عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 29-05-2022, 11:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الحج --- متجدد


شرح العمدة لابن تيمية كتاب الحج (1)
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
من صــ 201الى صــ 214
(10)



فَإِنَّا مَأْمُورُونَ بِاتِّبَاعِ مِلَّتِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النحل: 123]، وَبِقَوْلِهِ: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} [البقرة: 130] إِلَى قَوْلِهِ: {لَمِنَ الصَّالِحِينَ} [البقرة: 130] وَقَوْلِهِ: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [البقرة: 135]، [وَقَدْ فَسَّرَ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ الْحَنِيفَ: بِالْحَاجِّ، وَقَوْلِهِ: {قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [آل عمران: 95]] وَبِقَوْلِهِ: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} [البقرة: 124] وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا} [النحل: 120] وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحج: 78] فِي آخِرِ سُورَةِ الْحَجِّ وَالْمَنَاسِكِ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى:

{إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ - بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ} [آل عمران: 68] خُصُوصًا حُرْمَةَ الْكَعْبَةِ وَحَجَّهَا، فَإِنَّ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُبْعَثْ بِتَغْيِيرِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا بُعِثَ بِتَقْرِيرِهِ وَتَثْبِيتِهِ وَإِحْيَاءِ مَشَاعِرِ إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَدِ اقْتَصَّ اللَّهُ عَلَيْنَا أَمْرَ الْكَعْبَةِ، وَذَكَرَ بِنَائَهَا وَحَجَّهَا وَاسْتِقْبَالَهَا، وَمِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ فِي أَثْنَاءِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَذَكَرَ أَيْضًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ وَالْبَيْتَ وَأَمْرَهُ، وَثَلَّثَ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ سُورَةِ آ
لِ عِمْرَانَ، وَذَكَرَ الْحَجَّ وَأَمْرَهُ، وَسُنَنَهُ وَمِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ وَالْمَنَاسِكَ وَالْحَضَّ عَلَيْهَا وَتَثْبِيتَ أَمْرِهَا فِي سُورَةِ الْحَجِّ، وَسُورَةُ الْحَجِّ بَعْضُهَا مَكِّيٌّ بِلَا شَكٍّ، وَأَكْثَرُهَا أَوْ بَاقِيهَا مَدَنِيٌّ مُتَقَدِّمٌ، فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ إِيجَابَ الْحَجِّ وَفَرْضَهُ مِنَ الْأُمُورِ الْمُحْكَمَةِ مِنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ، فَيَكُونُ وُجُوبُهُ مِنْ أَوَّلِ الْإِسْلَامِ.
وَإِذَا كَانَ وُجُوبُهُ مُتَقَدِّمًا وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَحَ مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ، وَأَقَامَ الْحَجَّ لِلنَّاسِ تِلْكَ السَّنَةَ عَتَّابُ بْنُ أَسِيدٍ أَمِيرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ بَعَثَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي سَنَةِ تِسْعٍ فَأَقَامَ لِلنَّاسِ الْمَوْسِمَ، وَمَعَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِسُورَةِ (بَرَاءَةٌ)، وَرِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَلَوْ كَانَ الْحَجُّ وَاجِبًا عَلَى الْفَوْرِ لَبَادَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى فِعْلِهِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَوْجَبَهُ إِيجَابًا مُطْلَقًا، وَأَمَرَ بِهِ وَلَمْ يَخُصَّ بِهِ زَمَانًا دُونَ
زَمَانٍ فَيَجِبُ أَنْ يَجُوزَ فِعْلُهُ فِي جَمِيعِ الْعُمُرِ.
وَمَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا: قَالَ: إِنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ لَا يَقْتَضِي فِعْلَ الْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى الْفَوْرِ، لَا سِيَّمَا وَالْحَجُّ هُوَ عِبَادَةُ الْعُمُرِ: فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ الْعُمُرِ وَقْتًا لَهُ، كَمَا أَنَّ الصَّلَاةَ لَمَّا كَانَتْ عِبَادَةَ وَقْتٍ مَخْصُوصٍ، وَقَضَاءَ رَمَضَانَ لَمَّا كَانَ عِبَادَةَ سَنَةٍ مَخْصُوصَةٍ: كَانَ جَمِيعُ ذَلِكَ الزَّمَنِ وَقْتًا لَهُ.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَوْ وَجَبَ عَلَى الْفَوْرِ لَكَانَ فِعْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ الْوَقْتِ قَضَاءً، كَمَا لَوْ فَعَلَ الصَّلَاةَ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ إِذَا أَخَّرَهُ وَفَعَلَهُ فَقَدْ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْ إِثْمِ التَّأْخِيرِ فَمَنِ ادَّعَاهُ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ.

فَعَلَى هَذَا هَلْ يَجِبُ الْعَزْمُ عَلَى الْفِعْلِ لِجَوَازِ تَأْخِيرِهِ؟ .. .، وَإِنَّمَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ إِلَى أَنْ تَظْهَرَ أَمَارَاتُ الْعَجْزِ، وَدَلَائِلُ الْمَوْتِ بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَحُجَّ ذَلِكَ الْعَامَ فَاتَهُ، فَإِنْ أَخَّرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَثِمَ وَمَاتَ عَاصِيًا، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ فَهَلْ يَكُونُ آثِمًا؟ ذَكَرَ أَبُو يَعْلَى فِيهِ وَجْهَيْنِ، وَاخْتَارَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ آثِمًا، كَمَا لَوْ مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ، وَقَضَاءُ رَمَضَانَ فِي أَثْنَاءِ وَقْتِهِمَا.
وَالْأَوَّلُ: هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَعْرُوفُ لِمَسْلَكَيْنِ: عَامٌّ وَخَاصٌّ.
أَمَّا الْعَامُّ: فَهُوَ أَنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ يَقْتَضِي فِعْلَ الْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى الْفَوْرِ، بَلْ عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا لَيْسَ فِي الشَّ
رِيعَةِ إِلَّا وَاجِبٌ مُؤَقَّتٌ، أَوْ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ.
أَمَّا وَاجِبٌ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ مُطْلَقًا فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ إِنْ جَازَ التَّأْخِيرُ إِلَى غَيْرِ غَايَةٍ مَوْصُوفَةٍ بِحَيْثُ لَوْ مَاتَ مَاتَ غَيْرَ عَاصٍ بَطَلَ مَعْنَى الْوُجُوبِ، وَإِنْ جَازَ إِلَى أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ الْفَوْتُ إِنْ لَمْ يَفْعَ
لْ لَمْ يَجُزْ لِوَجْهَيْنِ: -
أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَلَا مَظْنُونٍ فَإِنَّ الْمَوْتَ إِنَّمَا يُعْلَمُ بِأَسْبَابِهِ، وَإِذَا نَزَلَتْ أَسْبَابُ الْمَوْتِ مِنَ الْمَرَضِ الشَّدِيدِ وَنَحْوِهِ تَعَذَّرَ فِعْلُ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَقَبْلَ حُصُولِ أَسْبَابِهِ فَإِنَّهُ لَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّ أَحَدٍ أَنَّهُ يَمُوتُ فِي هَذَا الْعَامِ وَلَوْ بَلَغَ تِسْعِينَ سَنَةً.
الثَّانِي: أَنَّهُ إِنْ مَاتَ قَبْلَ هَذَا الظَّنِّ غَيْرَ عَاصٍ لَزِمَ أَنْ لَا يَجِبَ الْفِعْلُ عَلَى أَكْثَرِ الْخَلْقِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَمُوتُونَ قَبْلَ هَذَا الظَّنِّ، وَإِنْ عَصَى بِذَلِكَ فَبِأَيِّ ذَنْبٍ يُعَاقَبُ، وَإِنَّمَا فَعَلَ مَا جَازَ لَهُ، وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُقَ
الَ: إِنَّمَا جَازَ لَهُ التَّأْخِيرُ بِشَرْطِ سَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان: 34].
