عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 20-01-2021, 05:05 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التبيان في إعراب القرآن ----- متجدد



الكتاب : التبيان في إعراب القرآن
المؤلف : أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري
سورة البقرة
صــ20 إلى صــ 25
الحلقة (4)


قال تعالى : ( ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين ( 2 ) ) .

قوله عز وجل : ( ذلك ) : ذا اسم إشارة ، والألف من جملة الاسم .

[ ص: 20 ] وقال الكوفيون الذال وحدها هي الاسم ، والألف زيدت لتكثير الكلمة ، واستدلوا على ذلك بقولهم : ذه أمة الله ; وليس ذلك بشيء ; لأن هذا الاسم اسم ظاهر ، وليس في الكلام اسم ظاهر على حرف واحد حتى يحمل هذا عليه ، ويدل على ذلك قولهم في التصفير : ذيا فردوه إلى الثلاثي ، والهاء في ذه بدل من الياء في ذي .

وأما اللام فحرف زيد ليدل على بعد المشار إليه .

وقيل هي بدل من ها ; ألا تراك تقول هذا ، وهذاك ; ولا يجوز هذلك .

وحركت اللام لئلا يجتمع ساكنان ، وكسرت على أصل التقاء الساكنين ، وقيل كسرت للفرق بين هذه اللام ولام الجر ، إذ لو فتحتها فقلت : ذلك ، لالتبس بمعنى الملك .

وقيل : ذلك هاهنا بمعنى هذا . وموضعه رفع ، إما على أنه خبر الم ، والكتاب عطف بيان ، ولا ريب في موضع نصب على الحال ، أي هذا الكتاب حقا أو غير ذي شك ، وإما أن يكون ذلك مبتدأ ، والكتاب خبره ، ولا ريب حال ، ويجوز أن يكون الكتاب عطف بيان ، ولا ريب فيه الخبر ، وريب مبني عند الأكثرين ; لأنه ركب مع لا ، وصير بمنزلة خمسة عشر ، وعلة بنائه تضمنه معنى من ، إذ التقدير لا من ريب ، واحتيج إلى تقدير من لتدل لا على نفي الجنس ، ألا ترى أنك تقول لا رجل في الدار فتنفي الواحد وما زاد عليه ، فإذا قلت لا رجل في الدار ، فرفعت ونونت ، نفيت الواحد ولم تنف ما زاد عليه إذ يجوز أن يكون فيها اثنان أو أكثر .

وقوله : ( فيه ) فيه وجهان : أحدهما : هو في موضع خبر لا ، ويتعلق بمحذوف تقديره لا ريب كائن فيه ، فيقف حينئذ على فيه . والوجه الثاني : أن يكون لا ريب آخر الكلام وخبره محذوف للعلم به ، ثم تستأنف ، فتقول فيه هدى ، فيكون هدى مبتدأ ، وفيه الخبر ، وإن شئت كان هدى فاعلا مرفوعا بفيه ، ويتعلق في على الوجهين بفعل محذوف . وأما هدى فألفه منقلبة عن ياء ; لقولك : هديت والهدى .

[ ص: 21 ] وفي موضعه وجهان : أحدهما : رفع ، إما مبتدأ ، أو فاعل على ما ذكرنا ; وإما أن يكون خبر مبتدأ محذوف ; أي هو هدى ; وإما أن يكون خبرا لذلك بعد خبر .

والوجه الثاني : أن يكون في موضع نصب على الحال من الهاء في فيه ; أي لا ريب فيه هاديا ، فالمصدر في معنى اسم الفاعل ، والعامل في الحال معنى الجملة تقديره : أحققه هاديا . ويجوز أن يكون العامل فيه معنى التنبيه والإشارة الحاصل من قوله ذلك .

قوله تعالى : ( للمتقين ) اللام متعلقة بمحذوف تقديره : كائن أو كائنا على ما ذكرناه من الوجهين في الهدى ، ويجوز أن يتعلق اللام بنفس الهدى ; لأنه مصدر ، والمصدر يعمل عمل الفعل ، وواحد المتقين متقي ، وأصل الكلمة من وقى فعل ، ففاؤها واو ، ولامها ياء ، فإذا بنيت من ذلك افتعل قلبت الواو تاء ، وأدغمتها في التاء الأخرى ، فقلت : اتقى ، وكذلك في اسم الفاعل وما تصرف منه ، نحو متق ومتقى .

