عرض مشاركة واحدة
  #21  
قديم 03-05-2021, 04:21 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,839
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مع آهل القرآن فى شهر القرآن يوميا فى رمضان


من فضائل القرآن في رمضان
عبدالرحمن بن أحمد بن رجب ( ابن رجب الحنبلي )
(21)


قال كعب: يُنادي يوم القيامة منادٍ: إنَّ كلَّ حارث يعطى بحرثه ويزاد، غير أن أهل القرآن والصيام يعطون أجورهم بغير حساب، ويشفعان له أيضًا عند الله - عَزَّ وَجَلَّ - كما في "المسند"، عن عبدالله بن عمرو، عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الصِّيام والقُرآن، يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: ربِّ مَنَعْته الطَّعام والشراب بالنهار، ويقول القرآن: منعته النَّوم باللَّيل، فَشَفّعني فيه، فيشفعان)).
فالصِّيام يشفع لِمَن منعه الطَّعام والشَّهَوات المُحَرَّمة كلها، سواء كان تحريمها يختص بالصِّيام، كشَهوة الطعام، والشَّراب، والنِّكاح، ومقدماتها، أو لا يختص به، كشهوة فضول الكلام المُحَرَّم، والسَّماع المحرم، والنَّظَر المُحَرَّم، والكَسْب المُحَرَّم، فإذا منعه الصيام مِن هذه المحرمات كلها، فإنه يشفع له عند الله يوم القيامة، ويقول: ياربِّ، منعته شهواته، فشَفِّعني فيه، فهَذا لِمَن حفظ صيامه، ومنعه من شهواته، فأمَّا مَن ضَيَّع صيامَه، ولم يمن
عه عمَّا حَرَّمَهُ الله عليه، فإنه جديرٌ أن يضرب به وجه صاحبه، ويقول له: ضَيَّعَكَ الله كما ضَيَّعْتَنِي، كما وَرَد مثل ذلك في الصَّلاة.

قال بعض السَّلَف: إذا احتضر المؤمن يُقال لِلْملك: شم رأسه، قال: أجد في رأسه القرآن، فيقال: شم قلبه، فيقول: أجد في قلبه الصيام، فيقال: شم قدميه، فيقول: أجد في قدميه القيام، فيقال: حفظ نفسه، حفظه الله - عز وجل.
وكذلك القرآن إنَّما يشفع لِمَن منعه منَ النَّوم بالليل، فإن مَن قَرَأ القرآن وقام به، فقد قام بحقِّه؛ فيشفع له.
وقد ذكر النَّبي - صلى الله عليه وسلم - رجلاً فقال: ((ذاك لا يتوسد القرآن))؛ يعني لا ينام عنه، فيصير له كالوسادة.
وخرج الإمام أحمد، من حديث بُرَيْدة مرفوعًا: "إنَّ القرآن يلقى صاحبه يوم القيامة، حتى ينشق عنه قبره، كالرجل الشاحب، فيقول: هل تعرفني؟ أنا صاحبكَ الذي أظمأتُكَ في الهَوَاجِر، وأسهرتُ ليلكَ، وكل تاجِرٍ من رواء تجارته، فيُعْطَى المُلْك بِيَمِينه، والخلد بشماله، ويوضع على رأسه تاج الوَقار، ثم يقال له: اقْرأ، واصعد، في درج الجنة وغرفها، فهو في صعود ما دام يقرأ هَذًّا كان، أو ترتيلاً".
وفي حديث عُبادة بن الصامت، الطويل: أنَّ القرآن يأتي صاحبه في القبر، فيقول له: أنا الذي كنت أسهر ليلكَ، وأظمئ نهارك، وأمنعك شهوتك، وسمعك وبصرك، فستجدني منَ الأَخِلاَّء خليل صدق، ث
م يصعد فيسأل الله له فِرَاشًا ودثارًا، فيُؤْمَر له بفراشٍ منَ الجَنَّة، وقنديل منَ الجنَّة، وياسمين منَ الجنَّة، ثم يدفع القرآن في قبلة القبر، فيوسع عليه ما شاء الله مِن ذلك".
قال ابن مسعود: ينبغِي لقارئ القرآن أن يُعْرَف بِلَيْلِه إذا الناس ينامون، ونهاره إذا الناس يفطرون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبِوَرَعه إذا الناس يخلطون، وبِصَمْته إذا الناس يخوضون، وبِخُشوعه
إذا الناس يَخْتالون، وبِحُزنه إذا الناس يفرحون.
قال محمد بن كعب[9]: كنا نعرف قارئ القرآن بِصُفرة لونه، يشير إلى سَهَره، وطول تَهَجُّده.

