عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 27-11-2022, 11:31 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,616
الدولة : Egypt
افتراضي التداولية بين المفهوم والتصور

التداولية بين المفهوم والتصور
أحمد سالم عوض حسان




مُستل من رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير في علم اللغة

بعنوان (الأبعاد التداولية في تفسير البحر المحيط)


مقدم من الباحث: أحمد سالم عوض حسان.
إشراف: أ. د. محي الدين محسب أستاذ العلوم اللغوية والعميد الأسبق لكلية دار العلوم جامعة المنيا.

التداولية اصطلاح مدعاة دائماً للالتباس، فهو في الوقت نفسه مستعمل للإحالة على مجال لساني ورؤية خاصة للغة...[1]. ويلاحظ حجم إشكالية المصطلح اللساني ومدى العشوائية التي تعيشها حركة الترجمة بتناول مصطلح التداولية عند جورج يول مثلاً: فنرى د. قصي العتابي (2010) يذهب في ترجمته لكتاب "pragmatics" لجورج يول يستخدم مصطلح التداولية، أما محمود فراج حافظ (1999) فعند ترجمته لكتاب " معرفة اللغة " لجورج يول أيضاً فيستخدم مصطلح (البراجماتية) مقابلاً لمصطلح "pragmatics" وهذا على مستوى المؤلف نفسه والمصطلح نفسه.

يقول الباحث المغربي طه عبد الرحمن رائد التداولية عند العرب: "إني وضعت هذا المصطلح – يعني التداولية - منذ سنة (1970)، في مقابل (pragmatique) ولو أن التداوليين الغربيين علموا بوجود هذه اللفظة في العربية لفضلوها على لفظة (pragmatique)، لسبب واحد، وهو أنها لا توفي بالمقصود من علم التداول، فلفظة التداول تفيد في العلم الحديث الممارسة... وتفيد أيضا التفاعل في التخاطب... ثم بالإضافة إلى ذلك أنها من مادة واحدة ولفظة الدلالة نفسها، يعني أن التداول سوف يرتبط بالدلالة, فإذن هذا هو التبرير العلمي الأولي لمصطلح التداول"[2] وقد تابعه الباحثون في المشرق والمغرب في استعمال هذا الاصطلاح، ومن هؤلاء الباحثين: أحمد المتوكل (1985)[3]، وإدريس مقبول( 2004) [4]، وعبد الهادي بن ظافر الشهري(2004)[5]، ومسعود صحراوي(2005)[6]، ومحمود أحمد نحلة (2006)[7]، ونعمان بوقرة (2009)[8]، ومؤيد آل صوينت (2010)[9].

وعلى صعيد الأعمال المترجمة وردت التداولية مصطلحا مقابلا للمصطلح الأجنبي عند كل من: سعيد علوش (1986)[10]، وعبد القادر قنيني(2000)[11]، وسيف الدين دغفوس ومحمد الشيباني (2003)[12]، ومنذر عيّاشي(2007)[13]، وصابر الحباشة(2007)[14]، عبد القادر المهيري، حمّادي صمّود (2008 )[15] ود. خالد سهر (2009)[16]، وقصي العتّابي(2010)[17] عز الدين المجدوب (2010) [18].

وإلى جانب ترجمة المصطلح الأجنبي(pragmatics) بالتداولية، ترجمه محمد علي الخولي(1982)[19] في معجمه اللغوي بـ(علم الرموز) وجعله مرادفا للسيميائيات، ويعالج الرموز اللغوية وغير اللغوية. وفي عام(1986)[20] أطلق عبد القادر الفهري في معجم المصطلحات على التداولية مصطلح (الذريعيات). وترجمه كل من ميجان الرويلي وسعيد البازعي (1995) بـ(الذرائعية الجديدة)[21]. وترجمه كل من محمود فراج(1998)[22]، وسعيد بحيري(2003)[23]، وقاسم المقداد (1998 )[24]، ومحمد يونس (2006) بـ (علم التخاطب )[25]، ومسعود صحراوي (2005)[26] بـ (علم الاستمعال اللغوي )[27]، ومحمود عكاشة (2013 )[28] بـ(البراجماتية).