ومتق : اسم ناقص ، وياؤه التي هي لام محذوفة في الجمع لسكونها وسكون حرف الجمع بعدها ; كقولك : متقون ومتقين ووزنه في الأصل مفتعلون ; لأن أصله موتقيون ، فحذفت اللام لما ذكرناه فوزنه الآن مفتعون ومفتعين ، وإنما حذفت اللام دون علامة الجمع ; لأن علامة الجمع دالة على معنى ، إذا حذفت لا يبقى على ذلك المعنى دليل ، فكان إبقاؤها أولى .
قال تعالى : ( الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ( 3 ) ) .

قوله تعالى : ( الذين يؤمنون ) هو في موضع جر صفة للمتقين ، ويجوز أن يكون في موضع نصب ، إما على موضع للمتقين ، أو بإضمار أعني .

ويجوز أن يكون في موضع رفع على إضمارهم ، أو مبتدأ وخبره ( أولئك على هدى ) . وأصل ( يؤمنون ) يؤأمنون ; لأنه من الأمن ، والماضي منه آمن ، فالألف بدل من همزة ساكنة قلبت ألفا كراهية اجتماع همزتين ، ولم يحققوا الثانية في موضع ما لسكونها ، وانفتاح ما قبلها . ونظيره في الأسماء : آدم ، آخر .

فأما في المستقبل فلا تجمع بين الهمزتين اللتين هما الأصل ; لأن ذلك يفضي بك في المتكلم إلى ثلاث همزات : الأولى همزة المضارعة ، والثانية همزة أفعل التي في آمن ، [ ص: 22 ] والثالثة الهمزة التي هي فاء الكلمة ، فحذفوا الوسطى كما حذفوها في أكرم ; لئلا تجتمع الهمزات ، وكان حذف الوسطى أولى من حذف الأولى ; لأنها حرف معنى ، ومن حذف الثالثة : لأن الثالثة فاء الكلمة : والوسطى زائدة .

وإذا أردت تبيين ذلك فقل : إن آمن أربعة أحرف ، فهو مثل دحرج ، فلو قلت : أدحرج لأتيت بجميع ما كان في الماضي وزدت عليه همزة المتكلم ، فمثله يجب أن يكون في أومن ، فالباقي من الهمزات : الأولى ، والواو التي بعدها مبدلة من الهمزة الساكنة التي هي فاء الكلمة ، والهمزة الوسطى هي المحذوفة ، وإنما قلبت الهمزة الساكنة واوا لسكونها وانضمام ما قبلها ، فإذا قلت " نؤمن ، وتؤمن ، ويؤمن ، جاز لك فيه وجهان : أحدهما : الهمز على الأصل .

والثاني : قلب الهمزة واوا تخفيفا ، وحذفت الهمزة الوسطى حملا على أومن ، والأصل يؤأمن ، فأما أومن فلا يجوز همز الثانية بحال لما ذكرنا .

و ( الغيب ) هنا : مصدر بمعنى الفاعل أي يؤمنون بالغائب عنهم .

ويجوز أن يكون بمعنى المفعول ; أي المغيب كقوله : ( هذا خلق الله ) [ لقمان : 11 ] ; أي مخلوقه . ودرهم ضرب الأمير أي مضروبه .

قوله عز وجل : ( ويقيمون ) أصله يؤقومون ، وماضيه أقام ، وعينه واو ; لقولك فيه يقوم ، فحذفت الهمزة كما حذفت في أقيم لاجتماع الهمزتين ، وكذلك جميع ما فيه حرف مضارعة لئلا يختلف باب أفعال المضارعة . وأما الواو فعمل فيها ما عمل في نستعين ، وقد ذكرناه . وألف الصلاة منقلبة عن واو لقولك صلوات . والصلاة مصدر صلى . ويراد بها هاهنا الأفعال والأقوال المخصوصة ، فلذلك جرت مجرى الأسماء غير المصادر .

قوله تعالى : ( ومما رزقناهم ) : من متعلقة بـ ( ينفقون ) ، والتقدير : وينفقون مما رزقناهم ; فيكون الفعل قبل المفعول كما كان قوله ( يؤمنون ) و ( يقيمون ) كذلك ، وإنما أخر الفعل عن المفعول لتتوافق رءوس الآي . وما بمعنى الذي ، ورزقنا يتعدى إلى مفعولين ، وقد حذف الثاني منهما هنا ، وهو العائد على ما ، تقديره رزقناهموه ، أو رزقناهم إياه .

[ ص: 23 ] ويجوز أن تكون ما نكرة موصوفة بمعنى شيء ; أي ومن مال رزقناهم ; فيكون رزقناهم في موضع جر صفة لما . وعلى القول الأول لا يكون له موضع ; لأن الصلة لا موضع لها ولا يجوز أن تكون ما مصدرية ; لأن الفعل لا ينفق ومن للتبعيض ويجوز أن تكون لابتداء غاية الإنفاق .

