عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 11-04-2021, 01:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,025
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التبيان في إعراب القرآن ----- متجدد



الكتاب : التبيان في إعراب القرآن
المؤلف : أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري
سورة البقرة
صــ43 إلى صــ 47
الحلقة (8)

قَالَ تَعَالَى : ( الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ( 27 ) ) .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( الَّذِينَ يَنْقُضُونَ ) : فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ صِفَةٌ لِلْفَاسِقِينَ .

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَصْبًا بِإِضْمَارِ أَعْنِي ، وَأَنْ يَكُونَ رَفْعًا عَلَى الْخَبَرِ ; أَيْ هُمُ الَّذِينَ .

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً وَالْخَبَرُ قَوْلُهُ : أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ .

( مِنْ بَعْدِ ) : مِنْ لِابْتِدَاءِ غَايَةِ الزَّمَانِ عَلَى رَأْيِ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ ، وَزَائِدَةٌ عَلَى رَأْيِ مَنْ لَمْ يُجِزْهُ ، وَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَى أَصْلِهِ ; لِأَنَّهُ لَا يُجِيزُ زِيَادَةَ مِنْ فِي الْوَاجِبِ .

( مِيثَاقِهِ ) : مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْإِيثَاقِ ، وَالْهَاءُ تَعُودَ عَلَى اسْمِ اللَّهِ ، أَوْ عَلَى الْعَهْدِ ; فَإِنْ أَعَدْتَهَا إِلَى اسْمِ اللَّهِ كَانَ الْمُصْدَرُ مُضَافًا إِلَى الْفَاعِلِ ، وَإِنْ أَعَدْتَهَا إِلَى الْعَهْدِ كَانَ مُضَافًا إِلَى الْمَفْعُولِ .

( مَا أَمَرَ ) : مَا بِمَعْنَى الَّذِي ; وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَكِرَةً مَوْصُوفَةً ، وَ " أَنْ يُوصَلَ " فِي مَوْضِعِ جَرٍّ بَدَلًا مِنَ الْهَاءِ ; أَيْ يُوصِلُهُ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ مَا بَدَلَ الِاشْتِمَالِ ; تَقْدِيرُهُ : وَيَقْطَعُونَ وَصْلَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ .

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ ; أَيْ هُوَ أَنْ يُوصَلَ .

( أُولَئِكَ ) مُبْتَدَأٌ : وَ " هُمْ " مُبْتَدَأٌ ثَانٍ ، أَوْ فَصْلٌ ، وَ " الْخَاسِرُونَ " الْخَبَرُ .

قَالَ تَعَالَى : ( كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) ( ( 28 ) ) .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ ) : كَيْفَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ ، وَالْعَامِلُ فِي [ ص: 43 ] تَكْفُرُونَ ; وَصَاحِبُ الْحَالِ الضَّمِيرُ فِي " تَكْفُرُونَ " ، وَنَحْوُ ذَلِكَ . وَ ( تَكْفُرُونَ ) : يَتَعَدَّى بِحَرْفِ الْجَرِّ ، وَقَدْ عُدِّيَ بِنَفْسِهِ فِي قَوْلِهِ : ( أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ ) : وَذَلِكَ حُمِلَ عَلَى الْمَعْنَى ، إِذِ الْمَعْنَى جَحَدُوا . ( وَكُنْتُمْ ) : " قَدْ " مَعَهُ مُضْمَرَةٌ ، وَالْجُمْلَةُ حَالٌ .

( ثُمَّ إِلَيْهِ ) : الْهَاءُ ضَمِيرُ اسْمِ اللَّهِ . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ضَمِيرَ الْإِحْيَاءِ الْمَدْلُولَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ : فَأَحْيَاكُمْ .

