عرض مشاركة واحدة
  #43  
قديم 02-04-2024, 05:50 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,807
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم للمنذري

شرح كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم للمنذري(43)

من صفات الله تعالى في (سورة ق)


اعداد: الفرقان



الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا. والحمد لله الذي أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا. والحمد لله الذي جعل كتابه موعظة وشفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة ونورا للمؤمنين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.
باب: في قوله تعالى: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلْ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ}
2167. عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلْ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} فَأَخْبَرَنَا عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ
صلى الله عليه وسلم
أَنَّهُ قَالَ: «لَا تَزَالُ جَهَنَّمُ يُلْقَى فِيهَا، وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟ حَتَّى يَضَعَ رَبُّ الْعِزَّةِ فِيهَا قَدَمَهُ، فَيَنْزَوِي بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، وَتَقُولُ: قَطْ قَطْ بِعِزَّتِكَ وَكَرَمِكَ، وَلَا يَزَالُ فِي الْجَنَّةِ فَضْلٌ، حَتَّى يُنْشِئَ اللَّهُ لَهَا خَلْقًا، فَيُسْكِنَهُمْ فَضْلَ الْجَنَّةِ».

الشرح:
في سورة (ق) أورد حديث أنس رضي الله عنه في قوله تعالى: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلْ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} (ق: 30). والحديث رواه الإمام مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها (4/2186-2188)، نسأل الله من فضله وكرمه.
قال عبدالوهاب بن عطاء، وهو الخفّاف أبونصر العجلي مولاهم، البصري نزيل بغداد، صدوق ربما أخطأ.
قال: أخبرنا عن سعيد وهو ابن أبي عَروبة، اليشكري مولاهم، أبو النضر البصري، ثقة حافظ له تصانيف، وعنده تدليس، لكنه أثبت الناس في قتادة.
وقتادة وهو ابن دعامة السدوسي، التابعي الجليل المشهور بالتفسير، وأحد المكثرين من الرواية عن أنس.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: عن النبي
صلى الله عليه وسلم
أنه قال: « لا تزال جهنم يلقى فيها» «وهذا في الآخرة، يعني يلقى فيها من أهلها - والعياذ بالله - من أهل النار، كما قال سبحانه وتعالى: {كلما أُلقي فيها فوجٌ سَألهم خَزَنتها ألم يأتكم نذير} (الملك: 8).

