الموضوع: أندلسية - شوقي
عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 30-08-2023, 09:23 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,357
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أندلسية - شوقي


73 – كأنها ورمالًا حولها التطمت
سفينةٌ غرقت إلا أساطينا
74 – كأنها تحت لألاء الضُّحى ذهبًا
كنوزُ (فرعون) غطَّين الموازينا
75 – أرضُ الأبوةِ والميلادِ، طيَّبها
مرُّ الصِّبا في ذيولٍ من تصابينا
76 – كانت محجَّلةً، فيها مواقِفُنا
غرًّا مُسَلْسَلَةَ المجرى قوافينا
77 – فآب مِن كُرةِ الأيامِ لاعبنا
وثاب من سِنَةِ الأحلامِ لاهينا
78 – ولم ندعْ لليالي صافيًا، فَدَعَتْ
(بأن نغصَّ، فقالَ الدهرُ: آمينا)
79 – لو استطعنا لخُضْنا الجو صاعقةً
والبر نار وغى، والبحر غسلينا
80 - سعيًا إلى مصرَ نقضي حقَّ ذاكرنا
فيها إذا نَسِي الوافي وباكينا
81 – كنزٌ (بحلوان) عند الله نطلبُهُ
خير الودائع من خيرِ المؤدِّينا
82 – لو غابَ كلُّ عزيز عنه غيبتَنا
لم يأتِهِ الشوقُ إلا مِنْ نَوَاحينا
83 – إذا حملنا لمصرٍ أو لهُ شَجَنًا
لم ندرِ أي هوى الأُمَّيْنِ شاجينا

في هذه القصيدة يُعارض شوقي نونيةَ ابن زيدون، والحق أني لا أستطيع أن أرى آصرةً تربط بين موضوعي القصيدة أو لونِ العاطفة في كلٍّ منهما، مما كان من شأنه أن يجعل لهذه المعارضة معنًى، فإن قصيدة ابن زيدون هي في استرحامِ ولادة بنت المستكفي، حبيبتِه، التي بعدما أذاقته من غرامها أفاويقَ جعلتْه يلمس النجوم بيديه، عادت فانقلبت عليه، وطوَّحت به من أعلى عليين تطويحةً كادت تقتله، وغادرته يتلوى كالطائر الذبيح، وقد استولى اليأسُ والهمُّ المقيم عليه استيلاءً جعل الدنيا - بعد أن كانت بحبيبته هي جنة الخلد - تستحيلُ إلى جحيم يشويه، أما قصيدةُ شوقي فهي في حنينه إلى مصر، عندما نفاه الإنجليزُ في العقد الثاني من هذا القرن إلى إسبانيا، بعدما تخلصوا من عباس حلمي، إذ كان شاعره وصَفِيَّه، ويزيد المسألة سوءًا اقتباس شوقي بعض عبارات النونية وقوافيها، واستخدامه إياها في سياق غير سياقها.

وبرغم ذلك فإن شوقيًّا في هذه القصيدة، وإن أجاد في بعض مقاطعها وأبياتها، قد قصَّر تقصيرًا شديدًا عن الأفق السامق الذي بلغه ابن زيدون في نونيته بخفقة معجزة من جناح شاعريته، فنونية شاعرنا الأندلسي هي - من ناحية البناء - كتلةٌ متماسكةٌ من المرمر النفيس النادر، أما قصيدة شوقي فإنها تفتقرُ إلى هذا التماسك، فهو فيها يحنُّ إلى مصر مرة، ويتذكر ماضي الأندلس مرة، ويمدح نفسه وقوافيه مرة، ويلمز شانئيه مرة... وهكذا، وقد كان ممكنًا - لو أن الشاعر أفلحَ في أن ينتقل من فكرة إلى أخرى انتقالًا لَبِقًا لا يحسُّ - ألَّا نلحظ هذا التفكك في بناء القصيدة، لكنه للأسف لم يفلح في ذلك، فبدت الانتقالات من فكرة إلى أخرى كأنها فجوات، أو شروخ في جسم القصيدة، فمثلًا بينما نراه يتأوَّه لنفسه وللطائر الذي ينوح على شجرة هناك، إذا به فجأةً يحاول أن يُوهِمَنا أن هذا الطائر يمكن أن يأسى معه لمصير الأندلس، أو يمكن أن يتسلَّى بها عن موطنه الأصلي، فهذه كما ترى نقلة غير مسوغة.