وَأَمَّا الْمَسْلَكُ الْخَاصُّ فَمِنْ وُجُوهٍ: - أَحَدُهَا: مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: («تَعَجَّلُوا إِلَى الْحَجِّ - يَعْنِي الْفَرِيضَةَ - فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ»). رَوَاهُ أَحْمَدُ. فَأَمَرَ بِالتَّعْجِيلِ، وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْإِيجَابَ لَا سِيَّمَا وَاسْتِحْبَابُ التَّعْجِيلِ مَعْلُومُ الضَّرُورَةِ مِنْ نَفْسِ الْأَمْرِ بِالْحَجِّ. فَلَمْ يَبْقَ لِهَذَا الْأَمْرِ الثَّانِي فَائِدَةٌ إِلَّا الْإِيْجَابُ، وَتَوْكِيدُ مَضْمُونِ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ.
وَعَنْ مِهْرَانَ أَبِي صَفْوَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: («مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ»). رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ الْفَضْلِ أَوْ أَحَدِهِمَا عَنِ الْآخَرِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: («مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ فَإِنَّهُ قَدْ يَمْرَضُ الْمَرِيضُ، وَتَضِلُّ الرَّاحِلَةُ، وَتَعْرِضُ الْحَاجَةُ»). رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَفِيهِ أَبُو إِسْرَائِيلَ الْمُلَائِيُّ.
فَأَمَرَ بِالتَّعْجِيلِ كَمَا أَمَرَ بِهِ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ، وَأَمْرُهُ بِالتَّعْجِيلِ مَنْ أَرَادَهُ لَا يَمْنَعُ الْوُ
جُوبَ، فَإِنَّ إِرَادَةَ الْوَاجِبِ وَاجِبَةٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} [التكوير: 28] وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُرِيدَهُ، وَيَعْزِمَ عَلَيْهِ حِينَ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - وَبِالْإِرَادَةِ لِيُبَيِّنَ أَنَّهُ فِي الْحِينِ الَّذِي يَعْزِمُ عَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَهُ لَا يُؤَخِّرَهُ وَلَا يَتَأَخَّرَ فِعْلُهُ عَنْ حِينِ إِرَادَتِهِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْإِرَادَةَ هِيَ الَّتِي يَخْرُجُ بِهَا مِنْ حَيِّزِ السَّاهِي وَالْغَافِلِ، لَا إِرَادَةُ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ؛ لِقَوْلِهِ: («مَنْ أَرَادَ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ»).
وَأَيْضًا فَإِنَّ فِعْلَ الْقَضَاءِ - مِنَ الْحَجِّ - يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ فَإِنَّهُ لَوْ أَفْسَدَ الْحَجَّ، أَوْ فَاتَهُ لَزِمَهُ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: («مَنْ كُسِرَ أَوْ عَرِجَ فَقَدْ حَلَّ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ») وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ، فَإِذَا كَانَ الْقَضَاءُ يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ: فَأَنْ تَجِبَ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ الْأَدَاءَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى.
وَأَيْضًا فَإِنَّ تَأْخِيرَهُ إِلَى الْعَامِ الثَّانِي تَفْوِيتٌ لَهُ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ لَيْسَ كَغَيْرِهِ مِنَ الْعِبَادَاتِ يُفْعَلُ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَإِنَّمَا يَخْتَصُّ بِيَوْمٍ مِنَ السَّنَةِ، فَإِذَا أَخَّرَهُ عَنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ جَازَ أَنْ يُدْرِكَ الْعَامَ الثَّانِيَ، وَجَازَ أَنْ لَا يُدْرِكَهُ، وَأَنْ يَمُوتَ أَوْ يَفْتَقِرَ، أَوْ يَمْرَضَ، أَوْ يَعْجَزَ، أَوْ يُحْبَسَ، أَوْ يُقْطَعَ عَلَيْهِ الطَّرِيقُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْعَوَائِقِ وَالْمَوَانِعِ: فَلَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ إِلَيْهِ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-: («فَإِنَّهُ قَدْ يَمْرَضُ الْمَرِيضُ، وَتَضِلُّ الضَّالَّةُ وَتَعْرِضُ الْحَاجَةُ») وَقَوْلِهِ: فِي حَدِيثٍ آخَرَ: («يَنْتَظِرُ أَحَدُكُمْ إِلَّا غِنًى مُطْغِيًا، أَوْ فَقْرًا مُنْسِيًا»).
