عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 07-05-2022, 06:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,024
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الحج --- متجدد


شرح العمدة لابن تيمية كتاب الحج (1)
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
من صــ 102الى صــ 115
(3)

وهذا الكتاب: ذكر هذا فيه مشهور مستفيض عند أهل العلم. وهو عند كثير منهم أبلغ من
خبر الواحد العدل المتصل، وهو صحيح بإجماعهم.
وإذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد بين أنها الحج الأصغر كما دل عليه كتاب الله عز وجل: علم أنها واجبة، لأن قوله: {ولله على الناس حج البيت} [آل عمران: 97] وسائر الأحاديث التي فيها ذكر فرض الحج إما أن يعم الحجين الأكبر والأصغر كما أن قول النبي -صلى الله عليه وسلم- " «لا يقبل الله صلاة بغير طهور» " يعم نوعي الطهور الأكبر والأصغر، وإما أن تكون مطلقة ولا يجوز أن يكون المفروض مطلق الحج، لأن ذلك يحصل بوجود الأكبر أو الأصغر فيلزم أن تكفيه العمرة فقط وذلك غير صحيح. فيجب أن يكون عاما ولا يجوز أن يعني الحج الأكبر فقط ; لأنه يكون تخصيصا للعام، وتقييدا للمطلق، وذلك لا يجوز إلا
بدليل. ولو أريد ذلك لقيد كما قيد في قوله: {يوم الحج الأكبر} [التوبة: 3] بل الناس إلى التقييد هنا أحوج لأن هذا ذكر للمفروض الواجب، والاسم يشملها، وذاك أمر بالنداء يوم الحج الأكبر، والنداء لا يمكن إلا في المجتمع، والاجتماع العام إنما يقع في الحج الأكبر لا سيما وقوله: (يوم) والحج الأصغر لا يختص به. وبهذا يجاب عن كل موضع أطلق فيه ذكر الحج. وأما المواضع التي عطف فيها فللبيان والتفسير وقطع الشبهة لئلا يتوهم متوهم أن حكم العمرة مخالف لحكم الحج، وأنها خارجة عنه في هذا الموضع لأنها كثيرا ما تذكر بالاسم الخاص، وكثيرا ما يكون لفظ الحج لا يتناولها.
وأما الأحاديث فضعيفة.


وأما كونها لا تختص بوقت، وكونها بعض الحج فلا يمنع الوجوب. وأيضا فإنها عبادة تلزم بالشروع، ويجب المضي في فاسدها فوجبت بالشرع كالحج، وعكس ذلك الطواف (فصل)
وقد أطلق أحمد القول بأن العمرة واجبة، وأن العمرة فريضة في رواية جماعة منهم أبو طالب والفضل وحرب، وكذلك أطلقه كثير من أصحابه، منهم ابن أبي موسى، وقال في رواية الأثرم - وقد سئل عن أهل مكة - فقال: أهل مكة ليس عليهم عمرة إنما قال: الله تعالى -: {ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام} [البقرة: 196] فقيل له: إنما ذاك في الهد
ي في المتعة فقال: كان ابن عباس يرى المتعة واجبة، ويقول: "يا أهل مكة ليس عليكم عمرة إنما عمرتكم طوافكم بالبيت ". قيل له: كأن إقامتهم بمكة يجزيهم من العمرة؟ فقال: نعم. وكذلك قال في رواية ابن الحكم: ليس على أهل مكة عمرة لأنهم يعتمرون في كل يوم يطوفون بالبيت فمن أراد منهم أن يعتمر خرج إلى التنعيم، أو تجاوز الحرم. وقال - في رواية الميموني -: ليس على أهل مكة عمرة، وإنما العمرة لغيرهم، قال: الله تعالى: {ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام} [البقرة: 196] إلا أن ابن عباس قال: " يا أهل مكة من أراد منكم العمرة فليجعل بينه، وبينها بطن محسر ". وإذا أراد المكي وغيره العمرة أهل من الحل وأدناه التنعيم، ولأصحابنا في هذا ثلاثة طرق: -
أحدها: أن المسألة رواية واحدة بوجوبها على المكي وغيره، وأن قوله ليس عليهم متعة يعني في زمن الحج لأن أهل الأمصار غالبا إنما يعتمرون أيام الموسم، وأهل مكة يعتمرون في غير ذلك الوقت، قاله القا
ضي قديما قال: لأنه قال: لأنهم يعتمرون في كل يوم يطوفون بالبيت. وهذه طريقة ضعيفة.
الثانية: أن في وجوبها على أهل مكة روايتين: لأنه أوجبها مطلقا، في رواية واستثنى أهل مكة في أخرى، وهذه طريقة القاضي أخيرا، وابن عقيل، وجدي وغيرهم.