وقال تعالى {كلما دخلت أمةٌ لعنتْ أختها} (الأعراف: 38).
فأهل النار يُلقون فيها أفواجاً أفواجاً، وجماعات بعد جماعات.
ولا تزال جهنم ُيلقى فيها من الناس وهي تقول: «هل من مزيد» والله سبحانه وتعالى قد وعد النار أن يملأها، كما جاء في الحديث: «ولكل منكما ملؤها» فالله تعالى وعد الجنة أن يملأها، ووعد النار أن يملأها، فالنار كلما ألقي فيها أناس، قالت: هل من مزيد؟ يعني أن فيها قدرة على التهام المزيد من الناس والبشر.
قوله: «حتى يضع رب العزة فيها قدمه» يعني: حتى يضع الله سبحانه وتعالى قدمه المنزهة عن المشابهة للمخلوقين فيها، ففي هذا الحديث الشريف: إثبات صفة القدم لربنا تبارك وتعالى، وإثبات هذه الصفة جارٍ على مذهب أهل السنة والجماعة في إثبات الصفات كلها، من غير تعرضٍ لها أو لبعضها بتأويل أو تعطيل، ولا تحريف أو تمثيل، بل نثبت إثباتاً خالياً من التمثيل، وننزه تنزيها خالياً من التعطيل والتأويل، لأن الله تعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وقولنا في الصفات كقولنا في الذات، فكما أن الذات لا يُشبهها شيءٌ، فكذلك الصفات لا يشبهها شيء، وأما مجرد الاشتراك في الاسم فهذا لا يعني التطابق في الصفات، فالإنسان يُسمى ببعض الأسماء التي يسمى بها الخالق، كالحي والعليم والحكيم والسميع والبصير والملك، وهذه كلها من أسماء الله تعالى، لكن يجوز أن تطلق على المخلوق، وهذا لا يعني التساوي في الصفات، فأين سمع المخلوق من سمع الخالق سبحانه وتعالى؟ وأين علم المخلوق من علم الخالق؟ وأين غنى المخلوق من غنى الخالق؟ وأين ملك المخلوق من ملك الخالق وملكوته؟! وهكذا.
فمجرد الاشتراك في الأسماء لا يعني التناسب أو التساوي في الصفات أبداً، بل إن المخلوقين بينهم تفاوت عظيم في الصفات وإن اشتركوا في الاسم، فأنت تقول رأس النملة، وتقول رأس البعير، ورأس الأسد، ورأس الجبل، فهل بينها تناسب؟ لا يوجد تناسب بينها؟! مع أن هذه كلها مخلوقات، فالله سبحانه تبارك وتعالى أولى ألا يشابه المخلوق في صفاته، لأنه الخالق وكل ما سواه مخلوق.
ومثالاً على ذلك: ما جاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: تبارك الذي وسع سمعه كل شيء – وفي رواية: الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات - لقد جاءت المجادلة إلى رسول الله [ تكلمه، وأنا في ناحية البيت ما أسمع ما تقول، فأنزل الله تبارك وتعالى - من فوق سبع سموات - {قد سمعَ اللهُ قولَ التي تُجادلك في زوجها وتَشتكي إلى الله والله يسمعُ تحاوركما إن الله سميعٌ بصير} (المجادلة: 1).
رواه أحمد (6/46) والبخاري تعليقا والنسائي وابن ماجة.
فمجرد الاشتراك في الأسماء لا يعني التساوي في الصفات، وهذه المسألة لم يفهمها أهل البدع من الجهمية والمعطلة والمعتزلة وأشباههم، فهم ظنوا أن الاشتراك في الأسماء يعني التشابه والتشاكل في الصفات؟! فلما تقول سمع الله وبصره، يقول: لا، ليس لله سمع وبصر، لماذا؟ لأنه يتوهم أن الخالق مثل المخلوق في السمع والبصر؟! فيقع في التمثيل أولاً، فيفر من التمثيل إلى التعطيل؟!
أما أهل السنة فيقولون: ربنا سبحانه وتعالى سميعٌ بصير حي عليم حكيم غني قدير، وهو سبحانه كما وصف نفسه في كتابه العزيز، وكما وصفه رسوله
صلى الله عليه وسلم
، وله وجهٌ يليق بكماله، وله يدٌ تليق بجلاله، وجاء في هذا الحديث: أن له قدماً، وهكذا بقية الصفات نحن نثبتها لله عز وجل إثباتا من غير تمثيل، وكذا بلا تأويل ولا تعطيل، فالنبي
صلى الله عليه وسلم
يقول هاهنا: «إنّ جهنم لا تزال تقول: هل من مزيد؟ هل من مزيد؟ حتى يضع ربُّ العزة فيها قدمه».

