عرض مشاركة واحدة
  #246  
قديم 07-03-2022, 08:55 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الثالث
الحلقة (244)

سُورَةُ الْكَهْفِ
صـ 329 إلى صـ 334





فاعلم أن ذلك النفي يشمل بعمومه وجود الخضر حيا في الأرض ; لأنه على تقدير وجوده حيا في الأرض فإن الله يعبد في الأرض ، ولو على فرض هلاك تلك العصابة من أهل الإسلام ; لأن الخضر ما دام حيا فهو يعبد الله في الأرض ، وقال البخاري في صحيحه : حدثني محمد بن عبد الله بن حوشب حدثنا عبد الوهاب ، حدثنا خالد عن عكرمة عن ابن عباس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر : " اللهم أنشدك عهدك ووعدك ، اللهم إن شئت لم تعبد في الأرض " فأخذ أبو بكر بيده فقال : حسبك ! فخرج وهو يقول : سيهزم الجمع ويولون الدبر [ 54 \ 45 ] ، فقوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث : " اللهم إن شئت لم تعبد في الأرض " أي : إن شئت إهلاك هذه الطائفة من أهل الإسلام لم تعبد في الأرض ، فيرجع معناه إلى الرواية التي ذكرنا عن مسلم في صحيحه من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وقد بينا وجه الاستدلال بالحديث عن وفاة الخضر .

الثالث : إخباره صلى الله عليه وسلم بأنه على رأس مائة سنة من الليلة التي تكلم فيها بالحديث لم يبق على وجه الأرض أحد ممن هو عليها تلك الليلة ، فلو كان الخضر حيا في الأرض لما تأخر بعد المائة المذكورة ، قال مسلم بن الحجاج رحمه الله في صحيحه : حدثنا محمد بن رافع ، وعبد بن حميد ، قال محمد بن رافع : حدثنا ، وقال عبد : أخبرنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر عن الزهري ، أخبرني سالم بن عبد الله وأبو بكر بن سليمان : أن عبد الله بن عمر قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة صلاة العشاء في آخر حياته ، فلما سلم قام فقال : " أرأيتكم ليلتكم هذه ، فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو اليوم على ظهرها أحد " . قال ابن عمر : فوهل الناس في مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك فيما يتحدثون من هذه الأحاديث عن مائة سنة ، وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد " ، يريد بذلك أن ينخرم ذلك القرن ، حدثني عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ، أخبرنا أبو اليمان أخبرنا شعيب ، ورواه الليث عن عبد الرحمن بن خالد بن مسافر ، كلاهما عن الزهري بإسناد معمر كمثل حديثه ، حدثني هارون بن عبد الله ، وحجاج بن الشاعر قالا : حدثنا حجاج بن محمد ، قال : قال ابن جريج : أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بشهر : " تسألوني [ ص: 330 ] عن الساعة وإنما علمها عند الله ، وأقسم الله ما على الأرض من نفس منفوسة تأتي عليها مائة سنة " حدثنيه محمد بن حاتم ، حدثنا محمد بن بكر ، أخبرنا ابن جريج بهذا الإسناد ولم يذكر " قبل موته بشهر " .

حدثني يحيى بن حبيب ، ومحمد بن عبد الأعلى ، كلاهما عن المعتمر قال ابن حبيب ، حدثنا معتمر بن سليمان ، قال : سمعت أبي ، حدثنا أبو نضرة عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ذلك قبل موته بشهر أو نحو ذلك : " ما من نفس منفوسة اليوم تأتي مائة سنة وهي حية يومئذ " ، وعن عبد الرحمن صاحب السقاية ، عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك ، وفسرها عبد الرحمن قال : نقص العمر ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا سليمان التيمي بالإسنادين جميعا مثله .

حدثنا ابن نمير ، حدثنا أبو خالد عن داود واللفظ له ) ح ( وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا سليمان بن حيان عن داود عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال : لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك سألوه عن الساعة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تأتي مائة وعلى الأرض نفس منفوسة اليوم " حدثني إسحاق بن منصور ، أخبرنا أبو الوليد ، أخبرنا أبو عوانة عن حصين عن سالم عن جابر بن عبد الله قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ما من نفس منفوسة تبلغ مائة سنة " فقال سالم : تذاكرنا ذلك عنده : إنما هي كل نفس مخلوقة يومئذ ا هـ منه بلفظه .