قَالَ تَعَالَى : ( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) ( 29 ) .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( جَمِيعًا ) : حَالٌ فِي مَعْنَى مُجْتَمِعًا . ( فَسَوَّاهُنَّ ) : إِنَّمَا جَمَعَ الضَّمِيرَ ; لِأَنَّ السَّمَاءَ جَمْعُ سَمَاوَةٍ ، أُبْدِلَتِ الْوَاوُ فِيهَا هَمْزَةً ، لِوُقُوعِهَا طَرَفًا بَعْدَ أَلِفٍ زَائِدَةٍ . ( سَبْعَ سَمَوَاتٍ ) : سَبْعَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْبَدَلِ مِنَ الضَّمِيرِ . وَقِيلَ التَّقْدِيرُ : فَسَوَّى مِنْهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ ; كَقَوْلِهِ : ( وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ ) : فَيَكُونُ مَفْعُولًا بِهِ ، وَقِيلَ سَوَّى بِمَعْنَى صَيَّرَ فَيَكُونُ مَفْعُولًا ثَانِيًا . ( وَهُوَ ) : يُقْرَأُ بِإِسْكَانِ الْهَاءِ ، وَأَصْلُهَا الضَّمُّ ; وَإِنَّمَا أُسْكِنَتْ لِأَنَّهَا صَارَتْ كَعَضُدٍ فَخُفِّفَتْ ، وَكَذَلِكَ حَالُهَا مَعَ الْفَاءِ وَاللَّامِ ; نَحْوَ : فَهُوَ ، لَهُوَ يُقْرَأُ . بِالضَّمِّ عَلَى الْأَصْلِ .
[ ص: 44 ] قَالَ تَعَالَى : ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ( 30 ) ) .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَإِذْ قَالَ ) : هُوَ مَفْعُولٌ بِهِ ، تَقْدِيرُهُ : وَاذْكُرْ إِذْ قَالَ .

وَقِيلَ : هُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ ، تَقْدِيرُهُ : وَابْتِدَاءُ خَلْقِي إِذْ قَالَ رَبُّكَ . وَقِيلَ : زَائِدَةٌ وَ ( لِلْمَلَائِكَةِ ) : مُخْتَلَفٌ فِي وَاحِدِهَا وَأَصْلِهَا ; فَقَالَ قَوْمٌ أَحَدُهُمْ فِي الْأَصْلِ مَأْلَكٌ عَلَى مَفْعَلٍ ; لِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْأَلُوكَةِ وَهِيَ الرِّسَالَةُ ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ :
وَغُلَامٍ أَرْسَلَتْهُ أُمُّهُ بِأَلُوكَ فَبَذَلْنَا مَا سَأَلْ
.

فَالْهَمْزَةُ فَاءُ الْكَلِمَةِ ، ثُمَّ أُخِّرَتْ فَجُعِلَتْ بَعْدَ اللَّامِ ، فَقَالُوا : مَلَأَكٌ ; قَالَ الشَّاعِرُ :
فَلَسْتُ لِإِنْسِيٍّ وَلَكِنْ لِمَلَاكٍ تَنَزَّلَ مِنْ جَوِّ السَّمَاءِ يَصُوبُ .


فَوَزْنُهُ الْآنَ مُعَفَّلٌ ، وَالْجَمْعُ مَلَائِكَةٌ عَلَى مَعَافِلَةٍ .

وَقَالَ آخَرُونَ : أَصْلُ الْكَلِمَةِ لَأَكٌ ، فَعَيْنُ الْكَلِمَةِ هَمْزَةٌ ، وَأَصْلُ مَلَكٍ مَلْأَكٌ مِنْ غَيْرِ نَقْلٍ . وَعَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ أُلْقِيَتْ حَرَكَةُ الْهَمْزَةِ عَلَى اللَّامِ ، وَحُذِفَتْ ; فَلَمَّا جُمِعَتْ رُدَّتْ فَوَزْنُهُ الْآنَ مَفَاعِلَةٌ .