أما أهل التأويل فقالوا: ليست هي صفة لله؟! بل قالوا: حتى يقدّم فيها من قدّمه من خلقه؟! وقال آخرون: قدمه عائدة على قدم بعض خلقه؟! وهذا كله تأويل لهذه الصفة؟! وتلاعبٌ بالنصوص وتحريف لها؟!
فالسلف رحمهم الله ينزهون الله تعالى، ويقدّسون النصوص من الكتاب والسنة، ولا يتعرضون لها بتحريف ولا تعطيل، فمذهبهم الإيمان بآيات وأحاديث الصفات من غير تأويل ولا تعطيل، ولا تحريف ولا تكيف، والتمثيل: أن تقول هي مثل كذلك، والتكييف: أن تقول هي على كيفية كذا، بل يمرونها على ظاهرها، ولا يتعرضون لها بشيء من التعطيل أو التأويل.
قوله: «فينزوي بعضها إلى بعض» أي: إذا وَضع فيها ربُّ العزة قَدَمه، انزوى بعض جهنم إلى بعض، وانزوى بمعنى انضم، أي حصل لها انضمام وانكماش، فتجتمع على من فيها، نسأل الله السلامة.
وتقول: « قطْ قطْ « بسكون الطاء، وفي رواية «قطِ قطِ» بالكسر، وفي رواية «قطني قطني» بالياء، وكلها بمعنى: كفاني كفاني، أو حسبي حسبي، يعني: حسبي قد امتلأت. وفي رواية: «فهنالك تَمتلئ، ويُزْوى بعضها إلى بعض».
وتقول: «بعزتك وكرمك» يعني تقسم مؤكدة لقولها، بعزة الله، وكرم الله، وهي من صفات الله التي يجوز الإقسام بها.
قوله «ولا يزال في الجنة فَضْلٌ حتى يُنْشئ الله لها خَلقاً» وفي رواية له: «يَبقى من الجنة ما شاء الله أن يبقى، ثم يُنشئ الله تعالى لها خَلقاً مما يشاء» أي: أما الجنة فبعد أن يدخلها أهلها، من النبيين والمؤمنين والصالحين والشهداء من الأولين والآخرين، ومن جميع الأمم، يبقى فيها فضل، على كثرتهم، يبقى فيها فسحة أو مساحات خالية ليس فيها أحد، وهذا يدل على سعة الجنة، وعظم خلقها، كما قال الله سبحانه وتعالى: {وَسارعوا إلى مغفرةٍ من ربكم وجنةٍ عَرضها السموات والأرض}.
لو قلت: ما عرض السماء الدنيا؟ قلنا: شيءٌ لا يطيقه الخيال، فأهل الفلك يقولون: في السماء مئة وعشرون مليار مجرة، والمجرة الواحدة منها فيها ملايين الملايين من النجوم والكواكب، تخيل هذا!! وهذا كله في السماء الدنيا فقط، وفوقها ست سموات، كل واحدة منها محيطة بما قبلها؟ فأي اتساع هذا؟ وأي خلق عظيم هذا؟!
وقد ثبت في الحديث الصحيح: «أن آخر من يدخل الجنة، رجلٌ يُعطى مثل مُلك مَلك من ملوك الدنيا، وعشرة أمثاله» فسبحان الله!
ومع ذلك يبقى فضل في الجنة، وذلك أن الجنة عظيمة السعة، وملك الواحد من أهل الجنة في الجنة عظيم جدا، فإذا كان أقل أهل الجنة درجة، وآخر الناس دخولا الجنة رجل يدخل ويعطى مثل مُلك ملك من ملوك الدنيا وعشرة أمثاله، فكيف بالذين يدخلون الفردوس الأعلى، وكيف إذا كان من أصحاب الدرجات العلى، سبحان الله العظيم!
فعند ذلك: «ينشئ الله لها خلقاً» أي: يخلق الله تعالى لها خلقاً يدخلهم إياها، ويسكنهم فضل الجنة، يسكنهم ما بقي من الجنة من فراغ؟!
أما النار، فلا يخلق الله تعالى لها خلقاً فيدخلهم في فراغ النار؟! لأن الله سبحانه وتعالى لا يظلم الناس شيئا، فلا يخلق خلقاً ليعذبهم بغير جرم ولا ذنب ارتكبوه، لكن هل يمكن أن يدخل الجنة أحدٌ بغير عمل؟ نعم، لأن الله سبحانه وتعالى رحمته سبقت غضبه، وفضله أوسع من عقوبته، ولذلك يخلق خلقاً ويدخلهم الجنة بغير عمل ولا حساب.
قال أهل العلم: ومثلهم الأطفال الذين لم يعملوا خيراً، ومع ذلك يدخلهم الله عز وجل الجنة تبعاً لآبائهم المؤمنين، كما قال تعالى: {والذين آمنوا واتّبعتهم ذريتُهم بإيمانٍ ألحقنا بهم ذريتهم} وهذا من فضل الله تعالى ورحمته.
قال الزمخشري المعتزلي في قول ربنا سبحانه وتعالى: {يوم نقولُ لجهنم هل امتلأتِ وتقول هل من مزيد}: هذا الكلام على طريقة التمثيل والتخيل؟! ولا سؤال ولا جواب؟!!