والثالثة: أن المسألة رواية واحدة أنها لا تجب على أهل مكة وأن مطلق كلامه محمول على مقيده ومجمله على مفسره وهذه طريقة أبي بكر وأبي محمد صاحب الكتاب وهؤلاء يختارون وجوبها على أهل مكة.
ووجه عدم وجوبها ما روى عطاء عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "يا أهل مكة ليس عليكم عمرة " وعن عمرو بن كيسان قال: سمعت ابن عباس يقول: "لا يضركم يا أهل مكة ألا تعتمروا، فإن أبيتم فاج
علوا بينكم وبين الحرم بطن واد ".
وعن عطاء أنه كان يقول: " يا أهل مكة إنما عمرتكم الطواف بالبيت، فإن كنتم لا بد فاعلين فاجعلوا بينكم وبين الحرم بطن واد " رواهن سعيد، هذا مع قوله: إن العمرة واجبة. ولا يعرف له مخالف من الصحابة.
ولأن الله - سبحانه - قال: {ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام} [البقرة: 196] فجعل التمتع بالعمرة إلى الحج الموجب لهدي أو صيام لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام، فإذا كان حاضر المسجد الحرام يفارق غيره في حكم المتعة وواجباتها مفارقة في وجوب العمرة، وأيضا فإن العمرة هي زيارة البيت وقصده، وأهل مكة مجاوروه وعامروه بالمقام عنده فأغناهم ذلك عن زيارته من مكان بعيد فإن الزيارة للشيء إنما تكون للأجنبي منه البعيد عنه، وأما المقيم عنده فهو زائر دائما، فإن مقصود العمرة إنما هو الطواف، وأهل مكة يطوفون في كل وقت.
وهؤلاء الذين لا تجب عليهم العمرة هم الذين ليس عليهم هد
ي متعة على ظاهر كلامه في رواية الأثرم، والميموني في استدلاله بقوله تعالى -: {ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام} [البقرة: 196] وظاهر قوله في رواية ابن الحكم والأثرم أيضا - أنها إنما تسقط عن أهل مكة وهم أهل الحرم ; لأنهم هم المقيمون بمكة، والطوافون بالبيت. فأما المجاور بالبيت فقال عطاء: هو بمنزلة أهل مكة الفصل الثالث
أنهما إنما يجبان مرة في العمر بإيجاب الشرع، فأما إيجاب المرء على نفسه فيجب في الذمة بالنذر، ويجب القضاء لما لم يتمه كما يذكر إن شاء الله تعالى، ويجب إتمامها بعد الشروع.


