عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 12-05-2022, 03:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"


مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (7)


المهندس مثنى محمد هبيان

حول معنى قوله تعالى {الرحمن الرحيم}



السؤال الأول:

كلمتا ( الرحمن،الرحيم) كل منهما مشتق من الرحمة. فما الفرق بينهما في قوله تعالى {الرحمن الرحيم} ؟

الجواب:

{الرحمن} على وزن فعلان، والرحيم على وزن فعيل, ومن المقرر في علم التصريف في اللغة العربية أنّ صفة (فعلان) تمثل الحدوث والتجدد والامتلاء والاتصاف بالوصف إلى حده الأقصى، فيقال: غضبان، بمعنى امتلأ غضباً {فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا} [طه:86] لكنّ الغضب زال {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الغَضَبُ} [الأعراف:154] ومثل ذلك عطشان، ريان، جوعان، فيكون عطشان فيشرب فيذهب العطش .

أما صيغة (فعيل) فهي تدل على الثبوت سواء كان خٍلقة , مثل طويل، جميل، قبيح، فلا يقال : خطيب، لمن ألقى خطبة واحدة، وإنما تقال لمن يمارس الخطابة، وكذلك الفقيه.

هذا الإحساس اللغوي بصفات فعلان وفعيل لا يزال في لغتنا الدارجة إلى الآن فنقول لمن بدا عليه الطول (طولان) فيرد : هو طويل (صفة ثابتة)، فلان ضعفان (حدث فيه شيء جديد لم يكن) فيرد : هو ضعيف (هذه صفته الثابتة فهو أصلاً ضعيف) .

ولذا جاء سبحانه وتعالى بصفتين تدلان على التجدد والثبوت معاً، فلو قال : {الرحمن} فقط لتوهم السامع أنّ هذه الصفة طارئة قد تزول كما يزول الجوع من الجوعان والغضب من الغضبان وغيره، ولو قال : {الرحيم} وحدها لفهم منها أنّ صفة رحيم مع أنها ثابتة لكنها ليست بالضرورة على الدوام ظاهرة إنما قد تنفك، مثلاً عندما يقال : فلان كريم، فهذا لا يعني أنه لا ينفك عن الكرم لحظة واحدة، إنما الصفة الغالبة عليه هي الكرم.

وجاء سبحانه بالصفتين مجتمعتين ليدل على أنّ صفاته الثابتة والمتجددة هي الرحمة , ويدل على أنّ رحمته لا تنقطع , وهذا يأتي من باب الاحتياط للمعنى، وجاء بالصفتين الثابتة والمتجددة لا ينفك عن إحداهما فهذه الصفات مستمرة ثابتة لا تنفك البتة وغير منقطعة.

{الرحمن}: والرحمن معناه كثير الرحمة، أو ذو الرحمة العامة الشاملة، ولذلك يقولون: كلمة الرحمن معناها : هو رحمن في الدنيا والآخرة، وهو رحمن بكل خلقه مؤمنهم وكافرهم؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى لا يحرم الكافر من رحمته، وفي الحديث: «لو كانت هذه الدنيا تعدل جناح بعوضة عند ربكم ما سقى كافراً فيها شربة ماء». لكن يسقي الكافر ويعطيه الصحة ويعطيه النظر ويعطيه السمع ويعطيه الاستقامة وهو يكفر بالرحمن، ومع ذلك يرحمه الله في هذه الدنيا، ولكن سيأتي الوقت الذي يحاسبه عليه، فهو رحمن في الدنيا والآخرة للجميع.

{الرحيم}: أما اسم {الرحيم} فجاء في المرتبة الثالثة في السورة: الله، الرحمن، الرحيم. يقول علماؤنا: الرحيم بالمؤمنين .

و لذلك لاحظ كلمة الرحمن لأنها المرحلة الثانية بعد لفظ الله، جاءت مثل لفظة (الله) التي لا يُسمّى بها مخلوق , كذلك كلمة (الرحمن) لا يسمى بها مخلوق ولا حتى بالإضافة ، لذلك لما مسيلمة الكذاب سُمِّيَ : رحمن اليمامة أخزاه الله سبحانه وتعالى.

لكن كلمة (الرحيم) يمكن أنْ يوصف بها البشر أيضاً؛ لأنها رحمة قليلة بالقياس إلى الرحمن ولا تقارن برحمة الله سبحانه وتعالى , وقد وصِفَ محمد صلى الله عليه وسلم بالرحيم في الآية {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128]. وأنت يمكن أن تقول : هذا إنسان رحيم، لكن لا يمكن أنْ تقول: هذا إنسان رحمن، هذا التدرج يفيد الانتقال من الكل إلى الجزئيات.

السؤال الثاني:

لماذا إذن قدّم سبحانه (الرحمن) على (الرحيم)؟

الجواب:


قدّم صيغة الرحمن، والتي هي الصفة المتجددة وفيها الامتلاء بالرحمة لأبعد حدودها؛ لأنّ الإنسان في طبيعته عجول , وكثيرا ما يؤثر الإنسان الشيء الآتي السريع وإنْ قل على الشيء الذي سيأتي لاحقا وإنْ كثر , ووقوع كلمة (الرحيم) بعد كلمة الرَّبِّ يدلنا على أنّ الرحمة هي من صفات الله تعالى العليا, وفيها إشارة إلى أنّ المربي يجب أنْ يتحلى بالرحمة وتكون من أبرز صفاته وليست القسوة ، والرَّبُّ بكل معانيه ينبغي أنْ يتصف بالرحمة سواء كان مربياً أو سيداً أو قيماً وقد وصف الله تعالى رسوله بالرحمة.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 18.95 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.32 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.31%)]