ولا تمكن إشكالية المصطلح في لفظة التداولية بل تعدتها إلى أبعادها فبُعد الأفعال الكلامية فعلى سبيل المثال نجد أن بعد (الأفعال الكلامية) ترجمه كل من سيف الدين دغفوس ود. محمد الشيباني (2003)، صابر الحباشة (2007 )[29]، معاذ الدخيل (2014 )[30] بـ (الأعمال اللغوية) ومحمود نحلة (2002)[31] مسعود صحراوي (2005)[32] بـ الأفعال الكلامية) وعبد الهادي بن ظافر الشهري بـ (الأفعال اللغوية) [33]

أما بُعد (الإشاريات) فترجمه محمود نحلة (2002) بـ (الإشارة) [34] وقصي العتابي بـ (التأشير) (2010 )[35] ونرجس باديس (2009)[36] ومنى الجابري(2013)[37] بـ (المشيرات).

أما التداولية من حيث المفهوم والتصور:
لقد عني الباحثون بدراسة اللغة وفقًا لاتجاهين رئيسيين: الاتجاه الشكلي، الذي قعد العرب من خلاله لعلمي النحو والصرف، وتمّثل عند الغربيين في اللسانيات الصارمة، التي تعنى بدراسة النظام اللغوي، معزولاً عن سياق التواصل الاجتماعي.

وهناك اتجاه آخر، وهو الاتجاه التواصلي الذي يدرس اللغة من خلال المنجز اللفظي في سياق معين، وقد تمثَّل هذا الاتجاه في مناهج كثيرة منها: تحليل الخطاب، اللسانيات الاجتماعية واللسانيات التداولية.

وتعد اللسانيات التداولية من أحدث الاتجاهات اللغوية التي ظهرت وازدهرت على ساحة الدرس اللساني الحديث والمعاصر، إذ بعدما كانت اللسانيات تقصر أبحاثها على الجانبين البنيوي والتوليدي؛ فتهتم بدراسة مستويات اللغة وإجراءاتها الداخلية (جانب بنيوي)، وكذا وصف وتفسير النظام اللغوي ودراسة الملكة اللسانية المتحكمة فيه (جانب توليدي)، وفي إطار ما يُصطلح عليه بـ "لسانيات الوضع"، جاءت اللسانيات التداولية لتعالج في مقابل ذلك ما يسمى بـ "لسانيات الاستعمال" ولعل هذا ما جعلها أكثر دقة وضبطا، حيث تدرس اللغة أثناء استعمالها في المقامات المختلفة، وبحسب أغراض المتكلمين وأحوال المخاطبين.[38]

فالتداولية درس عزيز جديد إلا إنه لا يمتلك حدودا واضحة... تقع التداولية أكثر الدروس حيوية في مفترق طرق البحث الفلسفية واللسانية [39] تنوعت وجهات النظر بين الدارسين سواء عند مؤسسيها ومريديها في الغرب، أو عند دارسيها والباحثين فيها من العرب. ولعل السبب في ذلك يعود إلى تنوع مجالات اهتمام الباحثين أنفسهم.[40]

وإن أقدم تعريف للسانيات التداولية هو تعريف (تشارلز موريس 1938م): إن التداولية جزء من السيميائية التي تعالج العلاقة بين العلامات ومستعملي هذه العلامات.
وهذا التعريف واسع يتعدى المجال اللساني إلى السيميائي والمجال الإنساني إلى الحيواني والآلي.[41]

وقد اقترح رودولف كارناب بعد سنة من ذلك التاريخ أن يدعو علم التخاطب - التداولية – بأنه (حقل البحوث التي تأخذ في اعتبارها نشاط الإنسان الذي يتكلم أو يسمع العلامة اللغوية وحالته ومحيطه)[42]

ومن تلك التعريفات الواسعة تعريف فرانسواز أرمينكو حيث ترى أن (التداولية تتطرق للغة كظاهرة خطابية وتواصلية واجتماعية معا)[43]

وكذا صلاح فضل حيث عرفها بأنها "الفرع العلمي من مجموعة العلوم اللغوية التي تختص بتحليل عمليات الكلام بصفة خاصة، ووظائف الأقوال اللغوية وخصائصها خلال إجراءات التواصل، بشكل عام"[44].

