عرض مشاركة واحدة
  #12  
قديم 23-11-2021, 10:07 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,062
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الروض الأنيق في الفوائد المستنبطة من قصة يوسف الصديق

الروض الأنيق في الفوائد المستنبطة من قصة يوسف الصديق (14)


د/ وليد بن محمد بن عبدالله العلي








الفوائد المستنبطة من قول الله تعالى: {ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال ياأبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم} (يوسف: 100).
الفائدة السادسة بعد المئة
إن الله سبحانه كاد ليوسف عليه السلام بأن جمع بينه وبين أخيه، وأخرجه من أيدي إخوته بغير اختيارهم، كما أخرجوا يوسف من يد أبيه بغير اختياره. وكاد له بأن أوقفهم بين يديه موقف الذليل الخاضع المستجدي، فقالوا: {يأيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين}.
فهذا الذل والخضوع في مقابلة ذله وخضوعه لهم يوم إلقائه في الجب، وبيعه بيع العبيد. وكاد له بأن هيأ له الأسباب التي يسجدوا له هم وأبوه وخالته في مقابلة كيدهم له حذرا من وقوع ذلك، فإن الذي حملهم على إلقائه في الجب: خشيتهم أن يرتفع عليهم حتى يسجدوا له كلهم، فكادوه خشية ذلك، فكاد الله تعالى له حتى وقع ذلك كما رآه في منامه. وهذا كما كاد فرعون بني إسرائيل، {يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم}، خشية أن يخرج فيهم من يكون زوال ملكه على يديه، فكاده الله سبحانه بأن أخرج له هذا المولود، ورباه في بيته وفي حجره، حتى وقع به منه ما كان يحذره، كما قيل:
وإذا خشيت من الأمور مقدرا
وفررت منه فنحوه تتوجه
(إغاثة اللهفان 2/157)
الفائدة السابعة بعد المئة
- قول يوسف لأبيه وإخوته: {هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن}. ولم يقل: أخرجني من الجب. حفظا للأدب مع إخوته، وتفتيا عليهم أن لا يخجلهم بما جرى في الجب. وقال: {وجاء بكم من البدو} ولم يقل: رفع عنكم جهد الجوع والحاجة. أدبا معهم. وأضاف ما جرى إلى السبب، ولم يضفه إلى المباشر الذي هو أقرب إليه منه، فقال: {من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي}. فأعطى الفتوة والكرم والأدب حقه، وهذا لم يكن كمال هذا الخلق إلا للرسل والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم (مدارج السالكين 2/396-397).
< الجزء الثلاثون
الفائدة الثامنة بعد المئة
- إن التأويل في عرف السلف المراد به: التأويل في مثل قوله تعالى: {وهل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق}. وقوله تعالى: {ذلك خير وأحسن تأويلا}. وقول يوسف: {يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا}. وقول يعقوب: {ويعلمك من تأويل الأحاديث} وكذلك: {وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويله}. وقال يوسف: {لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما}. فتأويل الكلام الطلبي، هو فعل المأمور به والمنهي عنه نفسه، كما قال ابن عيينة: «السنة تأويل الأمر والنهي» وقالت عائشة: «كان رسول الله[ يقول في ركوعه وسجوده: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، يتأول القرآن». وأما تأويل ما أخبر الله به عن نفسه وعن اليوم الآخر: فهو الحقيقة نفسها التي أخبر الله عنها، وذلك في حق الله: هو كنه ذاته وصفاته التي لا يعلمها غيره، ولهذا قال مالك وربيعة: «الاستواء معلوم، والكيف مجهول». وكذلك قال ابن المجشون والإمام أحمد وغيرهما من السلف: إنا لا نعلم كيفية ما أخبر الله به عن نفسه، وإن كنا نعلم تفسيره ومعناه. وقد فسر الإمام أحمد الآيات التي احتج بها الجهمية من المتشابه، وقال: «إنهم تأولوها على غير تأويلها» وبين معناها. وكذلك الصحابة والتابعون فسروا القرآن، وعلموا المراد بآيات الصفات، كما علموا المراد من آيات الأمر والنهي، وإن لم