17] صحة المروي في هذا، عن حمزة وأبي حاتم، وأبي هريرة وابن سيرين والنخعي، في أنها بعد القراءة، وقال: «محلها قبل القراءة إجماعًا، ولا يصح قول بخلافه، عن أحد ممن يعتبر قوله».







واتفق القراء على مشروعية التعوذ قبل البسملة في ابتداء السور، واختلفوا فيما إذا ابتدأ القارئ بوسط السورة، هل يتعوذ، أو يبسمل، أو يجمع بينهما.







والصحيح أنه يتعوذ فقط، ويقف بعد الاستعاذة ثم يقرأ، ويجوز أن يصل الاستعاذة بالقراءة[18].







واستثنى بعض أهل العلم مثل قوله تعالى: ï´؟ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ï´¾ [البقرة: 255]، وقوله تعالى: ï´؟ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ ï´¾ [الأنعام: 141]، وقوله تعالى: ï´؟ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ï´¾ [الروم: 54]، وقوله تعالى: ï´؟ إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ ï´¾ [فصلت: 47]، ونحوها من الآيات، نظرًا لما في الاستعاذة قبلها من قبح اللفظ، قالوا: ففي مثل هذه المواضع يستعيذ ثم يبسمل[19].







وهذا الاستثناء لا دليل عليه، بل الدليل على خلافه؛ لأن الأمر بالاستعاذة عام لكل قراءة للقرآن، من أي موضع منه كانت القراءة، والبسملة- على الصحيح- لا تشرع إلا في أول السورة.







والتعليل بقبح اللفظ لا يكفي مسوغًا للبسملة وسط السورة بلا دليل، لكن كما يشرع الوقف على كثير من آي القرآن لمراعاة اللفظ والمعنى، فكذلك ينبغي أن يقف القارئ بعد الاستعاذة، ويسكت قليلاً في مثل هذه المواضع المذكورة، وبهذا يزول القبح.







المصدر: « عون الرحمن في تفسير القرآن »







[1] انظر: «غرائب القرآن» للنيسابوري (1/ 16).



[2] انظر: «تفسير ابن كثير» (1/ 29).



[3] انظر: «التفسير الكبير» (20/ 114)، «المجموع» (3/ 325)، «الجامع لأحكام القرآن» (1/ 88).



[4] أخرج عبدالرزاق- في الصلاة- باب متى يستعيذ (2590)، وابن أبي شيبة- في الصلوات- في التعوذ كيف هو (1/ 238) عن ابن سيرين أنه كان يتعوذ قبل أن يقرأ أم القرآن وبعد قراءتها.



[5] أخرجه عن النخعي عبدالرزاق- في الصلاة- متى يستعيذ (2593).



[6] انظر: «التفسير الكبير» (1/ 59)، «الجامع لأحكام القرآن» (1/ 88).



[7] في «الجامع لأحكام القرآن» (1/ 88).



[8] انظر: «أحكام القرآن» لابن العربي (3/ 1175-1176).



[9] انظر: «التفسير الكبير» (1/ 59)، «تفسير ابن كثير» (1/ 29).



[10] انظر: «إغاثة اللهفان» (1/ 148).



[11] انظر: «المصنف» لعبدالرزاق- الصلاة- باب متى يستعيذ- الآثار (2588-2593)، «جامع البيان» (14/ 173)، «أحكام القرآن» للجصاص (3/ 191).



[12] في «الجامع لأحكام القرآن» (1/ 86).



[13] البيت للطرماح. انظر: «ذيل ديوانه» ص(572).



[14] سبق تخريجه.



[15] في «أحكام القرآن» (3/ 191).



[16] (1/ 9).



[17] في «النشر» (1/ 254).




[18] انظر: «التبصرة» ص(246-250)، «الإقناع» (1/ 154)، «البرهان» (1/ 460)، «النشر» (1/ 157/ 265).



[19] انظر: «البرهان» (1/ 460)، «النشر» (1/ 266).

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.75 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 24.13 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.54%)]