عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 19-04-2021, 02:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,873
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مجلس افتتاح شهر رمضان لابن الجوزي

فكم مؤّمل إدراك شهرك هذا فما أدركه، فاجأه الموتُ بغتةً فأهلكه.
وكم ناظرٍ إلى يوم صومه بعين الأمل، أعمتها بالممات أكفُّ الأجل.
كم طامعٍ أنْ تلقاه بين أترابه[30]، ألقاه الموتُ في عفر ترابه.
أين مَن كان معكم في شهر رمضان الماضي؟ أمَا أفنته آفاتُ المنون القواضي؟

أين مَن كان طويل[31] الأمل جِدًّا؟ أما نقله التلفُ مُسرعًا مُجدًا؟

أين صاحبُ العز القوي المتين؟ أما قطع الموتُ منه الوتين؟

أين مَن كان يترددُ إلى المساجد في الظُّلَم؟ سافرَ عن داره منذ زمان ولم؟

أين مَن صبر على مشقة الجوع والظما؟ غابَ فما آبَ ومضى فما.

أين الذين ارتفعتْ أصواتُهم بالأدعية؟ خرجتْ لك الجواهرُ من تلك الأوعية.

خَلَوْا والله بقبيحهم وحسَنِهم، وانتبهوا في ألحادهم مِن رقداتهم وسِنَنهم.

ما نفعَتْهم الإفاقة، في زمن الحاجة والفاقة.

ولا أفادَهم ذلك التيقُّظ، وقد انقضى أوانُ التحفُّظ.

شِينتْ محاسنُهم بكفِّ الطمس، وحلوا في اللحود بآفات الرمس، وكُفُّوا عن مقاصدهم بكفِّ الخمس، وغُمِسوا في بحار التَلَف بأفظع غمس، وعَدِمُوا نورَ القمر وضوءَ الشمس، وأصبحتْ مساكنهم ﴿ كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ﴾ [32].

ظنوا بلوغ الآمال وتوهموا، واعتقدوا دوام السلامة فلم يسلموا، وعلموا بالرحيل وكأنهم لم يعلموا، وناولوا أنفسهم عنان شهواتها وسلموا، وهتف بهم نذير التلف فلم يفهموا، فلما بلغوا منتهى آجالهم ولم يُظلموا، خلوا في ألحادهم بما كانوا قدموا، ونحن على آثارهم بعد قليل فاعلموا.

ولسنا بأبقى منهمُ غير أننا... أقمنا قليلًا بعدَهُم وتقدَّموا.


فصل:
عباد الله:
قد مضى عنكم شهران، رجب وشعبان، ولعل أكثر أيامهما ذهبَ في العصيان، وها أنتم اليوم في شهر رمضان، وهو شهرُ الإعتاق من النيران، لمَنْ ترك الذنوب واستحيا مِنْ رقيبه الديان، [لقوله: "الصوم لي وظانا أجزي به"[33]][34].

فاعلموا: هذا[35] شهر قد أقبل على المقبولين بتكثير الأجور، وعلى الصادقين بتوفير النور، وعلى المتقين بالفرح والسرور، وعلى التائبين بتقويم الأمور، وعلى العامل المُخلص بتكميل نصيبه.

شهر يتمُّ فيه الإسعاد والتكريم، ويتفضلُ بجزيل الإنعام الملكُ الكريم، ويُصفّدُ فيه كلُّ شيطان رجيم، ويُعافى فيه مريض الخطايا السقيم، إذا امتثل أمرَ طبيبه.

شهرٌ تتوفرُ فيه العطايا والمنح، ويتحصل كلُّ مأمولٍ ومقترح، ويتم للعابدين بالثواب الفرح، ويُغفر للعاصي كل ما اجترح، ويُعاد على مَن أصلح وصلح بإدنائه وتقريبه.

شهرٌ فيه الأحباب بالدعاء يعجُّون، وبالتضرع في جميع أوقاتهم يضجُّون، وفي نهاره من الغفلات يتحرجون، وفي دياجيه للمولى يناجون، وإلى سيدهم بآمالهم يلتجون، إذا سكن كلُّ حبيبٍ إلى حبيبه.

شهرٌ شريفُ القدر عظيم، وفيه يعفو عن عباده الرؤوفُ الرحيم، فاحفظوه لعله يحصل لكم جنات النعيم، ويقيكم في القيامة هولَ الجحيم، إذا أُنزعت القلوبُ لهيبة لهيبه.

لقد سعد من اتقى فيه ونجا، ولقد نال مؤَمِلُ الغفران فيه ما رجا، ولقد تم حال مَن أفطر على السؤال والتجا، وتسحر في جوف الليل وظلمة الدجى ببكائهونحيبه.

فصحِّحوا - رحمكم الله - الفروضَ والنوافل، واحترسوا - رحمكم الله - مِن سهام الغفلات قبل القواتل، وتيقَّظوا قبل لحاق الأواخر بالأوائل، واعتذروا في هذه الأيام القلائل، قبل أن يُردَّ اعتذار العاصي بتكذيبه.

واحذروا غِيبةَ الناس فإنها تُحبط الأجر، وجانبوا أكلَ الحرام فإنه سببُ الطرد والهجر، وعظِّموا شهرَكم فإنه عظيمُ القدر، وانتظروا بحُسن التيقُّظ فيه ليلةَ القدر، فإنها غريبةُ غريبهِ وعجيبةُ عجيبه.