وأصل ( ينفقون ) يؤنفقون ; لأن ماضيه أنفق ، وقد تقدم نظيره .
قال تعالى : ( والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون ( 4 ) ) .

قوله تعالى : ( بما أنزل إليك ) وما هاهنا بمعنى الذي ولا يجوز أن تكون نكرة موصوفة أي بشيء أنزل إليك لأنه لا عموم فيه على هذا ولا يكمل الإيمان إلا أن يكون بجميع ما أنزل إلى النبي وما للعموم وبذلك يتحقق الإيمان .

والقراءة الجيدة أنزل إليك ، بتحقيق الهمزة . وقد قرئ في الشاذ ( أنزل إليك ) بتشديد اللام .

والوجه فيه أنه سكن لام أنزل ، وألقى عليها حركة الهمزة فانكسرت اللام وحذفت الهمزة فلقيتها لام إلى فصار اللفظ بما ( أنزل ليك ) ، فسكنت اللام الأولى ، وأدغمت في اللام الثانية ، والكاف هنا ضمير المخاطب ، وهو النبي ، ويجوز أن يكون ضمير الجنس المخاطب ، ويكون في معنى الجمع ، وقد صرح به في آي أخر كقوله : ( لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم ) [ الأنبياء : 10 ] .

قوله تعالى : ( وبالآخرة ) الباء متعلقة بـ ( يوقنون ) ، ولا يمتنع أن يعمل الخبر فيما قبل المبتدأ ، وهذا يدل على أن تقديم الخبر على المبتدأ جائز ، إذ المعمول لا يقع في موضع لا يقع فيه العامل ، والآخرة صفة ، والموصوف محذوف ، تقديره : وبالساعة الآخرة ، أو بالدار الآخرة كما قال : ( وللدار الآخرة خير ) وقال : ( واليوم الآخر ) [ البقرة : 62 ، 126 ، 177 ] .

[ ص: 24 ] قوله تعالى : ( هم يوقنون ) هم مبتدأ ذكر على جهة التوكيد ، ولو قال وبالآخرة يوقنون لصح المعنى ، والإعراب ، ووجه التوكيد في هم تحقيق عود الضمير إلى المذكورين لا إلى غيرهم ، ويوقنون الخبر ، وأصله يؤيقنون ; لأن ماضيه أيقن ، والأصل أن يؤتى في المضارع بحروف الماضي ، إلا أن الهمزة حذفت لما ذكرنا في يؤمنون ، وأبدلت الياء واوا لسكونها وانضمام ما قبلها .

قال تعالى : ( أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون ( 5 ) ) .

قوله تعالى : ( أولئك ) هذه صيغة جمع على غير لفظ واحده ، وواحده ذا ; ويكون أولئك للمؤنث والمذكر ، والكاف فيه حرف للخطاب وليست اسما ، إذ لو كانت اسما لكانت إما مرفوعة أو منصوبة ، ولا يصح شيء منهما ، إذ لا رافع هنا ولا ناصب ، وإما أن تكون مجرورة بالإضافة ، وأولاء لا تصح إضافته ; لأنه مبهم ، والمبهمات لا تضاف ، فبقي أن تكون حرفا مجردا للخطاب ، ويجوز مد أولاء وقصره في غير القرآن .

وموضعه هنا رفع بالابتداء ، و : ( على هدى ) الخبر ، وحرف الجر متعلق بمحذوف أي أولئك ثابتون على هدى ويجوز أن يكون أولئك خبر الذين يؤمنون بالغيب وقد ذكر .

فإن قيل : أصل على الاستعلاء ، والهدى لا يستعلى عليه ، فكيف يصح معناه هاهنا ؟ .

قيل معنى الاستعلاء حاصل ; لأن منزلتهم علت باتباع الهدى .

ويجوز أن يكون لما كانت أفعالهم كلها على مقتضى الهدى ، كان تصرفهم بالهدى كتصرف الراكب بما يركبه .

قوله تعالى : ( من ربهم ) في موضع جر صفة لهدى ، ويتعلق الجار بمحذوف تقديره هدى كائن ، وفي الجار والمجرور ضمير يعود على الهدى ، ويجوز كسر الهاء وضمها على ما ذكرنا في عليهم في الفاتحة .

قوله تعالى : ( وأولئك ) مبتدأ ، و : هم مبتدأ ثان و : ( المفلحون ) خبر المبتدأ الثاني ، والثاني وخبره خبر الأول .

ويجوز أن يكون هم فصلا لا موضع له من الإعراب ، والمفلحون خبر أولئك .

[ ص: 25 ] والأصل في مفلح مؤفلح ، ثم عمل فيه ما ذكرناه في يؤمنون .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.46 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.83 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.68%)]