وَأَيْضًا: فَإِنَّ مَنْ مَاتَ قَبْلَ الْحَجِّ فَقَدْ لَحِقَهُ الْوَعِيدُ، وَهُوَ مَا رَوَى هِلَالُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى رَبِيعَةَ بْنِ عَمْرٍو، ثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: («مَنْ مَلَكَ زَادًا وَرَاحِلَةً تُبَلِّغُهُ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ وَلَمْ يَحُجَّ فَلَا عَلَيْهِ أَنْ يَمُوتَ يَهُودِيًّا، أَوْ نَصْرَانِيًّا»).
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَرَوَاهُ ابْنُ بَطَّةَ، وَزَادَ فِيهِ: {«وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ» [آل عمران: 97]. وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ، وَهِلَالٌ مَجْهُولٌ، وَالْحَارِثُ مُضَعَّفٌ، عَضَّدَهُ مَا رَوَى شَرِيكٌ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: («مَنْ لَمْ يَحْبِسْهُ
مَرَضٌ، أَوْ حَاجَةٌ ظَاهِرَةٌ، أَوْ سُلْطَانٌ جَائِرٌ وَلَمْ يَحُجَّ فَلْيَمُتْ إِنْ شَاءَ يَهُودِيًّا، وَإِنْ شَاءَ نَصْرَانِيًّا»). رَوَاهُ ابْنُ الْمُقْرِئِ أَبُو عَرُوبَةَ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، ثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ لَيْثٍ عَنِ ابْنِ سَابِطٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: («مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ، وَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ ذَلِكَ مَرَضٌ حَابِسٌ، أَوْ سُلْطَانٌ ظَالِمٌ، أَوْ حَاجَةٌ ظَاهِرَةٌ فَلْيَمُتْ عَلَى أَيِّ حَالٍ شَاءَ إِنْ شَاءَ يَهُودِيًّا وَإِنْ شَاءَ نَصْرَانِيًّا»). وَرَوَاهُ سَعِيدٌ هَكَذَا مُرْسَلًا عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ لَيْثٍ.

وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: («مَنْ كَانَ ذَا مَيْسَرَةٍ وَلَمْ يَحُجَّ فَلْيَمُتْ إِنْ شَاءَ يَهُودِيًّا وَإِنْ شَاءَ نَصْرَانِيًّا»).
وَعَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ عَرْزَمٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -«مَنْ مَاتَ وَهُوَ مُوسِرٌ لَمْ يَحُجَّ فَلْيَمُتْ إِنْ شَاءَ يَهُودِيًّا وَإِنْ شَاءَ نَصْرَانِيًّا»).
وَعَنْ عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ -: («مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ فَلْ
يَمُتْ إِنْ شَاءَ يَهُودِيًّا، وَإِنْ شَاءَ نَصْرَانِيًّا، وَلَوْلَا مَا أَرَى مِنْ سُرْعَةِ النَّاسِ فِي الْحَجِّ لَجَبَرْتُهُمْ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ إِذَا وَضَعْتُمُ الرِّحَالَ فَشُدُّوا السُّرُوجَ، وَإِذَا وَضَعْتُمُ السُّرُوجَ فَشُدُّوا الرِّحَالَ»).
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: («مَنْ وَجَدَ إِلَى الْحَجِّ سَبِيلًا سَنَةً ثُمَّ سَنَةً ثُمَّ سَنَةً، ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ، لَا نَدْرِي مَاتَ يَهُودِيًّا، أَوْ نَصْرَانِيًّا»).
وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: (كَانَ لِلْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ جَارٌ مُوسِرٌ لَمْ يَحُجَّ، فَقَالَ لَهُ: لَوْ مِتَّ لَمْ أُصَلِّ عَلَيْكَ). رَوَاهُنَّ سَعِيدٌ.
وَالْمُرْسَلُ إِذَا اعْتَضَدَ بِقَوْلِ الصَّحَابِيِّ صَارَ حُجَّةً بِالِاتِّفَاقِ.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 27.72 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 27.09 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.27%)]