فهذا الحديث الصحيح الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمر ، وجابر ، وأبو سعيد فيه تصريح النبي صلى الله عليه وسلم بأنه لا تبقى نفس منفوسة حية على وجه الأرض بعد مائة سنة ، فقوله " نفس منفوسة " ونحوها من الألفاظ في روايات الحديث نكرة في سياق النفي فهي تعم كل نفس مخلوقة على الأرض ، ولا شك أن ذلك العموم بمقتضى اللفظ يشمل الخضر ; لأنه نفس منفوسة على الأرض ، وقال البخاري في صحيحه : حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب عن الزهري قال : حدثني سالم بن عبد الله بن عمر ، وأبو بكر بن أبي حثمة أن عبد الله بن عمر قال : صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء في آخر حياته ، فلما سلم قام النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " أرأيتكم ليلتكم هذه ، فإن رأس مائة لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد " فوهل الناس في مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ما يتحدثون من هذه الأحاديث عن مائة سنة : وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض " يريد بذلك أنها تخرم ذلك القرن انتهى منه بلفظه ، وقد بينا وجه دلالته على المراد قريبا .

[ ص: 331 ] الرابع : أن الخضر لو كان حيا إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم لكان من أتباعه ، ولنصره وقاتل معه ; لأنه مبعوث إلى جميع الثقلين الإنس والجن ، والآيات الدالة على عموم رسالته كثيرة جدا ، كقوله تعالى : قل ياأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا [ 7 \ 158 ] ، وقولـه : تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا [ 25 \ 1 ] ، وقولـه تعالى : وما أرسلناك إلا كافة للناس [ 34 \ 28 ] ، ويوضح هذا أنه تعالى بين في سورة " آل عمران " : أنه أخذ على جميع النبيين الميثاق المؤكد أنهم إن جاءهم نبينا صلى الله عليه وسلم مصدقا لما معهم أن يؤمنوا به وينصرونه ، وذلك في قوله : وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون [ 3 \ 81 - 82 ] .

وهذه الآية الكريمة على القول بأن المراد بالرسول فيها نبينا صلى الله عليه وسلم ، كما قاله ابن العباس وغيره فالأمر واضح ، وعلى أنها عامة فهو صلى الله عليه وسلم يدخل في عمومها دخولا أوليا ، فلو كان الخضر حيا في زمنه لجاءه ونصره وقاتل تحت رايته ، ومما يوضح أنه لا يدركه نبي إلا اتبعه ما رواه الإمام أحمد وابن أبي شيبة والبزار من حديث جابر رضي الله عنه : أن عمر رضي الله عنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه عليه فغضب وقال : " لقد جئتكم بها بيضاء نقية لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به ، أو باطل فتصدقوا به ، والذي نفسي بيده ، لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني " ا هـ قال ابن حجر في الفتح : ورجاله موثقون ، إلا أن في مجالد ضعفا ، وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تاريخه بعد أن ساق آية " آل عمران " المذكورة آنفا مستدلا بها على أن الخضر لو كان حيا لجاء النبي صلى الله عليه وسلم ونصره ما نصه : قال ابن عباس رضي الله عنهما : ما بعث الله نبينا إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد صلى الله عليه وسلم وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه ، وأمره أن يأخذ على أمته الميثاق لئن بعث محمد صلى الله عليه وسلم وهم أحياء ليؤمنن به وينصرونه ، ذكره البخاري عنه .

فالخضر إن كان نبيا أو وليا فقد دخل في هذا الميثاق ، فلو كان حيا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكان أشرف أحواله أن يكون بين يديه ، يؤمن بما أنزل الله عليه ، وينصره أن يصل أحد من الأعداء إليه ; لأنه إن كان وليا فالصديق أفضل منه ، وإن كان نبيا فموسى أفضل منه .

[ ص: 332 ] وقد روى الإمام أحمد في مسنده : حدثنا شريح بن النعمان ، حدثنا هشيم أنبأنا مجالد عن الشعبي عن جابر بن عبد الله : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " والذي نفسي بيده ، لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني " ، وهذا الذي يقطع به ويعلم من الدين علم الضرورة .

