عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 16-08-2022, 07:29 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,947
الدولة : Egypt
افتراضي الديات في الإسلام

الديات في الإسلام
الشيخ صلاح نجيب الدق

الْحَمْدُ لِلَّهِ، الذي أكملَ لنا الدين، وأتم علينا نعمته، ورضيَ لنا الإسلام دينًا، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، الَّذِي أَرْسَلَهُ رَبُّهُ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا؛ أما بعدُ:
فاللهُ تعالى خَلَقَ الإنسان وكَـــرَّمهُ وأمَرنا بالمحافظة على دمه؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾ [الإسراء: 70].

وقال سبحانه: ﴿ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ﴾ [المائدة: 32].

قَالَ مُجَاهِدٌ بن جبر رحمه الله: "مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُحَرَّمَةً يَصْلَى النَّارَ بِقَتْلِهَا، كَمَا يَصْلَاهَا لَوْ قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا، وَمَنْ أَحْيَاهَا؛ أَيْ: مَنْ سَلِمَ مِنْ قَتْلِهَا، فَكَأَنَّمَا سَلِمَ مِنْ قَتْلِ النَّاسِ جَمِيعًا"؛ [تفسير البغوي، ج: 3، ص: 46].

لذلك شرع الله تعالى الدية؛ زجرًا للناس لكي يحافظوا على حياة الإنسان، والدية لها أحكام شرعية ينبغي على المسلم معرفتها؛ فأقول وبالله تعالى التوفيق:
تعريف الدية:
الدِّيَةُ: هي المالُ الذي يُعْطى إلى المجني عليه أو إلى أوليائه أو ورثته بسبب جناية.

وتُسَمَّى الدِّيَةُ بالعقل؛ وذلك لأنهم كانوا يأتون بالإبل فيعقلونها يربطونها بفناء ولي المقتول، وقيل: لأن هذه الدِّيَة تَعْقِل؛ أي: تمنع إراقة دم القاتل؛ [الموسوعة الفقهية الكويتية، ج: 21، ص: 44].

مشروعية الدية:
الأصلُ في وجوب الدِّيَةِ القرآن والسُّنَّة وإجماع فقهاء المسلمين.

أولًا: القرآن:
يقولُ اللهُ تعالى: ﴿ وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا ﴾ [النساء: 92].

ثانيًا: السُّنة:
روى أبو داودَ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرِو بنِ العاص: ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ يَوْمَ الْفَتْحِ بِمَكَّةَ فَكَبَّرَ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، صَدَقَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، أَلَا إِنَّ كُلَّ مَأْثُرَةٍ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تُذْكَرُ وَتُدْعَى مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ تَحْتَ قَدَمَيَّ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ سِقَايَةِ الْحَاجِّ، وَسِدَانَةِ الْبَيْتِ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا إِنَّ دِيَةَ الْخَطَأ، شِبْهِ الْعَمْدِ مَا كَانَ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ، مِنْهَا أَرْبَعُونَ فِي بُطُونِ أَوْلَادِهَا))؛ [حديث حسن، صحيح أبي داود للألباني، حديث: 3807].

ثالثًا: الإجماع:
أجمعَ فقهاءُ المسلمين على وجوب الدِّيَة؛ [المغني لابن قدامة، ج: 12، ص: 5].

مقدار الدية:
أجمعَ فقهاءُ المسلمين على أن الإبل أصلٌ في الدِّيَةِ، وأما ما ثبت في تقدير الدية بغير ذلك، فإنما هو مبنيٌّ على تقويمها بالإبل، ويجوز أخذ الدية من غير الإبل بما يناسب كل مكان على حدة، بشرط أن تكون هذه الدِّيَة مقدرة بقيمة الإبل.