هكذا يقول؟! أي: ليس هناك سؤالٌ يقع ولا جواب؟! فلا يقال للنار هل امتلأت! ولا تقول هي: هل من مزيد! إنما هذا على جهة التخيل والتمثيل؟! وهذا لا شك أنه جار على مذهبه الاعتزالي، وهو جحد حقائق ومعاني الأسماء الحسنى والصفات العلا، ولذا جعل هذا من باب المجاز، وهو القول الذي لا حقيقة له؟ وهذا ليس بمستغرب عليه؛ لأنه يحمل كثيرا من الصفات الإلهية على المجاز؟ وعلى عدم الحقيقة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولذلك يحذر العلماء من دراسة تفسيره للمبتدئين، وهو وإن كان قوياً في باب البيان والبديع، وبيان حسن ألفاظ القرآن والبلاغة، لكنه في العقيدة ليس جيداً أبداً.
وما أنكره هنا، ليس بمستنكر ولا غريب في القرآن، فإن الله سبحانه وتعالى كما جاء بنص القرآن ينطق الجمادات إذا شاء، كما في قوله تعالى: {ثم استوى إلى السماء وهي دخانٌ فقال لها وللأرض أئتيا طوعاً أو كرها قالتا أتينا طائعين} (فصلت: 11).
أليس هذا كلام السماء وكلام الأرض، وهما من الجمادات.
وأيضا ورد في الأحاديث: قوله عليه الصلاة والسلام: «تحاجت النار والجنة، فقالت النار: أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين، وقالت الجنة: فمالي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم وعجزهم – أو وغرتهم، أي أهل الحاجة والجوع -..» الحديث رواه مسلم (4/2186-2189)، ففيه حصول كلام من الجنة وكلام من النار. وأيضا في الحديث: «اشتكت النار إلى ربها، قالت: يا رب، أَكَل بعضي بعضا، فجعل الله لها نَفَسا في الشتاء ونفسا في الصيف....» الحديث.
وكذا إنطاقه الجوارح، كما مرّ معنا عند قوله سبحانه وتعالى:{وقالوا لجلودِهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطقَ كل شيءٍ وهو خلقكم أولَ مرة} (فصلت: 21).
إذن هذا ليس بغريب على قدرة الله سبحانه وتعالى، وقد أنطق الله سبحانه وتعالى الحجر لنبينا [ فكان يسلم عليه بمكة، وحنّ جذع النخلة للذكر على عهد النبي [، وكان الصحابة يسمعون تسبيح الطعام وهو يؤكل على عهد النبي [، وغيره كثير، ولا وجه للاعتراض أو التأويل والتعطيل لمثل هذه الصفات.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يثبتنا على الحق، والحمد لله رب العالمين.
من القراءات: سورة اقتربت الساعة
باب في قوله تعالى {هل من مدكر}
2168. عن أَبي إِسْحَق قَالَ: رَأَيْتُ رَجُلًا سَأَلَ الْأَسْوَدَ بْنَ يَزِيدَ وَهُوَ يُعَلِّمُ الْقُرْآنَ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ:كَيْفَ تَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) أَدَالا أَمْ ذَالًا؟ قَالَ: بَلْ دَالًا، سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ (مُدَّكِرٍ) دَالًا.
الشرح: سورة: «اقتربت الساعة» وذكر فيها أثر عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله تعالى: {فهل من مدكر}، وقد رواه مسلم في صلاة المسافرين (1/565) وبوب عليه النووي: باب ما يتعلق بالقراءات. قال عن أبي إسحق السبيعي، وهو عمرو بن عبدالله الهمداني، الثقة المكثر العابد.
قال: «رأيت رجلا سأل الأسود بن يزيد» وهو ابن قيس النخعي، مخضرم ثقة فقيه مكثر، من أصحاب عبدالله بن مسعود رضي الله عنه والآخذين عنه.
قوله: «وهو يعلم القرآن في المسجد» يعني كان يعلم ويحفظ الناس كتاب الله، ويلقنهم آياته، وكيف يقرؤونها.
قوله: «فقال له رجل: كيف تقرأ هذه الآية: {فهل من مدكر} أدالا أم ذالا» بالذال المعجمة يعني المنقطة، أم بالدال المهملة التي دون نقطة؟
فقال الأسود: بل دالا: {فهل من مدكر}، ثم قال: سمعت عبدالله بن مسعود رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم
يقول (مدكر) دالا.