وقد دلت هذه الآية الكريمة : أن الأنبياء كلهم لو فرض أنهم أحياء مكلفون في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكانوا كلهم أتباعا له وتحت أوامره ، وفي عموم شرعه ، كما أن صلوات الله وسلامه عليه لما اجتمع بهم الإسراء رفع فوقهم كلهم ، ولما هبطوا معه إلى بيت المقدس وحانت الصلاة أمره جبريل عن أمر الله أن يؤمهم ، فصلى بهم في محل ولايتهم ودار إقامتهم ، فدل على أنه الإمام الأعظم ، والرسول الخاتم المبجل المقدم صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين .

فإذا علم هذا ، وهو معلوم عند كل مؤمن ، علم أنه لو كان الخضر حيا لكان من جملة أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وممن يقتدي بشرعه لا يسعه إلا ذلك ، هذا عيسى بن مريم عليه السلام إذا نزل في آخر الزمان يحكم بهذه الشريعة المطهرة ، لا يخرج منها ولا يحيد عنها ، وهو أحد أولي العزم الخمسة المرسلين ، وخاتم أنبياء بني إسرائيل ، والمعلوم أن الخضر لم ينقل بسند صحيح ولا حسن تسكن النفس إليه أنه اجتمع برسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم واحد ، ولم يشهد معه قتالا في مشهد من المشاهد ، وهذا يوم بدر يقول الصادق المصدوق فيما دعا به ربه عز وجل واستنصره واستفتحه على من كفره : " اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد بعدها في الأرض " وتلك العصابة كان تحتها سادة المسلمين يومئذ ، وسادة الملائكة حتى جبريل عليه السلام ، كما قال حسان بن ثابت في قصيدة له في بيت يقال بأنه أفخر بيت قالته العرب :


وببئر بدر إذ يرد وجوههم جبريل تحت لوائنا
ومحمد

فلو كان الخضر حيا لكان وقوفه تحت هذه الراية أشرف مقاماته ، وأعظم غزواته ، قال القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين بن الفراء الحنبلي : سئل بعض أصحابنا عن الخضر هل مات ؟ فقال : نعم ، قال : وبلغني مثل هذا عن أبي طاهر بن العبادي قال : وكان يحتج بأنه لو كان حيا لجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، نقله ابن الجوزي في العجالة ، فإن قيل : فهل يقال إنه كان حاضرا في هذه المواطن كلها ولكن لم يكن أحد يراه ؟

فالجواب : أن الأصل عدم هذا الاحتمال البعيد الذي يلزم منه تخصيص العمومات بمجرد التوهمات ، ثم [ ص: 333 ] ما الحامل له على هذا الاختفاء ؟ وظهوره أعظم لأجره ، وأعلى في مرتبته ، وأظهر لمعجزته ، ثم لو كان باقيا بعده لكان تبليغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأحاديث النبوية ، والآيات القرآنية ، وإنكاره لما وقع من الأحاديث المكذوبة ، والروايات المقلوبة ، والآراء البدعية ، والأهواء العصبية ، وقتاله مع المسلمين في غزواتهم ، وشهوده جمعهم وجماعاتهم ، ونفعه إياهم ، ودفعه الضرر عنهم مما سواهم ، وتسديده العلماء والحكام ، وتقريره الأدلة والأحكام أفضل مما يقال من كونه في الأمصار ، وجوبه الفيافي والأقطار ، واجتماعه بعباد لا تعرف أحوال كثير منهم ، وجعله كالنقيب المترجم عنهم

وهذا الذي ذكرته لا يتوقف أحد فيه بعد التفهم ، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ، انتهى من البداية والنهاية لابن كثير رحمه الله تعالى .

فتحصل أن الأحاديث المرفوعة التي تدل على وجود الخضر حيا باقيا لم يثبت منها شيء ، وأنه قد دلت الأدلة المذكورة على وفاته ، كما قدمنا إيضاحه .

وممن بين ضعف الأحاديث الدالة على حياة الخضر وبقائه ابن كثير في تاريخه وتفسيره ، وبين كثيرا من أوجه ضعفها ابن حجر في الإصابة ، وقال ابن كثير في البداية والنهاية بعد أن ساق الأحاديث والحكايات الواردة في حياة الخضر : وهذه الروايات والحكايات هي عمدة من ذهب إلى حياته إلى اليوم ، وكل من الأحاديث المرفوعة ضعيفة جدا ، لا تقوم بمثلها حجة في الدين .