روى أبو داودَ عَنْ عبدالله بن عَمْرِو بْنِ العاص، رضي اللهُ عنهما، قَالَ: ((كَانَتْ قِيمَةُ الدِّيَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانَ مِائَةِ دِينَارٍ أَوْ ثَمَانِيَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَدِيَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ يَوْمَئِذٍ النِّصْفُ مِنْ دِيَةِ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ: فَكَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ حَتَّى اسْتُخْلِفَ عُمَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَامَ خَطِيبًا، فَقَالَ: أَلَا إِنَّ الْإِبِلَ قَدْ غَلَتْ، قَالَ: فَفَرَضَهَا عُمَرُ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفَ دِينَارٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، وَعَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الشَّاءِ أَلْفَيْ شَاةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْحُلَلِ مِائَتَيْ حُلَّةٍ، قَالَ: وَتَرَكَ دِيَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَمْ يَرْفَعْهَا فِيمَا رَفَعَ مِنْ الدِّيَةِ))؛ [حديث حسن، صحيح أبي داود للألباني، حديث: 3806].

وعلى ذلك نقول وبالله تعالى التوفيق أن الدِّيَةَ هي:
مائة من الإبل، أو مائتا بقرة، أو ألفا شاةٍ، أو ألف دينار، أو اثنا عشرة ألف درهم، وذلك بما يُناسبُ المكان الذي تمت في جريمة القتل؛ [المغني لابن قدامة، ج: 12، ص: 6 - 8، المجموع للنووي، ج: 19، ص: 47، ص: 51].

أولًا: دية النفس:
1- دية المسلم الحر: رجل أو امرأة:
مائة من الإبل أو ما يعادلها من المال، في القتل العمد، وتكون مغلظة، وتجب في مال القاتل نفسه؛ [المجموع للنووي، ج: 19، ص: 40].

روى الترمذيُّ عَنْ عبدِالله بنِ عَمْرِو بْنِ العاص أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا دُفِعَ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُول، فَإِنْ شَاؤوا قَتَلُوا، وَإِنْ شَاؤوا أَخَذُوا الدِّيَةَ، وَهِيَ ثَلَاثُونَ حِقَّةً، وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً، وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً، وَمَا صَالَحُوا عَلَيْهِ، فَهُوَ لَهُمْ؛ وَذَلِكَ لِتَشْدِيدِ الْعَقْلِ))؛ [حديث حسن، صحيح الترمذي للألباني، حديث: 1121].

2- دية القتل شبه العمد: هي ديةٌ مغلظةٌ مائة من الإبل، أربعون منها في بطونها أولادها، أو ما يعادلها من المال تدفعها عاقلة الجاني لأهل القتيل؛ [المجموع للنووي، ج: 19، ص: 40، المغني لابن قدامة، ج: 11، ص: 462، 463].

3- دية المسلمة الحرة: نصف دية الرجل المسلم الحر؛ أي: خمسون من الإبل.

وذلك في حالة القتل الخطأ، وكذلك دية أطرافها وجراحها؛ [المغني لابن قدامة، ج: 12، ص: 56].

4- دية القتل الخطأ للمسلم الحر، المكلَّف، تكون مخففة؛ أي: مائة من الإبل، أو ما يعادلها من المال، وتدفعها عاقلة الجاني لأهل القتيل؛ [المغني لابن قدامة، ج: 11، ص: 463، 464].

فائدة هامة:
دية القتل العمد تدفع فورًا لأهل القتيل وتكون من مال الجاني نفسه، وأما دية القتل الخطأ وشبه العمد، فتكون على عاقلة الجاني، وتدفعها في ثلاث سنوات في كل سنة ثلث الدية، سواء أكانت هذه الدية في النفس أو الأطراف؛ [المجموع للنووي، ج: 19، ص: 146، 147].

روى البيهقيُّ عن عامر الشَّعْبِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: ((جَعَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الدِّيَةَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَثُلُثَيِ الدِّيَةِ فِي سَنَتَيْنِ))؛ [سنن البيهقي، ج: 8، ص: 109].