وَقَالَ آخَرُونَ : عَيْنُ الْكَلِمَةِ وَاوٌ وَهُوَ مِنْ لَاكَ يَلُوكُ ، إِذَا أَدَارَ الشَّيْءَ فِي فِيهِ ; فَكَأَنَّ صَاحِبَ الرِّسَالَةِ يُدِيرُهَا فِي فِيهِ ، فَيَكُونُ أَصْلُ مَلَكٍ : مِثْلَ مَعَادٍ ، ثُمَّ حُذِفَتْ عَيْنُهُ تَخْفِيفًا ; فَيَكُونُ أَصْلُ مَلَائِكَةٍ مِثْلَ مَقَاوِلَةٍ ; فَأُبْدِلَتِ الْوَاوُ هَمْزَةً ، كَمَا أُبْدِلَتْ وَاوُ مَصَائِبَ .

وَقَالَ آخَرُونَ : مَلَكَ فَعَلَ مِنَ الْمُلْكِ وَهِيَ الْقُوَّةُ ، فَالْمِيمُ أَصْلٌ ، وَلَا حَذْفَ فِيهِ ، لَكِنَّهُ جُمِعَ عَلَى فَعَائِلَةٍ شَاذًّا : ( جَاعِلٌ ) : يُرَادُ بِهِ الِاسْتِقْبَالُ ، فَلِذَلِكَ عَمِلَ .

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى خَالِقٍ ، فَيَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ ، وَأَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى مُصَيِّرٍ ، فَيَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ ، وَيَكُونُ : فِي الْأَرْضِ هُوَ الثَّانِي . ( خَلِيفَةً ) : فَعِيلَةً بِمَعْنَى فَاعِلٍ ; أَيْ يَخْلُفُ غَيْرَهُ ، وَزِيدَتِ الْهَاءُ لِلْمُبَالَغَةِ .

( أَتَجْعَلُ ) : الْهَمْزَةُ لِلِاسْتِرْشَادِ ; أَيْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ كَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ قَبْلُ .

وَقِيلَ : اسْتَفْهَمُوا عَنْ أَحْوَالِ أَنْفُسِهِمْ ; أَيْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مُفْسِدًا وَنَحْنُ عَلَى طَاعَتِكَ ، أَوْ نَتَغَيَّرُ . ( يَسْفِكُ ) : الْجُمْهُورُ عَلَى التَّخْفِيفِ وَكَسْرِ الْفَاءِ ، وَقَدْ قُرِئَ بِضَمِّهَا ، وَهُمَا لُغَتَانِ ، وَيُقْرَأُ بِالتَّشْدِيدِ لِلتَّكْثِيرِ . وَهَمْزَةُ ( الدِّمَاءَ ) مُنْقَلِبَةٌ عَنْ يَاءٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ دَمَى ; لِأَنَّهُمْ قَالُوا دَمَيَانِ .

( بِحَمْدِكَ ) : فِي مَوْضِعِ الْحَالِ ; تَقْدِيرُهُ نُسَبِّحُ مُشْتَمِلِينَ بِحَمْدِكَ ، أَوْ مُتَعَبِّدِينَ بِحَمْدِكَ . ( وَنُقَدِّسُ لَكَ ) : أَيْ لِأَجْلِكَ ; وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ اللَّامُ زَائِدَةً ; أَيْ نُقَدِّسُكَ .

[ ص: 45 ] وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُعَدِّيَةً لِلْفِعْلِ ، كَتَعْدِيَةِ الْبَاءِ مِثْلَ سَجَدْتُ لِلَّهِ .

( إِنِّي أَعْلَمُ ) : الْأَصْلُ إِنَّنِي ، فَحُذَفِتِ النُّونُ الْوُسْطَى لَا نُونُ الْوِقَايَةِ ; هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ . ( وَأَعْلَمُ ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِعْلًا ، وَيَكُونُ مَا مَفْعُولًا إِمَّا بِمَعْنَى الَّذِي ، أَوْ نَكِرَةً مَوْصُوفَةً ، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْمًا مِثْلَ أَفْضَلَ ، فَيَكُونُ مَا فِي مَوْضِعِ جَرٍّ بِالْإِضَافَةِ .