وقد أجمعت الأمة على أن الواجب بأصل الشرع: مرة واحدة، والأصل في ذلك ما روى أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: «خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا أيها الناس قد فرض عليكم الحج فحجوا، فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت، حتى قالها ثلاثا فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لو قلت نعم لوجبت، ولما استطعتم» " رواه أحمد ومسلم، والنسائي.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: «خطبنا رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- فقال: "يا أيها الناس كتب عليكم الحج " فقام الأقرع بن حابس فقال: أفي كل عام يا رسول الله؟ فقال: "لو قلتها لوجبت، ولو وجبت لم تعملوا بها، ولم تستطيعوا أن تعملوا بها. الحج مرة فمن زاد فهو تطوع» " رواه أحمد، والنسائي، وأبو داود، وابن ماجه، ولفظهما: أن الأقرع بن حابس سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «يا رسول الله الحج في كل سنة، أو مرة واحدة؟ قال: "بل مرة واحدة فمن زاد فهو تطوع» ".
وعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: «لما نزلت {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} [آل عمران: 97] قال المؤمنون: يا رسول الله أفي كل عام مرتين [فسكت، ثم قالوا يا رسول الله أفي كل عام مرتين] فقال: لا ولو قلت نعم لوجبت " فأنزل الله عز وجل: {ياأيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} [المائدة: 101]» رواه أحمد وابن ماجه والترمذي، وقال غريب من هذا الوجه سمعت محمدا يقول: " أبو البختري لم يدرك عليا " وقد احتج ب
ه أحمد.
وعن قتادة قال: ذكر لنا أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- قال في خطبته: «يا أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج " فقال رجل من أهل البادية -: يا نبي الله أكل عام؟ فسكت عنه نبي الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قال: يا نبي الله أكل عام؟ فقال نبي الله -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفس محمد بيده لو قلت نعم لوجبت، ولو و
جبت لكفرتم، ولما استطعتم فإذا أمرتكم بأمر فاتبعوه، وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا عنه، فإنما أهلك من كان قبلكم اختلافهم على أنبيائهم، وكثرة سؤالهم. ألا وإنما هي حجة وعمرة، فمن قضاهما فقد قضى الفريضة فما أصاب بعد ذلك فهو تطوع» ". رواه سعيد بن أبي عروبة في مناسكه عنه. اهـ.


(الفصل الرابع)
أنه لا يجب الوجوب المقتضي للفعل وصحته إلا على مسلم لأن الله - سبحانه - قال: {إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} [التوبة: 28] فنهاهم أن يقربوه، ومنعهم منه. فاستحال أن يؤمروا بحجه، ولأنه لا يصح الحج منهم، ومحال أن يجب ما لا يصح لما «روى أبو هريرة أن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - بعثه في الحجة التي أمره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل حجة الوداع يوم النحر في رهط يؤذن في الناس "ألا لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان» " متفق عليه وكان هذا النداء بأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما بعث أبا بكر يقيم للناس الحج، ويقطع العهود التي بي
نه وبين المشركين وينهاهم عن الحج، وبعث عليا - رضي الله عنه - يقرأ سورة براءة وينبذ إلى المشركين.
«وعن زيد بن أثيع، ويقال يثيع قال: سألت عليا بأي شيء بعثت، قال: "بأربع
لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يجتمع المسلمون والمشركون بعد عامهم هذا، ومن كان بينه وبين النبي -صلى الله عليه وسلم-عهد فعهده إلى مدته، ومن لا مدة له فأربعة أشهر» " رواه أحمد والترمذي، وقال حديث حسن صحيح.
وقد منع الله - سبحانه - المشركين من اليهود والنصارى وغيرهم من سكنى جزيرة العرب مبالغة في نفيهم عن مجاورة البيت.
ومن عرف بالكفر، ثم حج حكم بإسلامه في أصح الوجهين.
فأما وجوبه عليهم بمعنى أنهم يؤمرون به بشرطه، وأن الله يعاقبهم على تركه فهو ظاهر المذهب عندنا لأن الله - تعالى - قال: {ولله على الناس حج البيت} [آل عمران: 97] فعم ولم يخص وروى أحمد عن عكرمة قال: لما نزلت: {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} [آل عمران: 85] قالت اليهود: فنحن المسلمون، فقال الله تعالى لنبيه -صلى الله عليه وس
لم-: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} [آل عمران: 97] فحجوا، فأبوا فأنزل الله: {ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} [آل عمران: 97] من أهل الملل، وفي رواية لما نزلت: {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه} [آل عمران: 85] قالت الملل: فنحن المسلمون، فأنزل الله: تعالى -: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} [آل عمران: 97] فحج المسلمون وقعد الكفار.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.24 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.61 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.59%)]