وقد يقتصر الباحث على دراسة المعنى وليس المعنى بمفهومه الدلالي البحت، بل المعنى في سياقه التواصلي مما يسوغ معه تسمية المعنى بالمتكلم فيعرفها (بأنها دراسة المعنى التواصلي أو معنى المُرسِل في كيفية قدرته على إفهام المُرسَل إليه بدرجة تتجاوز معنى ما قاله)[45]

أما آن ماري ديلر وفرانسوا ريكاناتي فيعرّفان التداولية بأنها "دراسة استعمال اللغة في الخطاب، شاهدة في ذلك على مقدرتها الخطابية"[46]

ومسعود صحراوي عرفها بأنها: (هي إیجاد القوانین الكلیة للاستعمال اللغوي والتعرف على القدرات الإنسانیة للتواصل اللغوي)[47]

كما قد تعرّف من وجهة نظر المتكلم بأنها:" كيفية إدراك المعايير والمبادئ التي توجه المرسل عند إنتاج الخطاب، بما في ذلك استعمال مختلف الجوانب اللغوية، في ضوء عناصر السياق، بما يكفل ضمان التوفيق من لدن المرسل إليه عند تأويل قصده، وتحقيق هدفه"[48]

ومن الباحثين من نظر إليها من جهة السياق كـ فرومكين حيث حدّها بكونها: الدراسة العامة لكيفية تأثير السياق في الطريقة التي نفسر بها الجمل، ويقصد بالسياق في مثل هذه المواضع مفهومه الواسع الذي يشمل – علاوة على ملابسات الموقف – كل ما له تأثير في الحدث اللغوي من عوامل حالية أو ماضوية.كما عُرف أيضا بأنه دراسة استخدام اللغة، علاقته ببنية اللغة والسياق الاجتماعي [49].

وقد تعرّف انطلاقا من اهتمام الباحث "بتحديد مراجع الألفاظ وأثرها في الخطاب، ومنها الإشاريات، بما في ذلك طرفي الخطاب، وبيان دورهما في تكوين الخطاب، ومعناه، وقوته الإنجازية"[50].

وهناك من الباحثين من ينطلق في تحديد مفهوم التداولية من عدة جهات كـجورج يول الذي يرى أن التداولية تختص بدارسة المعنى من جهة المتكلم والسامع والسياق والعوامل المادية والاجتماعية:
فمن جهة المتكلم تهتم "بدارسة المعنى كما يوصله المتكلم (أو الكاتب) ويفسره المستمع (أو القارئ) لذا فإنها مرتبطة بتحليل ما يعنيه الناس بألفاظهم أكثر من ارتباطها بما يمكن أن تعنيه كلمات أو عبارات هذه الألفاظ منفصلة. التداولية دراسة المعنى الذي يقصده المتكلم.

ومن جهة السامع تدرس "الكيفية التي يصوغ من خلالها المستمعون استدلالات حول ما يقال للوصول إلى تفسير المعنى الذي يقصده المتكلم... التداولية هي دراسة كيفية ايصال أكثر مما يقال"

ومن جهة السياق تتضمن " تفسير ما يعنيه الناس في سياق معين وكيفية تأثير السياق فيما يقال... والتمعن في الآلية التي ينظم من خلالها المتكلمون ما يريدون قوله وفقا لهوية الذي يتكلمون إليه وأين ومتى وتحت أي ظروف. التداولية هي دراسة المعنى السياقي"

ومن جهة العوامل المادية والاجتماعية " ينطوي القرب المادي أو الاجتماعي أو المفاهيمي على خبرة مشتركة حيث يحدد المتكلمون مقدار ما يحتاجون قوله بناء على افتراض قرب المستمع أو بعده. التداولية هي دارسة التعبير عن التباعد النسبي" هذه هي المجالات الأربعة التي تهتم التداولية بدارستها[51].