ومدكر أصلها متكر فكتبت التاء دالا، ثم أدغمت في الذال المعجمه فصار النطق بها دالا مهملة، والمعنى: هل من متذكرٍ، هل من معتبر وهل من متعظ، وهذه الآية تكررت في سورة القمر بعد أن يذكر الله سبحانه وتعالى إهلاكه لقوم نوح قال: {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر}، فهل من متعظ، لما حصل لهم.
وبعد أن ذكر الله سبحانه وتعالى إهلاكه لعاد قال: {فهل من مدكر}، ولما ذكر إهلاكه لثمود قال: {فهل من مدكر}، وهكذا لما ذكر إهلاكه لقوم لوط وقوم فرعون، ذكر ونبّه إلى الاتعاظ بما حصل لهم، وما يحصل للظالمين في كل زمان ومكان، والجاحدين الكافرين، والمتجاوزين لحدود الله تبارك وتعالى من العقوبات.
أي: أن الله عز وجل يسّر كتابه وسهّله، للحفظ والتلاوة، والتدبر والفهم، وكذا هو ميسر للعمل، ومن تيسير كتابه سبحانه وتعالى: أن الصبيان يحفظونه، وأن الناس يستطيعون قراءته بسهولة، مع أنه كلام ملك الملوك جل جلاله وتقدست أسماؤه، الذي لو أنزل كلامه على الجبال لصدعها، ولو قطعت به الأرض لقطعها، كما قال تبارك وتعالى {لو أَنزلنا هذا القرآن على جبلٍ لرأيته خاشعاً مُتصدّعاً من خشية الله} (الحشر).
وفيه: دليل على أن الصحابة رضي الله عنهم سمعوا القرآن من النبي
صلى الله عليه وسلم
، ثم نقلوه لمن بعدهم من التابعين، ونقله التابعون لمن بعدهم من أتباع التابعين، وهكذا حتى وصل إلينا كتاب الله تبارك وتعالى تاما محفوظا بحفظ الله عز وجل. والصحابة رضي الله عنهم كما هم نقلة القرآن، فهم أيضا نقلة السنة النبوية، فعن طريقهم رضي الله عنهم وأرضاهم وصل إلينا كتاب الله تبارك وتعالى، ووصلت إلينا سنة النبي
صلى الله عليه وسلم
، فمن أراد أن يطعن في الصحابة أراد أن يهدم الإسلام، لأنهم شهودنا، وإذا أردت أن تسقط شهادة الشهود فاجرحهم، بأن تقع في أعراضهم وتطعن في عدالتهم، فإذا سقطت شهادتهم سقط ما يشهدون به، وهكذا لما طعن الزنادقة في الصحابة، فقالوا عنهم ما قالوا، من الاتهام بالكفر والزندقة والكذب والخداع؟! وأنهم طلاب دنيا وما أشبه ذلك، أرادوا بذلك إسقاط نصوص الكتاب العزيز والأحاديث الشريفة، وهدم الإسلام من أساسه، عاملهم الله بما يستحقون.

هذا وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد
صلى الله عليه وسلم
.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 29.21 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 28.58 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.15%)]