يعلموا الكيفية، كما علموا معاني ما أخبر من السلف إن تأويل المتشابه لا يعلمه إلا الله؛ بهذا المعنى: فهو حق، وأما من قال: إن التأويل الذي هو تفسيره وبيان المراد منه لا خلافه. قال مجاهد: «عرضت المصحف على ابن عباس من فاتحته إلى خاتمته، أقفه عند كل آية وأسأله عنها». وقال عبدالله بن مسعود: «ما في كتاب الله آية إلا وأنا أعلم فيما أنزلت». وقال الحسن البصري: «ما أنزل الله آية إلا وهو يحب أن يعلم ما أراد بها». وقال مسروق: «ما نسأل أصحاب محمد عن شيء إلا وعلمه في القرآن، ولكن علمنا قصر عنه» وقال الشعبي: «ما ابتدع قوم بدعة إلا وفي كتاب الله بيانها» (الصواعق المرسلة 3/923-925).
الفائدة التاسعة بعد المئة
- تسمى العاقبة: تأويلا؛ لأن الأمر يصير إليها، ومنه قوله تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا}. وتسمى حقيقة الشيء المخبر به: تأويلا؛ لأن الأمر ينتهي إليها، ومنه قوله: {هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتى تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق}. فمجيء تأويله: مجيء نفس ما أخبرت به الرسل من اليوم الآخر والمعاد وتفاصيله والجنة والنار. ويسمى تعبير الرؤيا: تأويلا بالاعتبارين، فإنه تفسير لها، وهو عاقبتها وما تؤول إليه، وقال يوسف لأبيه: {يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل}. أي: حقيقتها ومصيرها، إلى هنا انتهت. وتسمى العلة الغائبة والحكمة المطلوبة بالفعل: تأويلا، لأنها بيان لمقصود الفاعل وغرضه من الفعل الذي لم يعرف الرائي له غرضه به، ومنه قول الخضر لموسى عليهما السلام بعد أن ذكر له الحكمة المقصودة بما فعله من تخريق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار بلا عوض: {سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا}. فلما أخبره بالعلة الغائبة التي انتهى إليها فعله قال: {ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا}. فالتأويل في كتاب الله سبحانه وتعالى المراد به: حقيقة المعنى الذي يؤول اللفظ إليه، وهي الحقيقة الموجودة في الخارج (الصواعق المرسلة 1/176-177).
< الفوائد المستنبطة من قول الله تعالى: {رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين} (يوسف: 101).
الفائدة العاشرة بعد المئة
- قوله تعالى عن يوسف نبيه أنه قال: {أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين}. قال الإمام أحمد: ليس أحد من الأنبياء تمنى الموت غير يوسف، قال: {توفني مسلما} (بدائع الفوائد 3/98).
الفائدة الحادية عشرة بعد المئة
- جمعت هذه الدعوة الإقرار بالتوحيد، والاستسلام للرب، وإظهار الافتقار إليه، والبراءة من موالاة غيره سبحانه، وكون الوفاة على الإسلام أجلّ غايات العبد، وأن ذلك بيد الله لا بيد العبد، والاعتراف بالمعاد، وطلب مرافقة السعداء (الفوائد ص223).
الفائدة الثانية عشرة بعد المئة
- الشوق أثر من آثار المحبة وحكم من أحكامها، فإنه سفر القلب إلى المحبوب في كل حال. وقيل: هو اهتياج القلوب إلى لقاء المحبوب. وقيل: هو احتراق الأحشاء. ومنها ما يتهيج ويتولد ويلهب القلوب ويقطع الأكباد، والمحبة أعلى منه؛ لأن الشوق عنها يتولد، وعلى قدرها يقوى ويضعف، قال يحيى بن معاذ: علامة الشوق: فطام الجوارح عن الشهوات. وقال أبوعثمان: علامته: حب الموت مع الراحة والعافية، كحال يوسف لما ألقى في الجب لم يقل: توفني، ولما أدخل السجن لم يقل: توفني، ولما تم له الأمر والأمن والنعمة قال: {توفني مسلما} (مدارج السالكين 3/54).
وهذه آخرة الفوائد التي استخرجتها من كلام الإمام ابن قيم الجوزية -رحمه الله تعالى- وبها تختتم هذه الرياض المونقات، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.52 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.90 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.92%)]