والحكايات لا يخلو أكثرها من ضعف في الإسناد ، وقصاراها أنها صحيحة إلى من ليس بمعصوم من صحابي أو غيره ; لأنه يجوز عليه الخطأ ) والله أعلم ( ، إلى أن قال رحمه الله : وقد تصدى الشيخ أبو الفرج بن الجوزي رحمه الله في كتابه ) عجلة المنتظر في شرح حالة الخضر ( للأحاديث الواردة في ذلك من المرفوعات فبين أنها موضوعات ، ومن الآثار عن الصحابة والتابعين فمن بعدهم ، فبين ضعف أسانيدها ببيان أحوالها ، وجهالة رجالها ، وقد أجاد في ذلك وأحسن الانتقاد ا هـ منه .

واعلم أن جماعة من أهل العلم ناقشوا الأدلة التي ذكرنا أنها تدل على وفاته ، فزعموا أنه لا يشمله عموم وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد [ 21 \ 34 ] ، ولا عموم حديث : " أرأيتكم ليلتكم هذه فإنه على رأس مائة سنة لم يبق على ظهر الأرض أحد ممن هو عليها اليوم " كما تقدم ، قال أبو عبد الله القرطبي في تفسيره رحمه الله تعالى : ولا حجة لمن استدل به يعني الحديث المذكور على بطلان قول من يقول : إن الخضر [ ص: 334 ] حي لعموم قوله " ما من نفس منفوسة . " ; لأن العموم وإن كان مؤكد الاستغراق ليس نصا فيه ، بل هو قابل للتخصيص ، فكما لم يتناول عيسى عليه السلام فإنه لم يمت ولم يقتل ، بل هو حي بنص القرآن ومعناه ، ولا يتناول الدجال مع أنه حي بدليل حديث الجساسة : فكذلك لم يتناول الخضر عليه السلام ، وليس مشاهدا للناس ، ولا ممن يخالطهم حتى يخطر ببالهم حالة مخاطبة بعضهم بعضا ، فمثل هذا العموم لا يتناوله ، وقيل : إن أصحاب الكهف أحياء ، ويحجون مع عيسى عليه السلام كما تقدم ، وكذلك فتى موسى في قول ابن عباس كما ذكرنا ا هـ منه .

قال مقيده عفا الله عنه وغفر له : كلام القرطبي هذا ظاهر السقوط كما لا يخفى على من له إلمام بعلوم الشرع ، فإنه اعترف بأن حديث النبي صلى الله عليه وسلم عام في كل نفس منفوسة عموما مؤكدا ; لأن زيادة " من " قبل النكرة في سياق النفي تجعلها نصا صريحا في العموم لا ظاهرا فيه كما هو مقرر في الأصول ، وقد أوضحناه في سورة " المائدة " .

ولو فرضنا صحة ما قاله القرطبي رحمه الله تعالى من أنه ظاهر في العموم لا نص فيه ، وقررنا أنه قابل للتخصيص كما هو الحق في كل عام ، فإن العلماء مجمعون على وجوب استصحاب عموم العام حتى يرد دليل مخصص صالح للتخصيص سندا ومتنا ، فالدعوى المجردة عن دليل من كتاب أو سنة لا يجوز أن يخصص بها نص من كتاب أو سنة إجماعا .

وقولـه : " إن عيسى لم يتناوله عموم الحديث " فيه أن لفظ الحديث من أصله لم يتناوله عيسى ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه : " لم يبق على ظهر الأرض ممن هو بها اليوم أحد " ، فخصص ذلك بظهر الأرض فلم يتناول اللفظ من في السماء ، وعيسى قد رفعه الله من الأرض كما صرح بذلك في قوله تعالى : بل رفعه الله إليه [ 4 \ 158 ] ، وهذا واضح جدا كما ترى .

ودعوى حياة أصحاب الكهف ، وفتى موسى ظاهرة السقوط ولو فرضنا حياتهم فإن الحديث يدل على موتهم عند المائة كما تقدم ، ولم يثبت شيء يعارضه .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 41.89 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 41.26 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.50%)]