روى البيهقيُّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَضَى بِالْعَقْل - أيْ بالدية - فِي قَتْلِ الْخَطَأ فِي ثَلاَثِ سِنِينَ؛ [سنن البيهقي، ج: 8، ص: 110].

قال الإمامُ الترمذيُّ رحمه الله: "أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الدِّيَةَ تُؤْخَذُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، فِي كُلِّ سَنَةٍ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَرَأَوْا أَنَّ دِيَةَ الْخَطَأ عَلَى الْعَاقِلَةِ"؛ [سنن البيهقي، ج: 8، ص: 110].

ما المقصود بالعاقلة؟
العاقلةُ مأخوذةٌ من الْعَقْلِ: المنع، وسُميت بهذا الاسم؛ لأنهم يمنعون القتلَ عن الجاني، والعاقلةُ هم أقاربُ الجاني من جهة الأب، وهم:
الإخوة وبنوهم، ثم الأعمام وبنوهم، ثم أعمام الأب وبنوهم، ثم أعمام الجد وبنوهم.

فائدة:
ليس على فقيرٍ ولا امرأةٍ ولا صبي، ولا زائل العقل، في العاقلة حمْل شيء من الدية؛ [المجموع للنووي، ج: 19، ص: 159، المغني لابن قدامة، ج: 12، ص: 47، 48].

5- دية الرجل الحر من أهل الكتاب اليهود والنصار: نصف دية المسلم الحر؛ أي: خمسون من الإبل.

6- دية المرأة الحرة من أهل الكتاب اليهود والنصارى: نصف دية المرأة المسلمة الحرة خمس وعشرون من الإبل؛ [المغني لابن قدامة، ج: 12، ص: 51].

روى ابنُ ماجه عَنْ عبدِالله بنِ عَمْرِو بنِ العاص: ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى أَنَّ عَقْلَ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ نِصْفُ عَقْلِ الْمُسْلِمِينَ، وَهُمْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى))؛ [حديث حسن، صحيح ابن ماجه للألباني، حديث: 2139].

7- دية العبد: تكون بقدر قيمته من المال؛ [المغني لابن قدامة، ج: 12، ص: 58، 59].

8- دية جنين المرأة المسلمة الحرة هي: عبد أو أمَة، قيمة كل منهما خمس من الإبل؛ [بداية المجتهد لابن رشد، ج: 2، ص: 606، مسلم بشرح النووي، ج: 6، ص: 193].

9- دية جنين المرأة غير المسلمة هي: عُشْرُ دية أمه؛ [المغني لابن قدامة، ج: 12، ص: 61].

10- دية الجنين المملوك: هي عُشْرُ قيمة أمه سواء كان هذا الجنين ذكرًا أو أنثى؛ [المغني لابن قدامة، ج: 12، ص: 69].

11- دية الجنين الذي خرج نتيجة الضرب من بطن أمه بعد ستة أشهر حيًّا، ثم مات، تكون ديته مائة كاملة من الإبل أو ما يعادلها من المال، إذا كانت أمه مسلمة حرة، أو قيمة الجنين إذا كان مملوكًا؛ [المغني لابن قدامة، ج: 12، ص: 74].

