عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 15-01-2023, 05:30 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,057
الدولة : Egypt
افتراضي رد: رسالة إلى العقل والقلب

الجزء الثاني




إلى الذين تهفو أرواحهم شوقا إلى نور الله .. إلى الذين تساءلت عقولهم كثيرا فلم يجدوا لهم آذانا صاغية ولم يجدوا جوابا شافيا .. إلى كل من اشتاق لأن يعرف الحقيقة ناصعة البياض لا لبس فيها ولا غموض .. ها قد آن الأوان لذلك.



الإسلام ﴿ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ عندما سئل النبي صلى الله عليه وسلم ما الإسلام كان أول ما قال: (أن تعبد الله ولا تشرك به) وإذا نظرت في القاموس عن معنى كلمة إسلام ستجد أن معناها الحرفي لها هو الإذعان والانقياد والاستسلام. ولما كان كل موصوف له من اسمه نصيب فالإسلام إذن يعني أن تُسلم الوجه والقلب والجوارح وجميع أمورك لله رب العالمين فلا تكون عبادتك وقصدك وتوجهك في جميع تصرفاتك إلا إلى إله واحد هو الله عز وجل وأن تنقاد بجسدك وقلبك وروحك لأمر الله ونهيه وأن تستسلم لحكمه وتقف عند حدوده هذا باختصار هو الإسلام. ﴿ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾.



والإيمان بالله على النحو السابق يستلزم عدة أمور منها أن تؤمن أن الله واحد في ذاته لا قسيم له ولا ند له ولا معبود بحق سواه وأن تؤمن بربوبيته سبحانه فلا شريك له أى أنه وحده هو خالق السماوات والأرض من العدم وأنه هو وحده الذي يملك أمور جميع الخلائق من خلق ورزق وإماتة وإحياء قال تعالى: ﴿ قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ . فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ﴾.



و أن الله له الأسماء الحسنى والصفات العلى فلا شبيه له ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ﴾[39] وأنه منزه عن النقص والقصور وعن الزوجة والولد ﴿ ‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَد لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَد وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ‏ ﴾ وأنه لا يشبه أحدا من خلقه فهو فوق خلقه أجمعين محيط بهم بعلمه وسمعه وبصره وهو أقرب إلى العبد من حبل الوريد له السلطان والقهر، والخلق والأمر السماوات مطويات بيمينه، والخلائق مقهورون في قبضته ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ﴾ وهو أول ليس قبله شيء وآخِر ليس بعده شيء فلا يفني ولا يموت ولا تأخذه سِنة ولا نوم ولا يحدث أمر في هذا الكون إلا بقضائه وقدره، وحكمته ومشيئته. فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن لا يخرج عن مشيئته لفتة ناظر، ولا فلتة خاطر بل هو المبدئ المعيد، الفعال لما يريد ﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ﴾ لا راد لأمره، ولا معقب لحكمه ولا مهرب لعبد عن معصيته، إلا بتوفيقه ورحمته ولا قوة له على طاعته، إلا بمشيئته وإرادته فلو اجتمع الإنس والجن، والملائكة والشياطين على أن يحركوا في العالم ذرة أو يسكنوها دون إرادته ومشيئته، لعجزوا عن ذلك . ﴿ ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ . لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾.



لذا فهو وحده المستحق للعبادة – والعبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله من أعمال القلوب والجوارح – فلا يستعان إلا به ولا يُتوكل إلا عليه ولا يُخاف إلا منه ولا يرجى إلا إياه هذا هو التوحيد الذي دعا إليه جميع الأنبياء فكان كل منهم يقول لقومه {اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} والإيمان بالله يستلزم من العبد أن يؤمن بجميع رسله من لدن آدم حتى محمد - صلى الله عليه وسلم - وهو خاتمهم وأفضلهم وبالكتب المنزلة على هذه الرسل مثل التوراة والإنجيل والقرآن وأن تؤمن بملائكة الله واليوم الآخر ﴿ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ حين يجمع الله الناس ثم يحاسبهم ويدخل المؤمنين الجنة - دار كرامته ويعذَب الكافرون في النار. وللإسلام أركان لا يتم إلا بها هي شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا.



