عرض مشاركة واحدة
  #24  
قديم 21-07-2021, 03:21 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,571
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله


الموافقات

أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي
الجزء الاول
الحلقة (24)
صـ349 إلى صـ 359


فصل

- ومنها : أن تارك النظر في المسبب بناء على أن أمره لله ، إنما همه السبب [ ص: 349 ] الذي دخل فيه فهو على بال منه في الحفظ له ، والمحافظة عليه ، والنصيحة فيه ، لأن غيره ليس إليه ، ولو كان قصده المسبب من السبب ، لكان مظنة لأخذ السبب على غير أصالته ، وعلى غير قصد التعبد فيه ، فربما أدى إلى الإخلال به ، وهو لا يشعر ، وربما شعر به ، ولم يفكر فيما عليه فيه ، ومن هنا تنجر مفاسد كثيرة ، وهو أصل الغش في الأعمال العادية نعم والعبادية ، بل هو أصل في الخصال المهلكة .

أما في العاديات فظاهر ; فإنه لا يغش إلا استعجالا للربح الذي يأمله في تجارته أو للنفاق الذي ينتظره في صناعته أو ما أشبه ذلك .

وأما في العبادات ; فإن من شأن من أحبه الله تعالى أن يوضع له القبول في الأرض ، بعد ما يحبه أهل السماء ، فالتقرب بالنوافل سبب للمحبة من الله تعالى ، ثم من الملائكة ، ثم يوضع القبول في الأرض ، فربما التفت العابد لهذا المسبب بالسبب الذي هو النوافل ، ثم يستعجل ، ويداخله طلب ما ليس له فيظهر ذلك السبب ، وهو الرياء ، وهكذا في سائر المهلكات ، وكفى بذلك فسادا .
فصل

- ومنها : أن صاحب هذه الحالة مستريح النفس ساكن البال مجتمع الشمل ، فارغ القلب من تعب الدنيا ، متوحد الوجهة ، فهو بذلك طيب المحيا ، مجازى في الآخرة ، قال تعالى : من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة الآية [ النحل : 97 ] .

[ ص: 350 ] وروي عن جعفر الصادق أنه قال في الحياة الطيبة : " هي المعرفة بالله ، وصدق المقام مع الله ، وصدق الوقوف على أمر الله " .

وقال ابن عطاء : " العيش مع الله ، والإعراض عما سوى الله " .

وأيضا ; ففيه كفاية جميع الهموم بجعل همه هما واحدا ، بخلاف من كان ناظرا إلى المسبب بالسبب ; فإنه ناظر إلى كل مسبب في كل سبب يتناوله ، وذلك مكثر ، ومشتت .

وأيضا ; ففي النظر إلى كون السبب منتجا أو غير منتج تفرق بال ، وإذا أنتج فليس على وجه واحد ، فصاحبه متبدد الحال ، مشغول القلب في أن لو كان المسبب أصلح مما كان ، فتراه يعود تارة باللوم على السبب ، وتارة بعدم الرضى بالمسبب ، وتارة على غير هذه الوجوه ، وإلى هذا النحو يشير معنى قوله عليه الصلاة والسلام : لا تسبوا الدهر ; فإن الله هو الدهر ، وأمثاله .

[ ص: 351 ] وأما المشتغل بالسبب معرضا عن النظر في غيره ، فمشتغل بأمر واحد ، وهو التعبد بالسبب أي سبب كان ، ولا شك أن هما واحدا خفيف على النفس جدا بالنسبة إلى هموم متعددة ، بل هم واحد ثابت خفيف بالنسبة إلى هم واحد متغير متشتت في نفسه ، وقد جاء أن : " من جعل همه هما واحدا كفاه الله سائر الهموم ، ومن جعل همه أخراه كفاه الله أمر دنياه " .

[ ص: 352 ] ويقرب من هذا المعنى قول من قال : " من طلب العلم لله ; فالقليل من العلم يكفيه ، ومن طلبه للناس فحوائج الناس كثيرة " .