ثانيًا: دية أعضاء الجسم:
روى مالكٌ والنَّسَائيُّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى أَهْلِ الْيَمَنِ كِتَابًا فِيهِ الْفَرَائِضُ وَالسُّنَنُ وَالدِّيَاتُ، وَبَعَثَ بِهِ مَعَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، فَقُرِئَتْ عَلَى أَهْلِ الْيَمَنِ هَذِهِ نُسْخَتُهَا: مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى شُرَحْبِيلَ بْنِ عَبْدِكُلَالٍ، وَنُعَيْمِ بْنِ عَبْدِكُلَالٍ، وَالْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ قَيْلِ ذِيِ رُعَيْنٍ وَمَعَافِرَ وَهَمْدَانَ؛ أَمَّا بَعْدُ، وَكَانَ فِي كِتَابِهِ أَنَّ مَنْ اعْتَبَطَ مُؤْمِنًا قَتْلًا عَنْ بَيِّنَةٍ فَإِنَّهُ قَوَدٌ إِلَّا أَنْ يَرْضَى أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ، وَأَنَّ فِي النَّفْسِ الدِّيَةَ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي الْأَنْفِ إِذَا أُوعِبَ - أُخذ كله – جَدْعُهُ - قطعه – الدِّيَةُ، وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ، وَفِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الْبَيْضَتَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ، وَفِي الصُّلْبِ الدِّيَةُ، وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الرِّجْلِ الْوَاحِدَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَفِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي السِّنِّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَأَنَّ الرَّجُلَ يُقْتَلُ بِالْمَرْأَةِ وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ))؛ [موطأ مالك، كتاب العقول، باب: 1، حديث: 1، سنن النسائي، ج: 8، ص: 58].

هذا الحديث يشتملُ على كثيرٍ من الديات، ولذا فمن الضروري بيان أقوال أهل العِلْمِ في هذا الحديث:
1- قال الإمَامُ ابن عبدالبر رحمه الله: "لَا خِلَافَ عَنْ مَالِكٍ فِي إِرْسَالِ هَذَا الْحَدِيثِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَقَدْ رُوِيَ مُسْنَدًا مِنْ وَجْهٍ صَالِحٍ، وَهُوَ كِتَابٌ مَشْهُورٌ عِنْدَ أَهْلِ السِّيَرِ، مَعْرُوفٌ مَا فِيهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مَعْرِفَةً تَسْتَغْنِي بِشُهْرَتِهَا عَنِ الْإِسْنَادِ؛ لِأَنَّهُ أَشْبَهَ التَّوَاتُرَ فِي مَجِيئِهِ، لِتَلَقِّي النَّاسِ لَهُ بِالْقَبُولِ وَالْمَعْرِفَةِ".

وقال الإمام ابن عبدالبر أيضًا: "كِتَابُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ وَمَا فِيهِ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، إِلَّا قَلِيلًا، وَمِمَّا يَدُلُّكَ عَلَى شُهْرَةِ كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَصِحَّتِهِ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، قَالَ: وُجِدَ كِتَابٌ عِنْدَ آلِ حَزْمٍ يَذْكُرُونَ أَنَّهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ وَفِيمَا هُنَالِكَ مِنَ الْأَصَابِعِ عَشْرٌ عَشْرٌ"؛ [التمهيد لابن عبدالبر، ج: 17، ص: 339:338].

2- الإمام الشافعي رحمه الله:
قال الإمام النووي رحمه الله: "صححه من حيث الشهرة، لا مِن حيث الإسناد الإمام الشافعي في رسالته؛ حيث قال: لم يقبلوا هذا الحديث حتى ثبت عندهم أنه كتاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"؛ [المجموع للنووي، ج: 19، ص: 352].

3- الحاكم صاحب المستدرك:
قال الحاكمُ رحمه الله: "قد شهدَ عمرُ بن عبدالعزيز، وإمامُ عصره الزُّهْرِي بالصحة لهذا الكتاب"؛ [المجموع للنووي، ج: 19، ص: 353].

4- قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: "وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ، فَهَذَا الْكِتَابُ مُتَدَاوَلٌ بَيْنَ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا يَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِ وَيَفْزَعُونَ فِي مُهِمَّاتِ هَذَا الْبَابِ إلَيْهِ"؛ [سبل السلام، للصنعاني، ج: 3، ص: 356].

5- قال الألباني رحمه الله: "إسناده صحيحٌ مُرْسَلٌ"؛ [إرواء الغليل للألباني، ج: 7، ص: 268، حديث: 2212].