قال وهيب بن الورد[10]: قيل لرجل: ألا تنام؟ قال: إنَّ عجائب القرآن أطرن نَوْمي، وصحب رجل رجلاً شهرين، فلم يره نائمًا، فقال: مالي لا أراك نائمًا؟ قال: إنَّ عجائب القرآن أطرن نومي، ما أخرج من أعجوبة إلاَّ وقَعْتُ في أخرى.
قال أحمد ابن أبي الحواري[11]: إنِّي لأقرأ القرآن، وأنظر في آية فيحير عقلي بها، وأعجب من حُفَّاظ القرآن، كيف يهنيهم النوم، ويسعهم أن يشتغلوا بشيء منَ الدنيا، وهم يتلون كلام الله، أما إنهم لو فهموا ما يتلون، وعرفوا حقه، وتَلَذَّذوا به، واستحلوا المناجاة به، لذهب عنهم النوم فرحًا بما قد رزقوا[12].
أنشد ذو النون المصري:
مَنَعَ القُرَانُ بِوَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ مُقْلَ العُيُونِ بِلَيْلِهَا لاَ تَهْجَعُ
فَهِمُوا عَنِ المَلِكِ العَظِيمِ كَلاَمَهُ فَهْمًا
تَذِلُّ لَهُ الرِّقَابُ وَتَخْضَعُ
فأمَّا مَن كان معه منَ القرآن فنامَ بالليل، ولم يعملْ به بالنهار، فإنَّه ينتصب القرآن خصمًا له، يطالبه بحقوقه التي ضَيَّعَها.
وخرج الإمام أحمد من حديث سمرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى في منامِه رجلاً مستلقيًا على قفاه، ورجل قائمٌ بيده فهر[13] أو صخرة، فيشدخ به رأسه، فيتدهده[14] الحجر، فإذا ذهبَ ليأخذه عاد رأسه كما كان، فيصنع به مثل ذلك، فسأل عنه، فقيل له: هذا رجل آتاه الله القرآن، فنامَ عنه بالليل، ولم يعمل به بالنهار، فهو يفعل به ذلك إلى يوم القيامة؛ وقد خرجه البخاري بغير هذا اللفظ.
وفي حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي - صلى الله
عليه وسلم -: ((يمثل القرآن يوم القيامة رجلاً، فيؤتى بالرجل قد حمله، فخالف أمره، فيمثل له خصمًا، فيقول: يا ربِّ حملته إياي، فبئس حامل تعدى حدودي، وضيع فرائضي، وركب معصيتي، وترك طاعتي، فلا يزال يقذف عليه بالحجج حتى يقال: شأنك به، فيأخذ بيده فما يرسله حتى يكبه على منخره في النار، ويؤتى بالرجل الصالح كان قد حمله، وحفظ أمره، فيمثل خصمًا دونه، فيقول: يا رب حملته إياي، فخير حامل، حفظ حدودي، وعمل بفرائضي، واجتنب مَعصيتي، واتبع طاعتي، فلا يزال يقذف له بالحجج حتى يقال: شأنك به، فيأخذ بيده فما يرسله حتى يلبسه حلة الإستبرق، ويعقد عليه تاج الملك، ويسقيه كأس الخمر)).

يا مَن ضَيَّع عمره في غير الطاعة، يا مَن فَرَّط في شهره؛ بل في دهره وأضاعه، يا مَن بضاعته التسويف والتفريط، وبئست البضاعة، يا مَن جعل خصمه القرآن وشهر رمضان، كيف ترجو ممن جعلته خصمك الشفاعة.
وَيْلٌ لِمَنْ شُفَعَاؤُهُ خُصَمَاؤُهُ وَالصُّورُ فِي يَوْمِ القِيَامَةِ يُنْفَخُ

رُبّ صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، وقائم حَظّه من قيامه السَّهر، كل قيام لا يَنْه عن الفَحْشاء والمنكر لا يزيد صاحبه إلاَّ بُعْدًا، وكل صيام لا يُصان عن قول الزُّور والعمل به، لا يورث صاحبه إلاَّ مَقْتًا وردى، يا قوم أين آثار الصيام، أين أنوار القيام.
إِنْ كُنْتَ تَنُوحُ يَا حَمامَ البَانِ لِلْبَيْنِ أَيْنَ شَوَاهِدُ الأَحْزَانِ
أَجْفَانُكَ لِلدُّمُوعِ أَمْ أَجْفَانِي لاَ تُقْبَلُ دَعْوى بِلا بُرْهَانِ
هذا - عبادَ الله - شهر رمضان، الذي أُنْزل فيه القرآن، وفيه بقيته للعبادين مستمتع، وهذا كتاب الله يُتْلى فيه بين أظهركم ويسمع، وهو القرآن الذي لو أنزل على جبل لرأيته خاشعًا يَتَصَدَّع، ومع هذا فلا قَلْب يخشع، ولا عين تدمع، ولا صيام يُصان عنِ الحرام فينفع، ولا قيام استقام فيرجى لصاحبه أن يشفع، قلوب خَلَت منَ التقوى فهيَ خراب بلقع[15]، وتراكمتْ عليها ظلمة الذنوب، فهي لا تبصر ولا تسمع.
كم تتلى علينا آيات القرآن، وقلوبنا كالحجارة أو أشد قسوة، وكم يتوالى علينا شهر رمضان، وحالنا فيه كحال أهل الشقوة، ولا الشاب منا ينتهي عنِ الصبوة، ولا الشيخ منَّا يَنْزَجر عن القبيح فيلتحق بالصفوة، أين نحن من قوم، إذا سمعوا داعي الله أجابوا الدعوة، وإذا تليت عليهم آيات الله وجلت قلوبهم، وجلتها جلوة
؛ وإذا صاموا صامت منهم الألسنة والأسماع والأبصار، أفما لنا فيهم أسوة؟ كم بيننا وبين أهل الصفا؟ بيننا أبعد مما بيننا، وبين الصفا والمروة[16]، كلما حسنت منَّا الأقوال، ساءت منا الأعمال، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وحسبنا الله.