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِأَعْلَمَ ، كَقَوْلِهِمْ : هَؤُلَاءِ حَوَاجُّ بَيْتِ اللَّهِ بِالنَّصْبِ وَالْجَرِّ ; وَسَقَطَ التَّنْوِينُ ، لِأَنَّ هَذَا الِاسْمَ لَا يَنْصَرِفُ . فَإِنْ قُلْتَ أَفْعَلُ لَا يَنْصِبُ مَفْعُولًا قِيلَ إِنْ كَانَتْ مِنْ مَعَهُ مُرَادَةً لَمْ يُنْصَبْ ، وَأَعَلَمُ هُنَا بِمَعْنَى عَالِمٍ ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِأَعْلَمَ : أَعْلَمَ مِنْكُمْ ، فَيَكُونُ " مَا " فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ الِاسْمُ ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ : ( هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ ) [ الْأَنْعَامِ : 117 ] .

قَالَ تَعَالَى : ( وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ( 31 ) ) .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَعَلَّمَ ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا ، وَأَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى : ( قَالَ رَبُّكَ ) : وَمَوْضِعُ جَرٍّ ، كَمَوْضِعِ قَالَ ، وَقَوَّى ذَلِكَ إِضْمَارُ الْفَاعِلِ . وَقُرِئَ : " وَعُلِّمَ آدَمُ " عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ . وَ ( آدَمَ ) : أَفْعَلُ ، وَالْأَلِفُ فِيهِ مُبْدَلَةٌ مِنْ هَمْزَةٍ هِيَ فَاءُ الْفِعْلِ ; لِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ أَدِيمِ الْأَرْضِ ، أَوْ مِنَ الْأَدَمَةِ ; وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَزْنُهُ فَاعِلًا ; إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَانَصْرَفَ مِثْلَ عَالَمٍ وَخَاتَمٍ ، وَالتَّعْرِيفُ وَحْدَهُ لَا يَمْنَعُ وَلَيْسَ بِأَعْجَمِيٍّ .

( ثُمَّ عَرَضَهُمْ ) : يَعْنِي أَصْحَابَ الْأَسْمَاءِ فَلِذَلِكَ ذَكَرَ الضَّمِيرَ .

( هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ ) : يُقْرَأُ بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَتَيْنِ عَلَى الْأَصْلِ . وَيُقْرَأُ بِهَمْزَةٍ وَاحِدَةٍ ; قِيلَ : الْمَحْذُوفَةُ هِيَ الْأُولَى ، لِأَنَّهَا لَامُ الْكَلِمَةِ ، وَالْأُخْرَى أَوَّلُ الْكَلِمَةِ الْأُخْرَى ، وَحَذْفُ الْآخَرِ أَوْلَى . وَقِيلَ الْمَحْذُوفَةُ الثَّانِيَةُ ; لِأَنَّ الثِّقَلَ بِهَا حَصَلَ .