اعلم أخي المسلم الكريم:
أَنَّ كُلَّ عُضْوٍ لَمْ يَخْلُقْ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي الْإِنْسَانِ مِنْهُ إلَّا وَاحِدًا؛ كَاللِّسَانِ، وَالْأَنْفِ، وَالذَّكَرِ، وَالصُّلْبِ، فَفِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ؛ لِأَنَّ إتْلَافَهُ إذْهَابُ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ، وَإِذْهَابُهَا كَإِتْلَافِ النَّفْسِ، وَمَا فِيهِ مِنْهُ شَيْئَانِ؛ كَالْيَدَيْنِ، وَالرِّجْلَيْنِ، وَالْعَيْنَيْنِ، وَالْأُذُنَيْنِ، وَالْمَنْخِرَيْنِ، وَالشَّفَتَيْنِ، وَالْخُصْيَتَيْنِ، وَالثَّدْيَيْنِ، وَالْأَلْيَتَيْنِ، فَفِيهِمَا الدِّيَةُ كَامِلَةً؛ لِأَنَّ فِي إتْلَافِهِمَا إذْهَابَ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ، وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفٌ؛ لِأَنَّ فِي إتْلَافِهِ إذْهَابَ نِصْفِ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ.

وَمَا فِي الْإِنْسَانِ مِنْهُ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ، فَفِيهَا الدِّيَةُ، وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا رُبْعُ الدِّيَةِ، وَهُوَ أَجْفَانُ الْعَيْنَيْنِ وَأَهْدَابُهَا، وَمَا فِيهِ مِنْهُ عَشَرَةٌ، فَفِيهَا الدِّيَةُ، وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا عُشْرُهَا؛ وَهِيَ أَصَابِعُ الْيَدَيْنِ وَأَصَابِعُ الرِّجْلَيْنِ، وَمَا فِيهِ مِنْهُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ، فَفِيهَا الدِّيَةُ، وَفِي الْوَاحِدِ ثُلُثُهَا؛ وَهُوَ الْمَنْخِرَانِ، وَالْحَاجِزُ بَيْنَهُمَا، وَعَنْهُ فِي الْمَنْخِرَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الْحَاجِزِ حُكُومَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَنْخِرَيْنِ شَيْئَانِ مِنْ جِنْسٍ، فَكَانَ فِيهِمَا الدِّيَةُ، كَالشَّفَتَيْنِ، وَلَيْسَ فِي الْبَدَنِ شَيْءٌ مِنْ جِنْسٍ يَزِيدُ عَلَى الدِّيَةِ إلَّا الْأَسْنَانُ، فَإِنَّ فِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ، فَتَزِيدُ عَلَى الدِّيَةِ؛ [المغني لابن قدامة، ج: 12، ص: 105، 106].

دية عين الأعور:
إذا اعتدى أحدٌ على عينِ الأعور وفَقَدَ البصر، ففيها الدية كاملة؛ [المغني لابن قدامة، ج: 12، ص: 110].

قالَ الإمام ابن قدامة رحمه الله: "إِنْ قَلَعَ الْأَعْوَرُ عَيْنَ صَحِيحٍ نَظَرْنَا، فَإِنْ قَلَعَ الْعَيْنَ الَّتِي لَا تُمَاثِلُ عَيْنَهُ الصَّحِيحَةَ، أَوْ قَلَعَ الْمُمَاثِلَةَ لِلصَّحِيحَةِ خَطأً، فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا نِصْفُ الدِّيَةِ، وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَصْلُ، وَإِنْ قَلَعَ الْمُمَاثِلَةَ لِعَيْنِهِ الصَّحِيحَةِ عَمْدًا، فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ"؛ [المغني لابن قدامة، ج: 12، ص: 111].

وأما إذا قَلعَ الأعورُ عيني صحيح العينين عمدًا، فإنه عليه القصاص من عينه الواحدة الموجودة، ونصف الدية للعين الأخرى؛ [المغني لابن قدامة، ج: 12، ص: 112].

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 28.28 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 27.65 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.22%)]