وإياكم فيه وفضولَ النظر والكلام، واجتهدوا في حفظ[36] الصلاة والصيام، فقد رُوي أنه إذا سلمت الجمعةُ سلمت الأيام، وإذا سلم رمضانُ سلم العام[37]، عساه يقيكم شرَّ الوقوف غدًا على الأقدام، يوم يفرُّ المرءُ مِن أخيه، والنسيبُ مِن نسيبه.

وحقِّقوا في صياكم التقوى والورع، ولازموا الحذرَ قبل يوم الفزع، وراقبوا مولاكم لعله إذا اطلعَ منحَكم أفضلَ المنح ووهبَكم أحسنَ الخلع، "الصومُ لي وأنا أجزي به"[38].

الدعاء:
اللَّهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد واشملنا في صومنا بصونك، وأيدنا بحفظك وعونك، نحن وسائر المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين).




[1] - وكنتُ نشرتُ الكتاب عن نسخة نافذ باشا في إسطنبول، وهي نسخةٌ مختصرةٌ.

[2] - وفيها زيادة يسيرة نقلتُ بعضَها.

[3] - هكذا في النسختين.

[4] - في ط: سابق.

[5] - من سورة الرحمن، الآية 7.

[6] - من سورة الرحمن، الآية 37.

[7] - من سورة الرحمن، الآية 29.

[8] - من سورة فاطر، الآية 11.

[9] - من سورة الرحمن، الآية 26.

[10] - أي: عبدَهُ.

[11] - من سورة الرحمن، الآية 60.

[12] - من سورة الرحمن، الآية 46.

[13] - من سورة البقرة، الآية 185.

[14] - ط: أشرف.

[15] - ط: والمثير.

[16] - هنا اختصارٌ من الناسخ. وفي ط: "حدثنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة". وحذف سند المؤلف إليه.

[17] - رواه الترمذي (682).

[18] - أي المؤلفُ، وقد حذف الناسخُ الإسناد، وعوَّض عنه قوله هذا.

[19] - أورده المؤلفُ في كتابه "العلل المتناهية" (2/532)، وانظر: "تلخيص العلل المتناهية" للذهبي ص 172-173.

[20] - أي المؤلفُ، وقد حذف الناسخُ الإسناد، وعوَّض عنه قوله هذا.

[21] - في الأصل: «ليس أحد من المسلمين يقرأ تبارك سورة صبحة أول يوم من شهر رمضان إلا غفر له»!! وجاء على الصواب في ط.

[22] - قال المؤلفُ في «الموضوعات» (2/ 190): «باب الغفران أول يوم من رمضان: أنبأنا أبو منصور القزاز أنبأنا أبو بكر بن ثابت أنبأنا أبو طاهر محمد بن عبد الواحد الفقيه أنبأنا موسى بن عيسى بن عبد الله السراج حدثنا أبو بكر أحمد بن موسى السوانيطي حدثنا يوسف بن سعيد بن مسلم حدثنا قبيصة حدثنا سلام الطويل عن زياد بن ميمون عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تبارك وتعالى ليس بتارك أحدًا ‌صبيحة ‌أول ‌يوم ‌من ‌رمضان إلا غفر له. هذا حديث لا يصح. قال يحيى: سلام ليس بشيء. وقال البخاري والنسائي والدارقطني: متروك. وقال يزيد بن هارون: وزياد بن ميمون كذاب، وقال يحيى: ليس بشيء، وقال البخاري: تركوه».

[23] - أي المؤلفُ، وقد حذف الناسخُ الإسناد، وعوَّض عنه قوله هذا.

[24] - من ط.

[25] - أورده المؤلفُ في كتابه "العلل المتناهية" (2/536)، والذهبي في "تلخيصه" ص 173. ويُنظر "شُعب الإيمان" (3/335).

[26] - ط: شرعٌ.

[27] - أي في الدنيا.

[28] - في الأصل: فخذ. والمثبت من ط.

[29] - في الأصل: فكيف. والمثبت من ط.

[30] - في الأصل: أثوابه. والمثبت من ط.

[31] - في الأصل: في طويل! وليس "في" في ط.

[32] - من سورة يونس، الآية 24.

[33] - رواه البخاري (5583)، ومسلم (1151).

[34] - من ط.

[35] - قوله: "فاعلموا هذا" ليس في ط.

[36] - في الأصل: حب. والمثبت من ط.

[37] - قال المؤلفُ في كتابه «الموضوعات» (2/ 194): «باب سلامة العام بسلامة رمضان: أنبأنا الجريري أنبأنا العشاري حدثنا الدارقطني حدثنا أبو محمد بن صاعد حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري حدثنا عبد العزيز بن أبان حدثنا سفيان الثوري عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا سلمت الجمعة سلمت الأيام، وإذا سلم رمضان سلمت السنة. تفرَّد به عبد العزيز. قال يحيى: هو ليس بشيء، هو كذاب يضع الحديث، وقال محمد بن عبد الله بن نمير: هو كذاب».

[38] - مر.










__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.17 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.54 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.60%)]