[ ص: 46 ] وَيُقْرَأُ بِتَلْيِينِ الْهَمْزَةِ الْأُولَى وَتَحْقِيقِ الثَّانِيَةِ ، وَبِالْعَكْسِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُبَدِّلُ الثَّانِيَةَ يَاءً سَاكِنَةً ، كَأَنَّهُ قَدَّرَهُمَا فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ طَلَبًا لِلتَّخْفِيفِ .
قَالَ تَعَالَى : ( قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ( 32 ) ) .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( سُبْحَانَكَ ) : سُبْحَانَ اسْمٌ وَاقِعٌ مَوْقِعَ الْمَصْدَرِ ، وَقَدِ اشْتُقَّ مِنْهُ سَبَّحْتُ وَالتَّسْبِيحُ ، وَلَا يَكَادُ يُسْتَعْمَلُ إِلَّا مُضَافًا ; لِأَنَّ الْإِضَافَةَ تُبَيِّنُ مَنِ الْمُعَظَّمُ ، فَإِذَا أُفْرِدَ عَنِ الْإِضَافَةِ كَانَ اسْمًا عَلَمَا لِلتَّسْبِيحِ لَا يَنْصَرِفُ لِلتَّعْرِيفِ ، وَالْأَلِفُ وَالنُّونُ فِي آخِرِهِ مِثْلَ عُثْمَانَ ، وَقَدْ جَاءَ فِي الشِّعْرِ مُنَوَّنًا عَلَى نَحْوِ تَنْوِينِ الْعَلَمِ إِذَا نُكِّرَ ، وَمَا يُضَافُ إِلَيْهِ مَفْعُولٌ بِهِ ; لِأَنَّهُ الْمُسَبَّحُ .

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلًا ; لِأَنَّ الْمَعْنَى تَنَزَّهْتَ ، وَانْتِصَابُهُ عَلَى الْمَصْدَرِ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ سَبَّحْتُ اللَّهَ تَسْبِيحًا .

( إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ) : مَا مَصْدَرِيَّةٌ ; أَيْ إِلَّا عِلْمًا عَلَّمْتَنَاهُ ، وَمَوْضِعُهُ رَفْعٌ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ مَوْضِعِ لَا عِلْمَ كَقَوْلِكَ : لَا إِلَهُ إِلَّا اللَّهُ .

وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَا بِمَعْنَى الَّذِي ، وَيَكُونُ عِلْمٌ بِمَعْنَى مَعْلُومٍ أَيْ لَا مَعْلُومَ لَنَا إِلَّا الَّذِي عَلَّمْتَنَاهُ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِالْعِلْمِ ; لِأَنَّ اسْمَ لَا إِذَا عَمِلَ فِيمَا بَعْدَهُ لَا يُبْنَى . ( إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ ) : أَنْتَ مُبْتَدَأٌ ، وَالْعَلِيمُ خَبَرُهُ ، وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ إِنَّ .

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَنْتَ تَوْكِيدًا لِلْمَنْصُوبِ ، وَوَقَعَ بِلَفْظِ الْمَرْفُوعِ لِأَنَّهُ هُوَ الْكَافُ فِي الْمَعْنَى ; وَلَا يَقَعُ هَاهُنَا إِيَّاكَ لِلتَّوْكِيدِ ; لِأَنَّهَا لَوْ وَقَعَتْ لَكَانَتْ بَدَلًا ، وَإِيَّاكَ لَمْ يُؤَكَّدْ بِهَا .

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَصْلًا لَا مَوْضِعَ لَهَا مِنَ الْإِعْرَابِ .

وَ ( الْحَكِيمُ ) : خَبَرٌ ثَانٍ ، أَوْ صِفَةٌ لِلْعَلِيمِ عَلَى قَوْلِ مَنْ أَجَازَ صِفَةَ الصِّفَةِ ، وَهُوَ صَحِيحٌ ; لِأَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ هِيَ الْمَوْصُوفُ فِي الْمَعْنَى .

وَالْعَلِيمُ بِمَعْنَى الْعَالِمِ . وَأَمَّا الْحَكِيمُ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْحَاكِمِ ، وَأَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْمُحْكَمِ .

قَالَ تَعَالَى : ( قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ( 33 ) ) .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( أَنْبِئْهُمْ ) : يُقْرَأُ بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَةِ عَلَى الْأَصْلِ ، وَبِالْيَاءِ عَلَى تَلْيِينِ الْهَمْزَةِ ، وَلَمْ نَقْلِبْهَا قَلْبًا قِيَاسًا ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَحُذِفَتِ الْيَاءُ كَمَا تُحْذَفُ مِنْ قَوْلِكَ : أَبْقِهِمْ مِنْ بَقِيتُ .