وقد لهج الزهاد في هذا الميدان ، وفرحوا بالاستباق فيه حتى قال بعضهم : " لو علم الملوك ما نحن عليه لقاتلونا عليه بالسيوف " .

وروي في الحديث : الزهد في الدنيا يريح القلب والبدن . والزهد [ ص: 353 ] ليس عدم ذات اليد ، بل هو حال للقلب يعبر عنها ـ إن شئت ـ بما تقرر من الوقوف مع التعبد بالأسباب من غير مراعاة للمسببات التفاتا إليها في [ الأسباب ] ، فهذا أنموذج ينبهك على جملة هذه القاعدة .
فصل

- ومنها : أن النظر في المسبب قد يكون على التوسط ، كما سيأتي ذكره [ ص: 354 ] إن شاء الله تعالى ، وذلك إذا أخذه من حيث مجاري العادات ، وهو أسلم لمن التفت إلى المسبب ، وقد يكون على وجه من المبالغة فوق ما يحتمل البشر فيحصل بذلك للمتسبب ; إما شدة التعب ، وإما الخروج عما هو له إلى ما ليس له .

أما شدة التعب ; فكثيرا ما يتفق لأرباب الأحوال في السلوك ، وقد يتفق أن يكون صاحب التسبب كثير الإشفاق أو كثير الخوف ، وأصل هذا تنبيه الله نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الكتاب العزيز ـ حالة دعائه الخلق بشدة الحرص ـ على أن الأولى به الرجوع إلى التوسط بقوله تعالى : قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون إلى قوله : وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى الآية [ الأنعام : 33 - 35 ] .

وقوله : لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين [ الشعراء : 3 ] .

وقوله : يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر الآية [ المائدة : 41 ] .

وقوله : فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك الآية إلى قوله : إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل [ هود : 12 ] .

وقوله : ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون [ النحل : 127 ] .

إلى غير ذلك مما هو في هذا المعنى مما يشير إلى الحض على الإقصار مما كان يكابد ، والرجوع إلى الوقوف مع ما أمر به مما هو تسبب ، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم بقوله : إنما أنت منذر [ الرعد : 7 ] [ ص: 355 ] إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل [ هود : 12 ] وأشباه ذلك .

وجميعه يشير إلى أن المطلوب منك التسبب ، والله هو المسبب ، وخالق المسبب ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم الآية [ آل عمران : 128 ] ، وهو ينبهك على شدة مقاساته عليه الصلاة والسلام في الحرص على إيمانهم ، ومبالغته في التبليغ طمعا في أن تقع نتيجة الدعوة ، وهي إيمانهم الذي به نجاتهم من العذاب ، حتى جاء في القرآن : عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم [ التوبة : 128 ] .

ومع هذا فقد ندب عليه الصلاة والسلام إلى أمر هو أوفق ، وأحرى بالتوسط في مقام النبوة ، وأدنى من خفة ما يلقاه في ذلك من التعب والمشقة ، وأجرى في سائر الرتب التي دون النبوة ، هذا وإن كان مقام النبوة على ما يليق به من شرف المنزلة التي لا يدانيه فيها أحد ، فلا يقدح ذلك في صحة الاستدلال بأحكامه فيما دونها من المراتب اللائقة بالأمة ، كما تقرر عند أهل الشريعة من صحة الاستدلال بأحواله ، وأحكامه في أحكام أمته ، ما لم يدل دليل على اختصاصه دون أمته .

وأما الخروج عما هو له إلى ما ليس له ; فلأنه إذا قصد عين المسبب أن يكون أو لا يكون كان مخالفا لمقصود الشارع ; إذ قد تبين أن المسبب ليس [ ص: 356 ] للمكلف ، ولم يكلف به ، بل هو لله وحده ، فمن قصده فالغالب عليه بحسب إفراطه أن يكون قاصدا لوقوعه بحسب غرضه المعين ، وهو إنما يجري على مقتضى إرادة الله تعالى ، لا على وفق غرض العبد المعين من كل وجه ، فقد صار غرض العبد وقصده مخالفا بالوضع لما أريد به ، وذلك خارج عن مقتضى الأدب ، ومعارضة للقدر أو ما هو ينحو ذلك النحو .