يَا نَفْسُ فَازَ الصَّالِحُونَ بِالتُّقَى وَأَبْصَرُوا الحَقَّ وَقَلْبِي قَدْ عَمِ
يَا حُسْنَهُمْ وَاللَّيْلُ قَدْ جَنَّهُمُ وَنُورُهُمْ يَفُوقُ نُورَ الأَنْجُمِ
تَرَنَّمُوا بِالذِّكْرِ فِي لَيْلِهِمُ فَعَيْشُهُمْ قَدْ طَابَ بِالتَّرَنُّمِ
قُلُوبُهُمْ بِالذِّكْرِ قَدْ تَفَرَّغَتْ دُمُوعُهُمْ كَلُؤْلُوءٍ مُنْتَظِمِ
أَسْحَارُهُمْ بِهِمْ لَهُمْ قَدْ أَشْرَقَتْ وَخلعُ الغُفْرَانِ خَيْر القَسَمِ
وَيْحَكِ يَا نَفْسُ أَلاَ تَيَقّظ يَنْفَعُ قَبْلَ أَنْ تَزِلَّ قَدَمِي
مَضَى الزَّمانُ فِي تَوَانٍ وَهَوًى فَاسْتَدْرِكِي مَا قَدْ بَقِي وَاغْتَنِمِي
[1] يقصد حيث الصَّحيحينِ عن ابن عباس - رضيَ الله عنهما - ق
ال: "كان النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أجود ما يكون في رمضان، حين يَلْقاه جبريل، فيُدَارسه القرآن - فَلَرَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - حين يلقاه جبريل أجود منَ الرِّيح المرسلة".
[2] سورة المزمل الآية 6.
[3] سورة القدر الآية 1.
[4] سورة البقرة الآية 185.
[5] سورة الدخان الآية 3.
[6] يُلاحَظُ أنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قَدَّمَ "النِّساء" على "آل
عمران"، وهذا أحق بالاتِّباع منَ الذين أَوْجَبُوا متابعة القراءة في الصلاة، حسب تَرْتيب المُصْحَف.
[7] إذا كان الإمام في التَّراويح بعهد عمر، يقرأ في الرَّكعة مائتي آية، ويطيل القِيَام والركوع والسجود، فكَيف تكون التَّراويح أكثر من ثماني ركعات؟! وانظر رسالة "صلاة التَّراويح"، طبع المكتب الإسلامي.
[8] هو أبو عبدالرحمن، زبيد بن الحارث بن عمرو بن كعب اليامي الكُوفي، ثقة ثَبْت عابِد، روى له الجماعة، توفِّي سنة 122 هـ.
[9] هو أبو حمزة القرظي التابعي المدني، من أهل العِلْم والرِّواية، قالوا عنه: ما كان أحدٌ أعلم بتأويل القرآن منه، وكان يقص في المسجد، فوقع عليهم السّقف، ومات سنة 118.
[10] هو عبدالوهاب بن الورد المخزومي بالولاء، أبو أمية، تابعي، متعبد، معروف بالحكمة والأدب، كان الإمام سفيان الثوري يسميه: الطيب، عاش وتوفي في مكة سنة 153هـ، وصغر اسمه وعرف بـ"مهيب".
[11] هو أحمد بن عبدالله بن ميمون بن أبي الحواري، التغلبي، م
نَ الزُّهاد، وكان ثقة في الحديث، مات سنة 146هـ.
[12] ولو شهد ما نعهده من أكثر القُرَّاء الآن، مِن اهتمام بالإلحان، وجعل القرآن مزامير وغناء، وأخذ الأجور على التلاوة، وارتكاب المخالفات!! فماذا يقول؟!
[13] الفهر: الحجر الذي يملئ الكف، ويكون رقيقًا.
[15] البلقع: المكان المقفر الخالي من كل خير.
[16] الصفا والمروة في مكة، وهو يقول هذا في دمشق للدلالة على بعد المسافة.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.83 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.20 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.75%)]