أما من ناحية العاطفة والمشاعر فأين قصيدة شوقي - على رغم جودتها في عدد من المواضع - من ضرامِ السمومِ التي تهبُّ علينا من النونية، فتلفح منا الوجوه والأبشار وتكاد تحرقها؟ ثم إن قصيدة ابن زيدون هي من تلك القصائد الفريدة النادرة في الشعر كله عربيًّا أو غيرَ عربي، التي لا يمكنك - مهما كنت مدققًا موسوسًا في نقدك وتذوقك - أن تقع فيها على عيب ولو صغيرًا، إنها شيء لا يطولُه النقدُ؛ إذ هي مثالٌ للكمالِ الفني، وذلك على عكس أندلسية شوقي، التي أنا ذاكرٌ الآن معايبَها، ثم أَقْفِي على ذلك بالوقوف عند نواحي الجمال فيها.

لقد تقدم القولُ: إن الأندلسية تحوي عدة أفكار لم يحسن الشاعر الانتقال بينها، مما ترك في بنية القصيدة شروخًا نالت من جمالها، والآن نضيف أنه، رغم توفيقه في استهلال القصيدة حين عقد مشابهةً بينه في غربته وبين طائر "الطلح" النائح على ما أصاب جناحه، فهو لا يستطيع أن يطير عائدًا إلى بلاده من حيث جاء، سرعان ما ينسى هذا الطائر، كأنه لم يكن، مع أنه أخوه في المصيبة؛ أليس قد ناداه: «أخا الغريب»؟ أليس قد أكد له أنه إذا كان اختلاف الجنس قد فرقهما، فإن اشتراكَهما في المصيبة قد جمع بينهما؟ أهكذا تنسى الأخوة بهذه السرعة، وفي مثل هذه الظروف؟ أهذا هو الوفاء الذي مجَّده الشاعر في قصيدته؟!

لقد كان شوقي يستطيع، بعدما تنقل بين أفكاره التي يطول بعضها طولًا كبيرًا، ويقصر بعضها إلى البيت والبيتين، (فضلًا عن أن بعض هذه الأفكار قد أتى في هذه الحالة عرضًا، وكأن في يد الشاعر مخلاة، فكلما وجد على الأرض شيئًا التقطه وقذف به بداخلها، مما من شأنه أن يسيء إلى التناسق البنائي في القصيدة)، أن يعودَ كرة أخرى إلى الطائر الجريح الذي استهلَّ به قصيدته، فيربط بين بداية القصيدة وخاتمتها، بدل هذا التشتت المخل، وطبعًا كان يكون أفضل لو أنه - كلما فرغ من ندائه لهذا العنصر من عناصر الطبيعة أو ذاك، رجع إلى طائره الكسير الجناح، فواساه، أو تعزَّى به، أو وضعَ جرحَه على جرحِه فبكيا معًا حظَّهما التعيسَ، لكنه للأسف لم يفعل!

ليس ذلك وحسب، بل إن في القصيدة عددًا من التناقضات والتنافرات التي لا يمكن تسويغُها بحال، سوى أن الشاعر - كما ألمحت قبل قليل - كان كلما عَنَّ له شيءٌ، ذكره، ناسيًا ما قاله قبلًا، ومن الأمثلة على ذلك قوله:
بِنَّا فلم نخل من روح يراوحنا
من بر مصر وريحان يغاذينا


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.76 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.13 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.02%)]