وبار هيلل عرف التداولية بأنها " دراسة الارتباط الضروري لعملية التواصل في اللغة الطبيعية بالمتكلم والسامع بالمقام اللغوي والمقام غير اللغوي " ووافقه جورج يول على هذا التعريف وأضاف إليه ارتباط التداولية " بوجود معرفة أساسية، وبسرعة استحضار تلك المعرفة الأساسية وبحسن إدارة المساهمين في عملية التواصل "[52]

وهناك من الباحثين من نظر التداولية إلى كونها مستوى جديد من مستويات اللغة متنوع المعطيات فيرى أنها " مستوى حاسم على صعيد تحديد الدلالة وفهم تحولاتها وتغيراتها...حيث تتوجه فيه الدراسات اللسانية إلى العناية بأثر التفاعل الخطابي في موقف الخطاب، ويستطيع هذا التفاعل دراسة كل المعطيات اللغوية والخطابية المتعلقة بالتلفظ، لاسيما المضامين والمدلولات التي يولدها الاستعمال في السياق "[53].

وتشمل هذه المعطيات معتقدات المتكلم، ومقاصده، وشخصيته، وتكوينه الثقافي، ومن يشارك في الحدث اللغوي، والوقائع الخارجية، ومن بينها الظروف المكانية والزمانية، والظواهر الاجتماعية المرتبطة باللغة، فضلا عن المعرفة المشتركة بين المتخاطبين، وأثر النص الكلامي فيها[54].

وقد أطلق عليها مصطلح "المجال التداولي" ويوضحه كذلك بقوله " وقصدنا به: كل المقتضيات العقدية والمعرفية واللغوية- القريب منها والبعيد – المشتركة بين المتكلم والمخاطب والمقومة لاستعمال المتكلم لقول من الأقوال بوجه من الوجوه"[55]

ومن الملاحظ التنوع في التعريفات التداولية ولعل ذلك يرجع إلى أمرين مهمين:
- تداخل التداولية مع كثير من العلوم؛ إذ أن جملة من العلوم قد أسهمت في تشكل هذا الاتجاه، فهو اتجاه قد تعددت روافده المعرفية التي أمدته بجملة من المفاهيم المستقرة فيها، كالفلسفة التحليلية التي نشأت التداولية في كنفها وعلم الدلالة وعلم اللغة الاجتماعي وعلم اللغة النفسي وغيرها.

- تنوع النظريات التي تشكلت داخل الاتجاه التداولي، مما جعل الباحث داخل إحدي هذه النظريات يوجه التداولية نحو النظرية التي ينطلق منها[56]

وقد ذكر محمود نحلة أهم ما تتميز به التداولية عن غيرها من اتجاهات البحث اللغوي بما يأتي:
1- التداولية تقوم على دراسة الاستعمال اللغوي أو هي لسانيات الاستعمال اللغوي. وموضوع البحث فيها هو توظيف المعنى اللغوي في الاستعمال الفعلي من حيث هو صيغة مركبة من السلوك الذي يولد المعني.
2- ليس للتداولية وحدات تحليل خاصة بها ولا موضوعات مترابطة.
3- التداولية تدرس اللغة من وجهة وظيفية عامة: معرفية واجتماعية، ثقافية.
4- تعد التداولية نقطة التقاء مجالات العلوم ذات الصلة وبينها وبين لسانيات التروة اللغوية.[57]
يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 26.46 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.83 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.37%)]