هذا هو الإسلام عقيدة صافية نقية لا تعقيد فيها ولا ألغاز ولا أسرار يستأثر بها البعض دون البعض. دين لا يتعارض مع الفطرة البشرية. دين يجعل مسئولية الإنسان أمام الله وحده ويجعل كل إنسان مسئول عن عمله وحده فلا تزر وازرة وزر أخرى. دين لا يجعل بين الله والإنسان وساطة ولا تباع فيه صكوك غفران ولا يملك أحد - حتى النبي نفسه - أن يغفر لأحد أو يدخله الجنة بل يجعل علاقة الإنسان بربه علاقة مباشرة. دين جعل قلب الإنسان معلقا بربه لا بصورة ولا تمثال ولا قطعة خشب أو حديد على أى شكل كانت. دين لا طبقية فيه ولا أفضلية لأحد دون أحد إلا بالتقوى والعمل الصالح قال رسول الله لابنته فاطمة: (يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت لا أغني عنك من الله شيئا) . دين لا يفرق في حدوده بين وزير وغفير قال رسول الله (وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها). دين يحترم عقل الإنسان ولا يحجر على تفكيره بل دعا إلى التفكير والنظر والتدبر في آيات الله المتلوة والمبثوثة في كونه[40]. دين لا يتعارض مع مستجدات العلم ومطالب الحياة مهما تقدمت بالإنسان العهود. دين وضع أفضل منهج للتعامل مع غرائز الإنسان فلا رهبانية معقدة[41] ولا إباحية منحلة ولكن منهج وسط يعترف بحاجات الإنسان ويوفر له أطهر السبل لإشباعها. دين لم تقم فيه سلطة مقدسة تحكم باسم الإله زاعمة أن حقها في الحكم والتشريع مستمد من قرابتها أو تفويضها من الله ولم تظهر فيه كنيسة تستذل رقاب الناس بوصفها الممثلة لابن الله; المستمدة لسلطانها من سلطان الابن أو سلطان الأقنوم[42]. دين عرّف الإنسان بنفسه ومكانه في هذا الكون وحرره من عبوديته لذاته أو لبشر مثله وأخبره بالغاية من وجوده في هذه الحياة وهي ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون ﴾.



جعل الإسلام حياة الإنسان كلها تصب في هذه الغاية فصار لها معنى وصارت كل حركة من حركات الإنسان يبتغي بها وجه الله حتى اللقمة يضعها الرجل في فم زوجته يثاب عليها من الله. الإسلام ليس مجرد شعائر منفصلة عن الحياة تؤدي في دور العبادة ولكنه منهج متكامل للحياة جاء ليتولى قيادة الحياة البشرية وتنظيمها وتوجيهها وصيانتها فما ترك جانبا من جوانب الحياة إلا تناوله بالرعاية والإصلاح. الإسلام لم يغفل غرائز الإنسان أو يتجاهلها ولكنه يعترف بها ويرشّدها[43]. الإسلام هو الدين الذي أنشأ من ظلمات الجاهلية في غضون مائتي عاما حضارة أذهلت العالم وصارت مؤلفاتها هي المورد العلمي الأول لجامعات أوروبا في حين أن النصرانية احتاجت إلى نحو من ألف وخمسمائة سنة لكي تنشئ ما يمكن أن يدعى حضارة مسيحية[44]!! والإسلام هو الدين الذي يقف اليوم في مواجهة جميع أديان العالم التي توحدت ضده مما يدل على أنه هو الحق إذ أن الباطل يتعدد والحق لا يتعدد. وهو الدين الوحيد الذي يضع أنبياء الله في أسمى مكانة وأرفع منزلة ويجعلهم معصومين من الزلل والمعاصي. وهو الدين الذي صلاته هي أجمل الصلوات وأخشعها يقف فيها الغني بجوار الفقير في صفوف منتظمة .. الكل سواسية يناجون ربهم ويسألونه وحده المغفرة بلا غناء ولا موسيقى ولا تصفيق[45]. دين متميز حتى في ندائه للصلاة بالأذان. فالأذان له معنى ويحوى ركائز العقيدة وليس مجرد صلصة أجراس أو ضجيج أبواق. دين جعل نظافة البدن وطهارة الإنسان شعيرة من شعائره التي لا تجد لها مثيلا في غيره. دين لا يحتاج أتباعه لإجراء تغييرات وتعديلات فيه كلما جد عليهم جديد لإن شريعته منزلة من عند الله العليم الحكيم الذي يعلم كل شيء وأثبت التاريخ والتجارب البشرية أنها الوحيدة الصالحة لقيادة ركب الحياة في كل زمان ومكان. وهو الدين الذي نقلت إلينا تصرفات نبيه وأقواله وأفعاله وحركاته وسكناته كاملة ووجدناها مثالا للخلق الفاضل المستقيم وهو الذي ظل كتابه محفوظا بحفظ الله منذ نزل إلى اليوم فتجد الآية التي تطبع اليوم في أحدث المصاحف هي نفسها التي كانت مكتوبة على الجريد أيام الرسول والآية التي يتلوها المسلم الأمريكي هي نفسها التي يتلوها المسلم الصيني. ﴿ فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ. أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ ﴾[46].