[ ص: 47 ] وَقَدْ قُرِئَ أَنْبِهُمْ بِكَسْرِ الْبَاءِ مِنْ غَيْرِ هَمْزَةٍ وَيَاءٍ عَلَى أَنْ يَكُونَ إِبْدَالُ الْهَمْزَةِ يَاءً إِبْدَالًا قِيَاسِيًّا .

وَأَنْبَأَ يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ ، وَإِلَى الثَّانِي بِحَرْفِ الْجَرِّ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : بِأَسْمَائِهِمْ وَقَدْ يَتَعَدَّى بِعَنْ ; كَقَوْلِكَ : أَنْبَأْتُهُ عَنْ حَالِ زَيْدٍ . وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : ( قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ ) [ التَّوْبَةِ : 94 ] فَيُذْكَرُ فِي مَوْضِعِهِ .

( وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ ) : مُسْتَأْنَفٌ ، وَلَيْسَ بِمَحْكِيٍ بِقَوْلِهِ : أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَحْكِيًّا أَيْضًا ، فَيَكُونُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ . وَتُبْدُونَ وَزْنُهُ تُفْعُونَ ، وَالْمَحْذُوفُ مِنْهُ لَامُهُ وَهِيَ وَاوٌ ; لِأَنَّهُ مِنْ بَدَا يَبْدُو .

وَالْأَصْلُ فِي الْيَاءِ الَّتِي فِي : إِنِّي أَنْ تُحَرَّكَ بِالْفَتْحِ ; لِأَنَّهَا اسْمٌ مُضْمَرٌ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ ، فَتُحَرَّكُ مِثْلُ الْكَافِ فِي إِنَّكَ فَمَنْ حَرَّكَهَا أَخْرَجَهَا عَلَى الْأَصْلِ ، وَمَنْ سَكَّنَهَا اسْتَثْقَلَ حَرَكَةَ الْيَاءِ بَعْدَ الْكَسْرَةِ .

قَالَ تَعَالَى : ( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ( 34 ) ) .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا ) : الْجُمْهُورُ عَلَى كَسْرِ التَّاءِ . وَقُرِئَ بِضَمِّهَا ، وَهِيَ قِرَاءَةٌ ضَعِيفَةٌ جِدًّا ، وَأَحْسَنُ مَا تُحَمَلُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي لَمْ يَضْبُطْ عَلَى الْقَارِئِ ، وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْقَارِئُ أَشَارَ إِلَى الضَّمِّ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْهَمْزَةَ الْمَحْذُوفَةَ مَضْمُومَةٌ فِي الِابْتِدَاءِ ، وَلَمْ يُدْرِكِ الرَّاوِي هَذِهِ الْإِشَارَةَ .

وَقِيلَ إِنَّهُ نَوَى الْوَقْفَ عَلَى التَّاءِ سَاكِنَةً ، ثُمَّ حَرَّكَهَا بِالضَّمِّ إِتْبَاعًا لِضَمَّةِ الْجِيمِ ، وَهَذَا مِنْ إِجْرَاءِ الْوَصْلِ مَجْرَى الْوَقْفِ . وَمِثْلُهُ مَا حُكِيَ عَنِ امْرَأَةٍ رَأَتْ نِسَاءً مَعَهُنَّ رَجُلٌ ، فَقَالَتْ : أَفِي السَّوَ تَنْتُنَّهُ ، بِفَتْحِ التَّاءِ ، وَكَأَنَّهَا نَوَتِ الْوَقْفَ عَلَى التَّاءِ ، ثُمَّ أَلْقَتْ عَلَيْهَا حَرَكَةَ الْهَمْزَةِ فَصَارَتْ مَفْتُوحَةً .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 29.79 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 29.17 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.11%)]