وقد جاء في " الصحيح " التنبيه على هذا المعنى بقوله عليه الصلاة والسلام : المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير ، احرص على ما ينفعك ، واستعن بالله ، ولا تعجز ، وإن أصابك شيء فلا تقل : لو أني فعلت كان كذا ، ولكن قل : قدر الله وما شاء فعل ; فإن لو تفتح عمل الشيطان . فقد نبهك على أن لو تفتح عمل الشيطان ؛ لأنه التفات إلى المسبب في السبب كأنه متولد عنه أو لازم عقلا ، بل ذلك قدر الله ، وما شاء فعل ; إذ لا يعينه وجود السبب ، ولا يعجزه فقدانه .

فالحاصل أن نفوذ القدر المحتوم هو محصول الأمر ، ويبقى السبب : إن كان مكلفا به عمل فيه بمقتضى التكليف ، وإن كان غير مكلف به لكونه غير داخل في مقدوره استسلم استسلام من يعلم أن الأمر كله بيد الله ، فلا ينفتح [ عليه ] باب الشيطان ، وكثيرا ما يبالغ الإنسان في هذا المعنى حتى يصير منه [ ص: 357 ] إلى ما هو مكروه شرعا من تشويش الشيطان ، ومعارضة القدر ، وغير ذلك .
فصل

- ومنها : أن تارك النظر في المسبب أعلى مرتبة ، وأزكى عملا إذا كان عاملا في العبادات ، وأوفر أجرا في العادات ; لأنه عامل على إسقاط حظه ، بخلاف من كان ملتفتا إلى المسببات ; فإنه عامل على الالتفات إلى الحظوظ ; لأن نتائج الأعمال راجعة إلى العباد مع أنها خلق الله ; فإنها مصالح أو مفاسد تعود عليهم كما في حديث أبي ذر : " إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ، ثم أوفيكم إياها " ، وأصله في القرآن : من عمل صالحا فلنفسه [ فصلت : 46 ] ; فالملتفت إليها عامل بحظه ، ومن رجع إلى مجرد الأمر والنهي ، [ عامل على إسقاط الحظوظ ، وهو مذهب أرباب الأحوال ] ، ولهذا بسط في موضع آخر .

فإن قيل : على أي معنى يفهم إسقاط النظر في المسببات ؟ ، وكيف ينضبط ما يعد كذلك ؟ مما لا يعد كذلك ؟

[ ص: 358 ] فالجواب أن ترك الحظوظ قد يكون ظاهرا ، بمعنى عدم التفات القلب إليها جملة ، وهذا قليل ، وأكثر ما يختص بهذا أرباب الأحوال من الصوفية ، فهو يقوم بالسبب مطلقا من غير أن ينظر هل له مسبب أم لا ، وقد يكون غير ظاهر [ ص: 359 ] بمعنى أن الحظ لا يسقط جملة من القلب ; إلا أنه التفت إليه من وراء الأمر أو النهي ، ويكون هذا مع الجريان على مجاري العادات ، مع علمه بأن الله مجريها كيف شاء ، ويكون أيضا مع طلب المسبب بالسبب ، أي : يطلب من المسبب مقتضى السبب ; فكأنه يسأل المسبب باسطا يد السبب ، كما يسأله الشيء باسطا يد الضراعة أو يكون مفوضا في المسبب إلى من هو إليه ، فهؤلاء قد أسقطوا النظر في المسبب بالسبب ، وإنما الالتفات للمسبب بمعنى الجريان مع السبب ; كالطالب للمسبب من نفس السبب أو كالمعتقد أن السبب هو المولد للمسبب ، فهذا هو المخوف الذي هو حر بتلك المفاسد المذكورة ، وبين هذين الطرفين ، وسائط هي مجال نظر المجتهدين ; فإلى أيهما كان أقرب كان الحكم له ، ومثل هذا مقرر أيضا في مسألة الحظوظ .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.90 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 24.28 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.52%)]