المسيح عليه السلام:







﴿ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَار



يتبوأ المسيح عيسى بن مريم وأمه عليهما السلام مكانة سامية في الإسلام فالمسيح هو كلمة الله وروح منه ألقاها إلى مريم عليهما السلام وهو بشر كما أن الرسل جميعا من البشر وهو رسول من أولي العزم من الرسل[47] وهم أفضل الرسل جميعا وذًكر في القرآن أكثر من 25 مرة وأمه مريم بنت عمران من أفضل نساء العالمين لم تُذكر امرأة باسمها في القرآن غيرها. قال تعالى في سورة آل عمران:



﴿ وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ * يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ * ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ * إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ ﴾ [آل عمران: 42 - 47].



و قد كانت حياة المسيح مليئة بالمعجزات من لحظة ولادته حتى رفعه إلى السماء فقد كانت ولادته معجزة إلهية جعلها الله آية للعالمين حيث ولد من غير أب وقد وصف الله أحداث ولادته في سورة مريم [48] فقال تعالى:



﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا * قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا * قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا * فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا * فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا * فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا * فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَامَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا * يَاأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا * فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا * ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ * مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ * فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ [مريم: 16 - 37].



ثم أمده الله بالمعجزات الدالة على نبوته كما أمد الرسل من قبله بالمعجزات. قال تعالى حاكيا عن عيسى بن مريم: ﴿ وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ﴾ [آل عمران: 49 - 51].



ثم يذكر الله ختام قصة عيسى مع بني إسرائيل عندما كذبوه وكفروا به: ﴿ فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّون َ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ * رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ * إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ * وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ * إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ﴾ [آل عمران: 53- 60].



وذلك أن اليهود حاولوا قتل عيسى عليه السلام فنجاه الله منهم وتوفاه بالنوم ثم رفعه إلى السماء الثالثة فهو يحيا فيها حتى ينزل قبل يوم القيامة وأُلقى شبهه على شخص غيره فأخذه اليهود وقتلوه. قال تعالى عنهم: ﴿ وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً . بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيما ﴾ وعندما ينزل عيسى بن مريم في آخر الزمان فإنه سوف يكسر الصليب ولا يقبل إلا الإسلام وتندحر الملل الكافرة ويعم السلام وتكثر البركة وتُرفع الشحناء والضغينة قال صلى الله عليه وسلم: "الأنبياء إخوة لعلات دينهم واحد وأمهاتهم شتى وأنا أولى الناس بعيسى بن مريم لأنه لم يكن بيني وبينه نبي وإنه نازل فإذا رأيتموه فاعرفوه فإنه رجل مربوع إلى الحمرة والبياض سبط كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل بين ممصرتين فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويعطل الملل حتى يُهلك الله في زمانه الملل كلها غير الإسلام ويهلك الله في زمانه المسيح الدجال الكذاب وتقع الأمنة في الأرض حتى ترتع الإبل مع الأسد جميعا والنمور مع البقر والذئاب مع الغنم ويلعب الصبيان والغلمان بالحيات لا يضر بعضهم بعضا فيمكث ما شاء الله أن يمكث ثم يُتوفى فيصلي عليه المسلمون ويدفنونه.‏."[49].‏ وقد وردت على لسان نبينا عدة نصوص في فضل المسيح ومريم الصديقة عليهما السلام فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسه حين يولد، فيستهل صارخا من مس الشيطان إياه، إلا مريم وابنها) وقال (كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء: إلا مريم ابنة عمران، وآسية امرأة فرعون) وقال: (رأى عيسى بن مريم رجلاً يسرق فقال له: أسرقت؟ قال: كلا، والذي لا إله إلا هو، فقال عيسى: آمنت بالله وكذبت عيني) وقال عن الرجل الذي يؤمن بعيسى قبل أن يسمع عن محمد (صلى الله عليه وسلم) (إذا آمن بعيسى، ثم آمن بي فله أجران) وقال-وهذا الحديث بشرى لكل نصراني-من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل) [50] وقد كانت رسالة المسيح عليه السلام متممة لرسالة موسى ومبشرة برسالة محمد باسمه الصريح كما مر بنا - "حتى متى كان تؤمنون" - وكانت لبني إسرائيل فقط ولم تكن هي الرسالة الأخيرة للبشرية لذلك لم يشأ الله أن يظل الإنجيل ولا كلام المسيح محفوظا بكامله للناس.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.67 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.04 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.98%)]